سورة النحل / الآية رقم 126 / تفسير تفسير الرازي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِّلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ

النحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحلالنحل




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي: هذه الآية فيها ثلاثة أقوال:
القول الأول: وهو الذي عليه العامة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى حمزة وقد مثلوا به قال: والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك فنزل جبريل عليه السلام بخواتيم سورة النحل فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسك عما أراد.
وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء، وأبي بن كعب والشعبي وعلى هذا قالوا: إن سورة النحل كلها مكية إلا هذه الآيات الثلاث.
والقول الثاني: أن هذا كان قبل الأمر بالسيف والجهاد، حين كان المسلمون قد أمروا بالقتال مع من يقاتلهم ولا يبدؤا بالقتال وهو قوله تعالى: {وقاتلوا فِي سَبِيلِ الله الذين يقاتلونكم وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين} [البقرة: 190] وفي هذه الآية أمر الله بأن يعاقبوا بمثل ما يصيبهم من العقوبة ولا يزيدوا.
والقول الثالث: أن المقصود من هذه الآية نهي المظلوم عن استيفاء الزيادة من الظالم، وهذا قول مجاهد والنخعي وابن سيرين قال ابن سيرين: إن أخذ منك رجل شيئاً فخذ منه مثله، وأقول: إن حمل هذه الآية على قصة لا تعلق لها بما قبلها يوجب حصول سوء الترتيب في كلام الله تعالى وذلك يطرق الطعن إليه وهو في غاية البعد، بل الأصوب عندي أن يقال: المراد أنه تعالى أمر محمداً صلى الله عليه وسلم أن يدعو الخلق إلى الدين الحق بأحد الطرق الثلاثة وهي الحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالطريق الأحسن، ثم إن تلك الدعوة تتضمن أمرهم بالرجوع عن دين آبائهم وأسلافهم، وبالإعراض عنه والحكم عليه بالكفر والضلالة وذلك مما يشوش القلوب ويوحش الصدور، ويحمل أكثر المستمعين على قصد ذلك الداعي بالقتل تارة، وبالضرب ثانياً وبالشتم ثالثاً، ثم إن ذلك المحق إذا شاهد تلك السفاهات، وسمع تلك المشاغبات لابد وأن يحمله طبعه على تأديب أولئك السفهاء تارة بالقتل وتارة بالضرب، فعند هذا أمر المحقين في هذا المقام برعاية العدل والإنصاف وترك الزيادة، فهذا هو الوجه الصحيح الذي يجب حمل الآية عليه.
فإن قيل: فهل تقدحون فيما روي أنه عليه السلام ترك العزم على المثلة وكفر عن يمينه بسبب هذه الآية؟
قلنا: لا حاجة إلى القدح في تلك الرواية، لأنا نقول: تلك الواقعة داخلة في عموم هذه الآية فيمكن التمسك في تلك الواقعة بعموم هذه الآية، إنما الذي ينازع فيه أنه لا يجوز قصر هذه الآية على هذه الواقعة، لأن ذلك يوجب سوء الترتيب في كلام الله تعالى.
المسألة الثانية: اعلم أنه تعالى أمر برعاية العدل والإنصاف في هذه الآية ورتب ذلك على أربع مراتب:
المرتبة الأولى: قوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} يعني إن رغبتم في استقباء القصاص فاقنعوا بالمثل ولا تزيدوا عليه، فإن استيفاء الزيادة ظلم والظلم ممنوع منه في عدل الله ورحمته وفي قوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} دليل على أن الأولى له أن لا يفعل، كما أنك إذا قلت للمريض: إن كنت تأكل الفاكهة فكل التفاح، كان معناه أن الأولى بك أن لا تأكله، فذكر تعالى بطريق الرمز والتعريض على أن الأولى تركه.
والمرتبة الثانية: الانتقال من التعريض إلى التصريح وهو قوله: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ للصابرين} وهذا تصريح بأن الأولى ترك ذلك الانتقام، لأن الرحمة أفضل من القسوة والإنفاع أفضل من الإيلام.
المرتبة الثالثة: وهو ورود الأمر بالجزم بالترك وهو قوله: {واصبر} لأنه في المرتبة الثانية ذكر أن الترك خير وأولى، وفي هذه المرتبة الثالثة صرح بالأمر بالصبر، ولما كان الصبر في هذا المقام شاقاً شديداً ذكر بعده ما يفيد سهولته فقال: {وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله} أي بتوفيقه ومعونته وهذا هو السبب الكلي الأصلي المفيد في حصول الصبر وفي حصول جميع أنواع الطاعات. ولما ذكر هذا السبب الكلي الأصلي ذكر بعده ما هو السبب الجزئي القريب فقال: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مّمَّا يَمْكُرُونَ} وذلك لأن إقدام الإنسان على الانتقام، وعلى إنزال الضرر بالغير لا يكون إلا عند هيجان الغضب، وشدة الغضب لا تحصل إلا لأحد أمرين: أحدهما: فوات نفع كان حاصلاً في الماضي وإليه الإشارة بقوله: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} قيل معناه: ولا تحزن على قتلى أحد، ومعناه لا تحزن بسبب فوت أولئك الأصدقاء. ويرجع حاصله إلى فوت النفع.
والسبب الثاني: لشدة الغضب توقع ضرر في المستقبل، وإليه الإشارة بقوله: {وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مّمَّا يَمْكُرُونَ} ومن وقف على هذه اللطائف عرف أنه لا يمكن كلام أدخل في الحسن والضبط من هذا الكلام بقي في لفظ الآية مباحث:


البحث الأول: قرأ ابن كثير: {وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ} بكسر الضاد، وفي النمل مثله، والباقون: بفتح الضاد في الحرفين.
أما الوجه في القراءة المشهورة فأمور: قال أبو عبيدة: الضيق بالكسر في قلة المعاش والمساكن، وما كان في القلب فإنه الضيق.
وقال أبو عمرو: الضيق بالكسر الشدة والضيق بفتح الضاد الغم.
وقال القتيبي: ضيق تخفيف ضيق مثل هين وهين ولين ولين. وبهذا الطريق قلنا: إنه تصح قراءة ابن كثير.
البحث الثاني: قرئ {وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ}.
البحث الثالث: هذا من الكلام المقلوب، لأن الضيق صفة، والصفة تكون حاصلة في الموصوف ولا يكون المصوف حاصلاً في الصفة، فكان المعنى فلا يكون الضيق فيك، إلا أن الفائدة في قوله: {وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ} هو أن الضيق إذا عظم وقوي صار كالشيء المحيط بالإنسان من كل الجوانب وصار كالقميص المحيط به، فكانت الفائدة في ذكر هذا اللفظ هذا المعنى والله أعلم.
المرتبة الرابعة: قوله: {إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا والذين هُم مُّحْسِنُونَ} وهذا يجري مجرى التهديد لأن في المرتبة الأولى رغب في ترك الانتقام على سبيل الرمز، وفي المرتبة الثانية عدل عن الرمز إلى التصريح وهو قوله: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ للصابرين} وفي المرتبة الثالثة أمرنا بالصبر على سبيل الجزم، وفي هذه المرتبة الرابعة كأنه ذكر الوعيد في فعل الانتقام فقال: {إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا} عن استيفاء الزيادة: {والذين هُم مُّحْسِنُونَ} في ترك أصل الانتقام، فإن أردت أن أكون معك فكن من المتقين ومن المحسنين. ومن وقف على هذا التريب عرف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يكون على سبيل الرفق واللطف مرتبة فمرتبة، ولما قال الله لرسوله: {ادع إلى سَبِيلِ رَبّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة} ذكر هذه المراتب الأربعة، تنبيهاً على أن الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة يجب أن تكون واقعة على هذا الوجه، وعند الوقوف على هذه اللطائف يعلم العاقل أن هذا الكتاب الكريم بحر لا ساحل له.
المسألة الثالثة: قوله: {إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا} معيته بالرحمة والفضل والرتبة، وقوله: {الذين اتقوا} إشارة إلى التعظيم لأمر الله تعالى، وقوله: {والذين هُم مُّحْسِنُونَ} إشارة إلى الشفقة على خلق الله، وذلك يدل على أن كمال السعادة للإنسان في هذين الأمرين أعني التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلق الله، وعبر عنه بعض المشايخ فقال: كمال الطريق صدق مع الحق وخلق مع الخلق، وقال الحكماء: كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته، والخير لأجل العمل به، وعن هرم بن حيان أنه قيل له عند القرب من الوفاة أوص، فقال: إنما الوصية من المال ولا مال لي، ولكني أوصيكم بخواتيم سورة النحل.
المسألة الرابعة: قال بعضهم: إن قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ للصابرين} منسوخ بآية السيف، وهذا في غاية البعد، لأن المقصود من هذه الآية تعليم حسن الأدب في كيفية الدعوة إلى الله تعالى، وترك التعدي وطلب الزيادة، ولا تعلق لهذه الأشياء بآية السيف، وأكثر المفسرين مشغوفون بتكثير القول بالنسخ، ولا أرى فيه فائدة والله أعلم بالصواب.
قال المصنف رحمه الله: تم تفسير هذه السورة ليلة الثلاثاء بعد العشاء الآخرة بزمان معتدل، وقال رحمه الله: الحق عزيز والطريق بعيد والمركب ضعيف والقرب بعد والوصل هجر والحقائق مصونة والمعاني في غيب الغيب محصونة والأسرار فيما وراء العز مخزونة، وبيد الخلق القيل والقال والكمال ليس إلا لله ذي الإكرام والجلال، والحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيدنا محمد النبي الأمي وآله وصحبه وسلم.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال