سورة البقرة / الآية رقم 143 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ المَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ

البقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيداً...} قلت: {الوسط} هو العدل الخيّر الفاضل، وهو في الأصل اسم للمكان الذي تستوي إليه المساحة من الجوانب، ثم استعير للخصال المحمودة؛ لوقعوها بين طرفي إفراط وتفريط، كالجود بين الإسراف والبخل، والشجاعة بين التهور والجبن، ثم أطلق على المتصف بها مستوياً فيه الواح والجمع، والمذكر والمؤنث. قاله البيضاوي.
يقول الحقّ جلّ جلاله: وكما جعلناكم مهتدين إلى الصراط المستقيم، وجعلنا قبلتكم أفضل الجهات، جعلناكم أمة أفضل الأمم، خياراً عدولاً مزكَّين بالعلم والعمل، لتصلحوا للشهادة على غيركم، فتكونوا يوم القيامة {شهداء على الناس}، ويزكيكم نبيكم فيشهد بعدالتكم.
قال البيضاوي: رُوِيَ (أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء، فيُطالبُهم الله ببينة التبليغ وهو أعلم بهم، إقامة للحجة على المنكرين، فيُؤتَى بأُمة مُحَمّدٍ صلى الله عليه وسلم فيشهدُون، فتقُول الأمم: مِنْ أَيْنَ عرفتُمْ؟ فيقولُون: عَلِمْنَا ذلك بإخْبَار الله في كِتَابِهِ النَّاطِقِ عَلَى لسانِ نبيه الصَّادِقِ. فيُؤتى بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَيُسألُ عن حَالِ أُمته فَيشْهَدُ بعَدَالتِهمْ).
وهذه الشهادة، وإن كانت لهم، لكن لمّا كان الرسول كالرقيب المهيمن على أمته عُدّيِ بِعَلَى، وقُدِّمت الصلة للدلالة على اختصاصهم بكون الرسول شهيداً عليهم. اهـ.
الإشارة: التفاضل بين الرجال إنما يكون بالعلم والحال، فمن قَويَ علْمُه بالله كان أعظم قدراً عند الله، والعلم الذي به الشرف عند الله هو العلم بذات الله وبصفاته وأسمائه، وكذا العلم بأحكام الله إذا حصل معه العلم بالله، فكلما انكشف الحجاب عن القلب كان أقرب إلى الرب، وانكشاف الحجاب يكون على قدر التخلية والتحلية، فبقدر ما يتخلّى القلب عن الرذائل، ويبعد عن القواطع والشواغل، ويتحلّى بأنواع الفضائل، ينكشف عنه الحجاب ويدخل مع الأحباب، وبقدر ما يتراكم على القلب من الخواطر والشواغل، ويدخل عليه من المساوئ والرذائل، يقع البعد عن الله، ويطرد العبد عن باب الله، فلا يدل على كمال العبد كثرة الأعمال، وإنما يدل على كماله علو الهمة والحال، وعلو الهمة على قدر اليقين، وقدر اليقين على قدر المعرفة، والمعرفة على قدر التوجه والتصفية، والتوجه تابع للقسمة الأزلية. وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء.
ثم إن العلماء بأحكام الله إذا لم يحصل لهم الكشف عن ذات الله يكونون حجة على عباد الله. والعلماء بالله الذين حصل لهم الكشف عن ذات الله حتى حصل لهم الشهود والعيان يكونون حجة على العلماء بأحكام الله. فكما أن الأمة المحمدية تشهد على الناس، والرسول يشهد عليهم ويزكيهم، فكذلك العلماء يشهدون على الناس، والأولياء يشهدون على العلماء، فيزكون من يستحق التزكية، ويردون مَن لا يستحقها؛ لأن العارفين بالله عالمون بمقامات العلماء أهل الظاهر، لا يخفى عليهم شيء من أحوالهم ومقاماتهم، بخلاف العلماء، لا يعرفون مقامات الأولياء، ولا يشمون لها رائحة، كما قال القائل:
تركنا البُحُورَ الزاخِراتِ ورَاءنَا *** فَمِنْ أينَ يَدْرِي الناسُ أينَ توجَّهْنَا
قال القشيري: (جعل هذه الأمة خيار الأمم، وجعل هذه الطائفة خيار هذه الأمة فهم خيار الخيار. وكما أن هذه الأمة شهداء على الأمم في القيامة؛ فهذه الطائفة هم المدار وهم القطب وبهم يحفظ الله جميع الأمة. وكل مَن قبلته قلوبهم فهو المقبول، ومن ردَّته قلوبهم فهو المردود. فالحكم الصادق لفراستهم، والصحيح حكمهم، والصائب نظرهم، عصم جميع الأمة من الاجتماع على الخطأ، وعصم هذه الطائفة من الخطأ في النظر والحكم والقبول والرد، ثم إن بناء أمرهم مستند إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل مَن لا يكون له اقتداء بالرسول فهو عندهم مردود، وصاحبه كلا شيء). وبالله التوفيق.
ثم ذكر الحق تعالى حكمة نسخ القبلة، فقال: {وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسول مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الذين هَدَى الله وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ الله بالناس لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} قلت: {جعل} تصييرية، و{القبلة} مفعول أول، و{التي} صفة للمفعول الثاني المحذوف، أي: وما جعلنا القبلة الجهة التي كانت عليها وهي بيت المقدس، ثم وجهناك إلى الكعبة إلا لنعلم الثابت على الإيمان من غيره، أو: وما صيّرنا القبلة الجهة التي كنت عليها بمكة وهي الكعبة، فإنه كان- عليه الصلاة والسلام- يصلي إليها بمكة.
وقيل: كان يستقبل بيت المقدس ويجعل الكعبة بينه وبينها، كما قال ابن عباس، و{إن} مخففة، واللام فارقة. أي: وإنه، أي: الأمر والشأن: كانت التحويلة لشاقة على الناس، والرأفة: شدة العطف، فهي أبلغ من الرحمة. والله تعالى أعلم.
يقول الحقّ جلّ جلاله: وما نسخنا حكم القبلة وجعلناها الجهة التي كنت عليها بمكة دون التي كانت بالمدينة، وهي بيت المقدس، {إلا لنعلم} علم ظهور وشهادة {من يتبع الرسول} في التحويل إليها {ممن ينقلب على عقبيه} لضعف إيمانه وقلة إيقانه، فإن التحويلة عن القبلة الأولى والرجوع إلى الثانية شاق على النفوس، إلا من سبقت له الهداية وحفت به الرعاية، فإنه يدور مع مراد الله أينما دار، ويتبع رسوله أينما سار. ومن مات قبل التحويل إلى الكعبة فإن الله لا يضيع أجر عمله {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي: صلاتكم إلى بيت المقدس؛ {إن الله بالناس لروؤف رحيم}.
الإشارة: الخروج عن العادات وترك الأمور المألوفات كلاهما شاق على النفوس، إلا على الذين هدى الله، ولذلك كان خرق الوائد هو الفصل بين الخصوص والعموم، ومفتاح لمخازن العلوم والفهوم، فمن لم يخرق عوائد نفسه فلا يطمع أن يدخل حضرة قدسه.
كيف يخرق لك العوائد وأنت لم تخرق من نفسك العوائد.
وهو الميدان الذي تحقق به سير السائرين.
لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين.
وهو عند شيوخ التربية ميزان يتميز به من يتبع الرسول ويلزم طريقه إلى الوصول، ممن ينقلب على عقبيه، فمن رأوه خرق عوائد نفسه، زهد في ملبسه وجنسه، تحققوا بدخوله حضرة قدسه، إلا مَن سبق له الحرمان والعياذ بالله من الخذلان، ومن رأوه وقف مع العادات، وركن إلى المألوفات، ومال إلى الرُّخَص والتأويلات، علموا أن مقامه مقام أهل الحجاب، يأخذ أجره من وراء الباب، ولا نصيب له في الدخول مع الأحباب.
وأيضاً عند تخالف الآثار وتنقلات الأطوار، يظهر الإقرار من الإنكار. أهلُ الإقرار عارفون في كل حال، يدورون مع رياح الأقدار حيث سارت، ويسيرون معها حيث سارت، وأهل الإنكار جاهلون بالله في كل حال، معترضون عليها عند اختلاف الأحوال، نعوذ بالله من الضلال.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال