سورة الرعد / الآية رقم 19 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ المِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِراًّ وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ

الرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعدالرعد




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)}.
التفسير:
قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ} مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن اللّه سبحانه وتعالى ذكر في الآيات السابقة، الأعمى والبصير، والظلمات والنور، والزبد وما ينفع الناس.. وهى أمور متضادّة، كتضاد الشر والخير، والضلال والهدى.. كذلك الذين نظروا في آيات اللّه فعرفوا أنها الحق من اللّه، وأنها تنزيل من حكيم خبير، والذين عميت أبصارهم عن هذه الآيات، فلم يروا منها شيئا يهديهم إلى اللّه- هما عالمان متضادان.. هؤلاء مبصرون، وأولئك عمى لا يبصرون! والاستفهام في الآية الكريمة مراد به التقريع والتسفيه لأهل الشرك والضلال، الذين عميت بصائرهم عن التهدّى إلى الحق، على ضوء ما تلا عليهم الرسول الكريم من آيات اللّه.
وفى قوله تعالى: {إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ} هو تنويه بالمؤمنين الذين قادتهم عقولهم إلى الحق، فعرفوا اللّه، وآمنوا به، كما أنه تعريض بالمشركين واتهام لهم بالسّفه، والغفلة، وأنهم ليسوا من أصحاب العقول العاملة المبصرة! قوله تعالى: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ} هو صفة لأولى الألباب، أصحاب العقول المبصرة، والبصائر المدركة.
وعهد اللّه الذي يوفون به، هو كل عهد يقطعونه على أنفسهم للّه، أو للنّاس، وقد جعلوا اللّه كفيلا عليهم فيما أعطوا من عهد.. فالمؤمنون باللّه حقّا هم الذين إذا أعطوا مثل هذا العهد من أنفسهم، برّوا به ووفوا، وأبى عليهم إيمانهم، وولاؤهم للّه أن يعطوا عهدا باسمه، ثم يغدروا به وينقضوه، فذلك مما لا يتفق مع الولاء للّه، والإكبار لذاته، فضلا عن أنه حطّة بالكرامة الإنسانية، وإزراء بقدر الإنسان، وإسقاط لمروءته. وفى هذا يقول اللّه تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا.. إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ} [91: النحل] وأما الميثاق الذي لا ينقضونه، فهو الميثاق الذي أخذه اللّه سبحانه وتعالى على أبناء آدم وهم في عالم الأرواح، كما يقول سبحانه وتعالى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا} [172: الأعراف] وهذا الميثاق الذي أخذه اللّه على أبناء آدم، هو ما أودع فيهم من فطرة سليمة، من شأنها أن تتهدّى إلى اللّه، وتعرف طريقها إليه، وتؤمن به، لو أنها تركت وشأنها، دون أن يدخل عليها ما يفسدها، من وساوس الشيطان، وغوايات المغوين، وضلالات المضلّين.
وهذا ما يشير إليه قول الرسول الكريم: {ما من مولود إلا يولد على الفطرة، وإنما أبواه هما اللذان يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسّانه} ثم بعد هذا الميثاق، جاء ميثاق آخر يؤكده، ويذكّر به، وهو دعوة الرسول لهم إلى الإيمان باللّه، وأخذه الميثاق عليهم، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا} [7: المائدة] فنعمة اللّه هنا هى الرسول الذي جاءهم بكتاب اللّه إليهم، والميثاق هو ما أخذه الرسول عليهم عند بيعتهم له على الإيمان، حين قالوا:
{سمعنا وأطعنا} وإلى هذين الميثاقين- ميثاق اللّه، وميثاق الرسول- يشير اللّه سبحانه وتعالى بقوله: {وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [8: الحديد].. ففى هذه الآية ينكر اللّه سبحانه وتعالى على المتوقفين عن الإيمان، أو المعرضين عنه، هذا الموقف.
إذ ما كان لهم أن يترددوا في الإيمان باللّه، أو يعرضوا عن الإيمان به، ورسول اللّه يدعوهم إلى اللّه، ويذكرهم به، ويقدم لهم بين يديه كتابا من عنده.. هذا إلى الميثاق الذي أخذه اللّه عليهم من قبل وهم في عالم الأرواح، وهذا الميثاق هو الفطرة المودعة فيهم، وهى وحدها كانت كافية لأن يتعرفوا إلى اللّه ويؤمنوا به، إن كانت هذه الفطرة قد بقيت سليمة فيهم، مهيأة لقبول الإيمان: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أي إن كنتم ما زلتم على فطرتكم التي فطركم اللّه عليها.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ} هو بيان لصفات أخرى من صفات المؤمنين، بعد أن تأكد إيمانهم باللّه، ووفاؤهم بعهوده ومواثيقه.. فقد مدحهم اللّه سبحانه وتعالى بأنهم {يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} والذي أمر اللّه- سبحانه- به أن يوصل، هو الإيمان.. فهم بإيمانهم باللّه بعد أن أصبحوا في عالم الأشباح، وصاروا أهلا للتكليف- هم بهذا قد وصلوه بإيمانهم الذي كان منهم وهم في عالم الأرواح.. وهذا ما أمر اللّه به أن يوصل، إذ كانت دعوة الرسل إلى الإيمان باللّه، دعوة إلى وصل هذا الإيمان، بإيمان الفطرة المستكنّ فيها.
ولهذا ذمّ اللّه سبحانه الكافرين بأنهم قطعوا ما أمر اللّه به أن يوصل، فخانوا بهذا، عهد اللّه، ونقضوا ميثاقه، وفى هذا يقول الحق جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} [26- 27 البقرة].. ويقول سبحانه: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [25: الرعد] فالكافرون قد نقضوا عهد اللّه الذي معهم، بعد أن جاءهم رسله ليوثّقوه، ويذكّروا به، وهم بهذا الكفر قطعوا ما أمر اللّه به أن يوصل، وهو أن يصلوا إيمان الفطرة المركوز فيهم، بإيمان الدعوة على يد الرسل.. وهم بهذا الكفر قد أصبحوا أدوات هدم، وإفساد، في كيان المجتمع الإنسانى. كما يقول سبحانه.
وقوله تعالى: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ} بيان لبعض صفات أخرى للمؤمنين، وهى أنهم يخشون ربهم، ويخافون سوء الحساب يوم القيامة، إذا جاءوا إلى هذا اليوم بما لا يرضى اللّه من سيئات ومنكرات، ولهذا، فهم يتجنبون السوء، ويجانبون المنكر، خشية للّه، وخوفا من سوء الحساب، يوم الحساب! قوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} هو أيضا بيان للصفات المكملة لتلك الأوصاف التي ينبغى أن تكون للمؤمنين باللّه.. إيمانا حقا.
فهم يصبرون ابتغاء وجه ربهم.. يصبرون على ما أصابهم من ضر، وما مسّهم من أذى، وما نزل بهم من مكروه، يرجون بهذا، الجزاء الحسن من اللّه على رضاهم بالمكروه، وصبرهم على الضر، إذ كان ذلك تسليما منهم بقضاء اللّه، وإيمانا بحقه سبحانه وتعالى في ملكه، يفعل ما يشاء، لا معقّب لحكمه.. واللّه سبحانه وتعالى يقول: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} [155: 156 البقرة] ففى الصبر على المكاره، تسليم للّه سبحانه وتعالى بما قضى به، وطمع في رحمته ولطفه {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ} [87: يوسف] وفى هذا يقول الرسول الكريم: «حفّت الجنة بالمكاره» إذ كان في استقامة الإنسان على طاعة اللّه، قهر لأهواء النفس، ومغالبة للشهوات.
وفى قوله تعالى: {ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} إشارة إلى أن متوجههم في احتمال الضر، والصبر على المكروه، إنما هو من أجل الظفر برضا اللّه عنهم.
إذ كان ذلك هو مبتغاهم من احتمال المكاره، والوفاء بالتكاليف الشرعية، من عبادات، ومعاملات وغيرها.. فالمراد بوجه ربهم هنا، هو إقباله- سبحانه وتعالى عليهم- وقبوله لهم.
وفى قوله تعالى: {وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} هو عطف خاص على عام، إذ كان الصبر جامعا لجميع التكاليف الشرعية، ومنها إقامة الصلاة، والإنفاق في السر والعلن، ودفع السيئة بالحسنة.. فهذه كلها مما لا يقوم بالوفاء بها إلا من رزقه اللّه الصبر والاحتمال.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى عن الصلاة: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها} [122: طه] وما يشير إليه قوله سبحانه عن درء السيئة بالحسنة: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [34- 35: فصلت].
فالصبر هو ملاك كل طاعة، وميزان كل إيمان، وعقد كل عقيدة.
ولهذا جاء قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ} جاء جامعا بين الحق والصبر، إذ أنه لا يقوم حق إلا قام من ورائه الصبر.. إذ أنّ أكل حق يترصّد له الباطل، ويزحمه الضلال.. وتجلية الحق، ودفع الباطل عنه، يحتاج إلى مدد عظيم من الصبر والمصابرة.
قوله تعالى: {أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} الإشارة هنا ترجع إلى أولى الألباب، الذين عرفوا اللّه وآمنوا به، واتصفوا بتلك الأوصاف الكريمة التي عرضتها الآيات السابقة.. فهؤلاء لهم عقبى الدار.
والعقبى: العاقبة.. وعاقبة كل أمر خاتمته، وغايته.
والدار هنا: هى دار الدنيا.
{وعُقْبَى الدَّارِ} أي الخاتمة التي ختمت بها هذه الدار، وهى عمل كل عامل فيها، فمن عمل خيرا كانت عاقبته خيرا، ومن عمل سوءا كانت عاقبته بلاء ونكالا.
ولهذا جاء قوله تعالى: {لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} بإضافة العاقبة لهم، ولم يجعلها عليهم، بمعنى أن هذه العاقبة مما يملكه الإنسان ويحرص على اقتنائه، إذا كان خيرا.. على حين أن العاقبة إذا كانت شرا، نفر منها الإنسان، وحاول أن يفلت منها، ويوليها ظهره، ولكها تحمل عليه حملا.. وإلى هذا يشير قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ} [286: البقرة].
قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} هو بدل من قوله تعالى: {لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}.
أي أن عقبى الدار هذه هى {جَنَّاتُ عَدْنٍ} حيث تنتهى بالمؤمنين حياتهم الدنيا عند جنات عدن.. {يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} أي أن هذه الجنات التي يجدها المؤمنون عند انقطاع حياتهم الدنيا، هى لهم، مفتحة أبوابها، يدخلونها هم، ومن كان صالحا لدخولها من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، وفى هذا أنس لهم جميعا، حيث يجتمع شملهم، ويكمل نعيمهم.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [21: الطور].
وفى قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ.. فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}.
بيان لما يدخل على المؤمنين من مسرّات، وهم في جنات النعيم.. إذ يحيّون فيها من ملائكة الرحمن، تحية ترحيب وتكريم: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ} وهم لا يدخلون عليهم من باب واحد، بل من أبواب كثيرة.. من يمين وشمال، وأمام، وخلف.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [44: الأحزاب] وقوله سبحانه: {أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً، وَسَلاماً} [75: الفرقان].
وفى قوله تعالى: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} من غير وصله بما قبله، إشارة إلى أن دخول الملائكة عليهم، هو في ذاته سلام وأمن، وهو تحية حيّة ولو لم ينطقوا بها.. ولهذا لم يجىء اللفظ القرآنى: يقولون {سلام عليكم} بل جاء هكذا: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ}.
وفى قوله تعالى: {بِما صَبَرْتُمْ} إشارة إلى أن الصّبر هو المطية الذّلول التي بلغت بالمؤمنين هذا المنزل الكريم، ونقلتهم من عالم الفناء إلى عالم البقاء والخلود في جنّات النعيم.. {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} أي فنعم عقبى الدار الدنيا، هذه الدار.. دار الآخرة..




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال