سورة الإسراء / الآية رقم 39 / تفسير تفسير الرازي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ المَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا القُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْا إِلَى ذِي العَرْشِ سَبِيلاً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُواًّ كَبِيراً تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً وَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً

الإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراء




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39) أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)}
اعلم أنه تعالى جمع في هذه الآية خمسة وعشرين نوعاً من التكاليف. فأولها: قوله: {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} [الإسراء: 22] وقوله: {وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إياه} [الإسراء: 23] مشتمل على تكليفين: الأمر بعبادة الله تعالى، والنهي عن عبادة غير الله، فكان المجموع ثلاثة. وقوله: {وبالوالدين إحسانا} [الإسراء: 23] هو الرابع، ثم ذكر في شرح ذلك الإحسان خمسة أخرى وهي: قوله: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة وَقُل رَّبّ ارحمهما} [الإسراء: 23، 24] فيكون المجموع تسعة، ثم قال: {وَءاتِ ذَا القربى حَقَّهُ والمسكين وابن السبيل} وهو ثلاثة فيكون المجموع إثني عشر. ثم قال: {وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26] فيصير ثلاثة عشر. ثم قال: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابتغاء رَحْمَةٍ مّن رَّبّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا} وهو الرابع عشر ثم قال: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ} [الإسراء: 28، 29] إلى آخر الآية وهو الخامس عشر، ثم قال: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ} [الإسراء: 31] وهو السادس عشر، ثم قال: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التى حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق} وهو السابع عشر ثم قال: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا} وهو الثامن عشر، ثم قال: {فَلاَ يُسْرِف فّى القتل} [الإسراء: 33] وهو التاسع عشر، ثم قال: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34] وهو العشرون. ثم قال: {وَأَوْفُوا الكيل إِذا كِلْتُمْ} وهو الحادي والعشرون، ثم قال: {وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم} [الإسراء: 35] وهو الثاني والعشرون، ثم قال: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وهو الثالث والعشرون، ثم قال: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحًا} [الإسراء: 37] وهو الرابع والعشرون، ثم قال: {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} وهو الخامس والعشرون، فهذه خمسة وعشرون نوعاً من التكاليف بعضها أوامر وبعضها نواه جمعها الله تعالى في هذه الآيات وجعل فاتحتها قوله: {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها ءاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً} [الإسراء: 22] وخاتمتها قوله: {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها ءاخَرَ فتلقى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا} إذا عرفت هذا فنقول: هاهنا فوائد:
الفائدة الأولى: قوله: {ذلك} إشارة إلى كل ما تقدم ذكره من التكاليف وسماها حكمة، وإنما سماها بهذا الاسم لوجوه:
أحدها: أن حاصلها يرجع إلى الأمر بالتوحيد وأنواع الطاعات والخيرات والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة، والعقول تدل على صحتها. فالأتي بمثل هذه الشريعة لا يكون داعياً إلى دين الشيطان بل الفطرة الأصلية تشهد بأنه يكون داعياً إلى دين الرحمن، وتمام تقرير هذا ما نذكره في سورة الشعراء في قوله: {هَلْ أُنَبّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشياطين * تَنَزَّلُ على كُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 221، 222].
وثانيها: أن الأحكام المذكورة في هذه الآيات شرائع واجبة الرعاية في جميع الأديان والملل ولا تقبل النسخ والإبطال، فكانت محكمة وحمكة من هذا الاعتبار.
وثالثها: أن الحكمة عبارة عن معرفة الحق لذاته والخير لأجل العمل به، فالأمر بالتوحيد عبارة عن القسم الأول وسائر التكاليف عبارة عن تعليم الخيرات حتى يواظب الإنسان عليها ولا ينحرف عنها، فثبت أن هذه الأشياء المذكورة في هذه الآيات عين الحكمة، وعن ابن عباس: أن هذه الآيات كانت في ألواح موسى عليه الصلاة والسلام: أولها: {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} [الإسراء: 22] قال تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلّ شَيْء مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَيْء} [الأعراف: 145].
والفائدة الثانية: من فوائد هذه الآية أنه تعالى بدأ في هذه التكاليف بالأمر بالتوحيد، والنهي عن الشرك وختمها بعين هذا المعنى، والمقصود منه التنبيه على أن أول كل عمل وقول وفكر وذكر يجب أن يكون ذكر التوحيد، وآخره يجب أن يكون ذكر التوحيد، تنبيهاً على أن المقصود من جميع التكاليف هو معرفة التوحيد والاستغراق فيه، فهذا التكرير حسن موقعه لهذه الفائدة العظيمة ثم إنه تعالى ذكر في الآية الأولى أن الشرك يوجب أن يكون صاحبه مذموماً مخذولاً، وذكر في الآية الأخيرة أن الشرك يوجب أن يلقي صاحبه في جهنم ملوماً مدحوراً، فاللوم والخذلان يحصل في الدنيا، وإلقاؤه في جهنم يحصل يوم القيامة ويجب علينا أن نذكر الفرق بين المذموم المخذول، وبين الملوم المدحور. فنقول: أما الفرق بين المذموم وبين الملوم، فهو أن كونه مذموماً معناه: أن يذكر له أن الفعل الذي أقدم عليه قبيح ومنكر، فهذا معنى كونه مذموماً، وإذا ذكر له ذلك فبعد ذلك يقال له لم فعلت مثل هذا الفعل، وما الذي حملك عليه، وما استفدت من هذا العمل إلا إلحاق الضرر بنفسك، وهذا هو اللوم. فثبت أن أول الأمر هو أن يصير مذموماً، وآخره أن يصير ملوماً، وأما الفرق بين المخذول وبين المدحور فهو أن المخذول عبارة عن الضعيف يقال: تخاذلت أعضاؤه أي ضعفت، وأما المدحور فهو المطرود. والطرد عبارة عن الاستخفاف والإهانة قال تعالى: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان: 69] فكونه مخذولاً عبارة عن ترك إعانته وتفويضه إلى نفسه، وكونه مدحوراً عبارة عن إهانته والاستخفاف به، فثبت أن أول الأمر أن يصير مخذولاً، وآخره أن يصير مدحوراً، والله أعلم بمراده.
وأما قوله: {أفأصفاكم رَبُّكُم بالبنين واتخذ مِنَ الملئكة إِنَاثًا} فاعلم أنه تعالى لما نبه على فساد طريقة من أثبت لله شريكاً ونظيراً نبه على طريقة من أثبت له الولد وعلى كمال جهل هذه الفرقة، وهي أنهم اعتقدوا أن الولد قسمان؛ فأشرف القسمين البنون، وأخسهما البنات. ثم إنهم أثبتوا البنين لأنفسهم مع علمهم بنهاية عجزهم ونقصهم وأثبتوا البنات لله مع علمهم بأن الله تعالى هو الموصوف بالكمال الذي لا نهاية له والجلال الذي لا غاية له، وذلك يدل على نهاية جهل القائل بهذا القول ونظيره قوله تعالى: {أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون} [الطور: 39] وقوله: {أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى} [النجم: 21] وقوله: {أفأصفاكم} يقال أصفاه بالشيء إذا آثر به، ويقال للضياع التي يستخصها السلطان بخاصية الصوافي.
قال أبو عبيدة في قوله: {أفأصفاكم} أفخصكم، وقال المفضل: أخلصكم.
قال النحويون هذه الهمزة همزة تدل على الإنكار على صيغة السؤال عن مذهب ظاهر الفساد لا جواب لصاحبه إلا بما فيه أعظم الفضيحة.
ثم قال تعالى: {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا} وبيان هذا التعظيم من وجهين:
الأول: أن إثبات الولد يقتضي كونه تعالى مركباً من الأجزاء والأبعاض، وذلك يقدح في كونه قديماً واجب الوجود لذاته. وذلك عظيم من القول ومنكر من الكلام.
والثاني: أن بتقدير ثبوت الولد فقد جعلتم أشرف القسمين لأنفسكم وأخس القسمين لله.
وهذا أيضاً جهل عظيم.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال