سورة الإسراء / الآية رقم 4 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ وَآتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلاً ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُواًّ كَبِيراً فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً

الإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراء




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (4) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (7)}.
التفسير:
قضينا: أي أوجبنا، وقدّرنا، وحكمنا.
فهذا هو ما حكم اللّه سبحانه به، على بنى إسرائيل، وقضاه عليهم.
بنو إسرائيل.. ووعد الآخرة:
فقد حكم اللّه سبحانه وتعالى عليهم: أن يفسدوا في الأرض مرتين و هو قضاء لا مردّ له ولهذا جاء الفعل مؤكدا: {لتفسدنّ}.
فكأنه أمر لهم بأن يفسدوا- وذلك لأنهم واقعون تحت هذا القضاء الذي لا يردّ، حتى لكأنهم مأمورون به! وهذا من ابتلاء اللّه لهم، وغضبه عليهم، لما سبق في علمه- جل شأنه- من أنهم لن يستقيموا على هدى، ولن يسكنوا إلى عافية! والفساد الذي ينضح من كيان بنى إسرائيل، هو فساد يجىء عن بطر وكبر، وكفر بنعم اللّه التي يفيضها عليهم، ولهذا جاء قوله تعالى: {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً} معطوفا على هذا الفساد، مؤكدا لتأكيده، حيث أنه كائن منه، ومتولد من كيانه.. فهو علوّ فاسد، نتاج غرس فاسد. فهم إنما يفسدون حين يمكن اللّه لهم في الأرض، ويفيض عليهم الكثير من نعمه، وعندئذ يستبدّ بهم الغرور، ويستولى عليهم الأشر والبطر، شأن أصحاب النفوس النكدة، والقلوب المريضة، إذا مستها رحمة من رحمات اللّه، مكرت بها، وأحالتها في كيانها شرّا وبلاء، تتغدى منه، وتلقى بثمره النكد إلى كل ما حولها.
كالأرض الملح، ينزل عليها الغيث، فتتحول إلى برك ومستنقعات، لا تفوح منها إلا الروائح العفنة، ولا يتحرك على صدرها إلا الهوامّ والحشرات! وفى قوله تعالى: {فى الكتاب} إشارة إلى أن ما قضى اللّه به في بنى إسرائيل، وألزمهم إياه- هو مما في كتاب اللّه، وهو اللوح المحفوظ.. وفى هذا توكيد لهذا القضاء المبرم، المكتوب، وأنه لا مفرّ منه.
هذا، ويرى الزمخشري أن المراد بالكتاب هو التوراة متابعا في هذا من سبقه من المفسرين، وقد تبعه على هذا الرأى من جاء بعده..! وقليل من المفسرين من قال بأن الكتاب هو اللوح المحفوظ باعتبار أن ذلك رأى مرجوح.
والذي نقول به، هو أن المراد بالكتاب، هو الكتاب المسطور، وهو اللوح المحفوظ، وهو أم الكتاب.. كما يقول سبحانه وتعالى: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ} وهذا هو الأنسب والأولى في هذا المقام.. وذلك لأمرين:
أولهما: أن اللّه سبحانه وتعالى قد وصف الكتاب الذي جاء به موسى- وهو التوراة- بأنه هدى لبنى إسرائيل.. وليس يتفق مع هذا الوصف أن يحمل إليهم هذا الكتاب دعوة إلى الإفساد والتحبّر في الأرض! أما ما في كتاب اللّه المسطور، فهو قدر مقدور لهم، خفى عليهم أمره.. شأنهم في هذا شأن ما قدّر على الناس من أقدار.. فهم- والحال كذلك- مدعوّون إلى الهدى، بهذا الكتاب الذي جاءهم به موسى، ثم هم- مع هذا- واقعون تحت هذا القضاء الذي حجبه اللّه عنهم!!
فالرسل- عليهم الصلاة والسلام- مطالبون بدعوة الناس إلى اللّه، ومدّ أيديهم إليهم بالهدى الذي معهم والناس مطالبون بأن يقبلوا على هذه الدعوة، وأن يستجيبوا لها. ثم ينجلى الموقف آخر الأمر، عن مؤمنين آمنوا باللّه، وانتفعوا بهذا الهدى، وعن كافرين، كفروا باللّه، ولم يأخذوا بحظهم من هدى اللّه.. وكلا الفريقين- من مؤمنين وكافرين- أخذ الطريق الذي رسمه له القدر، دون أن ينكشف له ما قدّر اللّه عليه، ولا أن يجد في نفسه أنه مقهور تحت سلطان هذا القدر، وإنما هو مطلق العنان، يأخذ الطريق الذي قدّره هو، ورآه هو.. وهو عين ما قدره اللّه، وقضى به! وثانيهما: أنه لو حملت التوراة إلى بنى إسرائيل هذا القضاء المقضى به عليهم، في صورة الأمر أو في صورة الخبر.. لكان ذلك مما يسقط التكليف عنهم، إذ يضعهم تحت أمر نافذ لاسلطان لهم عليه، ولا قدرة معهم لدفعه، وتعالت حكمة اللّه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
أما ما أنذر اللّه سبحانه وتعالى، به بنى إسرائيل من سوء، وما رماهم به من لعنة، وما أخذهم به من مسخ، فقد كان ذلك واقعا على جماعات منهم، بحيث يبقى بعد ذلك بقية منهم خارجة عن هذا الحكم.. وتلك البقية هى متعلق أنظار القوم جميعا، بحيث يرى كل واحد منهم أنه في غير الملعونين، والممسوخين، وإن كان- فيما قدّر عليه- في الصميم منهم!- وفى قوله تعالى: {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} خبر محقق بأن الإفساد الذي يقع من القوم سيكون {مرّتين} يقعان على امتداد حياة بنى إسرائيل في هذه الأرض.
وقد اختلف في الزّمن الذي يقع فيه هذا الفساد في كلّ مرة من المرتين، وهل وقعت هاتان المرتان أو لم تقعا بعد؟ أم وقعت إحداهما ولم تقع الأخرى؟
والذي عليه أكثر المفسّرين أن هاتين المرتين قد وقعتا بالفعل، وأن إحداهما كانت عند الأسر البابلىّ، على يد بختنصّر، الذي استولى على دولة بنى إسرائيل ودمرها تدميرا، وهدم بيت المقدس، وساق القوم أسرى إلى بابل.
وأما المرة الثانية، فكانت بعد أن قتلوا النبىّ أرميا، وقيل بعد أن قتلوا النبىّ يحيا.
والذي ينظر في قوله تعالى: {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً} يرى أن الإفساد الذي يقع من بنى إسرائيل مصاحب لصفة دالّة عليه، مرهصة به، وهى أن يكونوا في حال، هم فيها أصحاب قوة متمكنة وسلطان ظاهر، وعلوّ في الأرض.. وأن هذا السلطان الظاهر لهم، وهذه القوة العتيدة بين أيديهم، وهذا العلوّ البادي لهم، إنما هو نعم مستنبتة في أرض فاسدة، وغيث هاطل على مستنقع عفن.. ومن هنا يكون البناء الذي أقاموا منه سلطانا، وحصلوا منه على قوة، وبلغوا به ما بلغوا من علو- هو بناء فاسد، يحمل في كيانه معاول هدمه وتدميره.
فإذا نظرنا إلى بنى إسرائيل من خلال هذه الصفة التي يكونون عليها حين يأخذهم اللّه سبحانه وتعالى بما يأخذ به الظالمين، فيسلط عليهم من يرميهم بالنقم، ويأخذهم بالبأساء والضراء.. نجد أن تاريخ القوم يحدّث عن أنهم قد كانوا على تلك الصفة، بعد سليمان عليه السلام، الذي أقام لهم دولة، وأنشأ فيهم ملكا واسعا عريضا.. وأنهم بعد أن ورثوا هذا الملك العريض، وملكوا هذا السلطان العتيد- بغوا وطغوا، وأقلقوا من حولهم من أمم وشعوب.
فسلط اللّه سبحانه وتعالى بعضهم على بعض أولا، فانقسموا إلى مملكتين، مملكة يهوذا في الجنوب، وتضم بيت المقدس، ومملكة إسرائيل في الشمال، وتضم سامريّا.
ثم سلط اللّه على المملكتين من يضربهما الضربة القاضية، ويقضى عليهما القضاء التام- فقام الأشوريون في عام (853 ق. م) وقضوا على مملكة إسرائيل، وضموها نهائيا إلى أشور، وقضوا على كل وجود للشخصية الإسرائيلية حيث وقع معظمهم تحت القتل، ومن نجا منهم من القتل، وقع في الأسر، وأصبح سلعة تباع في الأسواق.
ولما ورث البابليون دولة الأشوريين في العراق، فعلوا في مملكة يهوذا ما فعله الآشوريون في مملكة إسرائيل.
ففى سنة (586 ق. م) غزا البابليون مملكة يهوذا بقيادة ملكهم بختنصر، واستولوا عليها، ودمّروا الهيكل، وقادوا القوم ورؤساءهم أسرى.
وهكذا أصبحت مملكة سليمان كلها تحت الحكم البابلي، أو الأسر البابلي.
وعلى هذا يمكن أن نقول إن هذا الأسر البابلي هو الذي يشير إليه قوله تعالى: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا}.
فهذا الحدث هو أقرب وأبرز بلاء وقع على بنى إسرائيل، بعد أن أفسدوا في الأرض وعلوا علوّا كبيرا.
وليس يعترض على هذا بأن بختنصّر لم يكن من المؤمنين باللّه، وإذن فلا يصحّ أن ينسب إلى اللّه. في قوله تعالى: {عِباداً لَنا} فإن بختنصر- إذا صحّ أنه لم يكن مؤمنا باللّه- ليس إلا عبدا من عباد للّه، فالناس جميعا- مؤمنهم وكافرهم- هم عبيد اللّه. واللّه سبحانه وتعالى يقول: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً} [93: مريم].
ويقول سبحانه لإبليس- لعنه اللّه-: {إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ. إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ} فقد أضاف اللّه سبحانه الناس جميعا إليه.. هكذا: {عبادى}.
ومن عباده هؤلاء الغاوون.
وليس يعترض على هذا أيضا بقول من يقول: كيف يسلّط للّه الكافرين على المؤمنين، فقد كان بختنصر وقومه وثنيين، على حين كان بنو إسرائيل أهل كتاب.. مؤمنين باللّه؟
والجواب: أن بنى إسرائيل، وإن كانوا أهل كتاب، فإنهم قد مكروا بآيات اللّه، وبغوا في الأرض، وملأوا الدنيا من حولهم ظلما وبغيا.. فهم- وإن كانوا مؤمنين ظاهرا- لم يكونوا أحسن حالا من الوثنيين في أفعالهم السيئة المنكرة.. واللّه سبحانه وتعالى يقول: {وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} [129: الأنعام] وكذلك يبتلى اللّه الظالمين بالظالمين، أو بمن هم أشد ظلما منهم، فهى نقم تضرب في وجه نقم، وظلم يسوء وجوه الظالمين! ثم جاء بعد هذا قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً}.
وفى هذا إشارة إلى أن اللّه سبحانه وتعالى بعد أن أخذهم بعقابه، وألقى بهم في هذا الضّياع زمنا، كما فعل بهم حين ضرب عليهم التيه أربعين سنة- عاد اللّه سبحانه بفضله عليهم، وأخرجهم من هذا البلاء، بعد أن جعل من الآباء عبرة للأبناء.
ومعنى ردّ الكرة عليهم أنهم أخذوا مكان القوة، على حين نزل القوم الذين ابتلاهم اللّه بهم إلى حال أشبه بتلك الحال التي كان عليها اليهود من الذلة والهوان، وذلك حين أغار الفرس، على البابليين، واستولوا على أوطانهم، وجعلوهم غنيمة لهم، كما فعل البابليون ببني إسرائيل.. {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ} [140: آل عمران].
وفى قوله تعالى: {وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} إشارة إلى القوة التي لبسوها بعد هذا الضياع، وأنهم أصبحوا أصحاب شوكة أكثر من شوكة البابليين الذين ساموهم الخسف.. والنفير: الجماعة التي تنفر للحرب وتخفّ مسرعة إليها.
ثم جاء بعد هذا قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها}.
تحذيرا لبنى إسرائيل، أن يركبوا الطريق الذي ركبه آباؤهم من قبل، وأن يفسدوا في الأرض كما أفسدوا، فيحلّ بهم ما عرفوه من بلاء حل بآبائهم.
ثم إذا أعدنا النظر إلى بنى إسرائيل بعد الأسر البابلي، لم نجد لهم دولة ظاهرة ولا ملكا قائما.. وإنما هم دويلات ممزقة، متقاتلة فيما بينها، تخرج من حكم البابليين لتقع تحت حكم الفرس في سنة (518 ق. م).. ثم تحت حكم الرومان، إلى أن جاء الفتح الإسلامى.. الذي أدخل بيت المقدس في دولته، فأصبح المسجد الأقصى من مساجد الإسلام.. ليس لبنى إسرائيل شأن به منذ ذلك الوقت إلى يوم الناس هذا.
وإذن، فهناك المرّة الثانية، وهى التي أشار إليها قوله تعالى: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً}.
والسؤال هنا هو:
هل جاء وعد الآخرة.. أي المرة الثانية؟ وإذا لم يكن قد جاء فمتى يجى ء؟
وما الإرهاصات الدالة عليه؟
والجواب على هذا:
أولا: أن هذا الوعد- وعد الآخرة- كان إلى نزول القرآن الكريم غير واقع، وأنه سيقع في المستقبل، القريب، أو البعيد.. والدليل على هذا ما يحدّث به القرآن الكريم في هذا المقام.
فقد تحدّث القرآن الكريم عن مجىء المرة الأولى هكذا:
{فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا}.
وتحدث عن مجىء المرة الثانية هكذا:
{فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً}.
فالآيتان تحدثان عن المستقبل، الذي يدل عليه الشرط: {إذا}.
وهذا يعنى أن المرتين على سواء، في تعليقهما بالمستقبل، وقت نزول القرآن.. الأمر الذي يجعل القول بأن إحداهما قد وقعت، والأخرى لم تقع.. قولا لا حجة عليه، ولا مبرّر له.
ولكن الذي ينظر في الآيتين، يجد:
أن الشرط الذي يعلّق الفعلين بالمستقبل، هو منظور فيه إلى ما قضاه اللّه سبحانه وتعالى في كتابه، وجعله قدرا مقدورا على بنى إسرائيل، في وقوع هاتين المرتين من الإفساد.. وعلى هذا يكون وقوع الأحداث المسطورة في كتاب اللّه كلها، لم تكن وقعت، حين قضى اللّه بها، وأودعها خزائن علمه.
وعند النظر في الآيتين الكريمتين، نجد أن النظم القرآنى قد خالف بينهما.. فجعل ما وقع منهما عند نزول القرآن معبّرا عنه بلفظ الماضي: {بعثنا} {جاسوا}. على حين جعل المرّة التي لم تقع بلفظ المستقبل: {لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ.. وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا}.
ولو تساوت المرتان، في الوقوع، أو عدم الوقوع، عند نزول القرآن، لم يكن لاختلاف النظم فيهما سبب ظاهر، وهذا أبعد ما يكون عن بلاغة القرآن وإعجازه، حيث لا تجىء كلمة أو حرف فيه، إلا ومعها ما لا حصر له من أسرار! وثانيا: إذا تقرر أن المرة الثانية، لم تجىء حتى نزول القرآن الكريم.
فهل وقعت بعد هذا، أم أنها لا تزال معلقة بالمستقبل، لم تقع بعد؟
والقرآن الكريم هو دليلنا في الإجابة على هذا السؤال.
ففى قوله تعالى: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً} في هذه الآية نجد حديثا عن {المسجد}.
والمسجد كما هو معروف معلم من معالم الإسلام، وسمة من سمات بيوت اللّه التي يتعبّد المسلمون فيها.. إذ كان السجود أبرز عمل من أعمال المسلمين في الصلاة.. ولهذا فقد كان الاسم الذي يعرف به المسجد الأقصى هو: بيت المقدس حتى إذا أسرى اللّه سبحانه وتعالى بالنبي الكريم إليه، أسماء- سبحانه- المسجد الأقصى.. وجعله بهذا الاسم، القبلة الأولى للمسلمين، كما جعله بهذه التسمية، مسجدا لهم يعبدون اللّه فيه.. ثم كان الوصف الذي يعرف به المسلمون في المجتمع الإنسانى هو سمة السجود الذي في وجوههم. كما يقول تعالى: {سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ.. ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ} [29: الفتح].
فذكر بيت المقدس باسم {المسجد} يشير إشارة واضحة إلى أن المرة الثانية، التي يقع فيها من بنى إسرائيل هذا الإفساد، إنما تكون في العهد الإسلامى، وفى الوقت الذي يكون فيه بيت المقدس مسجدا للمسلمين، على خلاف ما كان عليه من قبل، حيث لم تشر الآية الأولى إلى المسجد، من بعيد أو قريب.. بل جاءت الآية هكذا {فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ} أي تنقلوا كما يشاءون بين الديار، وهذا يعنى أن العدو الذي ابتلاهم اللّه به، كان متمكّنا، بحيث يمشى في ديارهم، ويتخلل طرقاتها دون أن يخشى أحدا.
ونسأل مرة أخرى:
هل وقعت المرة الثانية؟ وهل جاء وعد الآخرة قبل يومنا هذا؟
والجواب هنا نأخذه أيضا من القرآن الكريم، ثم من أحداث التاريخ.
وننظر مرة أخرى في الآية: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً}.
فهناك حقائق تقررها الآية الكريمة، وهى:
أن الذين يتسلّطون على بنى إسرائيل في هذه المرة، سيدخلون المسجد الأقصى.. {كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.
وهذا يعنى أمورا:
أن الذين يدخلون المسجد الأقصى هذه المرة، قد كان لهم دخول إليه من قبل، وأنهم إنما يفعلون في هذه المرة، ما فعلوه في المرة السابقة.
ودخول المسلمين المسجد الأقصى أول مرة، كان في خلافة عمر بن الخطاب- رضى اللّه عنه- وقد ظل في أيديهم إلى أن دخله بنو إسرائيل في هذه الأيام، من عام ألف وثلاثمائة وسبعة وثمانين للهجرة.
نعم.. خرج المسجد الأقصى من يد المسلمين إلى يد الصليبيين.. ثم أعيد إليهم مرة أخرى، على يد صلاح الدين.. ولم يكن لبنى إسرائيل حساب أو تقدير في هذا الأمر.
ودخول المسلمين إلى المسجد الأقصى وانتزاعه من يد الصليبيين، ليس له شأن بالدخول الذي سيدخله المسلمون، بعد أن ينتزعوا هذا المسجد من يد بنى إسرائيل، لأن بنى إسرائيل لم يدخلوا المسجد، ولم يستولوا عليه منذ الفتح الإسلامى، حتى وقع لأيديهم في هذه الأيام.
فهذه إرهاصة من إرهاصات المرة الثانية، أو وعد الآخرة، وهى أن يكون المسجد الأقصى في يد بنى إسرائيل، ثم يجىء إليهم من يخرجهم منه، وينتزعه من أيديهم، وهم أولئك الذين كان {المسجد} مسجدهم الذي {دخلوه أول مرة}! وليس المسجد إلا مسجد المسلمين، وليس الذي يدخله للمرة الثانية وينتزعه من اليهود، إلا المسلمين.
والإرهاصة الثانية، هى الحال التي عليها اليهود أنفسهم، وهى أن يكونوا على الصفة التي وصفهم اللّه بها، حين يفسدون في الأرض، ويعلون علوّا كبيرا، وحين يدخل عليهم أصحاب المسجد كما دخلوه أول مرة، ليسوءوا وجوههم، أي يلبسوهم الخزي والسوء، وقد اختصّت الوجوه بهذا، لأنها الصفحة التي ترتسم عليها أحوال الإنسان كلها، وما يمسّه من خير أو شر، وما يلقاه من نعيم أو بؤس.
والذي ينظر في واقع بنى إسرائيل اليوم يجد:
أولا: أنهم منذ عهد سليمان لم تقم لهم دولة، بعد الدولة التي خربها يختنصّر، حتى قامت لهم دولة في هذه الأيام، هى المعروفة باسم إسرائيل والتي تدعمها وتسندها قوى كثيرة من قوى البغي والعدوان.. التي تكيد للإسلام وتتربّص به.
ثانيا: أن هذه الدولة التي أقامها بنو إسرائيل هذه الأيام دولة ولدت من أحشاء الظلام، تحمل معها كل ما عرفت الإنسانية من أدوات الشر، والبغي، والعدوان.. فقد ملكت بكيدها ومكرها، كثيرا من الوسائل الخبيثة، التي مكنتها من تلك القوة، وأقامت بها هذه الدولة.
فالمال الذي أقيمت به هذه الدولة، هو عصارة تلك الدماء التي امتصها اليهود من الأمم والشعوب، في شتى أقطار الأرض.. بما أشعلوا من حروب وبما أثاروا من فتن، وبما اشتروا من ضمائر وذمم.
وثالثا: هذه الدولة، هى غاية ما يمكن أن يبلغه بنو إسرائيل من علوّ، وغاية ما يمكن أن تطوله أيديهم من إفساد في الأرض.
فهم الآن يضعون أيديهم على فلسطين كلها، وعلى شبه جزيرة سينا من مصر، وعلى مرتفعات جولان من سوريا.
وكل ذلك قد وقع ليد إسرائيل في لحظة خاطفة، من لحظات الزمن، لا تتجاوز ستة أيام، الأمر الذي جعل لبنى إسرائيل اسما ذائعا رهيبا في العالم، جعلت تتغذى منه إسرائيل بمشاعر العظمة والزهو والغرور، حتى تورّمت، وأوشكت أن تنفجر، مما بها من كظة وامتلاء، من الزهو والخيلاء.. ومن هنا كان منهم ذلك البغي والعدوان، والإفساد في الأرض.. بنسف الدور، وقتل الأطفال والنساء، بلا وازع من حياء أو ضمير، وبلا خوف من قوة رادعة في الأرض، أو في السماء! المرة الثانية إذن هى ما فيه إسرائيل الآن.. من فساد في الأرض، وعلوّ واستكبار.. فساد إلى أبعد مداه، وعلوّ واستكبار إلى غاية حدودهما.
أما الذي ينتظر بنى إسرائيل بعد هذا، فهو ما يقع تأويلا ل قوله تعالى: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً}.
والذي سيتولّى هذا- بلا شك- هم المسلمون، أصحاب المسجد، الذين دخلوه أول مرة، أيام عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه، والذين سيدخلونه اليوم- إذا شاء اللّه- كما دخلوه أول مرة.
وفى قوله تعالى: {لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ} إشارة إلى هذا الخزي الذي سيلبس بنى إسرائيل، حين تحل بهم الهزيمة، ويقع بهم البلاء، ويهوون هويّا من هذا العلوّ الساحق، الذي تسلقوا إليه متلصصين في الظلام.. ويومها يعرف العالم أنهم هم اليهود، أجبن خلق اللّه، وإن لبسوا جلود النمور والأسود!- وفى قوله تعالى: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} إشارة إلى صحوة جديدة، ستبعث القوة، وتعيد الحياة إلى الأمة الإسلامية، وتجدد شبابها.
وإذا هى أقرب ما تكون إلى عهد الفتح الأول.
وشواهد هذا البعث للأمة الإسلامية كثيرة.. فقد تحررت أوطان العالم الإسلامى جميعها من الاستعمار، وأخذت الحياة تدبّ في أرضها الموات، بما يتدفق منها من ينابيع الذهب الأسود البترول الذي أمدها بأقوى قوة تقوم عليها الأمم في العصر الحديث، وهى المال، الذي يمكّن لها من العلم، وما يقوم على العلم من أسباب المدنية والعمران.
وفى قوله تعالى: {وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً}.
التبار، والتتبير: التدمير، والإهلاك.
وفى هذا إشارة إلى أن المسلمين سيجيئون بقوة قاهرة، ذات بأس متمكن غالب، يأتى على القوم، وعلى كل ما معهم من سلاح وعتاد.
فكلمة {ما} وهى اسم موصول لغير العقلاء، يراد به بنو إسرائيل، وما معهم من معدات الحرب، وأدوات القتال، التي جلبوها من كل مكان، ورصدوها للشر والعدوان.
إن بنى إسرائيل بغير معدات الحرب هذه، لا حساب لهم، ولا وزن.. ولهذا كان ميزان الأسلحة والمعدات أثقل من ميزانهم، ولهذا أيضا جاء التعبير يلفظ {ما} تغليبا لغير العاقل، وهو الأسلحة والمعدات، على العاقل، وهم بنو إسرائيل كان السلاح والعتاد أرجح منهم كفة، وأعظم أثرا.. فإنهم بغير هذا السلاح شيء لا وزن له.
إننا لنقطع عن يقين، أن بنى إسرائيل معنا اليوم، واقعون تحت قوله تعالى: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً}.
وإذن فالجولة التالية بيننا وبين بنى إسرائيل، هى لنا، وسندخل المسجد إن شاء اللّه كما دخلناه أول مرة، وسنخزى القوم ونعرّيهم من كل ما لبسوا من أثواب الزهو والغرور.. وسنقضى على هذه الدولة المولودة سفاحا.. فلن تقوم لها قائمة إلى يوم القيامة.
بقي هنا أمران، نود أن نشير إليهما في إيجاز.
أما الأمر الأول: فهو أن هذه الدولة قامت تحت اسم إسرائيل ولم تقم تحت اسم اليهود أو دولة يهوذا.
وهذا ما يجعل لقوله تعالى: {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ...} متوجها إلى تلك الدولة القائمة تحت اسم إسرائيل الأمر الذي يجعل من العسير أن تدخل تحت حكم هذه الآية، لو أنها اتخذت أي اسم آخر غير هذا الاسم.. وهذا إعجاز من إعجاز القرآن.
وأما الأمر الثاني: فهو ما جاء في قوله تعالى في آخر هذه السورة: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ.. فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً}.
.. (101- 104: الإسراء) ونقف من هذه الآيات عند قوله تعالى: {وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً}.
ففى قوله تعالى: {وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ} إشارة إلى أمرين:
أولهما: أن سكنى بنى إسرائيل الأرض، لن تكون إلا سكنى ذليلة مهينة، لا يرتفعون فيها عن هذه الأرض، ولا يستعلون بآدميتهم عن الدوابّ التي تدبّ عليها.. فهم أبدا لا صقون بهذه الأرض، يغوصون في طينها، ووحلها إلى أذقانهم، بحثا عما تعطى الأرض.. أما ما وراء هذا من مطالب الروح، فلا حظّ لهم فيه، ولا شغل لهم به..!
وثانيهما: أنهم سيشرّدون في الأرض كلها.. في طولها وعرضها.. إذ كان همّهم من سكنى الأرض، هو البحث عن كل مرعى فيها، فهم يتتبعون مواقع الرعي حيث كانت، وهذا ما تحدث عنه حياة اليهود، حيث هم في كل صقع من أصقاع الأرض.
وفى قوله تعالى: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً} إشارة إلى ما جاء في قوله تعالى: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً} فبنو إسرائيل الذي جاءوا لوعد الآخرة، واجتمعوا اليوم في فلسطين، وأقاموا الدولة الواقعة تحت حكم اللّه الذي قضى به عليهم يوم يجىء وعد الآخرة- بنو إسرائيل هؤلاء، قد جاءوا من كل أفق من آفاق الأرض مسوقين إلى حتفهم، مدعوّين إلى قدرهم المقدور، في قوله تعالى: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً}.
أي جمعناكم من كل جهة.. فاللفيف من الناس: الجماعة التي تجتمع من وجوه شتّى، كما يجتمع الناس في الأسواق، والأسفار.. ثم ينفضّ السوق، ويتفرق السّفر! {وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال