سورة الأعراف / الآية رقم 186 / تفسير تفسير الألوسي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِ لاَ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ

الأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعرافالأعراف




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)}
وقوله عزَّ شأنه {مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ} استئناف مقرر لما قبله مبني على الطبع على قلوبهم، والمراد استمرا رالنفي لا نفي الاستمرار، وقوله سبحانه وتعالى: {وَيَذَرُهُمْ فِى طغيانهم} بالياء والرفع على الاستئناف أي وهو يذرهم، وقرأ غير واحد بنون العظمة على طريقة الالتفات أي ونحن نذرهم، وقرأ حمزة. والكسائي بالياء والجزم عطفًا على محل الجملة الاسمية الواقعة جواب الشرط كأنه قيل: من يضلل الله لا يهده أحد ويذرهم، ويحتمل أن يكون ذلك تسكينًا للتخفيف كما قرئ {يشعركم} [الأنعام: 109] و{ينصركم} [الملك: 20] وقد روى الجزم مع النون عن نافع. وأبي عمرو في الشواذ، وتخريجه على أحد الاحتمالين، وقوله تبارك وتعالى: {يَعْمَهُونَ} حال من مفعول يذرهم، والعمه التردد في الضلال والتحير أو أن لا يعرف حجة، وإفراد الضمير في حيز النفي رعاية للفظ {مِنْ} وجمعه في حيز الإثبات رعاية لمعناها للتنصيص على شمول النفي والإثبات للكل كما قيل هذا.
ومن باب الإشارة في الآيات: {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ الذى ءاتيناه ءاياتنا فانسلخ مِنْهَا} [الأعراف: 175] إشارة إلى من ابتلى بالحور بعد الكور بأن سلك حتى ظهر له ما ظهر ثم رجع من الطريق لسوء استعداده وغلبة الشقاوة والعياذ بالله تعالى عليه، وفي التعبير بانسلخ ما لا يخفى {وَلَوْ شِئْنَا ووصى بِهَا} إلى حظيرة القدس {ولكنه أَخَذَ إِلَى الارض} أي مال إلى أرض الطبية السفلية {واتبع هَوَاهُ} في إيثار السوى {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكلب} في أخس أحواله {إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ} بالزجر {يَلْهَثْ} يدلع لسانه مع التنفس الشديد {أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} [الأعراف: 176] أيضًا. والمراد أنه يلهث دائمًا وكأنه إشارة إلى أن هذا المنسلخ لا يزال يطلق لسانه في أهل الكمال سواء زجر عن ذلك أو لم يزجر {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ الجن والإنس} وهم مظاهر القهر {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا} الأسرار {وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا} الحجج الكونية {وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا} الآيات التنزيلية فهم صم بكم عمي {أُوْلَئِكَ كالانعام} ليس لهم هم إلا الأكل والشرب {بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179] منها لأنهم لا ينزجرون إذا زجروا ولا يهتدون إذا أرشدوا.
ومما يستبعد من طريق العقل ما نقله الإمام الشعراني عن شيخه علي الخواص قدس سره أن البهائم مكلفون محتجًا بقوله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى الارض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أمثالكم} [الأنعام: 38] مع قوله تعالى: {وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] وا ورد عنه صلى الله عليه وسلم: «إنه ليؤخذ للشاة الجماء من الشاة القرناء».
وهذا وإن كان في الشاة لكن لا قائل بالفرق، ونقل عنه القول بأن كل ما في الوجود من حيوان ونبات وجماد حي دراك، ثم قال: فقلت له فهل تشبيه الحق تعالى من ضل من عباده بالأنعام بيان لنقص الأنعام عن الإنسان أم لكمالها في العلم بالله تعالى؟ فقال رضي الله تعالى عنه: لا أعلم، ولكني سمعت بعضهم يقول: ليس تشبيههم بالأنعام نقصًا وإنما هو لبيان كمال مرتبتها في العلم بالله عز وجل حتى حارت فيه فالتشبيه في الحقيقة واقع في الحيرة لا في المحار فيه فلا أشد حيرة من العلماء بالله تعالى، فأعلى ما يصل إليه العلماء في العلم بربهم سبحانه وتعالى مبتدأ البهائم الذي لم تنتقل عن أصله وإن كانت منتقلة في شؤونه بتنقل الشؤون الإلهية لأنها لا تثبت على حال، ولذلك كان من وصفهم سبحانه وتعالى من هؤلاء القوم أضل سبيلًا من الأنعام لأنهم يريدون الخروج من الحيرة من طريق فكرهم ونظرهم ولا يمكن لهم ذلك، والبهائم علمت ذلك ووقفت عنده ولم تطل الخروج عنه لشدة علمها بالله تعالى، وذكر أنها ما سميت بهائم إلا لأن أمرا قد أبهم على غالب الخلق فلم يعرفوه كما عرفه أهل الكشف انتهى.
وهو كلام يورث المؤمن به حسدًا للبهائم نفعنا الله تعالى بها وأعاذنا من الحسد {وَللَّهِ الاسماء الحسنى} التي يدبر كل أمر باسم منها {فادعوه بِهَا} [الأعراف: 180] حسب المراتب وأعلاها الدعاء بلسان الفعل وهو التحلي عانيها بقدر ما يتصور في حق العبد وذلك حظ المقربين منها، وذكر حجة الإسلام الغزالي قدس سره أن حظوظهم من معاني أسمائه تعالى ثلاثة: الأول: معرفتها على سبيل المكاشفة والمشاهدة حتى يتضح لهم حقائقها بالبرهان الذي لا يجوز فيه الخطأ وينكشف لهم اتصاف الله تعالى بها انكشافًا يجري في الوضوح والبيان مجرى اليقين الحاصل للإنسان بصفاته الباطنة التي يدركها شاهدة باطنه لا بإحساس ظاهره، وكم بين هذا وبين الاعتقاد المأخوذ من الآباء والمعلمين تقليدًا، والتصميم عليه وإن كان مقرونًا بأدلة جدلية كلامية.
الثاني استعظامهم ما يكشف لهم من صفات الجلال والكمال على وجه ينبعث منه شوقهم إلى الاتصاف بما يمكنهم من تلك الصفات ليقربوا بها من الحق قربا بالصفة لا بالمكان فيأخذوا من الاتصاف بها شبها بالملائكة المقرنين عند الله تعالى، والخلو من هذا الشوق لا يكون إلا لأحد أمرين إما لضعف المعرفة، وإما لكون القلب ممتلئًا بشوق آخر مستغرقًا به. والثالث السعي في اكتساب الممكن من تلك الصفات والتخلق بها والتحلي حاسنها، وبذلك يصير العبد ربانيًا رفيقًا للملأ الأعلى من الملائكة شبيهًا بهم، وحينئذ لا يؤثر القرب والبعد في إدراكه بل لا يقتصر إدراكه على ما يتصور فيه ذلك ويكون مقدسًا عن الشهوة والغضب فلا تكون أفعاله قتضاهما بل الداعي إليها حينئذ طلب التقرب إلى الله تعالى ولا يلزم من هذا إثبات المماثلة بين الله سبحانه وتعالى وبين العبد، وقد قال جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء} [الشورى: 11] لأن المماثلة هي المشاركة في النوع والماهية لا مطلق المشاركة فالفرس الكيس وإن كان بالغًا في الكياسة ما بلغ لا يكون مماثلا للإنسان لمخالفته له بالنوع وإن شابهه بالكياسة التي هي عارضة خارجة عن المقومات للإنسانية؛ وأنت تعلم بأدنى التفات أنه لا يتصور الشركة بين الله تعالى الحي العليم المريد القادر المتكلم السميع البصير وبين العبد المتصف بالحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر إلا في إطلاق الاسم لا غير، والكلام في خبر «لا زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل» إلخ يستدعي الخوض في بحر لا ساحل له فخذ ما أتيناك {وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَئِهِ} يطلبون معانيها من غيره سبحانه وتعالى ويضيفونها إليه وهؤلاء مما ذرأهم سبحانه وتعالى لجهنم {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180] من الالحاد {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 181] وهم المرشدون الكاملون {والذين كَذَّبُواْ بئاياتنا} كالمنكرين على هؤلاء الأمة {سَنَسْتَدْرِجُهُم مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182] أنا سنستدرجهم {وَأُمْلِى لَهُمْ} أمهلهم {إِنَّ كَيْدِى} أخذي {مَتِينٌ} [الأعراف: 183] شديد، وقد جرت عادة الله تعالى في المنكرين على أوليائه أن يأخذهم أشد أخذ وقد شاهدنا ذلك كثيرًا نعوذ بالله تعالى من مكره، {أَوَ لَمْ يَنظُرُواْ فِى مَلَكُوتِ السموات والارض وَمَا مّنَ الله مِن شَىْء} [الأعراف: 185] وهي الآيات التكوينية، وقد تقدم معنى الملكوت وهو في مصطلح الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم عبارة عن عالم الغيب المختص بالأرواح والنفوس وفسروا الملك بعالم الشهادة من المحسوسات الطبيعية كالعرش والكرسي وغيرهما وكل جسم يتركب من الاستقصاآت {مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ} إذ لا هادي سواه سبحانه:
إلى الماء يسعى من يغص بلقمة *** إلى أين يسعى من يغص بماء
{وَيَذَرُهُمْ فِى طغيانهم يَعْمَهُونَ} [الأعراف: 186] يترددون لأن استعدادهم يقتضي ذلك، والله تعالى الموفق،




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال