سورة التوبة / الآية رقم 129 / تفسير تفسير الشعراوي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ

التوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةالتوبةيونس




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(129)}
ولم يقل الحق لرسوله: (إن تولوا وأعرضوا فاعتقد أن حسبك الله) لا، بل أعلنها للناس كافة؛ حتى يسمعوها، ولعل في إعلانك لها ما يلفتهم إلى الحقيقة؛ لأنك إن قلتها؛ فلن تقولها إلا وعندك رصيد إيماني بها، وإن فعل أحدهم شيئاً ضدك؛ فسوف يعاقبه الله.
وحين تعلن: {حَسْبِيَ الله} بعد أن كذبوك، فالأحداث التي سوف تأتي بعد إعلانك {حَسْبِيَ الله} ستؤكد أن حسبك في مكانه الصحيح، ولله المثل الأعلى- أنت تقول: (حسبي نصرة فلان)؛ لأنك تثق في قدرة فلان هذا، ولكن القوة في الحياة أغيار، وحين تقول: {حَسْبِيَ الله} فلا إله غيره سبحانه، ولا إله آخر يعارضه في هذا أو في غيره.
وقل {حَسْبِيَ الله} برصيد {لا إله إِلاَّ هُوَ} و{لا إله} نفي، و{إِلاَّ هُوَ} إثبات، إذن: ففي هذا القول: {لا إله إِلاَّ هُوَ} نفي منطقي مع سلب، وإثبات منطقي مع الإيجاب، وهنا نفي أيِّ ألوهية لغير الله، والاستثناء من ذلك هو الله، ورحم الله شيخنا عبد الرحمن عزام حين ترجم عن محمد إقبال شاعر باكستان الكبير، فقال:
إنَّما التوحيد إيجابٌ وسلبٌ *** فيهما للنفسِ عزمٌ ومضاءُ
إيجاب في {إِلاَّ هُوَ}، وسلب في {لا إله}، فيهما للنفس عزم ومضاء، أي: هما للنفس قطبا الكهرباء، فاسلب الألوهية من غير الله وأثبتها لله.
والناس- كما نعلم- ثلاثة أقسام: قسم ينكر وجود إله للكون مطلقاً، وهم الملاحدة، وقسم ثان يقول: إن هناك الله الذي يوحده المسلمون؛ لكن له شركاء ينفعوننا عند الله. وقسم ثالث يقول بوحدانية الله.
وساعة نقول {لا إله إِلاَّ هُوَ} نكون قد أثبتنا الألوهية لله، وأثبتنا أن لا شريك له، وأثبتنا ألا إله غيره، وسبحانه يقول: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ الله لا إله إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} وهذا أمر طبيعي، ويمكن أن نعرفه بالحساب؛ ولذلك جاء ب {حَسْبِيَ} من الحساب. واحسبها فلن تجد إلا الله. وما دام حسبك الله ولا إله إلا هو، فسبحانه يبسط عليك حمايته ونصرته لك، فمن العقل أن تضع نفسك بين يدي رسولك، الذي أبلغك البلاغ الكامل عن الله، وأن تتوكل عليه سبحانه.
وما دام سبحانه هو حسبك ولا إله إلا هو، والواجب يفرض عليك أن تظل في مَعيَّته سبحانه، ومعيّة الله مرحلتان: الأولى بأخذ الأسباب التي أمدّ بها خلقه، ومعية إيمانك المطلق بأن الأسباب إن عجزت معك، فأنت تلجأ إلى مسبِّب الأسباب الموجود وهو رب الوجود.
وترى- مثلاً- الناس وهي تحتاج إلى المياه؛ لأنها ضرورة للحياة؛ فيذهبون إلى البئر فلا يجدون الماء رغم وجود البئر؛ لأن المياه التي تأتي من جوف الأرض لم تعد تتسرب إليه، ولماذا؟ لأن المخزون من ماء المطر الذي كان يأتي من أعالي الجبال ويتسرب تحت الأرض قد نفد، ولهذا نحتاج إلى مدد من أمطار السماء؛ لتجري إلى المسارب تحت الأرض وتعود المياه إلى البئر.
وإذا جفَّت الآبار المحيطة بنا، هل نيأس؟ لا؛ لأن ربنا بيَّن لنا: ارفعوا أيديكم لربكم. إذن: فنحن إذا استنفدنا الأسباب نطلب من المسبب، ولذلك أتحدى أن يستنفد واحد أسباب الله الممدودة إليه، ويلجأ إلى الله فيرده.
إن يد الله ممدودة لنا بالأسباب ولا يصح أن يهمل إنسان ولا يأخذ بالأسباب، ويقول: أنا متوكل على الله، إن على الإنسان أن يأخذ أولاً بالأسباب وأن يستنفدها، وبعد ذلك يقول: ليس لي ملجأ إلا أنت سبحانك، واقرأ إن شئت قول الله سبحانه: {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62].
والمضطّر: هو من استنفد أسبابه، وليس له إلا الله. لكن أن يقول إنسان: أنا أدعو الله ليل نهار وأسبِّحُه سبحانه وأقرأ سورة يس مثلاً، ولا يستجيب الله لدعائي. ونقول لمثل هذا القائل: أنت لا تدعو عن اضطرار ولم تأخذ بالأسباب، خذ بالأسباب التي خلقها الله، أولاً، ثم ادْعُ بعد ذلك. ولا تدْعُ إلا إذا استنفدت الأسباب؛ فيجيبك المسبِّب، وبذلك لا تفتن بالأسباب، فحين تمتنع الأسباب؛ تلجأ إلى الله. ولو كانت الأسباب تعطي كلها لفُتِنَ الإنسان بالأسباب، والحق سبحانه يقول: {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى} [العلق: 6-7].
لذلك نجد الحق يبيّن دائماً أن كل الأسباب بيده، فنرى من يحرث ويبذر ويروي ويرعى، ثم يقترب الزرع من النضج، وبعد ذلك تأتي موجة حارة تميته، أو ينزل سيل يجرفه. إذن: خذ بالأسباب واجعل المسبب دائماً في بالك، وهنا يصح توكلك على الله.
وكثير من الناس يخطئ في فهم كلمة (التوكُّل)، وأقول: إن التوكل يعني أن تأخذ، أولاً، أسباب الله التي خلقها سبحانه في كونه، فإن عَزّت الأسباب ولم تصل إلى نتيجة؛ فاتجه إلى الله، مصداقاً لقوله: {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ}.
ونحن ندعو أحياناً عن غير اضطرار ونهمل الأسباب، والمثال تجده في حياتنا حين يقول الابن لأمه: (ادعي لي حتى أنجح) وتجيب الأم الأمية قائلة كلمة بسيطة هي: (ساعد الدعاء بقليل من المذاكرة)، وهي بذلك تدل ابنها على ضرورة الخذ بالأسباب.
إذن: فمعنى التوكل، أن تستنفد الأسباب التي مدَّتها يد الله إليك. فإذا استنفدتها؛ إياك أن تيأس؛ لأن لك ربّاً، وهو سبحانه ركن شديد ترجع إليه.
ومثال آخر: إذا كنت سائراً في الشارع ومعك جنيه واحد مثلاً ثم وقع منك أو سُرق، ولا تملك في البيت أو في البنك مليماً واحداً، هنا تغضب وتحزن، أما إن كان في البيت عشرة جنيهات؛ فنسبة الغضب والحزن ستكون قليلة، وإذا كان في البيت عشرة جنيهات وفي البنك مائة جنيه؛ فلن تحزن أو تغضب لضياع الجنيه الواحد.
وهكذا تثق بالمثل عوضاً عن المثل، أفلا تثق بواهب هذا المثل عن عوض المثل؟
إذن: فالتوكل هو أن تعمل الجوارح وتتوكل القلوب. والكسالى هم من يريدون أن يكون التوكل للجوارح وليس القلوب.
وكان من الممكن أن يغيّر الحق الأسلوب في الآية فيقول: توكلت عليه. بدلاً من {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} ولكن إن وفقت الفهم عن قوله الحق، ستجد أن الإنسان إن قال: (أنا اعتمدت عليك) فقد تعطف قائلاً: (وعلى فلان وعلى فلان). لكن قولك: عليك توكلت لا يمكن أن تعطف من بعدها، وفيها تنزيه لله ولا أحد غيره يتوكل عليه الخلق، مثلما تقول في الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي: لا نعبد غيرك، فتكون قد قصرت العبادة عليه سبحانه.
وتوكلك على الله له رصيد؛ لأن ربك ورب الكون الذي استقبلك، ولا تصل قدرتك إليه، فأنت في الأرض تحرثها، وتبذرها، وترويها، ثم تأخذ من عطاء الله لك؛ فهو ربك، ورب الكون الذي استقبلك، وأًصبح هذا الكون مسخراً لك، وأنت لم تكن قادراً على تسخير الكون.
صحيح أنك قد تُسخِّر الدابة وتربطها وتمتطيها وتحمل عليها السماد مثلاً وكل ذلك مسخر لك وفي قدرتك، وهذا من فضل الله عليك. ويزيد فضله سبحانه، وترى مخلوقات مُسخَّرة لك؛ تشرق كل يوم بالدفء وبالحرارة، وكذلك القمر، والغمام، وكل هذه مخلوقات ليس في قدرتك السيطرة عليها، بل سخرها الله لخدمتك.
وربك رب الكون الذي استقبلك سخر لك ما ليس في يدك، وهو سبحانه رب الملكوت الذي يدير كل ذلك وأنت لا تراه، وهو الذي يدير كل هذه الأشياء. فلا تنظر إلى ظواهر العطاء فقط، بل انظر إلى مسبِّبات العطاء في ظواهر العطاء، ولا تلتفت إلى ظاهرة إلا لتعرف ما وراء هذه الظاهرة. وما وراء أي ظاهرة كثير.
ويقول الحق سبحانه: {وَهُوَ رَبُّ العرش العظيم} نعم، هو رب الكون الذي استقبلك وسخر لك ما في يدك وما ليس في يدك، وما وراء المرئيات من عالم الملكوت؛ ليدير بكمال قدرته كل شيء، وكل ما في الكون ملك لله.
وله سبحانه العرش العظيم، فما هو العرش؟ نعرف لأول وهلة أن العرش هو السقف، فحين تبني دوراً واحداً تصنع له السقف؛ ليحميك من وهج الشمس والمطر، وإن كانت الأرض رخوة فالمباني تهبط، وبنينا السقوف حتى تحمي الجدران من عوامل التعرية.
وقول الله سبحانه: {العرش العظيم} معناها: استواء الأمر استواءً يدخل فيه كل مقدور؛ ولذلك عبر سبحانه عن الملك مثلاً في ملكة سبأ على لسان الهدهد فقال: {إِنِّي وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23].
العرش، إذن، رمز السيطرة، وفي حياتنا- ولله المثل الأعلى- نجد أن الذي يأخذ الملك من واحد قبله يبدأ في تطهير الجيوب المحيطة به ويبحث عن الأنصار؛ ليعيد ترتيب الملك بما يراه مناسباً له؛ حتى تستقر له الأمور، ثم يجلس بعد ذلك على العرش.
إذن: فالجلوس على العرش معناه استتباب الأمر استتباباً نهائياً للمالك الأعلى.
وسبحانه يقول: {الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ...} [غافر: 7].
وساعة تسمع كلمة (العرش) خذها على أنها رمز لللاستتباب الأمر لله، وأن كل شيء دخل في حيِّز قدرته، وفي حيِّز {كن}، كما يستقر للملك المحَسِّ، فلا يجلس على العرش، ولا يهدأ، إلا إذا استقرت الأمور. هذا ما نراه في الأمور الدنيوية، فما بالنا باستقرار كل الكون من الأزل لله سبحانه وتعالى؟
يقول الحق سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السموات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش...} [الأعراف: 54].
أي: أن الأمور قد استتبت له. وهكذا نجد أن كلمة (الْعَرْشِ) وردت في عروش الدنيا، وفي عرش الله سبحانه، فعروش الدنيا ترمز إلى استتباب الأمر لمن يجلس عليها، والعرش بالنسبة لله رمز للاستتباب أمر الكون كله له سبحانه لا ينغص عليه شيء ولا يخرج من ملكه شيء. والكون كله، بكل ما فيه مستتب لكلمة (كن) ومخلوق بها وخاضع لسلطان الحق سبحانه وتعالى.
وهنا يقول الحق: {وَهُوَ رَبُّ العرش العظيم} ولا يوصف العرش بأنه عظيم إلا وفي أذهان الناس عروش الملوك التي نراها في حياتنا، مثلما قال الهدهد عن ملكة سبأ: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23].
أي: بمقاييس البشر.
أما قوله تعالى هنا: {وَهُوَ رَبُّ العرش العظيم} [التوبة: 129].
فهو بمقاييس رب البشر، إنه عرش الخالق العظيم سبحانه وهو فوق التصور البشري؛ لذلك نفهمه في إطار {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ...} [الشورى: 11].




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال