سورة التوبة / الآية رقم 123 / تفسير تفسير الشعراوي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ

التوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةيونس




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(123)}
ينقلنا الحق هنا إلى الحديث عن الجهاد مرة أخرى. ولنا أن نتساءل: لماذا- إذن- جاء الحديث عن النفرة والفقه كفاصل بين حديث متصل عن الجهاد؟ أجيب: شاء سبحانه هنا أن يعلمنا أن كل من ينفر؛ لتعلُّم الفقه، وليعلِّم غيره؛ هذا المسلم في حاجة إلى مرحلة التعلُّم، ومعرفة الأسباب التي يقاتل من أجلها المسلمون وحيثيات الجهاد في سبيل الله.
وقد قسَّم الحق سبحانه الناس في آيات الجهاد إلى قسمين: فرقة تنفر، وطائفة منها تبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا استوى الأمر، فرقة تجاهد، وفرقة تَتَعَلم وتعلُّم، وتبادل الفرقتان الخبرة الإيمانية والقتالية، تصبح الملكات الإيمانية متساندة غير متعاندة، ومن بعد ذلك يتجهون إلى الكفار.
{ياأيها الذين آمَنُواْ قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ} وهذا يعني أن هناك قوماً قريبين منهم ما زالوا كافرين، وهناك قوم أبعد منهم، والحق قد قال: {وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً...} [التوبة: 36].
إذن: فهناك أولويات في القتال، وقتال الكفار القريبين منك تأمين معسكر الإيمان؛ لذلك جاء الأمر بقتال الأقرب؛ لأنه قتال لن يتطلب رواحل ولا مؤونة للسفر البعيد، كما أن العدو القريب منك أنت أعلم بحال الكفار البعيدين عنك؛ لذلك فأنت تعلم مواطن قوتهم وضعفهم، وكيفية تحصيناتهم. فإذا تيسر أمر قتال العدو الأقرب كان ذلك طريقاً لمجابهة العدو الأبعد، بدلاً من أن تواجه العدو البعيد؛ فيتفق مع العدو القريب، ويصنع الاثنان حولك (كماشة) بلغة الحرب، فلابد أن تحمي ظهرك أولاً، من شر العدو الأقرب.
إذن: فلا تعارض بين محاربة العدو البعيد والعدو القريب. ولا تَعارض بين قوله الحق: {قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مِّنَ الكفار} وقوله سبحانه: {وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً}؛ لأن معنى {كَآفَّةً} أي: جميعاً، ولكن الجماعة لها أولوية. فخذ القريب منك؛ لتضمه إليك، فإذا كان الخصم معه سيف ومعك سيف، وبعد ذلك دخلت المعركة فأوقعت سيفه من يده؛ فأخذته؛ فبذلك يصبح معك سيفان وهو لا سيف معه.
ولذلك يوضح الحق سبحانه وتعالى للكفار: اعتبروا أيها الكفار، فأنتم لا ترون الأرض كل يوم وهي تنقص من تحت أقدامكم، وما ينقص من أرض الكفار يزيد في أرض الإيمان. وما دام الحق قد جاء بكلمة (قتال) فهذه الكلمة تحتاج إلى عزيمة، وجرأة تُجَرِّيء على القتال، وصبر عليه، فقد تجد في مواجهتك من هو أقوى منك أو من هو أشجع منك، فإن رأى شجاعة منك تفوق شجاعتهن وأحسَّ منك قوة ومثابرة تفوق قوته ومثابرته، فهذا ينزع من قلبه الأمل في الانتصار عليك؛ ولذلك يقول الحق: {وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} والغلظة صفة، ويقال: غِلْظَة، وغُلْظَة، وغَلْظَة، والمعروف أنها الشدة، فحين تضرب عدوكَ اضربه بقوة، وبجرأة، وبشجاعة.
وحين يحاول عدوك أن يضربك استقبلْ الضربة بتحمُّل، وهكذا نجد أن الغلظة مطلوبة في حالتين اثنتين؛ في حالة الإرسال منك، وفي حالة الاستقبال منه، فلا يكفي أن تضرب عدوك ضربة قوية، وحين يردُّ لك الضربة تخور وتضعف. إن الحق يطلب منك غلظة تحمِلُ على عدوّك، وغلظة تتحمَّل من عدوّك.
ولذلك نجد آية آل عمران يقول فيه الحق: {اصبروا...} [آل عمران: 200].
ولكن هَبْ أن عدوَّك يصبر أيضاً، فيأتي الأمر من الحق: {وَصَابِرُواْ...} [آل عمران: 200].
أي: حاول أن تغلبه في الصبر. وحذَّر الحقُّ من إلقاء السلاح بعد انتهاء المعركة؛ لأن العدو قد يستنيم المؤمن؛ لذلك جاء الأمر من الحق: {وَرَابِطُواْ...} [آل عمران: 200].
أي: استقر أيها المؤمن في الأرض؛ ليعلم العدو أنك تنتظره إن حاول الكرّة من جديد أو حدَّثته نفسه بالقتال مرة أخرى. إذن: فالغلظة تطلب منك أن تهاجم، وتطلب منك أن تتحمّل، والتحمُّل يقتضي صبراً، والتحامل يقتضي شجاعة، فإذا ما كان في خصمك صبر وشجاعة؛ فعليك أن تصابره أي: تصبر أكثر منه، وهي مأخوذه في الأصل من (نافس فلان فلاناً.. أي سابقه وحاول أن يسبقه)، والمنافسة من النفس، والحق يقول: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون} [المطففين: 26].
أي: تنافسوا في الخير، ونحن نعلم أن تركيبة النفس الإنسانية تحتاج إلى شيء مرة أو مرتين في اليوم، وتحتاج إلى شيء ثالث دائماً. فأنت في الأكل تأكل ثلاث وجبات، وفي الشراب تحتاج إلى لترين أو أربعة من الماء أو أكثر. أما التنفس فأنت لا تصبر على الانقطاع عنه، وهو أهم الضروريات لحياة الإنسان.
وقلنا قديماً: إن من رحمة الله سبحانه وتعالى أنه قد يملك إنسان طعامَ إنسان، وقد يستطيع الإنسان الصبر عن الطعام لأسابيع، ولا يصبر الإنسان عن انقطاع الماء إلا أياماً تتراوح من ثلاثة إلى عشرة، حسب كمية المياه التي في جسمه؛ لذلك لم يُملِّك الحق سبحانه الماء مثلما مَلَّك الطعام، وأما الهواء فأنت لا تصبر على افتقاده للحظات؛ ولذلك لم يملِّك الله الهواء لأحد أبداً، وكأنه سبحانه علم أن عباده غير مأمونين على بعضهم البعض، ولذلك سُمّي استنشاق الهواء وزفيره بالتنفس، وهو من النفس، وهو سبب وجود النفْس وهي مزيج من المادة والروح، والأساس هو نَفَس الهواء الذي يضمن استمرار النفس في الحياة.
وإذا ما نافست العدو فأنت تصطاد الشيء النفيس، وهو إعلاء منهج الله. وحين تصابر أهل الباطل، فكل واحد من أهل الباطل قد يصابر لجاجة لمدة قصيرة ثم يتراجع؛ لأن الباطل زهوق، وهنا يقول سبحانه: {وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} يفيد أن الغلظة ليست صفة دائمة، بل تعني أنك تَطَلّبَ الأمُر فيجب أن تتوافر فيك، وكذلك قلنا: إن الله لم يطبع المؤمن على الغلظة، ولم يطبعه على الشدة، ولم يطبعه على العزة، بل قال: {أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ...} [الفتح: 29].
وقال: {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين...} [المائدة: 54].
ويُنهي الحق الآية: {واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين}. إياك أن تفهم أنك تواجه أعداءك من الكفار بعددك وعُدَّتك، ولكن العدد والعدة أمران مطلوبان؛ لتدخل المعركة، وعندك شيء من الاطمئنان. ومثال هذا من يسلك مفاوز أو صحاري مقفرة أو طريقاً موحشاً، ويحتمل أن يصادف قُطَّاع طريق، نجده يستعد بحمل سلاح؛ فهو يعطيه شيئاً من الاطمئنان فقط، وهكذا الحال مع العدد والعدة.
أما النصر فهو من المدد الرَّبَّاني من الحق سبحانه وتعالى. وما دام الله مع المتقين، ولله معيَّة مع المتقين فلابد أن يمدهم بمدده؛ لذلك جاء الحق هنا بقوله: {أَنَّ الله مَعَ المتقين} لننتبه إلى أن الداخل في الحق هو من سيسلك سلوكاً غليظاً مع الأعداء، وقد يسلك بالغلظة طمعاً في المغنم، فيدخل على الكافرة بالقسوة، وقد يكون قلب هذا الكافر مستعداً للإيمان، فيقول: أسلمت واستسلمت، لكن من دخل عليه تعجبه مطية هذا الكافر، ويعتبرها مغنماً.
لذلك يأتي التحذير في قول الحق سبحانه: {أَنَّ الله مَعَ المتقين} فإن سلَّم لك واستسلم؛ فاستأسره، وإياك أن تؤذيه أو تأخذ معداته على أنها مغنم، فأنت لم تذهب للقتال من أجل الغنائم، أو لتكسب مكانة في مجتمعك كمقاتل، بل أنت تقاتل حين يكون القتال مطلوباً، وتسلك بالخلق الإيماني اللائق في إطار أنك من المتقين لله، وتحارب لتكون كلمة الله هي العليا وهنا تكون معيه الله لك {أَنَّ الله مَعَ المتقين}.
إذن: فالغلظة لا تعني أنها طبع أصبح فيك، ولكن عدوك يجد فيك غلظة إن احتاج الأمر إلى غلظة. فإن لم يحتج الأمر إلى غلظة؛ فلابد أن يوجد في طبعك اللين والموادعة.
ولذلك يقولون: الرجل كل الرجل هو من كانت له في الحرب شجاعة، وفي السلم وداعة، وخيركم من كان في الجيش كميًّ وفي البيت صبيّاً، فلا يصطحب غلظته مع العدو إلى البيت والزوجة والأبناء؛ لأن ذلك وضع للطاقة في غير مجالها.
هكذا نفهم قوله الحق: {ياأيها الذين آمَنُواْ قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مِّنَ الكفار وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين} [التوبة: 123].
أي: كونوا في حربكم غلاظاً بما يناسب الموقف؛ لأن الحرب تتطلب القسوة والشدة، ولكن إياك أن تستعمل هذه الأمور لصالحك، ولكن استعملها لله؛ لتضمن أن تكون في معية الله.
ويقول سبحانه بعد ذلك: {وَإِذَا ما أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ...}.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال