سورة الكهف / الآية رقم 83 / تفسير تفسير الشعراوي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِداَراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً وَأَمَّا الغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً وَأَمَّا الجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي المَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً

الكهفالكهفالكهفالكهفالكهفالكهفالكهفالكهفالكهفالكهفالكهفالكهفالكهفالكهفالكهف




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا(83)}
ذو القرنين: هذا لقبه؛ لأنه ربما كان في تكوينه ذا قرنين، أو يلبس تاجاً له اتجاهان؛ أو لأنه بلغ قرني الشمس في المشرق وفي المغرب.
وقد بحث العلماء في: مَنْ هو ذو القرنين؟ فمنهم مَنْ قال: هو الإسكندر الأكبر المقدوني الطواف في البلاد، لكن الإسكندر الأكبر كان في مقدونيا في الغرب، وذو القرنين جاب المشرق والمغرب مما دعا عالماً محققاً من علماء الهند هو: أبو الكلام آزاد وزير المعارف الهندي إلى القول بأنه ليس هو الإسكندر الأكبر، بل هو قورش الصالح، وهذه رحلته في الشرق والغرب وبين السدين، كما أن الإسكندر كان وثنياً، وكان تلميذاً لأرسطو، وذو القرنين رجل مؤمن كما سنعرف من قصته.
وعلى العموم، ليس من صالح القصة حَصْرها في شخص بعينه؛ لأن تشخيص حادثة القصة يُضعِف من تأثيرها، ويصبغها بِصبْغة شخصية لا تتعدى إلى الغير فنرى مَنْ يقول بأنها مسألة شخصية لا تتكرر.
إذن: لو جاء العلم في ذاته سنقول: هذه الحادثة أو هذا العَمَل خاص بهذا الشخص، والحق سبحانه وتعالى يريد أن يضرب لنا مثلاً يعُمُّ أي شخص، ماذا سيكون مَسْلكه وتصرّفه إنْ مكَّنَ الله له ومنحه الله قوة وسلطة؟
ولو حددَ القرآن هذه الشخصية في الإسكندر أو قورش أو غيرهما لَقُلْنَا: إنه حَدث فرديّ لا يتعدى هذا الشخص، وتنصرف النفس عن الأُسْوة به، وتفقد القصة مغزاها وتأثيرها. ولو كان في تعيينه فائدة لَعيَّنه الله لَنَا.
وسبق أنْ أوضحنا أن الحق سبحانه عندما ضرب مثلاً للذين كفروا، قال: {امرأت نُوحٍ وامرأت لُوطٍ..} [التحريم: 10] ولم يُعيّنهما على التحديد؛ لأن الهدف من ضرب المثل هنا بيان الرسول المرسَل من الله لهداية الناس لم يتمكّن من هداية زوجته وأقرب الناس إليه؛ لأن الإيمان مسألة شخصية، لا سيطرة فيها لأحد على أحد.
وكذلك لما ضرب الله مثلاً للذين آمنوا قال: {امرأت فِرْعَوْنَ..} [التحريم: 11].
ففرعون الذي أضَلَّ الناس وادَّعى الألوهية زوجته مؤمنة، وكأن الحق سبحانه يُلمِّح للناس جميعاً أن رأيك في الدين وفي العقائد رَأْي ذاتي، لا يتأثر بأحد أيّاً كان، لا في الهداية بنبي، ولا في الغواية بأضلِّ الضالين الذي ادعى الألوهية.
وهكذا يحفظ الإسلام للمرأة دورها وطاقتها ويحترم رأيها.
إذن: الحق سبحانه وتعالى أتى بهذه القصة غير مُشخّصة لتكون نموذجاً وأُسْوة يحتذي بها كل أحد، وإلاَّ لو شخصتْ لارتبطتْ بهذا الشخص دون غيره، أما حينما تكلم الحق سبحانه عن مريم فنراه يحددها باسمها، بل واسم أبيها؛ ذلك لأن ما سيحدث لمريم مسألة خاصة بها، ولن تحدث بعدها أبداً في بنات آدم، لذلك عيَّنها وشخَّصها؛ لأن التشخيص ضروري في مثل هذا الموقف.
أما حين يترك المثل أو القصة دون تشخيص، فهذا يعني أنها صالحة لأنْ تتكرر في أيّ زمان أو في أيّ مكان، كما رأينا في قصة أهل الكهف، وكيف أن الحق سبحانه أبهمهم أسماءً، وأبهمهم مكاناً وأبهمهم زماناً، وأبهمهم عدداً، ليكونوا أُسْوة وقُدْوة للفتيان المؤمنين في أيِّ زمان، وفي أيِّ مكان، وبأيِّ عدد.
وقوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين..} [الكهف: 83] نلاحظ أن مادة السؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن أخذتْ حيِّزاً كبيراً فيه، فقد ورد السؤال للنبي من القوم ست عشرة مرة، إحداها بصيغة الماضي في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ..} [البقرة: 186].
وخمس عشرة مرة بصيغة المضارع، كما في: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة..} [البقرة: 189].
وقوله: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ..} [البقرة: 215] {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ..} [البقرة: 217] {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر..} [البقرة: 219] {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو} [البقرة: 219] {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ..} [البقرة: 220] {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض..} [البقرة: 222] {يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ..} [المائدة: 4] {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة} [الأعراف: 187] ثلاث مرات،[النازعات: 42] {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال..} [الأنفال: 1] {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح..} [الإسراء: 85].
{وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين..} [الكهف: 83] {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً..} [طه: 105].
خمسة عشر سؤالاً بالمضارع، إلا أن الجوابَ عليها مختلف، وكلها صادرة عن الله الحكيم، فلابد أنْ يكون اختلاف الجواب في كل سؤال له مَلْحظ، ومن هذه الأسئلة ما جاء من الخصوم، ومنها ما سأله المؤمنون، السؤال من المؤمنين لرسول الله وقد نهاهم أنْ يسألوه حتى يهدأوا إلحاحٌ منهم في معرفة تصرُّفاتهم وإنْ كانت في الجاهلية، إلا أنهم يريدون أنْ يعرفوا رأي الإسلام فيها، فكأنهم نَسُوا عادات الجاهلية ويرغبون في أن تُشرَّع كل أمورهم على وَفْق الإسلام.
وبتأمّل الإجابة على هذه الأسئلة تجد منها واحدةً يأتي الجواب مباشرة دون {قُلْ} وهي في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع..} [البقرة: 186] وواحدة وردتْ مقرونة بالفاء {فَقُلْ} وهي قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً..} [طه: 105].
وباقي الأسئلة وردت الإجابة عليها بالفعل {قُلْ}، فما الحكمة في اقتران الفعل بالفاء في هذه الآية دون غيرها؟
قالوا: حين يقول الحق سبحانه في الجواب {قُلْ} فهذه إجابة على سؤال سُئِلَهُ رسول الله بالفعل، أي: حدث فعلاً منهم، أما الفاء فقد أتتْ في الجواب على سؤال لم يُسأله، ولكنه سيُسأله مستقبلاً.
فقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال..} [طه: 105] سؤال لم يحدث بَعْد، فالمعنى: إذا سألوك فَقُلْ، وكأنه احتياط لجواب عن سؤال سيقع.
فإذا قُلْتَ: فما الحكمة في أنْ يأتي الجواب في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ..} [البقرة: 186] خالياً من: قُلْ أو فَقُلْ: مع أن {إِذَا} تقتضي الفاء في جوابها؟
نقول: لأن السؤال هنا عن الله تعالى، ويريد سبحانه وتعالى أنْ يُجيبهم عليه بانتفاء الواسطة من أحد؛ لذلك تأتي الإجابة مباشرة دون واسطة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ..} [البقرة: 186] قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين..} [الكهف: 83] أي: عن تاريخه وعن خبره والمهمة التي قام بها: {قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً} [الكهف: 83].
وأيُّ شرف بعد هذا الشرف، إن الحق تبارك وتعالى يتولّى التأريخ لهذا الرجل، ويُؤرّخ له في قرآنه الكريم الذي يُتلَى ويُتعبَّد به إلى يوم القيامة والذي يُتحدّى به، ليظل ذِكْره باقياً بقاء القرآن، خالداً بخلوده، يظل أثره فيما عمل أُسْوة وقُدْوة لمن يعمل مثله. إنْ دَلَّ على شيء فإنما يدلُّ على أن العمل الصالح مذكور عند الله قبل أنْ يُذكَرَ عند الخلق.
فأيُّ ذكْر أبقى من ذكر الله لخبر ذي القرنين وتاريخه؟
و{مِّنْهُ} أي: بعضاً من ذِكْره وتاريخه، لا تاريخه كله.
وكلمة(ذِكْر) وردت في القرآن الكريم بمعان متعددة، تلتقي جميعها في الشرف والرفعة، وفي التذكُّر والاعتبار. وإنْ كانت إذا أُطلقتْ تنصرف انصرافاً أولياً إلى القرآن، كما في قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وبعد ذلك تُستعمل في أيّ كتاب أنزله الله تعالى من الكتب السابقة، كما جاء في قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
وقد يُطلَق الذكر على ما يتبع هذا من الصِّيت والشرف والرفعة وتخليد الاسم، كما في قوله تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ..} [الأنبياء: 10].
وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ..} [الزخرف: 44].
أي: صيت حَسَن وشرف ورفْعة كون القرآن يذكر هذا الاسم؛ لأن الاسم إذا ذُكِر في القرآن ذاعَ صِيتُه ودَوَّى الآفاق.
وقلنا في قصة زيد بن حارثة أنه كان عبداً بعد أنْ خُطِف من قومه وَبيع في مكة لخديجة رضي الله عنها، ثم وهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لذلك أطلقوا عليه زيد بن محمد، فلما عَلِم أهله بوجوده في مكة أتى أبوه وعمه، وكلّموا رسول الله في شأن زيد فقال: خَيِّروه.
فلما خَيَّروا زيداً قال: ما كنتُ لأختار على رسول الله أحداً، لذلك أكرمه النبي صلى الله عليه وسلم وسمَّاه زيدَ بن محمد، فلما أراد الحق سبحانه أن يبطل التبني، ونزل قوله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ولكن رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النبيين..} [الأحزاب: 40] وقال: {ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله..} [الأحزاب: 5].
فلا تقولوا: زيد بن محمد.
وقولوا: زيد بن حارثة، وهنا حَزِنَ زَيْد لهذا التغيير، ورأى أنه خسر به شرفاً عظيماً بانتسابه لمحمد، ولكن الحق سبحانه وتعالى يجبر خاطر زيد، ويجعل اسمه عَلَماً يتردد في قرآن يُتْلَى ويُتعبَّد به إلى يوم القيامة، فكان زيد هو الصحابي الوحيد الذي ورد ذكره باسمه في كتاب الله في قوله تعالى: {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا..} [الأحزاب: 37].
فأيُّ شرف أعلى وأعظم من هذا الشرف؟
ونلحظ في هذه الآية: {ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله..} [الأحزاب: 5] أن الحق سبحانه لم يتهم رسوله صلى الله عليه وسلم بالجور، فقال: {هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله..} [الأحزاب: 5] فما فعله الرسول كان أيضاً قِسْطاً وعدلاً، وما أمر الله به هو الأقسط والأعدل.
إذن: فذِكْر ذي القرنين في كتاب الله شرف كبير، وفي إشارة إلى أن فاعل الخير له مكانته ومنزلته عند الله، ومُجازىً بأنْ يُخلّد ذكره ويبقى صِيته بين الناس في الدنيا.
ثم يقول الحق سبحانه: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرض..}.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال