سورة الأعراف / الآية رقم 75 / تفسير تفسير الثعلبي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ قَالَ المَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ المُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ

الأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعراف




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)}
{وإلى ثَمُودَ} قرأ يحيى بن وثاب: إلى هود بالصرف والتنوين. والباقون بغير الصرف وإنّما يعني: وإلى بني ثمود، وهو ثمود بن عاد بن إرم بن سام بن نوح وهو أخو جديس وأراد ههنا القبيلة.
قال أبو عمرو بن العلا: سُمّيت ثمود لقلّة مائها والثمد الماء القليل، وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى {أَخَاهُمْ صَالِحاً} وهو صالح بن عبيد بن أسف ابن ماسخ بن عبيد بن خادر بن ثمود {قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} حجّة ودلالة من ربّكم على صدقي {هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ} أضافها إليه على التفضيل والتخصيص كما يقال: بيت الله.
وقيل: أُضيفت إلى الله لأنّها كانت بالتكوين من غير اجتماع ذكر وأُنثى ولم يكن في صلب ولا رحم ولم يكن للخلق فيها سعي {آيَةً} نصب على الحال أي انظروا إلى هذه الناقة {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ} العشب {في أَرْضِ الله وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء} ولا تصيبوها بعقر {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ} أسكنكم وأنزلكم {فِي الأرض تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ} قرأ الحسن {وتنحتون} بفتح الحاء وهي لغة من {الجبال بُيُوتاً} وكانوا ينقبون في الجبال البيوت {فاذكروا آلآءَ الله وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأرض مُفْسِدِينَ * قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ} يعني الأشراف والقادة الذين تعظّموا عن الإيمان بصالح عليه السلام {لِلَّذِينَ استضعفوا} يعني الأتباع {لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قالوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الذين استكبروا إِنَّا بالذي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} جاحدون {فَعَقَرُواْ الناقة} نحروها {وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ائتنا بِمَا تَعِدُنَآ} يعني العذاب {إِن كُنتَ مِنَ المرسلين} أي من الصادقين {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} يعني الصيحة والزلزلة وأصلها الحركة مع الصوت. قال الله: {يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة} [النازعات: 6].
قال الشاعر:
وظلّت جمال القوم بالقوم ترجفُ *** ولمّا رأيت الحج قد آن وقته
وقال الأخطل:
كبر كالنسر أرجف الإنسان مهدود فيه *** أما تريني حناتي الشيب من
{فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} أي في أرضهم وبلدتهم ولذلك وحد الدار. وقيل: أراد به الديار فوحد كقوله تعالى: {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} [العصر: 2] ومعنى {جَاثِمِينَ} جامدين مبتلين صرعى هلكوا، وأصل الجاثمّ البارك على الركبة.
قال جرير:
مطايا القدر كالحدأ الجثوم *** عرفت المنتأى وعرفت منها
{فتولى} أعرض صالح عنهم وقال: {عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ الناصحين} وكانت قصّة صالح وثمود وعقرهم الناقة سبب هلاكهم على ما ذكره ابن إسحاق والسدي ووهب وكعب وغيرهم من أهل الكتب قالوا: إن عاداً لمّا هلكت وانتهى أمرها عمّرت أعمارهم واستخلفوا في الأرض فربوا فيها وعمّروا، حتّى جعل أحدهم يبني المسكن من المدر فينهدم والرجل منهم حي.
فلما رأوا ذلك اتخذوا الجبال بيوتاً فنحتوهاوجابوها وخرقوها وكانوا في سعة من معائشهم فعتوا على الله وأفسدوا في الأرض وعبدوا غير الله، فبعث الله إليهم صالحاً وكانوا فيها عرباً كان صالح من أوسطهم نسباً وأفضلهم موضعاً.
فبعثه الله تعالى إليهم شابّاً فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ حتّى شمط وكبر لا يتبعه منهم إلاّ قليل مستضعفون فلمّا ألحّ عليهم صالحٌ بالدعاء والتبليغ وأكثر لهم التحذير والتخويف سألوه أن يريهم آية تكون مصداقاً لقوله، قال: أي آية تريدون؟ قالوا: نُريد أن تخرج معنا إلى عيدنا هذا وكان اسم عيد يخرجون إليه بأصنامهم في يوم معلوم من السنة فتدعو إلهك وندعو وإن أستجيب لك اتبعناك وإن استجيب لنا اتبعتنا.
فقال لهم صالح: نعم، فخرجوا بأوثانهم إلى عيدهم ذلك وخرج صالح معهم ودعوا أوثانهم وسألوها أن لا يستجاب لصالح في شيء ممّا يدعو به. ثمّ قال جندع بن عمرو بن حراش وهو يومئذ سيّد ثمود: يا صالح اخرج لنا من هذه الصخرة لصخرة منفردة في ناحية الحجر يقال لها: الكاثبة ناقة مخترجة جوفاء وبراء فالمخترجة ما شاكلت البخت من الإبل، فإن فعلت صدّقناك وآمنّا بك، فأخذ صالح عليهم مواثيقهم إن فعلت لتصدقنني ولتومنن به، قالوا: نعم.
فصلّى صالح ركعتين ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها ثمّ تحرّكت الهضبة فانصدعت عن ناقة عشرا وجوفاء وبراء كما سألوا لا يعلم ما بين جنبيها إلاّ الله عزّ وجلّ عظماً وهم ينظرون ثمّ نتجت ثقباً مثلها في العظم. فآمن به جندع بن عمرو ورهط من قومه، وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا به ويُصدّقوه فنهاهم ذوءاب بن عمرو بن لبيد والحباب صاحب أوثانهم ورباب بن صمعر وكانوا من أشراف ثمود. وكان لجندع بن عمرو ابن عم يقال له شهاب بن خليفة بن مخلاة بن لبيد فأراد أن يسلم فنهاه أُولئك الرهط فأطاعهم فقال رجل من آل ثمود:
إلى دين النبيّ دعوا شهاباً *** وكانت عصبة من آل عمرو
فهمَّ بأن يجيب ولو أجابا *** عزيز ثمود كلّهم جميعاً
وما عدلوا بصاحبهم ذوءاباً *** لأصبح صالح فينا عزيزاً
تولّوا بعد رشدهم ذئاباً *** ولكن الغواة من آل حجر
فلما خرجت الناقة قال صالح عليه السلام: {هذه نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [الشعراء: 155]، فمكثت الناقة ومعها سقيها في أرض ثمود ترعى الشجر وتشرب الماء وكانت ترد الماء سبتاً فإذا كان يومها وضعت رأسها في بئر من الحجر يقال لها بئر الناقة فما ترفعها حتّى تشرب كلّ ما فيها لا تدع قطرةً ماء فيها ثم ترفع رأسها فتفسح يعني تفجج لهم فيحتلبون ما شاؤوا من لبن فيشربون ويدخرون حتّى يملأوا أوانيهم كلهم ثمّ تصدر من غير الفج الذي وردت لا تقدر على أن تصدر من حيث وردت لضيقه عنها فلا يرجع منه ثمّ ترفع رأسها.
قال أبو موسى الأشعري: أتيت أرض ثمود فذرعت مصدر الناقة فوجدته ستين ذراعاً، حتّى إذا كان الغد كان يومهم فيشربون ما شاؤوا من الماء ويدخرون ماشاؤوا ليوم الناقة، فهم من ذلك في سعة ودعة وكانت الناقة تصيف إذا كان الحر بظهر الوادي فتهرب منها أغنامهم وأبقارهم وإبلهم فتهبط إلى بطن الوادي في حرّه وجدبه.
والمواشي تنفر منها إذا رأتها تشتو في بطن الوادي إذا كان الشتاء، فتهرب مواشيهم إلى ظهر الوادي في البرد والجدب. فأضرّ ذلك بمواشيهم للبلاء والاختبار وكانت مراتعها في ما يزعمون الجناب وحسمى، كل ذلك ترعى مع واد الحجر.
فكبر ذلك عليهم فعتوا عن أمر ربّهم وحملهم ذلك على عقر الناقة فأجمعوا على عقرها.
وكانت امرأة من ثمود يقال لها عنيزة بنت غنم بن مجلز تكنّى أُم غنم وهي من بني عبيد ابن المهل، وكانت امرأة ذوءاب بن عمر، وكانت عجوزاً مسنّة وكانت ذات بنات حسان، وكانت ذات مال من إبل وبقر وغنم، وامرأة أُخرى يقال لها: صدوف بنت المحيا بن زهير ابن المحيا سيد بني عبيد وصاحب أوثانهم في الزمن الأول، وكان الوادي يقال له: وادي المحيا الأكبر جد المحيا الأصغر أبي صدوف، وكانت صدوف من أحسن الناس وكانت غنية ذات مال من إبل وغنم وبقر وكانتا من أشد الناس عداوة لصالح عليه السلام وأعظمهم به كفراً، وكانتا تحبان أن يعقرا الناقة مع كفرهما به لما أضرت به من مواشيهما وكانت صدوف عند ابن خال لها يقال له: صنتم بن هراوة بن سعد بن الغطريف من بني هليل فأسلم وحسن إسلامه، وكانت صدوف قد فوّضت إليه مالها فأنفقه على مَنْ أسلم له من أصحاب صالح حتّى رق المال فاطلعت على ذلك من إسلام صدوف وحاسبته على ذلك. فأظهر لها دينه فدعاها إلى الله وإلى الإسلام فأبت عليه وأخذت بنيها وبناتها منه فغيبتهم في عبيد بطنها الذي هي منه وكان صنتم زوجها من بني هليل، وكان ابن خالها فقال لها: ردي عليَّ ولدي، فقالت: حتّى أُنافرك إلى بني صنعان بن عبيد أو إلى بني جندع بن عبيد، فقال لها صنيم: بل أنافرك إلى بني مرداس بن عبيد. وذلك أن بني مرداس كانوا مسلمين.
فقالت: لا أُنافرك إلاّ إلى مَنْ دعوتك إليه. فقالت بنو مرداس: والله لتعطينه ولده كارهة أو طائعة فلما رأت ذلك أعطته إياهم.
ثم إنّ صدوف وعنيزة تحيّلا في عقر الناقة للشقاء الذي نزل بهم فدعت صدوف رجلا من ثمود يقال له الحبّاب لعقر الناقة وعرضت نفسها إن هو فعل ذلك فأبى عليها فدعت ابن عم لها يقال له: مصدح بن مهرج بن المحيا وجعلت له نفسها على أن يعقر الناقة، وكانت من أحسن الناس وجهاً وأكثرهم مالاً فأجابها إلى ذلك، ودعت عنيزة بنت غنم قدار ابن سالف بن جندع رجلا من أهل قرح وذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعه» واسم أُمّه قدير. وكان رجلا أحمراً أزرقاً قصيراً يزعمون أنّه كان لزنية من رجل يقال له: صبيان ولم يكن لسالف الذي يدعى السر، ولكنه قد ولد على فراش سالف فقالت: أعطيك أيَّ بناتي شئت على أن تعقر الناقة، وكان قدار عزيزاً منيعاً في قومه فانطلق قدار بن سالف هو ومصدع بن مهرج فاستنفرا غواة من ثمود فاتبعهما سبعة نفر، وكانوا تسعة رهط أحدهم هويل بن مسطح خال عزير من أهل حجر ودعيت بن غنم بن ذاغر ذؤاب بن مهرج بن مصدع وخمسة لم يذكر لنا أسماءهم فاجمعوا على عقر الناقة.
وقال السدي وغيره: أوحى الله تعالى إلى صالح عليه السلام أن قومك سيعقرون ناقتك، فقال لهم ذلك.
فقالوا: ماكنّا لنفعل ذلك. فقال صالح: إنّه يولد في قومكم غلام يعقرها فيكون هلاككم على يديه، فقالوا: لا يولد لنا ابن في هذا الشهر إلاّ قتلناه.
قال: فولد لهم تسعة في ذلك الشهر. فدعوا أبناءهم ثمّ ولد العاشر فأبى أن يذبح أبنه وكان لم يولد له قبل ذلك ابن وكان ابن العاشر أزرق أحمر فنبت نباتاً سريعاً، وكان إذا مرّ بالتسعة فرأوه قالوا: لو كان أبناؤنا أحياء لكانوا مثل هذا، فغضب التسعة على صالح، لأنّه كان سبب قتلهم أبنائهم فتقاسموا بالله لنبيتنّه وأهله قالوا: نخرج فنري الناس أنا قد خرجنا إلى سفرنا فنأتي الغار فنكون فيه حتّى إذا كان الليل وخرج صالح إلى مسجده أتيناه فقتلناه ثمّ رجعنا إلى الغار فكنّا فيه ثمّ رجعنا فقلنا مهلك أهله وإنّا لصادقون يصدّقوننا يعلمون إنّا قد خرجنا إلى سفرنا، وكان صالح صلى الله عليه وسلم لا ينام معهم في القرية. وكان في مسجد يقال له مسجد صالح فيه يبيت الليل. فإذا أصبح أتاهم فوعظهم ويذكرهم، وإذا أمسى خرج إلى المسجد فبات فيه فانطلقوا فلمّا دخلوا الغار وأرادوا أن يخرجوا من الجبل سقط عليهم الغار فقتلهم فانطلق رجل ممّن قد اطلع على ذلك منهم فإذا هم رطخ فرجعوا وجعلوا يصيحون في القرية أي عباد الله أما رضي صالح بأن أمرهم بقتل أولادهم حتّى قتلهم فاجتمع أهل القرية على عقر الناقة.
وقال ابن إسحاق: إنّما كان تقاسم التسعة على قتل صالح صلى الله عليه وسلم بعد عقرهم الناقة وإنذار صالح إياهم بالعذاب. ذلك أن التسعة الذين عقروا الناقة قالوا: هلّم فلنقتل صالحاً وإن كان صادقاً عجّلنا قتله، وإن كان كاذباً قد ألحقناه بناقته فأتوه ليلا ليبيتوه في أهله فدفعتهم الملائكة بالحجارة فلمّا أبطأوا على أصحابهم أتوا منزل صالح فوجدوهم مشتدخين قد رُضخوا بالحجارة فقالوا لصالح: أنت قتلتهم، ثمّ همّوا به فقامت عشيرته دونه ولبسوا السلاح.
وقالوا لهم: والله لا تقتلونه أبداً وقد وعدكم أنّ العذاب نازل بكم في ثلاث فإن كان صادقاً لم تزيدوا ربّكم إلاّ غضباً وإن كان كاذباً فأنتم من وراء ما تريدون فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك.
قال السدي وغيره: فكان شر مولود يعني قدار وكان يشبَّ في اليوم شباب غيره في الجمعة. ويشبّ في الشهر شباب غيره في السنة فلمّا كبر جلس مع أُناس يصيبون من الشراب فأرادوا ما يمزجون به شرابهم وكان ذلك اليوم شرب الناقة فوجدوا الماء قد شربته الناقة. فاشتد ذلك عليهم وقالوا في شأن الناقة وشدّتها عليهم ونحن ما نصنع باللبن لو كنّا نأخذ من هذا الماء الذي تشربه هذه الناقة نسقيه أنعامنا وحروثنا كان خيراً لنا، فقال ابن العاشر هل لكم في أن أعقرها لكم؟
قالوا: نعم.
وقال كعب: كان سبب عقرهم الناقة أنّ امرأة يقال لها ملكا كانت قد ملكت ثمود فلمّا أقبل الناس على صالح وصارت الرئاسة إليه حسدته فقالت لامرأة يقال لها قطام وكانت معشوقة قدّار بن سالف ولامرأة أُخرى يقال لها قبال كانت معشوقة مصدح بن وعد ويقال ابن مهرج، وكان قدار ومصدع يجتمعان كل ليلة معهما ويشربون الخمر فقالت لهما ملكا: إن أتاكم الليلة قدار ومصدع فلا تطيعاهما وقولا لهما: إن الملكة حزينة لأجل الناقة ولأجل صالح فنحن لا نطيعكما حتّى تعقرا الناقة فإن عقرتماها أطعناكما، فلمّا أتياهما قالتا لهما هذه المقالة فقالا: يكون من وراء عقرهما.
وقال ابن إسحاق وغيره: فانطلق قدار ومصدع وأصحابهما السبعة فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها قدار في أصل حفرة على طريقها، وكمن لها مصدع في طريق آخر فمرّت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها وخرجت أم غنم وعنيزة وأمرت ابنتها وكانت من أحسن الناس فاستقرّت لقدار ثمّ دمرته فشد على الناقة بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورغت رغاة واحدة فحدر سقبها ثمّ طعن في لبّتها فنحرها.
وخرج أهل البلدة واقتسموا لحمها وطبخوه فلمّا رأى سقبها ذلك انطلق حتّى أتى جبلا منيعاً يقال له صور، وقيل: اسمه قارة، وأتى صالح فقال له: أدرك الناقة قد عُقرت فأقبل وخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه يانبي الله إنّما عقرها فلان وفلان ولا ذنب لنا. فقال صالح عليه السلام: أنظروا هل تدركون فصيلها فإن أدركتموه فعسى أن يُرفع عنكم العذاب. فخرجوا يطلبونه فلمّا رأوه على الجبل ذهبوا ليأخذوه فأوحى الله عزّ وجلّ إلى الجبل فتطاول في السماء حتّى لا تناله الطير.
وجاءَ صالح عليه السلام فلمّا رآه الفصيل بكى حتّى سالت دموعه ثمّ استقبل صالحاً فرغا رغوة ثم رغا أُخرى ثم رغا أُخرى.
فقال صالح عليه السلام: لكل رغاة أجل يومكم تمتّعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب.
وقال ابن إسحاق: أتبع السقب أربعة نفر من التسعة الذين عقروا الناقة وفيهم مصدع ابن مهرج وأخوه داب بن مهرج فرمى مصدع بسهم فانتظم قلبه ثمّ جر برجله وأنزله وألقوا لحمه مع لحم أُمّه. فقال لهم صالح: انتهكتم حرمة الله تعالى فأبشروا بعذاب الله ونقمته، فقالوا له وهم يهزأون به: ومتى ذلك يا صالح وما آية ذلك؟ وكان يسمّون الأيام فيهم الأحد الأوّل والأثنين أُميون والثلاثاء دبار والأربعاء جبار والخميس مؤنس والجمعة غروبة والسبت شيار. وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء فقال لهم صالح عليه السلام حين قالوا ذلك: تصبحون غداء يوم مؤنس ووجوهكم مصفرّة، ثمّ تصبحون يوم غروبة ووجوهكم محمرّة ثمّ تصبحون يوم شيّار ووجوهكم مسودّة، ثمّ يصبحكم العذاب يوم الأوّل، فأصبحوا يوم الخميس ووجوههم مصفرّة كأنّما طليت بالخلوق صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وإناثهم، فأيقنوا العذاب وعرفوا أن صالحاً قد صدقهم فطلبوه ليقتلوه، وخرج صالح هارباً حتّى لجأ إلى بطن من ثمود، يقال له: بنو غنم، فنزل على سيّدهم رجل منهم يقال له: نفيل ويكنّى أبا هدب وهو مشرك فغيّبه فلم يقدروا عليه، وقعدوا على أصحاب صالح يعذّبونهم ليدلّوهم عليه.
فقال رجل من أصحاب صالح يقال له مبدع بن هرم: يا نبي الله إنّهم ليعذبونا لندلهم عليك أفندلهم؟ قال: نعم، فدلّهم عليه ميدع فأتوا أبا هدب وكلّموه في ذلك، فقال: نعم عندي صالح وليس لكم إليه سبيل فأعرضوا عنه وتركوه وشغلهم عنه ما أنزل الله عزّ وجلّ فيهم من عذابه فجعل بعضهم يخبّر بعضاً بما يرون في وجوههم فلما أصبحوا صاحوا بأجمعهم: ألا قد مضى يوم من الأجل، فلمّا أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرّة كأنّما خُضّبت بالدماء فصاحوا وضجّوا وبكوا وعرفوا آية العذاب، فلمّا أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يومان من الأجل وحضركم العذاب. فلما كان اليوم الثالث إذا وجوههم مسودّة كأنّما طُليت بالنار فصاحوا جميعاً ألا قد حضركم العذاب.
فلمّا كان ليلة الأحد خرج صالح عليه السلام من بين أظهرهم ومَنْ أسلم معه إلى الشام فنزلوا رملة فلسطين فلمّا أصبح القوم تكفّنوا وتحنّطوا وكان حنوطهم الصبر والمقر وكانت أكفانهم الإنطاع ثمّ ألقوا أنفسهم بالأرض فجعلوا يقلّبون به أبصارهم فينظرون إلى السماء مرّة وإلى الأرض مّرة لا يدرون من أين يأتيهم العذاب.
فلمّا اشتد الضحى يوم الأحد أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كلّ صاعقة وصوت كل شيء له صوت في الأرض فتقطّعت قلوبهم في صدورهم فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلاّ هلك كما قال الله تعالى: {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} إلاّ جارية منهم مقعدة يقال لها: ذريعة بنت سلق وكانت كافرة شديدة العداوة لصالح عليه السلام فأطلق الله عزّ وجلّ لها رجلها بعدما عاينت العذاب أجمع، فخرجت كأسرع ما يُرى شيء قط حتّى أتت قزح وهي وادي القرى فأخبرتهم بما عاينت من العذاب وما أصاب ثمود ثمّ أستسقت من الماء فسُقيت فلمّا شربت ماتت.
وروى أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال: لمّا أُمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه: «لا يدخلن أحدّكم القرية ولا تشربوا من مائهم ولا تدخلوا على هؤلاء المعذّبين إلاّ أن تكونوا باكين خائفين فإن لم تكونوا فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم».
ثمّ قال: «أمّا بعد فلا تسألوا رسولكم الآيات، هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية فبعث الله عزّ وجلّ لهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فتشرب ماءهم يوماً فيردها وراءهم مرتقى الفصيل حين ارتقى في الغار فعتوا عن أمر ربّهم وعقروها فأهلك الله مَنْ تحت أديم السماء منهم إلاّ رجلاً واحداً كان في حرم الله».
قيل: من هو؟ قال: «أبو رغال».
فلمّا خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن ههنا ودُفن معه غصن من ذهب وأراهم قبر أبي رغال فول القوم فابتدروه بأسيافهم وبحثوا عليه فاستخرجوا ذلك الغصن، ثمّ قبع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وأسرع السير حتّى جاز الوادي.
قال أهل العلم: توفي صالح عليه السلام بمكّة وهو ابن ثمان وخمسين سنة فلبث في قومه عشرين سنة.
عن الضحاك بن مزاحم قال: قال رسول الله عليه السلام: «يا عليّ أتدري مَنْ أشقى الأوّلين؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم.قال: «عاقر الناقة».قال: «أتدري مَنْ أشقى الآخرين؟» قال: الله ورسوله أعلم.قال: «قاتلك».




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال