سورة البقرة / الآية رقم 194 / تفسير روائع البيان / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَاقْتُلُوَهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوَهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوَهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوَهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفَُورٌ رَّحِيمٌ وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ

البقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}
[9] مشروعية القتال في الإسلام:
{ثَقِفْتُمُوهُم}: الثّقْفُ: الأخذ، والإدراك، والظفر يقال: ثقفه وجده أو ظفر به.
قال في اللسان: ثَقِف الرجلَ: ظفر به قال تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب} [الأنفال: 57] ورجل ثقيف إذا كان محكماً لما يتناوله من الأمور.
قال الراغب: الثقفُ: الحِذقُ في إدراك الشيء وفعله، ومنه استعير المثاقفة ويقال: ثقفتُ كذا إذا أدركته ببصرك لحذقٍ في النظر.
وفي (الكشاف): الثقفُ وجودٌ على وجه الأخذ والغلبة، ومنه رجلٌ ثقف، سريع الأخذ لأقرانه، قال الشاعر:
فإمّا تثقفوني فاقتلوني *** فمن أثقفْ فليس إلى خلود
والمعنى: اقتلوا الكفار حيث وجدتموهم وظفرتم بهم في حِلّ أو حرم.
{والفتنة}: الفتنة: الابتلاء والاختبار، وأصلها من الفتن وهو إدخالُ الذهب النارَ لتظهر جودته من رداءته.
قال الأزهري: جماع معنى الفتنة: الابتلاء والامتحان، والاختبار، مأخوذ من قولك: فتنتُ الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار لتميزّ الرديء من الجيد.
والمعنى: إيذاء المؤمن بالتعذيب والتشريد، بقصد أن يتركوا دينهم ويرجعوا كفاراً، أعظم جرماً عند الله من القتل. وقال ابن عباس: الشرك أعظم من القتل في الحرم.
{والحرمات قِصَاصٌ}: الحُرُمات جمع حُرْمة، كالظُلمات جمع ظلمة، والحُرْمة كل ما منع الشرع من انتهاكه، وإنما جمعت لأنه أراد حرمة الشهر الحرام، وحرمة البلد الحرام، وحرمة الإحرام، والقصاصُ: المساواة والمماثلة وقد تقدم.
والمعنى: إذا انتهكوا حرمة الشهر فقاتلوكم فيه فقاتلوهم أنتم أيضاًَ ولا تتحرجوا. قال الزجاج: أعلم الله المسلمين أنه ليس لهم أن ينتهكوا هذه الحرمات على سبيل الابتداء، بل على سبيل القصاص.
{التهلكة}: التهلُكة بضم اللام بمعنى الهلاك، يقال: هلكَ يهلك هلاكاً وتهلُكةً.
قال أبو عبيدة: التهلكةُ، والهَلاَك، والهُلْك واحد، مصدر هلك.
وفي اللسان: التهلكةُ: الهلاكُ، وقيل: كلّ شيء تصير عاقبته إلى الهلاك.
{المحسنين}: جمع محسن وهو الذي ينفع غيره بنفعٍ حسنٍ، أو يحسن عمله بفعل ما يرضي الله تعالى.
المعنى الإجمالي:
يقول الله جل ثناؤه ما معناه: قاتلوا- أيها المؤمنون- في سبيل إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه الذين يقاتلونكم من الكفار، ولا تعتدوا بقتل الأطفال، والنساء، والشيوخ، ممن لا قدرة لهم على القتال، فإن الله يكره البغي والعدوان أيّاً كان مصدره.
واقتلوهم أينما أدركتموهم وصادفتموهم، ولا يصدّنكم عنهم أنكم في أرض الحرم، وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه وهو مكة بلدكم الأصلي، الذي أخرجوكم منه ظلماً وعدواناً، والفتنة للمؤمنين وإيذاؤهم بالتعذيب والتشريد، والإخراج من الوطن، والمصادرة للمال، أشد قبحاً من القتل ولا تقاتلوهم- أيها المؤمنون- عند المسجد الحرام، حتى يبدؤوكم بالقتال، فإن قاتلوكم فاقتلوهم ولا تستسلموا لهم، فالبادئ هو الظالم، والمدافع غير آم كذلك جزاء الكافرين، فإن انتهوا عن عدوانهم فإن الله غفور رحيم.
ثمّ أكد تعالى الأمر بقتال الكفار، وبيّن الغاية منه وهي ألاّ يوجد شيء من الفتنة في الدين، فقال: قاتلوهم حتى تظهروا عليهم فلا يفتنوكم عن دينكم، ويكون الدين خالصاً لله، فلا يعبدون دونه أحد، وتكون العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان، فإذا انتهوا عن قتالكم، ودخلوا في دينكم فاتركوا قتالهم لأنه لا ينبغي أن يعتدي إلا على الظالمين. ثم أخبر تعالى أنّ المشركين بإصرارهم على الفتنة وإيذائهم للمؤمنين، فعلوا ما هو أشد قبحاً من القتل، فقال مخاطباً المؤمنين: الشهر الحرام يقابل بالشهر الحرام، وهتك حرمته تقابل بهتك حرمته، فلا تبالوا- أيها المؤمنون- بالقتال فيه إذا اضررتم للدفاع عن دينكم، وإعلاء كلمة الله، فمن تعرّض لقتالكم واعتدى عليكم فقاتلوه، وردّوا عدوانه بلا ضعفٍ ولا تقصير، بمثل ما يعتدي عليكم، واتقوا لاله فلا تبغوا وتظلموا في القصاص، إن الله يحب المتقين.
ثم أمر تعالى بالجهاد بالمال بعد الأمر بالجهاد بالأنفس فقال: وأنفقوا في سبيل الله أي ابذلوا المال في سبيل الله لنصرة دينه، والدفاع عن الحق، ولا تبخلوا فتشحوا بالمال، فإن ذلك يضعفكم، ويمكّن الأعداء من نواصيكم فتهلكون، وأحسنوا فإن الله يحب المحسنين.
سبب النزول:
أولاً: روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صُدّ عن البيت، ونحر هديه بالحديبية، وصالحه المشركون على ان يرجع من العام المقبل رجع، فلما تجهز في العام المقبل خاف أصحابه أن لا تفي لهم قريش بذلك، وأن يصدوهم ويقاتلوهم، وكره أصحابه القتال في الشهر الحرام فنزلت هذه الآية: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ} قاله ابن عباس.
ثانياً: وروي أن المشركين قالوا للنبي عليه السلام: أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام؟ قال: نعم، وأرادوا أن يفتروه في الشهر الحرام فيقاتلوه فيه فنزلت هذه الآية: {الشهر الحرام بالشهر الحرام} قاله الحسن.
ثالثاً: وروي عن ابن عباس أنه قال: نزلت في عمرة القضاء وعام الحديبية في ذي القعدة سنة ست، فصدّه كفار قريش عن البيت فانصرف، ووعده الله سبحانه أنه سيدخله، فدخله سنة سبع وقضى نسكه فنزلت هذه الآية: {الشهر الحرام بالشهر الحرام}.
رابعاً: وروى ابن جرير الطبري: عن (أسلم أبي عمران) قال: كنا بالقسطنطينية، وعلى أهل مصر (عقبة بن عامر) وعلى أهل الشام (فضالة بن عُبيد) فخرج صفٌ عظيم من الروم فصففنا لهم، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله، ألقى بيده إلى التهلكة، فقام (أبو أيوب الأنصاري) صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على هذا التأويل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار، إنّا لما أعزّ الله دينه، وكثّر ناصريه، قال بعضنا لبعضٍ سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعزّ الإسلام، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله في كتابه يرد علينا ما هممنا به: {وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} فكانت التهلكة الإقامة في الأموال، وإصلاحها، وتركنا الغزو فما زال (أبو أيوب) غازياً في سبيل الله، حتى قبضه الله ودفن بالقسطنطينية.
وجوه القراءات:
قرأ الجمهور (ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه، فإن قتلوكم فاقتلوهم) بالألف في (تقاتلوهم) و(يقاتلوكم) و(قاتلوكم) وقرأ حمزة والكسائي، وخلف بحذف الألف فيهن (ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكمفيه، فإن قتلوكم).
قال الطبري: وأولى هاتين القراءتين بالصواب قراءة من قرأ (ولا تقاتلوهم) لأن الله تعالى ذكره لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حال إذا قاتلهم المشركون بالاستسلام لهم.
وجوه الإعراب:
أولاً: قوله تعالى: {كَذَلِكَ جَزَآءُ الكافرين}.
قال العكبري: (كذلك) مبتدأ، و(جزاء) خبره، والجزاء مصدر مضاف إلى المفعول، ويجوز أن يكون في معنى المنصوب ويكون التقدير: كذلك جزاء الله الكافرين.
ثانياً: قوله تعالى: {حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} حتّى بمعنى (كي) ويجوز أن تكون بمعنى إلى أن، وكان تامة، والمعنى: وقاتلوهم إلى أن لا توجد فتنة.
ثالثاً: قوله تعالى: {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظالمين} عدوان: اسم (لا) والجملة (إلا على الظالمين) في موضع رفع خبر (لا) قال العكبري: ففي الإثبات يقول: العدوان على الظالمين، فإذا جئت بالنفي وإلاّ بقي الإعراب على ما كان عليه.
لطائف التفسير:
الطيفة الأولى: لا يذكر في القرآن الكريم لفظ (القتال) أو (الجهاد) إلا وهو مقرون بعبارة (سبيل الله) وذلك يدل على أن الغاية من القتال غاية مقدسة نبيلة هي (إعلاء كلمة الله) لا السيطرة أو المغنم، أو إظهار الشجاعة، أو الاستعلاء في الأرض، وقد وضّح هذه الغاية النبيلة قوله عليه السلام: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».
اللطيفة الثانية: قال الزمخشري عند قول الله تعالى: {والفتنة أَشَدُّ مِنَ القتل} أي المحنة والبلاء الذي ينزل بالإنسان يتعذب به أشد عليه من القتل، وقيل لبعض الحكماء: ما أشدّ من الموت؟ قال: الذي يتمنى فيه الموت.. جعل الإخراج من الوطن من الفتن والمحن التي يتمنى عندها الموت، ومنه قول القائل:
لقتلٌ بحدّ السيف أهون موقعاً *** على النفس من قتلٍ بحد فِراق
اللطيفة الثالثة: قوله تعالى: {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظالمين}.
قال الإمام الفخر: فإن قيل: لم سمّى ذلك القتل عدواناً مع أنه حقٌ وصواب؟
قلنا: لأن ذلك القتل جزاء العدوان، فصحّ إطلاق اسم العدوان عليه كقوله تعالى: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: 40].
قال الزجاج: والعرب تقول: ظلمني فلان فظلمته أي جازيته بظلمه.
وجهل فلان عليّ فجهلت عليه. وعليه قول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا
اللطيفة الرابعة: قوله تعالى: {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ..} الآية.
الدفاع عن النفس مشروع ولا يعدّ اعتداءً، وإنما سمي في الآية اعتداءً (فاعتدوا عليه) من باب (المشاكلة) وهي الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى كقول القائل:
قالوا اقترح شيئاً نُجِدْ لك طبخه *** قلت اطبخوا لي جبة وقميصاً
والأصل فيها (فمن اعتدى عليكم) فقابلوه وجازوه بمثل ما اعتدى عليكم، وباب المشاكلة وردت فيه آيات عديدة كقوله تعالى: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله} [آل عمران: 54] وقوله: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: 40] وقوله: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ الله مِنْهُمْ} [التوبة: 79].
اللطيفة الخامسة: قال بعض العلماء: لا أعلم مصدراً جاء في لغة العرب على وزن (تفعُلة) بضم العين إلا في هذه الآية: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة}، وقال صاحب (الكشاف): ويجوز أن يقال: أصله التهلِكة، كالتجربة، والتبصرة على أنها مصدر من هلك فأبدلت من الكسرة ضمة كما جاء الجوار في الجوار.
قال الإمام الفخر: (إني لأتعجب كثيراً من تكلفات هؤلاء النحويين في أمثال هذه المواضع، وذلك أنهم لو وجدوا شعراً مجهولاً يشهد لما أرادوه فرحوا به، واتخذوه حجة قوية، فورود هذا اللفظ في كلام الله تعالى، المشهود له من الموافق والمخالف بالفصاحة أولى بأن يدل على صحة هذه اللفظة واستقامتها).
أقول: ما ذكره الإمام الفخر هو الحق والصواب، فالقرآن الكريم حجة على اللغة، وليست اللغة حجة على القرآن، ورضي الله عن الإمام الفخر فقد أجاد في هذا وأفاد.
اللطيفة السادسة: الجهاد في سبيل الله أفضل القربات عند الله، ولا يعدله شيء من العبادات لقوله عليه السلام: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم، القانت بآيات الله، لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله».
كتب (عبد الله بن المبارك) إلى (الفُضيل بن عياض) بهذه الأبيات:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا *** لعلمتَ أنك في العبادة تلعب
من كان يخضُب خدّه بدموعه *** فنحورنا بدمائنا تتخضّب
أو كان يتُعب خيله في باطل *** فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا *** وهجُ السنابل والغبار الأطيب
فلما قرأها الفضيل ذرفت عيناه وقال: صدق أبو عبد الرحمن ونصحني.
الأحكام الشرعية:
الحكم الأول: متى فرض الجهاد على المسلمين؟
لم يختلف العلماء في أن القتال قبل الهجرة كان محظوراً على المسلمين، بنصوص كثيرة في كتاب الله تعالى، منها قوله تعالى: {فاعف عَنْهُمْ واصفح} [المائدة: 13] وقوله: {ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ} [المؤمنون: 96] وقوله: {وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ} [آل عمران: 20] وقوله: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} [الجاثية: 14] وقوله: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً} [الفرقان: 63] وأمثال هذه الآيات كثير تدل على أن المؤمنين كانوا منهيّين ن قتال أعدائهم، وهناك نص صريح بالكف عن القتال وهو قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ كفوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصلاوة وَآتُواْ الزكاوة فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القتال إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ الناس..} [النساء: 77] الآية.
والحكمة في الكف عن القتال: في بدء الدعوة يمكن أن نلخِّص أسبابها فيما يلي:
أ- إن المسلمين كانوا في مكة قلة، وهم محصورون فيها لا حول لهم ولا طول، ولو وقع بينهم وبين المشركين حرب أو قتال لأبادوهم عن بكرة أبيهم، فشاء الله أن يكثروا وأن يكون لهم أنصار وأعوان، وأن يرتكزوا قاعدة آمنه تحميها الدولة، فلمّا هاجروا إلى المدينة المنورة أذن لهم بالقتال بعد أن قويت شوكتهم وكثر عددهم.
ب- كانت الغاية تدريب نفوس المؤمنين على الصبر امتثالاً للأمر، وخضوعاً للقيادة، وانتظاراً للإذن، وقد كان العرب في الجاهلية شديدي الحماسة، لا يصبرون على الضيم، وقد تعودوا الاندفاع والحماسة، والخفة للقتال عند أول داع، فكان لا بدّ من تمرينهم على تحمل الأذى، والصبر على المكاره والخضوع لأمر القيادة العليا، حتى يقع التوازن بين الاندفاع والتروي، والحميّة والطاعة، في جماعةٍ هيأتهم إرادة الله لأمر عظيم.
ج- البيئة العربية كانت بيئة نخوة ونجدة، وكان صبر المسلمين على الأذى- وفيهم الأبطال والشجعان الذين يستطيعون أن يردوا الصاع صاعين- مما يثير النخوة، ويحرك القلوب نحو الإسلام، حصل هذا بالفعل في (المحاصرة في الشعب) عندما أجمعت قريش على مقاطعة بني هاشم، كي يتخلوا عن حماية الرسول صلى الله عليه وسلم واشتد الاضطهاد على بني هاشم، ثارت نفوس لم تؤمن بالإسلام، أخذتها النخوة والنجدة حتى مزّقوا الصحيفة التي تعاهد فيها المشركون على المقاطعة، وانتهى ذلك الحصار المشؤوم.
د- كان المسلمون في مكة يعيشون مع آبائهم وأهليهم في بيوت، وكان أهلوهم المشركون يعذبونهم ليفتنوهم عن دينهم، ويردوهم إلى الشرك والضلال، فلو أذن للمسلمين أن يدفعوا عن أنفسهم يومذاك، لكان معنى هذا أن تقوم معركة في كل بيت، وأن يقع دم في كل أسرة، وليس من مصلحة الدعوة أن تثار حرب دموية داخل البيوت، فلما أحدثت الهجرة وانعزلت الجماعة أبيح لهم القتال.
الحكم الثاني: ما هي أول الآيات في تشريع القتال؟
اختلف السلف: في أول آية نزلت في القتال، فروي عن الربيع بن أنس وغيره أن أول آية نزلت هي قوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190] نزلت بالمدينة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله ويكف عمن كفّ عنه.
وروي عن جماعة من الصحابة: منهم أبو بكر الصديق وابن عباس وسعيد بن جبير أن أول آيةٍ نزلت في القتال هي قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39].
قال أبو بكر بن العربي: والصحيح أن أول آية نزلت آية الحج: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} [الحج: 39] ثم نزل: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ} فكان القتال إذناً ثم أصبح بعد ذلك فرضاً، لأن آية الإذن في القتال مكية، وهذه الآية مدنية متأخرة.
الحكم الثالث: هل يباح القتال في الحرم؟
دل قوله تعالى: {وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام حتى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} على حرمة القتال في الحرم، إلا إذا بدأ المشركون بالعدوان، فيباح لنا قتالهم دفعاً لشرهم وإجرامهم، ولا يجوز لنا أن نبدأهم بالقتال عملاً بالآية الكريمة وعلى هذا تكون الآية محكمة غير منسوخة.
وقد روي عن مجاهد: في قوله تعالى: {فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم} أنه قال: لا تقاتل في الحرم أحداً أبداً، فمن عدا عليك فقاتلك فقاتله كما يقاتلك.
وروي عن قتادة أنه قال: الآية منسوخة نسختها آية براءة: {فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5].
قال العلامة القرطبي: وللعلماء في هذه الآية قولان: أحدهما أنها منسوخة، والثاني أنها محكمة.
قال مجاهد: الآية محكمة، ولا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام بعد أن يقاتل، وبه قال طاووس، وهو الذي يقتضيه نص الآية، وهو الصحيح من القولين، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه.
ويدل عليه ما روي في الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه ولسم خطب يوم فتح مكة فقال: «يا أيها الناس! إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، ولم تحلّ لأحدٍ قبلي، ولا تحل لأحدٍ بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من النهار، ثم عادت حراماً إلى يوم القيامة».
مناظرة لطيفة:
قال القاضي أبو بكر ابن العربي: حضرتُ في بيت المقدس طهّره الله بمدرسة (أبي عقبة) الحنفي والقاضي الزنجاني يلقي علينا الدرس في يوم الجمعة، فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا رجل بهيّ المنظر على ظهره أطمار، فسلّم سلام العلماء وتصدّر في صدر المجلس، فقال له الزنجاني: من السيد؟ فقال: رجل سلبة الشُطّار أمس، وكان مقصدي هذا الحرم المقدس، وأنا رجلٌ من صاغان من طلبة العلم، فقال القاضي مبادراً: سلوه- على العادة في إكرام العلماء بمبادرة سؤالهم- ووقعت القرعة على مسألة الكافر إذا التجأ إلى الحرم هل يقتل فيه أم لا؟ فأفتى بأنه لا يقتل، فسئل عن الدليل فقال قوله تعالى: {وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام حتى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} وقرئ: (ولا تقتلوهم) وقرئ (ولا تقاتلوهم) فإن قرئ: ولا تقتلوهم فالمسألة نصّ، وإن قرئ ولا تقاتلوهم فهو تنبيه لأنه إذا أُنهي عن القتال الذي هو سبب القتل كان دليلاً بيناً ظاهراً على النهي عن القتل.
فاعترض عليه القاضي الزنجاني منتصراً للشافعي ومالك- وإن لم ير مذهبهما على العادة- فقال: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى:
{فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5] فقال له الصاغاني: هذا لا يليق بمنصب القاضي وعلمه، فإن هذه الآية التي اعترضت بها عليّ (عامة) في الأماكن، والآي التي احتججتُ بها (خاصة)، ولا يجوز لأحد أن يقول: إن العام ينسخ الخاص، فأبْهَتَ القاضي الزنجاني، وهذا من بديع الكلام.
قال ابن العربي: فثبت النهي عن القتال فيها قرآناً وسنة، فإن لجأ إليها كافر فلا سبيل إليه، وأما الزاني والقاتل فلا بدّ من إقامة الحد عليه، إلا أن يبتدئ الكافر بالقتال فيها فيُقْتل بنصّ القرآن.
الحكم الرابع: ما المراد بالعدون في الآية الكريمة؟
حرّم الباري جل وعلا الاعتداء في قوله: {وَلاَ تعتدوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين}.
1- ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي- كما قاله الحسن البصري- من المُثْلة، والغلول، وقتل النساء والصبيان والشيوخ، الذين لا قدرة لهم على القتال، ويدخل فيها قتل الرهبان، وتحريق الأشجار، وقتل الحيوان لغير مصلحة. فكل هذا داخل في النهي {وَلاَ تعتدوا}.
ويدل عليه ما رواه مسلم عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اغزوا بسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا الوليد، ولا أصحاب الصوامع».
وفي الصحيحين عن ابن عمر أنه قال: وُجدت امرأةٌ في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولةً فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان.
ب- وقيل المراد بقوله: {وَلاَ تعتدوا} النهيُ عن البدء بالقتال، وهو مروي عن مقاتل.
ج- وقيل المراد به النهي عن قتال من لم يقاتل، وهو قول سعيد بن جبير، وأبي العالية.
قال القرطبي: ويدل عليه من النظر أن قاتل (فَاعَلَ) لا يكون في الغالب إلا من اثنين، كالمقاتلة والمشاتمة، والمخاصمة، والقتال لا يكون في النساء ولا في الصبيان ومن أشبههم، كالرهبان، والزّمْنَى، والشيوخ فلا يقتلون، وبهذا أوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه (يزيد ابن أبي سفيان) حين أرسله إلى الشام، إلاّ أن يكون لهؤلاء إذاية، وللعلماء فيهم صور ست:
الأولى- النساء إن قاتلن قُتلن لعموم قوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ}.
الثانية- الصبيان فلا يقتلون للنهي الثابت عن قتل الذرية، ولأنه لا تكليف عليهم.
الثالثة- الرهبان لا يُقتلون ولا يُسترقون لقول أبي بكر (فذرهم وما حبسوا أنفسهم له).
الرابعة- الزّمني إن كانت فيهم إذاية قتلوا، وإلا تركوا وما هم بسبيله من الزمانة.
الخامسة- الشيوخ قال مالك: لا يقتلون وهو قول جمهور الفقهاء إذا كان لا ينتفع بهم في رأي ولا مدافعة.
السادسة- العسفاء وهم الأجراء والفلاحون لقول عمر (اتقوا الله في الذرية والفلاحين الذين لا ينصبون لكم الحرب).
ما ترشد إليه الآيات الكريمة:
1- القتال ينبغي أن يكون لإعلاء كلمة الله تعالى وإعزاز دينه.
2- الله جل وعلا يكره العدوان والظلم والطغيان أياً كان مصدره.
3- فتنة المؤمنين بالاضطهاد والتعذيب والتشريد مثل القتل.
4- لا يعتدى على النساء والضعفاء والصبيان ممن لا قدرة لهم على القتال.
5- الجهاد لدفع أذى المشركين، وقبر الفتنة، وتأمين سير الدعوة.
6- ترك الانفاق والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس سبب للهلاك.
خاتمة البحث:
حكمة التشريع:
الصراع بين الحق والباطل قديم قدم هذه الحياة، لا يهدأ ولا ينتهي ولا يزول إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وإليه يرجعون!!
ولا بد لكل أمة من أمم الأرض، تريد أن تحيا حياة العزة والكرامة، من أن تستعد الاستعداد الكامل لمجابهة عدوها بكل ما تملك من قوة، وأن تأخذ بأسباب النصر، فتهيئ شبابها للجهاد والقتال، لأنه لا عيش في هذه الدنيا إلا للأقوياء، ولا منطق إلا للقوة، وقديماً قال شاعرنا العربي:
ومن لم يذُدْ عن حوصَه بسلاحة *** يُهدّمْ ومن لا يظلم الناس يظلم
والإسلام دين الله إلى الإنسانية، يهتم بدعوة الناس إلى الدخول في هدايته، والانضواء تحت رايته، لينعموا بحياة الأمن والاستقرار، ويعيشوا العيشة الكريمة التي أرادها الله لنبي الإنسان وإن الأمة الإسلامية. هي الأمة التي اختارها الله لإعلاء دينه، وتبليغ وحيه، وايصال هذا الهدى والنور إلى أمم الأرض.
فإذا وقف أحد في طريق الدعوة، وأراد أن يصدها عن المضي في طريقها، فلا بدّ من دحره، وتطهير الأرض من شره، لتصل هداية الله إلى النفوس، وتعلو كلمة الحق، ويأمن الناس على حريتهم الدينية، في الإيمان بالله الواحد القهار. ولذلك شرع القتال لدفع عدوان الظالمين، ولتحطيم كل قوة تعترض طريق الدعوة، وإيصالها للناس في حرية واطمئنان. وصدق الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدين للَّهِ} [البقرة: 193].
ولا يُقاتل إلا الباغي المعتدي، الذي يريد أن يفرض إرادته على الأمة بالقهر والسلطان، وأن يصد عن دين الله بقوة الحديد والنار، ويفتن المؤمن بوسائل الفنة والإغراء. {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تعتدوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين}.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال