سورة يوسف / الآية رقم 5 / تفسير تفسير الألوسي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ

يوسفيوسفيوسفيوسفيوسفيوسفيوسفيوسفيوسفيوسفيوسفيوسفيوسفيوسفيوسف




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)}
{قَالَ يابنى} صغره للشفقة ويسمى النحاة مثل هذا تصغير التحبيب، وما ألطف قول بعض المتأخرين:
قد صغر الجوهر في ثغره *** لكنه تصغير تحبيب
ويحتمل أن يكون لذلك ولصغر السن، وفتح الياء قراءة حفص، وقرأ الباقون بكسرها، والجملة استئناف مبني على سؤال كأنه قيل: فماذا قال الأب بعد سماع هذه الرأية العجيبة من ابنه؟ فقيل: قال: {أَوْ بَنِى} {لاَ تَقْصُصْ رُءيَاكَ على إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا} أي فيحتالوا لإهلاكك حيلة عظيمة لا تقدر على التفصي عنها أو خفية لا تتصدى لمدافعتها، وإنما قال له ذلك لما أنه عليه السلام عرف من رؤياه أن سيبلغه الله تعالى مبلغًا جليلًا من الحكمة ويصطفيه للنبوة وينعم عليه بشرف الدارين فخاف عليه حسد الاخوة وبغيهم فقال له ذلك صيانة لهم من الوقوع فيما لا ينبغي في حقه وله من معاناة المشاق ومقاساة الأحزان وإن كان واثقًا بأنهم لا يقدرون على تحويل ما دلت عليه الرؤيا وأنه سبحانه سيحقق ذلك لا محالة وطمعًا في حصوله بلا مشقة وليس ذلك من الغيبة المحظورة في شيء، والرؤيا مصدر رأى الحلمية الدالة على ما يقع في النوم سواء كان مرئيًا أم لا على ما هو المشهور، والرؤية مصدر رأى البصرية الدالة على إدراك مخصوص، وفرق بين مصدر المعنيين بالتأنيثين، ونظير ذلك القربة للتقرب المعنوي بعبادة ونحوها، والقربى للتقرب النسبي وحقيقتها عند أهل السنة كما قال محيى الدين النووي نقلًا عن المازني: أن الله سبحانه يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان وهو سبحانه يخلق ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة، وقد جعل سبحانه تلك الاعتقادات علمًا على أمور أخر يخلقها في ثاني الحال، ثم إن ما يكون علمًا ما يسر يخلقه بغير حضرة الشيطان. وما يكون علمًا على ما يضريخلقه بحضرته. ويسمى الأول رؤيا وتضاف إليه تعالى إضافة تشريف، والثاني حلمًا وتضاف إلى الشيطان كما هو الشائع من إضافة الشيء المكروه إليه، وإن كان الكل منه تعالى، وعلى ذلك جاء قوله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا من الله تعالى والحلم من الشيطان» وفي الصحيح عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله تعالى فليحمد الله تعالى وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم ومن شرها ولا يذكرها لأحد فانها لن تضره».
وصح عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فيبصق عن يساره ثلاثًا وليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم وليتحول عن جنبه الذي كان عليه» ولا يبعد جعل الله تعالى ما ذكر سببًا للسلامة عن المكروه كما جعل الله الصدقة سببًا لدفع البلاء وإن لم نعرف وجه مدخلية البصق عن اليسار والتحول عن الجنب الذي كان عليه مثلًا في السببية، وقيل: هي أحاديث الملك الموكل بالأرواح إن كانت صادقة. ووسوسة الشيطان والنفس إن كانت كاذبة، ونسب هذا إلى المحدثين، وقد يجمع بين القولين بأن مقصود القائل بأنها اعتقادات يخلقها الله تعالى في قلب إلخ أنها اعتقادات تخلق كذلك بواسطة حديث الملك. أو بواسطة وسوسة الشيطان مثلًا، والمسببات في المشهور عن الاشاعرة مخلوقة له تعالى عنه الأسباب لا بها فتدبر.
وقال غير واحد من المتفلسفة هي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك، والصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ فتتصور بما فيها مما يليق بها من المعاني الحاصلة هناك، ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبها فترسلها إلى الحس المشترك فتصير مشاهدة، ثم إن كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بالكلية والجزئية استغنت عن التعبير وإلا احتاجت إليه.
وذكر بعض أكابر الصوفير ما يقرب من هذا، وهو: أن الرؤيا من أحكام حضرة المثال المقيد المسمى بالخيال وهو قد يتأثر من العقول السماوية والنفوس الناطقة المدركة للمعاني الكلية والجزئية فيظهر فيه صور مناسبة لتلك المعاني وقد يتأثر من القوى الوهمية المدركة للمعاني الجزئية فقط فيظهر فيه صورة تناسبها، وهذا قد يكون بسبب سوء مزاج الدماغ وقد يكون بسبب توجه النفس بالقوة الوهمية إلى إيجاد صورة من الصور كمن يتخيل صورة محبوبة الغائب عنه تخيلًا قويًا فتظهر صورته في خياله فيشاهده، وهي أول مبادي الوحي الالهي في أهل العناية لأن الوحي لا يكون إلا بنزول الملك وأول نزوله في الحضرة الخيالية ثم الحسية، وقد صح عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: «أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رأيا إلا جاءت مثل فلق الصبح» والمرئي على ما قال بعضهم: سواء كان على صورته الأصلية أو لا يكون بإرادة المرئى. وقد يكون بارادة الرائي، وقد يكون باردتهما معًا. وقد يكون لا بارادة من شيء منهما، فالأول كظهور الملك على نبي من الأنبياء عليهم السلام في صورة من الصور وظهور الكمل من الأناسي على بعض الصالحين في صورة غير صورهم، والثاني كظهور روح من الأرواح الملكية أو الإنسانية باستنزال الكامل إياه إلى عالمه ليكشف معنى ما مختصًا علمه به، والثالث كظهور جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم باستزاله إياه وبعص الحق سبحنه إياه إليه صلى الله عليه وسلم، والرابع كرؤية زيد مثلا صورة عمرو في النوم من غير قصد وإرادة منهما، وكانت رؤيا عليه السلام من هذا القسم لظهور أنها لو كانت بأرادة الاخوة لعلموا فلم يكن للنهي عن الاقتصاص معنى، ويشير إلى أنها لم تكن بقصده قوله بعد: {قَدْ جَعَلَهَا رَبّى حَقّا} [يوسف: 100]
هذا والمنقول عن المتكلمين أنها خيالات باطلة وهو من الغرابة كان بعد شهادة الكتاب والسنة بصحتها، ووجه ذلك بعض المحققين بأن مرادهم أن كون ما يختيله النائم إدراكًا بالبصر رؤية، وكون ما يتخيله إدراكًا بالسمع باطلًا فلا ينافي حقيقة ذلك عنى كونه أمارة لبعض الأشاء كذلك الشيء نفسه أو ما يضاحيه ويحاكيه، وقد مر الكلام في ذلك فتيقظ.
والمشهور الذي تعاضدت فيه الروايات أن الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، ووجه ذلك عند جمع أنه صلى الله عليه وسلم بقي حسا أشارت عائشة رضي الله تعالى عنها ستة أشهر يرى الوحي منامًا قم جاءه الملك يقظة وستة أشهر بالنسبة إلى ثلاث وعشرين سنة جزء من ست وأربعين جزءًا.
وذكر الحليمي أن الوحي كان يأتيه عليه الصلاة والسلام على ستة وأربعين نوعًا: مثل النفث في الروع. وتمثل الملك له بصورة دحية رضي الله تعالى عنه مثلًا. وسماعه مثل صلصلة الجرس إلى غير ذلك، ولذا قال صلى الله عليه وسلم ما قال، وذكر الحافظ العسقلاني أن كون الرؤيا الصادقة جزء من كذا من النبوة إنما هو باعتبار صدقها لا غير وإلا لساغ لصاحبها أن يسمى نبيًا وليس كذلك، وقد تقدم لك أن في بعض الروايات ما فيه مخالفة لما في هذه الروايات من عدة الأجزاء، ولعل المقصود من كل ذلك على ما قيل: مدح الرؤيا الصادقة والتنويه برفعة شأنها لا خصوصية العدد ولا حقيقة الجزئية.
وقال ابن الأثير في جامع الأصول: روى قليل أنها جزء من خمسة وأربعين جزءًا وله وجه مناسبة بأن عمره صلى الله عليه وسلم لم يستكمل ثلاثًا وستين بأن يكون توفي عليه الصلاة والسلام بأثناء السنة الثالثة والستين ورواية أنها جزء من أربعين جزءًا تكون محمولة على كون عمره عليه الصلاة والسلام ستين وهو رواية لبعضهم، وروي أنها جزء من سبعين جزءًا ولا أعلم لذلك وجهًا اه.
وأنت تعلم أن سبعين كثيرًا ما يستعمل في التكثير فلعله هو الوجه، والغرض الإشارة إلى كثرة أجزاء النبوة فتدبر، والمراد بإخوته هاهنا على ما قيل: الاخوة الذين يخشى غوائلهم ومكايدهم من بني علاته الأحد عشر، وهم يهوذا، وروبيل. وشمعون. ولاوي. وريالون. ويشجر. ودينه بنو يعقوب من ليابنت ليان بن ناهر وهي بنت خالته، ودان.
ويقتالي. وجاد. وآشر بنوه عليه السلام من سريتين له زلفة. وبلهة وهم المشار إليهم بالكواكب، وأما بنيامين الذي هو شقيق يوسف عليه السلام وأمهما راحيل التي تزوجها يعقوب عليه السلام بعد وفات أختها لي أو في حياتها إذ لم يكن جمع الأختين إذ ذاك محرمًا فليس بداخل تحت هذا النهي إذ لا تتوهم مضرته ولا تخضى معرته ولم يكن معهم في الرؤيا إذ لم يكن معهم في السجود.
وتعقب بأن المشهور أن بني علاته عليه السلام عشرة وليس فيهم من اسمه دينه، ومن الناس من ذكر ذلك في عداد أولاد يعقوب إلا أنه قال: هي أخت يوسف، وبناء الكلام عليه ظاهر الفساد بل لا تكاد تدخل في الاخوة إلا باعتبار التغليب لأنه جمع أخ فهو مخصوص بالذكور، فلعل المختار أن المراد من الاخوة ما يشمل الأعيان والعلات، ويعد بنيامين بدل دينه إتمامًا لاحد عشر عدة الكواكب المرئية، والنهي عن الاقتصاص عليه وإن لم يكن ممن تخشى غوائله من باب الاحتياط وسد باب الاحتمال، ومما ذاع كل سر جواز الاثنين شاع، ويلتزم القول بوقوع السجود منه كسائر أهله وإسناد الكيد إلى الأخوة باعتبار الغالب فلا إشكال كذا قيل، وهو على علاته أولى مما قيل: إن المراد بإخوته ما لا يدخل تحته بنيامين. ودينه لأنهما لا تخشى معرتهما ولا يتوهم مضرتهما فهم حينئذ تسعة وتكمل العدة بأبيه وأمه أو خالته ويكون عطف الشمس والقمر من قبيل عطف جبريل وميكائيل على الملائكة، وفيه من تعظيم أمرهما ما فيه لما أن في ذلك ما فيه، ونصب {يكيدوا} بأن مضمرة في جواب النهي وعدى باللام مع أنه مما يتعدى بنفسه كما في قوله تعالى: {فَكِيدُونِى} [هود: 55] لتضمينه ما يتعدى بها وهو الاحتيال كما أشرنا إليه، وذلك لتأكيد المعنى بافادة معنى الفعلين المتضمن والمضمن جميعًا ولكون القصد إلى التأكيد والمقام مقامه أكد الفعل بالمصدر وقرر بالتعليل بعد، وجعل اللام زائدة كجعله مما يتعدى بنفسه وبالحرف خلاف الظاهر، وقيل: إن الجار والمجرور من متعلقات التأكيد على معنى فيكيدوا كيدًا لك وليس بشيء؛ وجعل بعضهم اللام للتعليل على معنى فيفعلوا لأجلك وإهلاكك كيدًا راسخًا أو خفيًا؛ وزعم أن هذا الأسلوب آكد من أن يقال: فيكيدوك كيدًا إذ ليس فيه دلالة على كونه نفس الفعل مقصود الإيقاع وفيه نوع مخالفة للظاهر أيضًا فافهم.
وقرأ الجمهور {رُءيَاكَ} بالهمز من غير إمالة، والكسائي {رُءيَاكَ} بالامالة وبغير همز وهي لغة أهل الحجا«{إِنَّ الشيطان للإنسان} إي لهذا النوع {عَدّوٌّ مبينٌذ طاهر العداوة فلا يألو جهذًا في تسويل إخوتك وإثارة الحسد فيهم حتى يحملهم على ما لا خير فيه وإن كانوا ناشئين في بيت النبوة، والظاهر أن القوم كانوا بحيث يمكن أن يكون للشيطان عليهم سبيل، ويؤيد هذا أنهم لم يكونوا أنبياء، والمسألة خلافية فالذي عليه الأكثرون سلفًا وخلفًا أنهم لم يكونوا أنبياء أصلًا، أما السلف فلم ينقل عن الصحابة منهم أنه قال بنبوتهم ولا يحفظ عن أحد من التابعين أيضًا، وأما أتباع التابعين فنقل عن ابن زيد أنه قال بنبوتهم وتابعه شرذمة قليلة، وأما الخلف فالمفسرون فرق: فمنهم من قال بقول ابن زيد كالبغوي، ومنهم من بالغ في رده كالقرطبي.
وابن كثير، ومنهم من حكى القولين بلا ترجيح كابن الجوزي، ومنهم من لم يتعرض للمسألة لكن ذكر ما يشعر بعدم كونهم أنبياء كتفسيره الأسباط ن نبىء من بني إسرائيل والمنزل إليهم بالمنزل إلى أنبيائهم كأبي الليث السمرقندي. والواحدي، ومنهم من لم يذكر شيئًا من ذلك ولكن فسر الأسباط بأولاد يعقوب فحسبه ناس قولًا بنبوتهم وليس نصًا فيه لاحتمال أن يريد بالأولاد ذريته لا بنيه لصلبه، وذكر الشيخ ابن تيمية في مؤلف له خاص في هذه المسألة ما ملخصه: الذي يدل عليه القرآن واللغة والاعتبار أن إخوة يوسف عليه السلام ليسوا بأنبياء وليس في القرآن ولا عن النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا عن أحد من أصحابه رضي الله تعالى عنهم خبر بأن الله تعالى نبأهم وإنما احتج من قال: بأنهم نبئوا بقوله تعالى في آيتي البقرة. والنساء: {والاسباط} وفسر ذلك بأولاد يعقوب والصواب أنه ليس المراد بهم أولاده لصلبه بل ذريته كما يقال لهم: بنو إسرائيل، وكما يقال لسائر الناس: بنو آدم، وقوله تعالى: {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُون} [الأعراف: 159] {وقطعناهم اثنتى عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} [الأعراف: 160] صريح في أن الأسباط هم الأمم من بني إسرائيل وكل سبط أمة، وقد صرحوا بأن الأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسمعيل، وأصل السبط كما قال أبو سعيد الضرير: شجرة واحدة ملتفة كثيرة الأغصان فلا معنى لتسمية الأبناء الاثني عشر أسباطًا قبل أن ينتشر عنهم الأولاد، فتخصيص الأسباط في الآية ببنيه عليه السلام لصلبه غلط لا يدل عليه اللفظ ولا المعنى ومن ادعاه فقد أخطأ خطأ بينًا والصواب أيضًا أنهم إنما سموا أسباطًا من عهد موسى عليه السلام، ومن حينئذ كانت فيهم النبوة فانه لم يعرف فيهم نبي قبله إلا يوسف، ومما يؤيد ذلك أنه سبحانه لما ذكر الأنبياء من ذرية إبراهيم قال: {وَمِن ذُرّيَّتِهِ دَاوُودُ وسليمان} [الأنعام: 84] الآيات فذكر يوسف ومن معه ولم يذكر الاسباط ولو كان إخوة يوسف قد نبئوا كما نبىء لذكروا كما ذكر، وأيضًا إن الله تعالى ذكر للأنبياء عليهم السلام من المحامد والثناء ما يناسب النبوة وإن كان قبلها؛ وجاء في الحديث: «أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن اسحق بن إبراهيم نبي ابن نبي» فلو كانت إخوته أنبياء كانوا قد شاركوه في هذا الكرم، وهو سبحانه لما قص قصتهم وما فعلوا بأخيهم ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة وإن كان قلبها، بل ولا ذكر عنهم توبة باهرة كما ذكر عمن ذنبه دون ذنبهم، ولم يذكر سبحانه عن أحد من الأنبياء قبل النبوة ولا بعدها أنه فعل مثل هذه الأمور العظيمة من عقوق الوالد.
وقطيعة الرحم. وإرقاق المسلم وبيعه إلى بلاد الكفر. والكذب البين إلى غير ذلك مما حكاه عنهم، بل لو لم يكن دليل على عدم نبوتهم سوى صدور هذه العظائم منهم لكفى لأن الأنبياء معصومون عن صدور مثل ذلك قبل النبوة وبعدها عند الأكثرين، وهي أيضًا أمور لا يطيقها من هو دون البلوغ فلا يصح الاعتذار بأنها صدرت منهم قلبه وهو لا يمنع الاستنباء بعد، وأيضًا ذكر أهل السير أن إخوة يوسف كلهم ماتوا صر وهو أيضًا مات بها لكن أوصى بنقله إلى الشام فنقله موسى عليه السلام ولم يذكر في القرآن أن أهل مصر قد جاءهم نبي قبل موسى غير يوسف ولو كان منهم نبي لذكر، وهذا دون ما قبله في الدلالة كما لا يخفى.
والحاصل أن الغلط في دعوى نبوتهم إنما جاء من ظن أنهم هم الأسباط وليس كذلك إنما الاسباط أمة عظيمة، ولو كان المراد بالأسباط أبناء يعقوب لقال سبحلنه ويعقوب وبنيه فانه أبين وأوجز لكنه عبر سبحانه بذلك إشارة إلى أن النبوة حصلت فيهم من حين تقطيعهم أسباطًا من عهد موسى عليه السلام فليحفظ.
هذا ولما نبهه عليه السلام على أن لرؤياه شأنًا عظيمًا وحذره مما حذره شرع في تعبيرها وتأويلها على وجه إجمالي فقال:




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال