سورة النحل / الآية رقم 82 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلاغُ المُبِينُ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الكَافِرُونَ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا العَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِن دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ القَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ

النحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحل




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


قلت: {مسخرات}: حال من {الطير}، و{سكنًا}: مصدر وُصف به، أي: شيئًا سكنًا، أو: فَعَلٌ؛ بمعنى مفعول. و{أثاثًا}: مفعول بمحذوف، أي: وجعل من أوبارها أثاثًا.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {ألم يروا}، وفي قراءة: {ألم تروا}؛ بتوجيه الخطاب لعامة الناس، {إلى الطير مسخراتٍ}: مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المواتية، {في جو السماء}؛ في الهواء المتباعد من الأرض. {ما يُمسكهنَّ} فيه {إلا اللهُ}؛ فإن ثِقلَ جسدها يقتضي سقوطها، ولا علاقة فوقها ولا دعامة تحتها تمسكها، {إنَّ في} تسخيره {ذلك} لها {لآيات}؛ لعبرًا ودلالة على قدرته تعالى؛ إذ لا فاعل سواه؛ فإنَّ إمساك الطيران في الهواء هو على خلاف طباعها، لولا أن القدرة تحملها، ففيه آيات {لقوم يؤمنون}؛ لأنهم هم المنتفعون بها.
{والله جعل لكم من بيوتكم سكنًا}: موضعًا تسكنون فيه وقت إقامتكم، كالبيوت المتخذة من الحجر والمدَر. و {مِنْ} للبيان، أي: جعل لكم سكنًا، أي: موضعًا تسكنونه، وهو بيوتكم، {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتًا}، هي القباب المتخذة من الأدم، ويجوز أن يتناول المتخذة من الوبَر والصوف والشعر، فإنها، من حيث إنها نابتة على جلودها، كأنها من جلودها، {تستخفونها} أي: تجدونها خفيفة، يخف عليكم حملها وثقلها {يوم ظعنكم} أي: سفركم، وفيه لغتان: الفتح والسكون، {ويوم إقامتكم}: حضوركم، أو نزولكم، {و} جعل {من أصوافها} أي: الغنم، {وأوبارها} أي: الإبل، {وأشعارها} أي: المعز، {أثاثًا}: متاعًا لبيوتكم؛ كالبسُط والأكسية، {ومتاعًا} تمتعون به {إلى حينٍ}؛ إلى مدة من الزمان، فإنها، لصلابتها، تبقى مدة مديدة، أو: إلى مماتكم، أو: إلى أن تقضوا منها أوطاركم، أو: إلى أن تبلى.
{والله جعل لكم مما خلق} من الشجر والجبال والأبنية، وغيرها، {ظِلالاً} تتقون بها حر الشمس، {وجعل لكم من الجبال أكنانًا}؛ جمع: كَن، ما تكنون، أي: تستترون به من الحر والبرد، كالكهوف والغيران والبيوت المجوفة فيها، {وجعل لكم سرابيل} جمع: سربال؛ ثيابًا من الصوف والكتان والقطن وغيرها، {تقيكم الحرَّ} والبرد، وخص الحر بالذكر، اكتفاء بأحد الضدين، أو لأن وقاية الحر كانت أهم عندهم. {وسرابيل تقيكم بأسكم}: حربكم، كالطعن والضرب. وهي: الدروع، وتسمى: الجواشن، جمع جَوشن، وهو الدرع، {كذلك}؛ كإتمام هذه النعم؛ بخلق هذه الأشياء المتقدمة، {يُتم نعمتَه عليكم} في الدنيا؛ بخلق ما تحتاجون إليه، {لعلكم} يا أهل مكة {تُسْلمون} أي: تنظرون في نعمه، فتؤمنون به، أو تنقادون لحكمه. وفي قراءة: بفتح التاء، أي: تسلمون من العذاب بالإيمان، أو تنظرون فيها، فتوحدون، وتَسلمون من الشرك، أو من الجراح؛ بلبس الدروع.
{فإِن تولوا}: أعرضوا، ولم يقبلوا منك، أو لم يُسلموا. {فإِنما عليك} يا محمد {البلاغُ المبين} أي: الإبلاغ البين، فلا يضرك إعْراضهم حيث بلَّغْتَهُمْ.
{يعرفون نِعْمَتَ الله} أي: يُقرون بأنها من عنده، {ثم يُنكرونها} بإشراكهم وعبادتهم غيرَ المنعِم بها، وبقولهم: إنها بشفاعة آلهتنا، أو بسبب كذا، أو بإعراضهم عن حقوقها. وقيل: نعمة الله: نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، عرفوها بالمعجزات، ثم أنكروها؛ عنادًا. {وأكثرهم الكافرون}؛ الجاحدون؛ عنادًا. وذكر الأكثر؛ إمَّا لأن بعضهم لم يعرف الحق؛ لنقصان عقله، أو لتفريطه في النظر، أو لم تقم عليه الحجة؛ لأنه لم يبلغ حد التكليف، أو كان فيهم من داخله الإسلام، ومن أسلم بعد ذلك. وإما لأنه أقام الأكثر مقام الكل، كقوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [النّحل: 75]. قال بعضه البيضاوي.
الإشارة: قال الورتجبي: بيَّن الحقُّ تعالى قدرته في إمساكه أطيار الأرواح في هواء الملكوت وسماء الجبروت، حتى ترفرفت بأجنحة العرفان والإيقان، على سرادق مجده وبساط كبريائه، مسخرات بأنوار جذبه، ما يمسكهن إلا الله، بكشف جماله لها، أمسكها به عن قهر سلطانه وسُبحات جلاله، حتى لا تفنى- أي: تتلاشى- في بهائه. اهـ.
والله جعل لكم من بيوتكم سكنًا- وهي العبودية-، تسكنون فيها وتأوون إليها، بعد طيران الفكرة في جو أنوار الملكوت، وميادين أسرار الجبروت. أو الحضرة تسكن فيها قلوبكم، فتصير مُعَشَّشَ أرواحكم، إليها تأوون، وفيها تسكنون. وجعل لكم منازل تنزلون فيها عند السير إلى حضرة ربكم، وهي المقامات التي يقطعها المريد، ينزل فيها ويرتحل عنها. وجعل لكم من أردية الأكوان وألوانها واختلاف أصنافها، تمتعًا بشهود أنوار مكونها فيها، إلى انطوائها وظهور أضدادها بقيام الساعة، فتظهر القدرة وتبطن الحكمة، ويظهر المعنى ويبطن الحس.
والله جعل لكم مما خلق من الأكوان ظلالاً، والظلال لا وجود لها من ذاتها، فكذلك الأكوان لا وجود لها مع الحق، وإنما هي ظلال. والظلال ليست بموجودة ولا مفقودة. وجعل لكم من جبال العقل أكنانًا، تستترون بنوره من جذب الاصطلام؛ بمواجهة أنوار الحضرة. وجعل لكم سرابيل الشرائع تقيكم حَرَّ الحقيقة، وسرابيل الحقائق تقيكم بأس سهام الأقدار، فإنَّ من عرف الله؛ حقيقة؛ هان عليه ما يُواجَهُ به من المكاره. وفي هذا المعنى أنشد بعضهم:
نِلْبِسٍ عمَامْ مِنِ الماءْ *** وِنْشِدِّهَا شَدِّ مَائِلْ
وِنِلْبِسْ مِنِ الثَّلْجِ بُرْنُسْ *** إِذا حِمِتِ الْقَوائِلْ
وِنِشْعِلْ مِنِ الرِّيحْ قَنْدِيلْ *** وِمْنِ الضَّبْابْ فَتَائِل
والمراد بعمامة الماء: كناية عن الحقيقة؛ لأنها كالماء لحياة النفوس. وميل شدها: كناية عن قوتها، وتكبيرها؛ على الشريعة. والمراد ببرنس الثلج: برد التشريع، فإذا قويت الحقيقة، وخاف من الاحتراق، نزل إلى برد التشريع. والمراد بالريح: هبوب نسيم الواردات الإلهية، يشعل منها قنديل الفكرة- التي هي سراج القلب-، فإذا ذهبت فلا إضاءة له، وهذه حالة السائر، وأما الواصل فقد سكن النور في قلبه، فلا يحتاج إلى سراجٍ غيره تعالى. وفي ذلك يقول الشاعر:
كُلُّ بَيْتٍ أنت سَاكنُهُ *** غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلى سُرُجِ
وَجْهُكَ المَحْمُودُ حُجَّتُنَا *** يوم يأْتِي الناس بالحجج
والمراد بالضباب: وجود السِّوى، فإنه يحترق عند اشتعال الفكرة. والله تعالى أعلم. وباقي الآية ظاهر إشارته. ثم ذكر وعيد من أعرض عن هذه النعم، التي هي دلائل قدرته.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال