سورة الرعد / الآية رقم 4 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الـمر تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ وَالَّذِي أُنـزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

الرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعد




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (1) اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)}.
التفسير:
هذه السورة مكية- وقيل إنها مدنية وسورة يوسف التي قبلها مكية باتفاق، ومع هذا فقد كان بدء هذه السورة متلاقيا مع ختام السورة التي قبلها، وهذا يرجح القول القائل بأنها مكية.
فقد ختمت سورة يوسف بالآية الكريمة: {لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
والآية- كما أشرنا إلى ذلك من قبل- تنفى عن القرآن الكريم أن بكون قد شابه شيء من الكذب أو الشك، إذ كان مصدّقا لما تقدمه من الكتب السماوية، شاهدا لها بأنها من عند اللّه.
وقوله تعالى: {المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} هو توكيد لنفى الشّبه والرّيب عن القرآن الكريم، وتقرير بأنه الحقّ من رب العالمين، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
والإشارة {بتلك} مشار بها إلى {المر}.
تلك الحروف المقطعة.
أي أنه من تلك الحروف وأمثالها من حروف الهجاء، قد نظمت آيات القرآن الكريم، فكان منها هذا النظم البديع، وهذا البيان المبين، الذي أفخم البلغاء، وأعجز العالمين.
وفى الإشارة إلى آيات الكتاب، بعد ذكرها في قوله تعالى: {المر} في هذه الإشارة تنويه بهذا الكتاب، وعرض له في معرض التحدي، بهذه الأحرف التي نظمت منها كلماته، ونضّدت آياته.
وفى قوله تعالى: {وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} قصر للحق المطلق على آيات هذا الكتاب، فآيات هذا الكتاب هى الحق، ولا حقّ وراءها، لأنها كلمات اللّه.. وكلام اللّه صفة من صفاته.
وقد جاء القصر هنا بتعريف الخبر {الحق}.
ولو جاء منكرا- كما هو مألوف لما وقع القصر-: فإنه شتان بين قوله تعالى: {وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} وبين أن يقال: {والذي أنزل إليك من ربك حق}.
قوله تعالى: {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ}.
أي ومع هذا الحق المبين، وتلك الآيات المشرقة الوضيئة، فإن أكثر الناس لا يهتدون بها إلى الحق، ولا يتهدّون بها إلى التعرف على اللّه.
قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}.
وإذا لم يكن للناس عقول تعقل هذه الآيات التي حملها رسول اللّه إليهم في هذا الكتاب المبين.. أفلا كانت لهم أعين تنظر في هذا الوجود الذي أوجده اللّه سبحانه وتعالى من عدم، وأقامه على هذا النظام البديع؟
وإذا لم يكن لهم نظر ينظرون به في هذا الملكوت، أفليست لهم آذان يسمعون بها، هذا النداء الإلهى الذي يناديهم به الحق جل وعلا، ليستيقظوا من نومهم، ولينتبهوا من غفلتهم؟
ألا من كانت له أذنان فليسمع!! وألا من كانت له عينان فلينظر!! وألا من كان له قلب فليخشع!- {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها} أي ترونها مرفوعة هكذا بغير عمد، فقوله تعالى: {تَرَوْنَها} إما أن يكون صفة لعمد، ويكون المعنى:
أن اللّه سبحانه قد رفع السموات بغير عمد مرئية لنا، وإما أن يكون حالا من السموات.
{ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} أي بسط سلطانه على هذا الوجود.
{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} أي أخضعهما لسلطانه، وأجراهما حسب أمره وتقديره.
{كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} أي يدور في فلك محدود، في زمن محدود.
{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} أي يقدر لكل شيء قدره، كما يقول سبحانه: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [3: الطلاق]- {يُفَصِّلُ الْآياتِ} يبينها ويوضحها، ويأتى بها آية آية. ولم يأت بها جملة واحدة، وذلك لتنكشف للناس، ولتتضح لهم معالم الحق منها.
{لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} أي لعلكم ترون في هذا الوجود، وفى الآيات المفصلة المبثوثة فيه، ما يدعوكم إلى الإيمان باللّه، فإذا آمنتم باللّه آمنتم بلقائه، وعملتم لهذا اللقاء حسابه، وأيقنتم أنكم مجزيون على ما تعملون من خير أو شر.
وفى قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} بدلا من قوله {تؤمنون} إشارة إلى أن هذا الإيمان الذي يجىء عن طريق النظر والتأمل في آيات اللّه الكلامية أو الكونية أو هما معا- هذا الإيمان، هو الإيمان الكامل، الذي يصل إلى مرتبة اليقين.
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
ومن مظاهر قدرة اللّه، تلك الآيات الكونية المفصلة، فهو سبحانه: {الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ} أي بسطها وذللها.
{وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ} أي جبالا راسية، ثابتة، مستقرة، كما ترسو السفن على المرافيء الآمنة.
{وَأَنْهاراً} أي وأجرى في هذه الأرض التي بسطها أنهارا.
{وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أي وجعل من كل ثمرة زوجين اثنين، ذكرا وأنثى.. فالثمرة- أىّ ثمرة- لا تكون إلا بالتقاء الذكر والأنثى، على أية صورة من صورة الالتقاء، سواء في ذلك عالم النبات، وعالم الحيوان، وعالم الإنسان.. فكل مولود هو ثمرة هذا اللقاء، كل ثمرة هى المولود الذي تولّد من الذكر والأنثى!- {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ} أي يلبس الليل النهار، ويجعله غشاء له، يجلّله، ويغطّيه.
{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
ففى كل هذا، آيات ودلائل، على وجود الخالق، وعلى قدرته، وعلمه.. ولكن هذه الآيات لا تنكشف إلا لمن وجّه إليها بصره، وأعمل فيها فكره.. أما من أعرض عنها، وأغلق عقله وقلبه دونها، فإنه لا يرى من هذه الآيات إلا عوالم جامدة صماء، لا تنطق بشىء، ولا تحدّث عن شى ء!
قوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
أي في هذه الأرض، وفى أية رقعة محدودة منها، نظر لناظر، وعبرة لمعتبر.
{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ} أي يجاور بعضها بعضا، ولكنها تختلف وجوها، وتتباين صورا وأشكالا.. فبعضها جديب، وبعضها خصيب، وقطع منها مياه، وقطع أخرى يابسة، وجوانب منها عشب وزروع، وجوانب أخرى حدائق وبساتين.
{وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ} أي من قطع الأرض، جنات من أعناب.
{وَزَرْعٌ} أي ومن قطع الأرض كذلك، زرع، من حبوب وغيرها.
{وَنَخِيلٌ} أي ومن هذه القطع أيضا: نخيل.
{صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} أي هذه النخيل بعضها {صنوان} أي كل نخلتين يخرجان من أصل واحد، أشبه بالتوائم في عالم الإنسان.. {وَغَيْرُ صِنْوانٍ} أي كل نخلة قائمة بذاتها.. {يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ} أي كل هذه الأنواع من النخيل يسقى بماء واحد، هو هذا الماء الذي تروى منه الكائنات الحيّة، من نبات وإنسان وحيوان.. ومع هذا فقد اختلفت ألوان ثمارها، وتعددت طعومها، ومذاقاتها، فكان بعضها أفضل من بعض، في طعامه ومذاقه: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ}.
{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي إن في هذه الآيات المبثوثة في كل مكان لآيات ودلائل تشهد بقدرة الخالق، وتحدث عن علمه وحكمته، ولكن ذلك لا يقع إلا لمن كان لهم عقول، تفرق بين المحسوسات، إذ كانت تلك الآيات من الظهور والبيان، بحيث لا تخفى على أي إنسان له مسكة من عقل.. فكل إنسان احتفظ بإنسانيته قادر على أن يوجّه عقله إلى تلك الآيات، وينتفع بها في التعرف على خالقه.
ولا بد من وقفة هنا، مع أسلوب هذا العرض المعجز لآيات اللّه.
فقد جاء العرض على أسلوب من التربية الحكيمة العالية، التي تلتقى مع العقل في جميع مستوياته، وعلى مختلف أنماط تفكيره.
فقد بدأ العرض بالسماوات، مجملة من غير تفصيل.. هكذا.. {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها.. ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} وفى السموات، وفى هذا الملكوت الذي يقصر الطرف عنه، ويضيق الخيال عن تصوّره، منطلق لجميع العقول، ومسبح لكل المدركات.
وهيهات أن يكون إنسان، لم يرفع بصره إلى هذا الملكوت، ولم يسرح بخياله مع شموسه وأقماره وكواكبه، ونجومه! ثم يمسك القرآن- بعد هذا العرض العام للعالم العلوي- بظاهرتين بارزتين من مظاهر هذا العالم، وهما الشمس، والقمر، ففيهما مجال لنظر الناظرين، وتدبر المتدبرين.. ذلك أنه إذا غفل الإنسان الغافل الجهول، عن الوقوف على ما في السموات من آيات بيّنات، تحدّث عن قدرة القدير، وحكمة الحكيم، وعلم العليم- فإنه لن يستطيع- ولو حاول- أن يغمض عينيه عن الشمس والقمر، اللذين يملآن عليه وجوده.. وفى هذا يقول سبحانه: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} ثم يتحرك العرض إلى مستوى دون هذا المستوي.. فينتقل العرض من السماء إلى الأرض. وذلك لأنه إذا كان في الناس- وكثير ما هم- من لا يرى في ملكوت السموات، وما فيهن، من شمس وقمر، ونجوم، فلينظر إلى هذه الأرض التي يدبّ عليها، فيقول سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وهنا على هذه الأرض معارض مختلفة، تتفاوت فيها أنظار الناظرين.
فبعض الأنظار تقف على حدود النظرة الملقاة على هذه الأرض، فلا ترى إلا آفاقا فسيحة ممتدة تتحرك عليها أشياء، أشبه بالأطياف، لا تتبيّن العين منها شيئا.. على حين تنفذ بعض الأنظار إلى مدارج النّمال وأفاحيص القطا.
فترى فيها من عظمة القدرة، وجلال العلم، وروعة الحكمة، ما يملأ القلب خشوعا، وولاء، وحمدا للخلّاق العظيم.. رب العالمين.
فهذه الأرض المبسوطة على امتداد البصر.. تقف عندها بعض الأنظار ولا تتجاوزها.. وهذه الجبال الراسية عليها.. هى أبرز ما على هذه الأرض.
تعلق بها الأنظار، وتمسك بها.
ثم هذه الثمار.. التي هى معاش الإنسان.. إن لم يلتفت إليها ببصره، ألجأته الحاجة إلى أن يسعى إليها بقدمه، ويقلّب وجوه الأرض باحثا عنها بيده! وهذا الليل الذي يغشى النهار ويلبسه، ويحيل بياضه سوادا، ونوره ظلاما- هذا الليل يشدّ الأبصار شدّا إليه، لتتلمّس طريقها فيه، وترصد المخاوف التي تطلع عليها منه.
وهكذا، إذا استطاع الإنسان أن يفلت من النظر إلى واحدة من تلك الموجودات، لم يستطع أن يفلت من أخرى.. فإن لم يجىء إليها اختيارا أجاءته إليها اضطرارا.
ثم لا يقف الأمر عند هذا.
فهناك معارض بين يدى الإنسان، وتحت قدميه.
{وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
ففى هذا معارض متعددة.. يعيش فيها الإنسان بكيانه كلّه، ويلقاها بحواسّه جميعا.. البصر، والشمّ، والذوق، واللمس.. شأنه في هذا شأن الحيوان.
فإذا لم يكن وراء هذه الحواس عقلا يدرك، فقد خرج الإنسان من عالم البشر إلى عالم الحيوان، ولم يكن أهلا للخطاب، والتكليف! تلك هى دعوة الإسلام للعقل، كى يتعرف على اللّه، ويسلك سبيله إليه، بالنظر في ملكوته، والتدبّر فيما أبدع وصوّر.. وإن العقل- على أي مستوى- لن يخطئه الطريق إلى اللّه، إذا هو وقف بين يدى تلك الآيات، متجردا من الأهواء الفاسدة، والموروثات الضالة، وأعطى لنفسه الحقّ في الاستقلال بعقله، والإصغاء إلى صوت ضميره.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال