سورة الحجر / الآية رقم 61 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ قَالُوا لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ القَانِطِينَ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المُرْسَلُونَ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوَهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الغَابِرِينَ فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ المُرْسَلُونَ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ وَجَاءَ أَهْلُ المَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العَالَمِينَ

الحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجرالحجر




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (69) قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (70) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)}.
التفسير:
قوله تعالى: {فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}.
المرسلون، هم الملائكة، الذين كانوا مع إبراهيم منذ قليل.. وهنا تنتقل أحداث القصة من الموقف مع إبراهيم، إلى لوط.. عليهما السلام.
وكما وجد إبراهيم في نفسه من مفاجأة الملائكة له ما وجد من فزع وتخوّف- وجد لوط هذه المشاعر منهم، فقال: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}.
وفى هذا الموقف نجد فرقا بين إبراهيم ولوط.
فإبراهيم قال ما قال في همس، وتخافت، دون أن يجبه الضيف بما يسوؤهم، طاويا تلك المشاعر في صدره، ممسكا بها في كيانه،. فقال: {إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} أما لوط فإنه لم يستطع أن يغالب هذا الشعور الموحش الذي استولى عليه من القوم، فواجههم بما وقع في نفسه منهم، وقال: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}.
ولهذا كان إبراهيم أهلا لهذا الوصف الكريم، الذي وصفه اللّه سبحانه وتعالى به في قوله سبحانه: {إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}.
ولعلّ مما يقوم للوط من عذر في مجابهة القوم بهذا القول هو ما رآه فيهم من ملاحة وحسن، مما يغرى قومه بهم، الأمر الذي يسوؤه أن يقع لمن ينزل في ضيافته.
وهنا سؤال أيضا.. وهو: لما ذا كان الحديث عن لوط في مجىء الرسل، إليه غير موجه إليه، بل كان موجها إلى آله.. هكذا: {ولمّا جاء آل لوط المرسلون}؟ ولم التزم القرآن هذا التعبير في كل مرة ورد فيها مجىء الرسل إلى لوط؟.
والجواب على هذا- واللّه أعلم- أن لوطا عليه السلام كان هو وآل بيته.
غير امرأته- كلّ من آمنوا باللّه في القرية.. كما يقول سبحانه وتعالى: {فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [36: الذاريات].. وبهذا يكون لوط ومن آمن معه من آل بيته، هم كيان واحد سليم، في مجتمع هذه القرية الفاسدة، ومن هنا كان الحديث إلى لوط في هذا الجسد الذي يضمه ويضمّ أهله الذين آمنوا معه، والذين هم أشبه ببعض أعضائه!.
قوله تعالى: {قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ}.
الامتراء: الجدل في غير حق.
وهذا هو الردّ الذي واجه به الملائكة إنكار لوط لهم، فقد جاءوه ببشرى أشبه بتلك البشرى التي بشروا بها إبراهيم من قبله، حين بشروه بغلام عليم.
وفى قولهم: {بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ} إضراب على تلك المشاعر التي وقعت في نفس لوط منهم، وأنهم ما جاءوا بما يخيفه ويؤذيه، بل جاءوا لنجدته، ولتصديق وعيده للقوم، الذين كانوا يستخفّون بما أنذرهم به من عذاب اللّه ونقمته.. أي إننا لم نجىء بما يخيفك، بل جئنا بالبلاء الذي كنت نتوعد به القوم فيمترون فيه، ويكذبون به.. فهذا هو ما جئناك به، وإنه للحقّ الذي كنت تتحدى به القوم وهم يكذبون ويسخرون: {وَإِنَّا لَصادِقُونَ} فيما نحدّثك به، فليفرخ روعك، وليطمئن قلبك.
قوله تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ}.
القطع من الليل: الجزء، والبقية الباقية منه.. والمراد به هنا، الجزء الأخير من الليل الذي يسبق الفجر.
وهكذا دبّر الملائكة الأمور مع {لوط}، وهو أن يسرى بأهله، أي يخرج بهم ليلا، من غير أن يشعر به القوم، وأن يكون هذا السّرى في آخر اللّيل، وذلك بعد أن تسكن الحياة في القرية، ويستغرق القوم في نوم عميق.. وأن يكون وراء أهله السّارين معه، وعلى أثرهم، كالراعى وراء قطيعه.
وفى قوله تعالى: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} إشارة إلى أن يقطعوا ما بينهم وبين القرية وأهلها من كل شعور يلفتهم إليها، ومن كل عاطفة تعطفهم نحوها.
وفى قوله تعالى: {وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} إشارة إلى أن لوطا في مسراه هذا لا يعرف الوجهة التي سيأخذها في سيره، وإنما سيلهم ذلك من اللّه سبحانه، وسيأتيه الأمر بالاتجاه إلى الجهة التي أرادها اللّه سبحانه وتعالى له.
قوله تعالى: {وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ}.
أي أنهينا إليه ذكر الأمر، وأفضينا إليه بما فيه، وذلك عن طريق الوحى بوساطة هؤلاء الملائكة.. وهو أن {دابر هؤلاء القوم مقطوع مصبحين} أي مهلكهم هو الصبح، بحيث لا تبقى منهم باقية.
قوله تعالى: {وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ}.
لقد أدّى الملائكة مهمتهم مع لوط، وأفضوا إليه بما جاءوا به.. ولكن كان ذلك بعد أن جاءه قومه، حين علموا بهؤلاء الضيوف الذين نزلوا عنده، يريدون الفاحشة بهم، فأقبلوا إليه، وقد طارت قلوبهم فرحا واستبشارا، بهذا الصيد السمين، الذي وقع في الشرك! وقد دفعهم لوط عنهم، مستبشعا هذا الفعل المنكر في ذاته، ثم هو أشد استبشاعا وإنكارا له، في ضيوف نزلوا عنده.
قائلا: {إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي.. فَلا تَفْضَحُونِ.. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ..}.
وكان ردّهم عليه، هو ما حكاه اللّه سبحانه وتعالى عنهم في قوله: {قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ؟} أي ألم نحذّرك من أن تتعرض لنا، وأن تحول بيننا وبين أحد من الناس أيّا كانوا، سواء أكانوا من قومنا، أو من أي قوم آخرين؟ وهذا ما تشير إليه كلمة {العالمين} التي تشمل الناس جميعا من كل جنس، ومن كل أمة.
{قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ}.
وهكذا يدفع لوط هذا المنكر بكل ما يملك من قوى الدفع.. لقد عرض على هؤلاء القوم الضالّين بناته، ليتخذوا منهن زوجات لهم، وليكون لكل منهم زوجة من نساء قريتهم.
فذلك هو الذي ينبغى أن يكون من الرجال.
{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
هذه الآية الكريمة، جاءت معترضة في ثنايا أحداث القصة.. وفيها التفات إلى النبىّ الكريم محمد- صلوات اللّه وسلامه عليه- ليرى صورة من صور الإنسانية الضالّة، التي يستبدّ بها الضلال، ويركبها التزق والطيش، فلا تستمع لرشد، ولا تستجيب لنصح.
وفى القسم بالنبيّ الكريم، تكريم له، واحتفاء بشخصه، وتمجيد لقدره، ورفع لمنزلته.. فما أقسم الحق سبحانه وتعالى بإنسان غير هذا الإنسان، وفى ذلك إشارة إلى أنه واحد الإنسانية والممثل لها.. فقد أقسم الحق سبحانه وتعالى بكثير من العوالم الأخرى، إذ كانت كلّها قائمة على ما خلقها الخالق- سبحانه- دون أن تنحرف قيد أنملة.. أما عالم البشر وحده، ففيه انحرافات لم يسلم منها إنسان، إلا أنها في رسل اللّه والمصطفين من عباده لا تعدو أن تكون ذبذبات خفيفة، لا تعكرّ صفوهم، ولا تميل بهم عن الصراط المستقيم.
ومحمد- صلوات اللّه وسلامه عليه- كان في هذا أكملهم كمالا، وأصفاهم صفاء!! إنه الإنسان الذي تتمثل فيه الإنسانية كلها في أعلى منازلها، وأكرم صورتها.
والسّكرة: ما يعترى الإنسان من ذهاب عقله، بمعاطاة خمر أو نحوها، مما يذهب بالعقل.
والعمه: العمى والضلال.
قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ}.
الضمير في أخذتهم، يعود إلى قوم لوط، ومشرقين أي عند الشّروق.. شروق الشمس.. والصيحة، هى العذاب الذي أهلكوا به.
قوله تعالى: {فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} هو بيان لآثار هذه الصيحة، وأنها قلبت القرية، فجعلت أعلاها أسفلها، أي أنها أتت على بنيانها، فجعلته أرضا.. ثم تبع ذلك مطر من حجارة موسومة، معّدة ومحمّلة بالمهلكات.
قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}.
المتوسّمون هم الذين يستدّلون على حقائق الأشياء بالسّمات الظاهرة أو الخفية منها.. وهذا لا يكون إلا عن نظر متفحّص، وبصيرة نافذة.
وهذا المصير الذي صارت إليه قرية لوط وأهلها، قد خلّف وراءه كومات من تراب.. فمن رآها بنظر غافل، وعقل شارد، لم ير إلا التراب المهيل، ومن تفحص فيما وراء هذا التراب، رأى ما يجنى الضلال على أهله، وما يخلف الهوى من شؤم وبلاء وراءه.
قوله تعالى: {وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ}.
أي إن هذه القرية لا تزال من مخلفات الدمار والهلاك.. قائمة حيث كانت، يراها كل من يمر بها في هذه المواطن.
قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} أي في هذه المخلفات آية لمن كان مستعدا للإيمان، حين تلوح له دلائل الحق، وتبدو له شواهده.
ومن إعجاز القرآن هنا ما نجده في اختلاف النظم بين فاصلتى الآيتين في قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} وفى قوله سبحانه: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ}.
ومن أسرار هذا الاختلاف:
أولا: أن المتوسّمين- وهم كما قلنا- أصحاب البصر الحديد والبصيرة النافذة- تتكشف لهم من ظواهر الأشياء أمور لا تتكشف لغيرهم من سائر الناس.
فهم يرون آيات، على حين يرى غيرهم آية.. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} وذلك فيما تحدّث به أخبار القوم الظالمين.
وثانيا: أن المؤمنين، أو من في كيانهم استعداد للإيمان- هؤلاء، لا يحتاجون إلى كثير من الأدلة والبراهين، حتى يذعنوا للحق، ويهتدوا إلى الإيمان، وإنما تكفيهم الإشارة الدالّة، أو اللمحة البارقة، حتى يكونوا على طريق الإيمان.. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ}.
وذلك فيما تحدث به مخلّفات هؤلاء القوم الهالكين.
وثالثا: أن الإيمان أمره هيّن، ومراده قريب.. وأن القاصد إليه، الباحث عنه، لا يحتاج إلى معاناة نظر، أو كدّ ذهن، وكل ما يحتاج إليه في تلك الحال، هو أن يخلى نفسه من التشبث، والعناد، والمكابرة، وأن يلقى وجه الإيمان بقلب سليم، ورأى مستقيم.. عندئذ يرى أن الإيمان أقرب شيء إليه، وآلف حقيقة عنده.. إذ كان جاريا مع الفطرة الإنسانية، متجاوبا مع أشواقها وتطلعاتها.
هذا، وقد جاء النظم القرآنى لقصّة لوط هنا، مخالفا لما جاء عليه في مواضع أخرى.. ذلك أن الملائكة هنا أخبروه بهلاك القوم، وبما ينبغى أن يفعله هو وأهله حتى لا ينزل بهم ما ينزل بأهل القرية من دمار وهلاك- أخبروه بهذا قبل أن يعلم أهل القرية بهم، وقبل أن يجيئوا إلى لوط يريدون الفاحشة في هؤلاء الضيوف.. هكذا تحدث الآيات هنا.
وفى مواضع أخرى جاء النظم القرآنى على غير هذا، كما يقول اللّه تعالى في سورة {هود} مثلا: {وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِي ءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} (الآيات: 77- 81: هود) وترتيب الأحداث هنا غير ترتيبها في النظم السابق.. كما ترى.
فما جواب هذا؟
والجواب- واللّه أعلم- هو أن الملائكة في هذه الآيات- قد ألقوا بالبشرى إلى لوط، حين التقوا به، ورأوا ما دخل عليه منهم من خوف وفزع، فقالوا له: {لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ}.
ثم جاءه قومه بعد ذلك، وكان ما كان منهم معه ومع الملائكة.. فكان من لوط كرب وضيق مما حلّ بالملائكة، وتشبث قومه بهم، ومحاولة الاعتداء عليهم، فكان حديث الملائكة له بقولهم: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} توكيدا لما حدّثوه به من قبل، وأنهم إذا كانوا على تلك الصفة فلن ينالهم أحد بمكروه.. ثم كان من تمام ذلك أن أعادوا تذكيره بما حدثوه به من قبل، وهو أن يسرى بأهله بقطع من الليل ولا يلتفت منهم أحد إلى هؤلاء القوم الذين خلفوهم وراءهم ليلاقوا مصيرهم.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال