سورة البقرة / الآية رقم 196 / تفسير تفسير الرازي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَاقْتُلُوَهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوَهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوَهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوَهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفَُورٌ رَّحِيمٌ وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ

البقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: {الحج} في اللغة عبارة عن القصد وإنما يقال: حج فلان الشيء إذا قصده مرة بعد أخرى، وأدام الاختلاف إليه {والحجة} بكسر الحاء السنة، وإنما قيل لها حجة لأن الناس يحجون في كل سنة، وأما في الشرع فهو اسم لأفعال مخصوصة منها أركان ومنها أبعاض ومنها هيئات، فالأركان ما لا يحصل التحلل حتى يأتي به والأبعاض هي الواجبات التي إذا ترك شيء يجبر بالدم، والهيئات ما لا يجب الدم على تركها، والأركان عندنا خمسة: الإحرام والوقوف بعرفة والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، وفي حلق الرأس أو تقصيره قولان: أصحهما أنه نسك لا يحصل التحلل إلا به، وأما الأبعاض فهي الإحرام من الميقات والمقام بعرفة إلى المغرب في قول والبيتوتة بمزدلفة ليلة النحر في قول ورمي جمرة العقبة والبيتوتة بمنى ليالي التشريق في قول ورمي أيامها.
وأما سائر أعمال الحج فهي سنة.
وأما أركان العمرة فهي أربعة: الإحرام، والطواف، والسعي، وفي الحلق قولان، ثم المعتمر بعدما فرغ من السعي فإن كان معه هدي ذبحه ثم حلق أو قصر، ولا يتوقف التحلل على ذبح الهدي.
المسألة الثانية: قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ} أمر بالإتمام، وهل هذا الأمر مطلق أو مشروط بالدخول فيه، ذهب أصحابنا إلى أنه مطلق، والمعنى: افعلوا الحج والعمرة على نعت الكمال والتمام والقول الثاني: وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه: إن هذا الأمر مشروط، والمعنى أن من شرع فيه فليتمه قالوا: ومن الجائز أن لا يكون الدخول في الشيء واجباً إلا أن بعد الدخول فيه يكون إتمامه واجباً، وفائدة هذا الخلاف أن العمرة واجبة عند أصحابنا، وغير واجبة عن أبي حنيفة رحمه الله حجة أصحابنا من وجوه.
الحجة الأولى: قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة لِلَّهِ} وجه الاستدلال به أن الإتمام قد يراد به فعل الشيء كاملاً تاماً، ويحتمل أن يراد به إذا شرعتم في الفعل فأتموه، وإذا ثبت الإحتمال وجب أن يكون المراد من هذا اللفظ هو ذاك، أما بيان الإحتمال فيدل عليه قوله تعالى: {وَإِذَا ابتلى إبراهيم رَبُّهُ بكلمات فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124] أي فعلهن على سبيل التمام والكمال، وقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى اليل} [البقرة: 187] أي فافعلوا الصيام تاماً إلى الليل، وحمل اللفظ على هذا أولى من قول من قال: المراد فأشرعوا في الصيام ثم أتموه، لأن على هذا التقدير يحتاج إلى الإضمار، وعلى التقدير الذي ذكرناه لا يحتاج إليه فثبت أن قوله: {وَأَتِمُّواْ الحج} يحتمل أن يكون المراد منه الإتيان به على نعت الكمال والتمام فوجب حمله عليه، أقصى ما في الباب أنه يحتمل أيضاً أن يكون المراد منه أنكم إذا شرعتم فيه فأتموه، إلا أن حمل اللفظ على الوجه الأول أولى، ويدل عليه وجوه:
الأول: أن حمل الآية على الوجه الثاني يقتضي أن يكون هذا الأمر مشروطاً، ويكون التقدير: أتموا الحج والعمرة لله إن شرعتم فيهما، وعلى التأويل الأول الذي نصرناه لا يحتاج إلى إضمار هذا الشرط، فكان ذلك أولى والثاني: أن أهل التفسير ذكروا أن هذه الآية هي أول آية نزلت في الحج فحملها على إيجاب الحج أولى من حملها على الإتمام بشرط الشروع فيه الثالث: قرأ بعضهم {وَأَقِيمُواْ الحج والعمرة لِلَّهِ} وهذا وإن كان قراءة شاذة جارية مجرى خبر الواحد لكنه بالإتفاق صالح لترجيح تأويل على تأويل الرابع: أن الوجه الذي نصرناه يفيد وجوب الحج والعمرة، ويفيد وجوب إتمامهما بعد الشروع فيهما، والتأويل الذي ذكرتم لا يفيد إلا أصل الوجوب، فكان الذي نصرناه أكبر فائدة، فكان حمل كلام الله عليه أولى الخامس: أن الباب باب العبادة فكان الإحتياط فيه أولى، والقول بإيجاب الحج والعمرة معاً أقرب إلى الاحتياط، فوجب حمل اللفظ عليه السادس: هب أنا نحمل اللفظ على وجوب الإتمام، لكنا نقول: اللفظ دل على وجوب الاتمام جزماً، وظاهر الأمر للوجوب فكان الإتمام واجباً جزماً والاتمام مسبوق بالشروع، وما لا يتم الواجب إلا به وكان مقدوراً للمكلف فهو واجب، فيلزم أن يكون الشروع واجباً في الحج وفي العمرة السابع: روي عن ابن عباس أنه قال: والذي نفسي بيده إنها لقرينتها في كتاب الله، أي إن العمرة لقرينة الحج في الأمر في كتاب الله يعني في هذه الآية فكان كقوله: {أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [البقرة: 43] فهذا تمام تقرير هذه الحجة.
فإن قيل: قرأ علي وابن مسعود والشعبي {والعمرة لِلَّهِ} بالرفع وهذا يدل على أنهم قصدوا إخراج العمرة عن حكم الحج في الوجوب.
قلنا: هذا مدفوع من وجوه:
الأول: أن هذه قراءة شاذة فلا تعارض القراءة المتواترة.
الثاني: أن فيها ضعفاً في العربية، لأنها تقتضي عطف الجملة الإسمية على الجملة الفعلية الثالث: أن قوله: {والعمرة لِلَّهِ} معناه أن العمرة عبادة الله، ومجرد كونها عبادة الله لا ينافي وجوبها، وإلا وقع التعارض بين مدلول القراءتين، وهو غير جائز الرابع: أنه لما كان قوله: {والعمرة لِلَّهِ} معناه: والعمرة عبادة الله، وجب أن يكون العمرة مأموراً بها لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله} [البينة: 5] والأمر للوجوب، وحينئذ يحصل المقصود.
الحجة الثانية: في وجوب العمرة أن قوله تعالى: {يَوْمَ الحج الأكبر} [التوبة: 3] يدل على وجوب حج أصغر على ما عليه حقيقة أفعل، وما ذاك إلا العمرة بالإتفاق، وإذا ثبت أن العمرة حج، وجب أن تكون واجبة لقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الحج} ولقوله: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} [آل عمران: 97].
الحجة الثالثة: في المسألة أحاديث منها ما أورده ابن الجوزي في المتفق بين الصحيحين أن جبريل عليه السلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج وتعتمر، وروى النعمان بن سالم عن عمر بن أوس عن أبي رزين أنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام فقال: إن أبي شيخ كفي أدرك الإسلام، ولا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن، فقال عليه الصلاة والسلام: «حج عن أبيك واعتمر»، فأمر بهما، والأمر للوجوب، ومنها ما روى ابن سيرين عن زيد بن ثابت أنه عليه الصلاة والسلام قال: الحج والعمرة فرضان لا يضرك بأيهما بدأت ومنها ما روت عائشة رضي الله عنها بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين، قالت: قلت يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة».
الحجة الرابعة: في وجوب العمرة، قال الشافعي رضي الله عنه: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج، ولو لم تكن العمرة واجبة لكان الأشبه أن يبادر إلى الحج الذي هو واجب، وحجة من قال: العمرة ليست واجبة وجوه:
الحجة الأولى: قصد الأعرابي الذي سأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن أركان الإسلام فعلمه الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، فقال الأعرابي: هل علي غير هذا؟ قال: لا إلا أن تطوع، فقال الأعرابي: لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال عليه الصلاة والسلام: «أفلح الأعرابي إن صدق»، وقال عليه الصلاة والسلام: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت».
وقال عليه الصلاة والسلام: «صلوا خمسكم وزكوا أموالكم وحجوا بيتكم تدخلوا جنة ربكم».
فهذه أخبار مشهورة كالمتواترة فلا يجوز الزيادة عليها ولا ردها، وعن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن العمرة أواجبة هي أم لا؟ فقال: لا وإن تعتمر خير لك، وعن معاوية الضرير عن أبي صالح الحنفي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحج جهاد والعمرة تطوع».
والجواب: من وجوه:
أحدها: أن ما ذكرتم أخبار آحاد فلا تعارض القرآن.
وثانيها: لعل العمرة ما كانت واجبة عندما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام تلك الأحاديث، ثم نزل بعدها قوله: {وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة لِلَّهِ} وهذا هو الأقرب، لأن هذه الآية إنما نزلت في السنة السابعة من الهجرة.
وثالثها: أن قصة الأعرابي مشتملة على ذكر الحج وليس فيها بيان تفصيل الحج، وقد بينا أن العمرة حج لأنها هي الحج الأصغر، فلا تكون هي منافية لوجوب العمرة، وأما حديث محمد بن المنكدر فقالوا: رواية حجاج بن أرطاة وهو ضعيف.
المسألة الثالثة: اعلم أن الحج على ثلاثة أقسام: الإفراد، والقران، والتمتع، فالإفراد أن يحج ثم بعد الفراغ منه يعتمر من أدنى الحل، أو يعتمر قبل أشهر الحج، ثم يحج في تلك السنة، والقران أن يحرم بالحج والعمرة معاً في أشهر الحج بأن ينويهما بقلبه، وكذلك لو أحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم قبل الطواف أدخل عليها الحج يصير قرانا، والتمتع هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويأتي بأعمالها ثم يحج في هذه السنة، وإنما سمي تمتعا لأنه يستمتع بمحظورات الإحرام بعد التحلل عن العمرة قبل أن يحرم بالحج.
إذا عرفت هذا فنقول: اختلف الناس في الأفضل من هذه الثلاثة فقال الشافعي رضي الله عنه أفضلها الإفراد ثم التمتع ثم القران وقال في اختلاف الحديث التمتع أفضل من الإفراد وبه قال مالك رضي الله عنه، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: القران أفضل، ثم الإفراد، ثم التمتع، وهو قول المزني وأبي إسحاق والمروزي من أصحابنا، وقال أبو يوسف ومحمد: القران أفضل، ثم التمتع، ثم الإفراد، حجة الشافعي رضي الله عنه في أن الإفراد أفضل من وجوه:
الأول: التمسك بقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة لِلَّهِ} والإستدلال به من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الآية اقتضت عطف العمرة على الحج، والعطف يستدعي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، والمغايرة لا تحصل إلا عند الإفراد، فأما عند القران فالموجود شيء واحد، وهو حج وعمرة وذلك مانع من صحة العطف الثاني: قوله: {وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة لِلَّهِ} يقتضي الافراد، بدليل أنه تعالى قال: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا استيسر مِنَ الهدى} والقارن يلزمه هديان عند الحصر، وأيضاً أنه تعالى أوجب على الخلق عند الأداء فدية واحدة، والقارن يلزمه فديتان عند الحصر الثالث: هذه الآية تدل على وجوب الإتمام، والإتمام لا يحصل إلا عند الإفراد ويدل عليه وجهان الأول: أن السفر مقصود في الحج، بدليل أن من أوصى بأن يحج عنه فإنه يحج من وطنه، ولولا أن السفر مقصود في الحج لكان يحج عنه من أدنى المواقيت، ويدل عليه أيضاً أنهم قالوا لو نذر أن يحج ماشيا وحج راكباً يلزمه دم، فثبت أن السفر مقصود والقران يقتضي تقليل السفر، لأن بسببه يصير السفران سفراً واحداً، فثبت أن الاتمام لا يحصل إلا بالافراد الثاني: أن الحج لا معنى له إلا زيارة بقاع مكرمة، ومشاهد مشرفة، والحاج زائر الله، والله تعالى مزوره، ولا شك أنه كلما كانت الزيارة والخدمة أكثر كان موقعها عند المخدوم أعظم، وعند القران تنقلب الزيارتان زيارة واحدة، بل الحق أن جملة أنواع الطاعات في الحج وفي العمرة تكرر عند الافراد، وتصير واحدة عند القران، فثبت أن الافراد أقرب إلى التمام، فكان الافراد إن لم يكن واجباً عليكم بحكم هذه الآية فلا أقل من كونه أفضل.
الحجة الثانية: في بيان أن الافراد أفضل: أن الافراد يقتضي كونه آتيا بالحج مرة، ثم بالعمرة بعد ذلك، فتكون الأعمال الشاقة في الأفراد أكثر فوجب أن يكون أفضل لقوله عليه السلام: «أفضل الأعمال أحمزها» أي أشقها.
الحجة الثالثة: أنه عليه السلام كان مفرداً فوجب أن يكون الإفراد أفضل، أما قولنا: إنه كان مفرداً فاعلم أن الصحابة اختلفت رواياتهم في هذا المعنى، فروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد بالحج، وروى جابر وابن عمر أنه أفرد، وأما أنس فقد روي عنه أنه قال: كنت واقفاً عند جران ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان لعابها يسيل على كتفي، فسمعته يقول لبيك بحج وعمرة معاً ثم الشافعي رضي الله عنه رجح رواية عائشة رضي الله عنها وجابر وابن عمر على رواية أنس من وجوه:
أحدها: بحال الرواة، أما عائشة فلأنها كانت عالمة، ومع علمها كانت أشد الناس التصاقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشد الناس وقوفاً على أحواله، وأما جابر فانه كان أقدم صحبة للرسول صلى الله عليه وسلم من أنس، وإن أنساً كان صغيراً في ذلك الوقت قبل العلم، وأما ابن عمر فإنه كان مع فقهه أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره، لأن أخته حفصة كانت زوجة النبي صلى الله عليه وسلم والثاني: أن عدم القران متأكد بالاستصحاب والثالث: أن الافراد يقتضي تكثير العبادة، والقران يقتضي تقليلها، فكان إلحاق الإفراد بالنبي عليه الصلاة والسلام أولى، وإذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفرداً وجب أن يكون الافراد أفضل لأنه عليه الصلاة والسلام كان يختار الأفضل لنفسه، ولأنه قال: خذوا عني مناسككم أي تعلموا مني.
الحجة الرابعة: أن الافراد يقتضي تكثير العبادة، والقران يقتضي تقليلها، فكان الأول أولى، لأن المقصود من خلق الجن والإنس هو العبادة، وكل ما كان أفضى إلى تكثير العبادة كان أفضل، حجة أبي حنيفة رضي الله عنه من وجوه:
الحجة الأولى: التمسك بقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة لله} وهذا اللفظ يحتمل أن يكون المراد أيجاب كل واحد منهما، أو يكون المراد منه إيجاب الجمع بينهما على سبيل التمام، فلو جملناه على الأول لا يفيد الثاني، ولو حملناه على الثاني أفاد الأول، فكان الثاني أكثر فائدة، فوجب حمل اللفظ عليه، لأن الأولى حمل كلام الله على ما يكون أكثر فائدة.
الحجة الثانية: أن القران جمع بين النسكين فوجب أن يكون أفضل من الإتيان بنسك واحد.
الحجة الثالثة: أن في القران مسارعة إلى التسكين وفي الإفراد ترك مسارعة إلى أحد التسكين فوجب أن يكون القران أفضل لقوله: {وَسَارِعُواْ} [آل عمران: 133].
والجواب ع




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال