سورة الأعراف / الآية رقم 53 / تفسير تفسير الألوسي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ المَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

الأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعراف




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)}
{هَلْ يَنظُرُونَ} أي ما ينتظر هؤلاء الكفرة بعدم إيمانهم به شيئًا {إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} أي عاقبته وما يؤول إليه أمره من تبين صدقه بظهور ما أخبر به من الوعد والوعيد، والمراد أنهم نزلة المنتظرين وفي حكمهم من حيث إن ما ذكر يأتيهم لا محالة، وحينئذٍ فلا يقال: كيف ينتظرونه وهم جاحدون غير متوقعين له؟. وقيل: إن فيهم أقوامًا يشكون ويتوقعون فالكلام من قبيل بنو فلان قتلوا زيدًا {يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ} وهو يوم القيامة، وقيل: هو ويوم بدر {يَقُولُ الذين نَسُوهُ} أي تركوه ترك المنسي فأعرضوا عنه ولم يعملوا به {مِن قَبْلُ} أي من قبل إتيان تأويله {قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق} أي قد تبين أنهم قد جاؤوا بالحق، وإنما فسر بذلك لأنه الواقع هناك ولأنه الذي يترتب عليه طلب الشفاعة المفهوم من قوله سبحانه: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا} اليوم ويدفعوا عنا ما نحن فيه {أَوْ نُرَدُّ} عطف على الجملة قبله داخل معه في حكم الاستفهام. و{مِنْ} مزيدة في المبتدأ. وجوز أن تكون مزيدة في الفاعل بالظرف كأنه قيل: هل لنا من شفعاء أو هل نرد إلى الدنيا؟ ورافعه وقوعه موقعًا يصلح للاسم كما تقول ابتداء هل يضرب زيد، ولا يطلب له فعل آخر يعطف عليه فلا يقدر هل يشفع لنا شافع أو نرد قاله الزمخشري، وأراد كما في الكشف لفظًا لأن الظرف مقدر بجملة، و{هَلُ} مما له اختصاص بالفعل، والعدول للدلالة على أن تمني الشفيع أصل وتمنى الرد فرع لأن ترك الفعل إلى الاسم مع استدعاء هل للفعل يفيد ذلك فلو قدر لفاتت نكتة العدول معنى مع الغنى عنه لفظًا، وقرأ ابن أبي إسحاق {أَوْ نُرَدُّ} بالنصب عطفًا على {فَيَشْفَعُواْ لَنَا} المنصوب في جواب الاستفهام أو لأن {أَوْ} عنى إلى أن أو حتى أن على ما اختاره الزمخشري إظهارًا لمعنى السببية، قال القاضي: فعلى الرفع المسؤول أحد الأمرين الشفاعة والرد إلى الدنيا، وعلى النصب المسؤول أن يكون لهم شفعاء إما لأحد الأمرين من الشفاعة في العفو عنهم والرد إن كانت {أَوْ} عاطفة وإما لأمر واحد إذا كانت عنى إلى أن إذ معناه حينئذٍ يشفعون إلى الرد، وكذا إذا كانت عنى حتى إن أي يشفعون حتى يحصل الرد.
{فَنَعْمَلَ} بالنصب جواب الاستفهام الثاني أو معطوف على {نُرَدُّ} مسبب عنه على قراءة ابن أبي إسحاق. وقرأ الحسن بنصب {نُرَدُّ} ورفع {نَعْمَلْ} أي فنحن نعمل {غَيْرَ الذى كُنَّا نَعْمَلُ} أي في الدنيا من الشرك والمعصية {قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ} بصرف أعمارهم التي هي رأس مالهم إلى الشرك والمعاصي {وَضَلَّ عَنْهُم} غاب وفقد {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي الذي كانوا يفترونه من الأصنام شركاء لله سبحانه وشفعاءهم يوم القيامة، والمراد أنه ظهر بطلانه ولم يفدهم شيئًا.
ومن باب الإشارة في الآيات: {أَجْمَعِينَ وَيَئَادَمُ اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ} أي النفس وسميت حواء لملازمتها الجسم الظلماني إذ الحوة اللون الذي يغلب عليه السواد. وبعضهم يجعل آدم إشارة إلى القلب لأنه من الأدمة وهي السمرة وهو لتعلقه بالجسم دون النفس سمي بذلك. ولشرف آدم عليه السلام وجه النداء إله وزوجه تبع له في السكنى {الجنة} هي عندهم إشارة إلى سماء عالم الأرواح التي هي روضة القدس {فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} لا حجر عليكما في تلقي المعاني والمعارف والحكم التي هي الأقوات القلبية والفواكه الروحانية {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} أي شجرة الطبيعة والهوى التي بحضرتكما {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} [الأعراف: 19] الواضعين النور في محل الظلمة أو الناقصين من نور استعدادكما. وأول بعضهم الشجرة بشجرة المحبة المورقة بأنواع المحنة أي لا تقرباها فتظلما أنفسكما لما فيها من احتراق أنانية المحب وفناء هويته في هوية المحبوب ثم قال: إن هذه الشجرة غرسها الرحمن بيده لآدم عليه السلام كما خمر طينته بيده لها.
فلم تك تصلح إلا له *** ولم يك يصلح إلا لها
وأن المنع كان تحريضًا على تناولها فالمرء حريص على ما منع، واختار هذا النيسابوري وتكلف في باقي الآية ما تكلف فإن أردته فارجع إليه {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن} أي ليظهر لهما بالميل إلى شجرة الطبيعة ما حجب عنهما عند التجرد من الأمور الرذيلة التي هي عورات عند العقل {سَوْءتِهِمَا وَقَالَ مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} [الأعراف: 20] أوهمهما أن في الاتصاف بالطبيعة الجسمانية لذاتًا ملكية وخلودًا فيها أو ملكًا ورياسة على القوى بغير زوال إن قرئ {مَلَكَيْنِ} بكسر اللام. {فدلاهما} فنزلهما من غرف القدس إلى التعلق بها والركون إليها {بِغُرُورٍ} بما غرهما من كأس القسم المترعة من حميا ذكر الحبيب {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا} والقليل منها بالنسبة إليهما كثير {سَوْءتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} أي يكتمان هاتيك السوآت والفواحش الطبيعية بالآداب الحسنة والعادات الجميلة التي هي من تفاريع الآراء العقلية ومستنبطات القوة العاقلة العلمية ويخفيانها بالحيل العملية {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا} بما أودعت في عقولكما من الميل إلى التجرد وإدراك المعقولات {عَن تِلْكُمَا الشجرة وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشيطان لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [الأعراف: 22] وذلك القول بما ألهم العقل من منافاة أحكام الوهم ومضادة مدركاته والوقوف على مخالفاته ومكابراته إياه {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} بالميل إلى جهة الطبيعة وانطفاء نورها وانكسار قوتها {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا} بإلباسنا الأنوار الروحانية وإفاضتها علينا {وَتَرْحَمْنَا} بإفاضة المعارف الحقيقية{لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} [الأعراف: 23] الذين أتلفوا الاستعداد الذي هو مادة السعادة وحرموا عن الكمال التجردي لازمة النقص الطبيعي {قَالَ اهبطوا} إلى الجهة السفلى التي هي العالم الجسماني {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [اوعراف: 24] لأن مطالب الجهة السفلية جزئية لا تحتمل الشركة فكلما حظي بها أحد حرم منها غيره فيقع بينهما العداوة والبغضاء بخلاف المطالب الكلية. وجمع الخطاب لأنه في قوة خطاب النوع {تُخْرَجُونَ يابنى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} وهو لباس الشريعة {يوارى} يستر قبائح أوصافكم وفواحش أفعالكم بشعاره ودثاره {سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا} زينة وجمالًا في الظاهر والباطن تمتازون به عن سائر الحيوانات {وَلِبَاسُ التقوى} أي صفة الورع والحذر من صفات النفس {ذلك خَيْرٌ} من سائر أركان الشرائع والحمية رأس الدواء. ويقال: لباس التقوى هو لباس القلب والروح والسر والخفي ولباس الأول: منها الصدق في طلب المولى ويتوارى به سوأة الطمع في الدنيا وما فيها. ولباس الثاني: محبة ذي المجد الأسنى ويتوارى به سوأة التعلق بالسوي. ولباس الثالث: رؤية العلي الأعلى ويتوارى به سوأة رؤية غيره في الأولى والأخرى. ولباس الرابع: البقاء بهوية ذي القدس الأسنى ويتوارى به سوأة هوية ما في السموات وما في الأرض وما تحت الثرى قيل: وهذا إشارة إلى الحقيقة، ورا يقال: اللباس المواري للسوآت إشارة إلى الشريعة والريش إشارة إلى الطريقة لما أن مدارها على حسن الأخلاق وبذلك يتزين الإنسان ولباس التقوى إشارة إلى الحقيقة لما فيها من ترك السوي وهو أكمل أنواع التقوى {ذلك} أي لباس التقوى {مِنْ آيات الله} أي من أنوار صفاته سبحانه إذ التوقي من صفات النفس لا يتيسر إلا بظهور تجليات صفات الحق أو إنزال الشريعة والحقيقة مما يدل على الله سبحانه وتعالى: {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 26] عند ظهور تلك الأنوار لباسكم الأصلي النوري أو تذكرون معرفتكم له عند أخذ العهد فتتمسكون بأذيالها اليوم {يَذَّكَّرُونَ يابنى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان} بنزع لباس الشريعة والتقوى فتحرموا من دخول الجنة {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الجنة يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} الفطري النوري {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27] وذلك قتضى البشرية وقد يرون بواسطة النور الرباني. {قُلْ أَمَرَ رَبّي بالقسط} بالعدل وهو الصراط المستقيم {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ} أي ذواتكم نعها عن الميل إلى أحد طرفي الإفراط والتفريط {عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} أي مقام سجود أو وقته، والسجود عندهم كما قاله البعض أربعة أقسام سجود الانقياد والطاعة وإقامة الوجه عنده بالإخلاص وترك الالتفات إلى السوي ومراعاة موافقة الأمر وصدق النية والامتناع عن المخالفة في جميع الأمور، وسجود الفناء في الأفعال وإقامة الوجه عنده بأن لا يرى مؤثرًا غير الله تعالى أصلًا.
وسجود الفناء في الصفات وإقامة الوجه عنده بأن لا يكره شيئًا من غير أن يميل إلى الإفراط بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا التفريط بالتسخط على المخالف والتعيير له والاستخفاف به. وسجود الفناء في الذات وإقامة الوجه عنده بالغيبة عن البقية والانطماس بالكلية والامتناع عن إثبات الآنية والاثنينية فلا يطغى بحجاب الآنية ولا يتزندق بالإباحة وترك الإطاعة. {وادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} بتخصيص العمل لله سبحانه أو برؤية العمل منه أو به جل شأنه {كَمَا بَدَأَكُمْ} أظهركم بإفاضة هذه التعينات عليكم {تَعُودُونَ} [الأعراف: 29] إليه أو كما بدأكم لطفًا أو قهرًا تعودون إليه فيعاملكم حسا بدأكم {فَرِيقًا هدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} كما ثبت ذلك في علمه {إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين} من القوى النفسانية الوهمية والتخيلية {أَوْلِيَاء مِن دُونِ الله} للمناسبة التامة بين الفريقين {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف: 30] لقوة سلطان الوهم {يابنى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ} فأخلصوا العمل لله تعالى وتوكلوا عليه وقوموا بحق الرضا وتمكنوا في التحقق بالحقيقة ومراعاة حقوق الاستقامة ولكل مقام مقال: {وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تُسْرِفُواْ} [الأعراف: 31] بالإفراط والتفريط فإن العدالة صراط الله تعالى المستقيم. {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} أي منع عنها وقال: لا يمكن التزين بها {والطيبات مِنَ الرزق} كعلوم الإخلاص ومقام التوكل والرضا والتمكين {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطيبات مِنَ} [الأعراف: 32] الكبرى عن التلون وظهور شيء من بقايا الأفعال والصفات والذات {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الفواحش} رذائل القوة البهيمية {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم والبغى} رذائل القوة السبعية {وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] رذائل القوة النطقية وكل ذلك من موانع الزينة {وَلِكُلّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} ينتهون عنده إلى مبدئهم {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] لأن وقوع ما يخالف العلم محال {يَسْتَقْدِمُونَ يابنى آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ} من جنسكم، وقيل: هي العقول، وقال النيسابوري: التأويل إما يأتينكم إلهامات من طريق قلوبكم وأسراركم، وفيه أن بني آدم كلهم مستعدون لإشارات الحق وإلهاماته {فَمَنِ اتقى} في الفناء {وَأَصْلَحَ} بالاستقامة عند البقاء {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأعراف: 35] لوصولهم إلى مقام الولاية {والذين كَذَّبُواْ بئاياتنا} أخفوا صفاتنا بصفات أنفسهم {واستكبروا عَنْهَا} بالاتصاف بالرذائل {أُوْلَئِكَ أصحاب النار} نار الحرمان {هُمْ فِيهَا خالدون} [الأعراف: 36] لسوء ما طبعوا عليه {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} بأن قال: أكرمني الله تعالى بالكرامات وهو الذي بالكرى مات {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ} بأن أنكر على أولياء الله سبحانه الفائزين من الله تعالى بالحظ الأوفى{أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الكتاب} [الأعراف: 37] مما كتب لهم في لوح القضاء والقدر. وقيل: الكتاب الإنسان الكامل ونصيبهم منه نصيب الغرض من السهم {إِنَّ الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا} الدالة علينا {واستكبروا عَنْهَا} ولم يلتفتوا إليها لوقوفهم مع أنفسهم {لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أبواب السماء} فلا تعرج أرواحهم إلى الملكوت {وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة} أي جنة المعرفة والمشاهدة والقربة {حتى يَلِجَ الجمل} أي جمل أنفسهم المستكبرة {فِى سَمّ الخياط} [الأعراف: 40] أي خياط أحكام الشريعة الذي به يخاط ما شقته يد الشقاق، وسمه آداب الطريقة لأنها دقيقة جدًا، وقد يقال: الخياط إشارة إلى خياط الشريعة، والطريقة وسمه ما يلزمه العمل به من ذلك وولوج ذلك الجمل لا يمكن مع الاستكبار بل لابد من الخضوع والانقياد وترك الحظوظ النفسانية وحينئذ يكون الجمل أقل من البعوضة بل أدق من الشعرة فحينئذ يلج في ذلك السم {لَهُم مّن جَهَنَّمَ} الحرمان {مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: 41] أي أن الحرمان أحاط بهم، وقيل: لهم من جهنم المجاهدة والرياضة فراش ومن فوقهم من مخالفات النفس وقطع الهوى لحاف فتذيبهم وتحرق أنانيتهم. {وَنَادَى أصحاب الجنة} المرحومون {أصحاب النار} المحرمون {أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا} من القرب حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم من البعد {حَقًّا} {فَأَذَّنَ مُؤَذّنٌ} وهو مؤذن العزة والعظمة {بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} [الأعراف: 44] الواضعين الشيء في غير موضعه {الذين يَصُدُّونَ} السالكين {عَن سَبِيلِ الله} أي الطريق الموصلة إليه سبحانه، وقيل: يصدون القلب والروح عن ذلك {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} بأن يصفوها بما ينفر السالك عنها من الزيغ والميل عن الحق، وقيل: يطلبون صرف وجوههم إلى الدنيا وما فيها {وَهُم بالاخرة} أي الفناء بالله تعالى أو بالقيامة الكبرى {كافرون} [الأعراف: 45] لمزيد احتجابهم بما هم فيه {وَبَيْنَهُمَا} أي بين أهل الجنة وهي جنة ثواب الأعمال من العباد والزهاد وبين أهل النار {حِجَابٍ} فكل منهم محجوب عن صاحبه {وَعَلَى الاعراف} أي أعالي ذلك الحجاب الذي هو حجاب القلب {رِجَالٌ} وأي رجال وهم العرفاء أهل الله سبحانه وخاصته، قيل: وإنما سموا رجالًا لأنهم يتصرفون بإذن الله تعالى فيما سواه عز وجل تصرف الرجال بالنساء ولا يتصرف فيهم شيء من ذلك {يَعْرِفُونَ كُلًا بسيماهم} لما أعطوا من نور الفراسة {وَنَادَوْاْ أصحاب الجنة} أي جنة ثواب الأعمال {أَن سلام عَلَيْكُمْ} بما من الله تعالى عليكم به من الخلاص من النار، وقيل: إن سلامهم على أهل الجنة بإمدادهم بأسباب التزكية والتخلية والأنوار القلبية وإفاضة الخيرات والبركات عليهم {لَمْ يَدْخُلُوهَا} أي لم يدخل أولئك الرجال الجنة لعدم احتياجهم إليها{وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الأعراف: 46] في كل وقت بما هو أعلى وأغلى، وقيل: هم أي أهل الجنة يطمعون في دخول أولئك الرجال ليقتبسوا من نورهم ويستضيئوا بأشعة وجوههم ويستأنسوا بحضورهم {وَإِذَا صُرِفَتْ أبصارهم تِلْقَاء أصحاب النار} ليعتبروا {قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ القوم الظالمين} [الأعراف: 47] بأن تحفظ قلوبنا من الزيغ {ونادى أصحاب الاعراف رِجَالًا} [الأعراف: 48] من رؤساء أهل النار، وإطلاق الرجال عليهم وعلى أصحاب الأعراف كإطلاق المسيح على الدجال اللعين وعلى عيسى عليه السلام. {أهؤلاء} [الأعراف: 49] إشارة إلى أهل الجنة {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء} أي الحياة التي أنتم فيها {أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} أي النعيم الذي من الله تعالى به عليكم أو أفيضوا علينا من العلم أو العمل لننال به ما نلتم {قَالُواْ إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا} في الأزل {عَلَى الكافرين} [الأعراف: 50] لسوء استعدادهم، وقيل: إن الكفار لما كانوا عبيد البطون حراصًا على الطعام والشراب فماتوا على ما عاشوا وحشروا وأدخلوا النار على ما ماتوا طلبوا الماء أو الطعام {وَلَقَدْ جئناهم بكتاب} وهو النبي صلى الله عليه وسلم الجامع لكل شيء والمظهر الأعظم لنا {فَصَّلْنَاهُ} أي أظهرنا منه ما أظهرنا {على هُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 52] لأنهم المنتفعون منه وإن كان من جهة أخرى رحمة للعالمين {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} [الأعراف: 53] أي ما يؤول إليه عاقبة أمره، وقيل: الكتاب الذي فصل على علم إشارة إلى البدن الإنساني المفصل إلى أعضاء وجوارح وآلات وحواس تصلح للاستكمال على ما يقتضيه العلم الإلهي وتأويله ما يؤول إليه أمره في العاقبة من الانقلاب إلا ما لا يصلح لذلك عند البعث من هيئات وصور وأشكال تناسب صفاتهم وعقائدهم على مقتضى قوله سبحانه: {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} [الأنعام: 139] وكما قال سبحانه: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا} [الإسراء: 97] انتهى. ويحتمل أن يكون الكتاب المذكور إشارة إلى الآفاق والأنفس وما يؤول إليه كل ظاهر والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال