سورة الإسراء / الآية رقم 54 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُواًّ مُّبيِناً رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الكِتَابِ مَسْطُوراً

الإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراءالإسراء




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (56) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً}.
الواو، في قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبادِي} للاستئناف، وما بعدها كلام مستأنف، موجّه إلى عباد الله.
وعباد اللّه، هم الذين أضافوا أنفسهم إلى اللّه، فقبل اللّه سبحانه وتعالى ضيافتهم، وأضافهم إليه، إضافة تكريم هكذا: عبادى.
حتى لكأن غيرهم من المشركين والضالين، ليسوا عباده، الذين يستحقون إضافتهم إليه سبحانه، وإن كانوا عبيدا له: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً} [93: مريم].
وقوله تعالى: {الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي القولة {الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وهى الإيمان باللّه واليوم الآخر، على حين قال المشركون والكافرون القولة السيئة، قولة الكفر باللّه وباليوم الآخر.. فهذه القولة من عباد اللّه، هى اعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، وذلك هو الذي يؤهّلهم لهذا المقام الكريم، فيضيفهم المولى جل وعلا إليه: {عبادى} وقوله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} أي يفسد بينهم، ويعمل على إضلالهم، وعباد اللّه هم الذين يحرسون أنفسهم منه، ويردّون كيده إلى نحره، كما يقول سبحانه: {إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ} [42: الحجر].
قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا}.
هذه الآية ردّ على اعتراض، قد يدور في بعض الرءوس، فيقول قائل:
لم اختار اللّه أناسا من خلقه، فأضافهم إليه. وجعلهم عبادا له؟ ولما ذا لم يضف الناس جميعا إليه، وكلّهم عبيده، وصنعة يده؟
وقد جاء الجواب: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} إنّه كما خلقكم بيده، أقامكم بعدله وحكمته.. كلّ في مكانه الذي أراده له.. {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [14: الملك].
إنه ليس لمخلوق شيء مع الخالق.. {إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} أيها المخلوقون، فيجعلكم من عباده، وأهل طاعته {أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} فيضلكم، ويختم على قلوبكم.. وليس للمرحومين من الناس، ولا للمعذبين منهم مذهب إلى غير هذا المقام الذي أقامهم اللّه فيه، وأرادهم له: {لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} [23: الأنبياء].
وفى قوله تعالى: {وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} إشارة إلى أنه ليس إلى النبىّ أن يغيّر من قدر اللّه في الناس شيئا.. فمن قدّر عليه الشقاء فهو من أهل الشقاء، لا يتحول عنه أبدا، ومن كتبت له السعادة فهو من السعداء لن يدفعها عنه أحد.. وليس الرسول وكيلا على الناس، يدبّر أمرهم، ويتسلط على مصيرهم، وإنما هو بشير ونذير، يؤذّن في الناس بكلمات اللّه وآياته.. كما يقول سبحانه: {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} [7: الرعد].
قوله تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً}.
فى الآية الكريمة ردّ على شبهة قد تقع لبعض الناس من قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ}.
إذ قد يسأل بعض الناس: لما ذا كان هذا الحكم واقعا في أبناء آدم، حيث يرحم بعضهم ويعذّب بعضهم؟
فكان الجواب: إن ذلك هو حكم للّه في المخلوقات جميعا، في السموات وفى الأرض، حيث يأخذ كل مخلوق حظّا مقدورا له.. فيجىء على صفة خاصة، وفى وقت معين، ومكان محدود.. فيكون في عالم الأرض، أو السماء، ويكون نباتا، أو حيوانا أو جمادا، ويكون كوكبا أو ملكا.. وكلّ مخلوق من تلك المخلوقات، هو في عالمه، وفى جنسه، آخذ وضعا خاصا به، لا يشاركه فيه غيره من عالمه، أو جنسه! تلك هى سنة اللّه في خلقه: الإبداع في الخلق، والتّباين بين المخلوقات.
ثم بيّنت الآية بعد هذا صورة من صور التباين والاختلاف بين جماعات، هم من صفوة خلق اللّه، وهم الأنبياء.. فالأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- وهم في هذا المقام الكريم، وفى تلك المنزلة العالية- ليسوا على درجة واحدة، وفى مقام واحد.. وإنما هم درجات عند اللّه.. وإن كانوا جميعا في مقام القرب، وفى منازل الرضوان.
وهنا سؤال، وهو: لما ذا اختصّ داود عليه السّلام بالذّكر، هو والزبور الذي آتاه اللّه إياه؟ وداود- عليه السلام- لم يكن في منزلة إبراهيم، خليل اللّه، ولا موسى كليم اللّه، ولا عيسى كلمة اللّه، ولا محمد خاتم رسل اللّه. ولم يكن الزّبور في منزلة التوراة أو الإنجيل أو القرآن.. فما تأويل هذا؟
الجواب على هذا- واللّه أعلم- أن داود عليه السلام، هو النبىّ الذي جمع اللّه سبحانه وتعالى له الملك والنبوة معا، كما جمعهما لابنه سليمان من بعده.. أي أن اللّه قد جمع له الدنيا والآخرة جميعا، فآتاه للدنيا خير ما فيها، وهو الملك، وآتاه للآخرة خير مالها، وهو النبوّة.. ولهذا يقول تبارك وتعالى مخاطبا إياه:
{يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}.
ولهذا أيضا لم يكن داود عليه السلام صاحب كتاب يحمل شريعة، وإنما كان الزّبور الذي آتاه اللّه إياه، صلوات وتسابيح، يمجّد فيها اللّه سبحانه، ويشكر له.. إذ أن هذا الملك الذي في يده يحتاج- كى يستقيم على ميزان الحق والعدل- إلى اتصال دائم باللّه، حتى يدفع بهذا الاتصال ما يعرض له من شهوة السلطان، ومغريات الملك.
وعلى هذا، فاختصاص {داود} بالذكر هنا، إنما هو لبيان أن التفاضل الذي يقوم بين الموجودات كلها، هو قائم بين الأنبياء والرسل.. فمنهم من جعله اللّه سبحانه نبيا ورسولا، ومنهم من جعله نبيا ولا رسالة له، إلا في خاصة نفسه وأهله، ومنهم من جعله رسولا إلى قرية، أو أمة، ومنهم من جعله رسولا إلى الناس كافة، وذلك هو مما اختص به محمد- صلوات اللّه وسلامه عليه- من بين رسل اللّه جميعا.. وفى ذلك يقول اللّه تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ.. مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [253: البقرة] وداود- عليه السلام- قد جمع له حظ الدنيا والآخرة جميعا.. فهو ملك ليس خالص الملك، إذ يقوم على ملكه سلطان النبوة، وهو نبىّ غير خالص النبوّة، إذ يقوم على سلطان نبوته سلطان ملكه.. فهو نمط وحده بين أنبياء اللّه، وفى ملوك الأرض.
قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا}.
هو تهديد للمشركين، ووعيد لهم، وتسفيه لعقولهم، إذ يعبدون من دون اللّه مالا يملك لهم ضرّا ولا نفعا.. فهاهم أولاء وتلك هى معبوداتهم التي يعبدونها، فليدعوها لضرّ مسّهم، أو لبلاء وقع بهم، فهل تستجيب لهم آلهتهم تلك؟ وهل يسمعون أو يعقلون؟ فكيف إذن يتعاملون مع من لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنهم شيئا؟ ولكنه السّفه والضلال.
قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً}.
المشار إليه هنا باسم الإشارة {أولئك} هم المؤمنون الذين يعبدون اللّه، إلها سميعا بصيرا مجيبا.. وهؤلاء المؤمنون، هم في مقابل أولئك المشركين الذين يدعون خشبا مسنّدة، أو أحجارا منحوتة.. لا تسمع ولا تبصر.. وشتان بين دعاء ودعاء! وفى الإشارة إلى المؤمنين من غير ذكرهم، تنويه بهم، ورفع لمنزلتهم، وأنهم أعرف من أن يعرّفوا.
وفى قوله تعالى: {يَدْعُونَ} وفى حذف المفعول به، إشارة إلى أنهم يدعون من ينبغى أن يدعى، إذ لا مدعوّ- على الحقيقة- غيره، وهو اللّه سبحانه وتعالى.
وفى قوله تعالى: {يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} بيان لما يدعو به المؤمنون ربّهم، وهو أنهم يدعونه مسبّحين بحمده، شاكرين لفضله.. فهذا هو دعاء المؤمنين: عبادة، وصلاة، وتسبيح.. وفى هذا يقول اللّه تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [28:
الكهف].
وابتغاء الوسيلة، طلبها، وإدراكها.. والوسيلة ما يتوسّل به، ويتقرب به إلى اللّه، من عبادات وقربات.
وفى قوله تعالى: {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} إشارة إلى محذوف، تقديره: أيهم أقرب إلى ربّه أكثر توسلا إليه بالطاعات والعبادات.. إذ أنه كلما قرب العبد من ربّه، اشتدت خشيته له، لازدياد معرفته بجلاله، وعظمته، فيشتدّ حرصه على مرضاته، والتفانى في العبودية والعبادة، ليزداد من اللّه قربا، كلما ازداد طاعة وخشوعا وعبودية.
وقوله تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ} هو بيان للدوافع التي تدفع المؤمنين إلى دعاء اللّه سبحانه، وإلى ابتغاء الوسيلة إليه، وهو الطمع في رحمته، والخوف من عذابه.. وتلك هى الحال التي ينبغى أن تقوم عليها الصلة بين العبد وربّه وهى منزلة بين الرجاء والخوف.. فالرجاء يدفع المؤمن إلى الإحسان، والتزام الطاعات.. والخوف، بحرسه من العدوان على محارم اللّه، ومواقعة الآثام والمعاصي.
وفى قوله تعالى: {إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً} تعقيب على قوله سبحانه: {وَيَخافُونَ عَذابَهُ}.
وهو أن هذا العذاب شديد، حيث يقع بأهله، لا يدفعه عنهم من اللّه دافع، وهو لهوله وشدته، يحذره ويتوقى الدنوّ منه، كلّ من يطلب الأمن والعافية لنفسه.
ولم يأت في النظم القرآنى تعقيب على قوله تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} كما جاء التعقيب على قوله سبحانه: {وَيَخافُونَ عَذابَهُ}.
لأن أكثر ما يؤتى النّاس من استخفافهم بعذاب اللّه، أو غفلتهم عنه.. أمّا الرجاء في مغفرته ورحمته.. فالناس جميعا واقفون على باب الرجاء، حتى أن أكثرهم عصيانا للّه، ومحدّة له يتخذون من الطمع في رحمة اللّه، مدخلا يدخلون به على المعاصي في جرأة فاجرة، حتى ليقول صاحب الجنتين الذي كفر بربّه: {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً} [36: الكهف].. وهذا مكر مع اللّه، وتغرير بالنفس.. إن من يرجو ويطمع في رحمته، يجب أن يكون ممن يخشاه، ويتوقّى محارمه.. فإذا زلّ، كان طمعه في اللّه قائما على منطق.. واللّه سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [56: الأعراف] هذا، وفى الآية الكريمة وجه آخر.
وهو أن المشار إليه في قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} هم المعبودون الذين كان يعبدهم المشركون، من ملائكة وغيرهم، من عباد اللّه الصالحين.
ويكون قوله تعالى: {يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} هو خبر ل قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ}.
أي أن هؤلاء الذين يعبدهم المشركون من دون اللّه، هم عباد من عباد اللّه المؤمنين به، يبتغون رحمته ويتخذون الوسائل إلى مرضاته بالطاعات والعبادات، وهم أبدا على رجاء في رحمته، وخشية من عذابه.. كما يقول سبحانه وتعالى فيهم: {يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ} [50: النحل] وكما يقول جلّ شأنه: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ} [19- 20: الأنبياء].




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال