سورة طه / الآية رقم 134 / تفسير تفسير أبي حيان / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ القُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى

طهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطهطه




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


زهرة: بفتح الهاء وسكونها نحو نهر ونهر ما يروق من النور، وسراج زاهر له بريق، والأنجم الزهر المضيئة، وأزهر الشجر بدا زهره وهو النور.
{أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً وأجل مسمى فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ولو أنا أهلكناهم بعذاب قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى}.
قرأ الجمهور {يهد} الياء. وقرأ فرقة منهم ابن عباس والسلمي بالنون، وبخهم تعالى وذكرهم العبر بمن تقدم من القرون، ويعني بالإهلاك الإهلاك الناشئ عن تكذيب الرسل وترك الإيمان بالله واتباع رسله، والفاعل ليهد ضمير عائد على الله تعالى، ويؤيد هذا التخريج قراءة نهد بالنون ومعناه نبين وقاله الزجاج. وقيل: الفاعل مقدر تقديره الهدى والآراء والنظر والاعتبار. وقال ابن عطية: وهذا أحسن ما يقدر به عندي انتهى. وهو قول المبرد وليس بجيد إذ فيه حذف الفاعل وهو لا يجوز عند البصريين، وتحسينه أن يقال الفاعل مضمر تقديره {يهد} هو أي الهدى. وقال أبو البقاء: الفاعل ما دل عليه {أهلكنا} والجملة مفسرة له. قال الحوفي {كم أهلكنا} قد دل على هلاك القرون، فالتقدير أفلم نبين لهم هلاك من {أهلكنا} {من القرون} ومحو آثارهم فيتعظوا بذلك.
وقال الزمخشري: فاعل {لم يهد} الجملة بعده يريد ألم يهد لهم هذا بمعناه ومضمونه ونظيره قوله تعالى {وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين} أي تركنا عليه هذا الكلام، ويجوز أن يكون فيه ضمير الله أو الرسول انتهى. وكون الجملة فاعلاً هو مذهب كوفي، وأما تشبيهه وتنظيره بقوله {تركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين} فإن تركنا عليه معناه معنى القول فحكيت به الجملة كأنه قيل وقلنا عليه، وأطلقنا عليه هذا اللفظ والجملة تحكي بمعنى القول كما تحكى بلفظه، وأحسن التخاريج الأول وهو أن يكون الفاعل ضميراً عائداً على الله كأنه قال {أفلم} يبين الله ومفعول يبين محذوف، أي العبر بإهلاك القرون السابقة ثم قال {كم أهلكنا} أي كثيراً أهلكنا، فكم مفعوله بأهلكنا والجملة كأنها مفسرة للمفعول المحذوف ليهد.
وقال الحوفي: قال بعضهم هي في موضع رفع فاعل {يهد} وأنكر هذا على قائله لأن كم استفهام لا يعمل فيها ما قبلها انتهى. وليست كم هنا استفهاماً بل هي خبرية.
وقال أبو البقاء: {يهد لهم} في فاعله وجهان أحدهما ضمير اسم الله تعالى أي ألم يبين الله لهم وعلق {يهد} هنا إذ كانت بمعنى يعلم كما علقت في قوله تعالى {وتبين لكم كيف فعلنا بهم} انتهى.
و {كم} هنا خبرية والخبرية لا تعلق العامل عنها، وإنما تعلق عنه الاستفهامية. وقرأ ابن السميفع: يُمَشُّون بالتشديد مبنياً للمفعول لأن المشي يخلق خطوة بخطوة وحركة بحركة وسكوناً بسكون، فناسب البناء للمفعول والضمير في {يمشون} عائد على ما عاد عليه لهم وهم الكفار الموبخون يريد قريشاً، والعرب يتقلبون في بلاد عاد وثمود والطوائف التي كانت قريش تمر عليها إلى الشام وغيره، ويعاينون آثار هلاكهم و{يمشون في مساكنهم} جملة في موضع الحال من ضمير {لهم} والعامل {يهد} أي ألم نبين للمشركين في حال مشيهم في مساكن من أهلك من الكفار. وقيل: حال من مفعول {أهلكنا} أي أهلكناهم غارين آمنين متصرّفين في مساكنهم لم يمنعهم عن التمتع والتصرف مانع من مرض ولا غيره، فجاءهم الإهلاك بغتة على حين غفلة منهم به.
{إن في ذلك} أي في ذلك التبيين بإهلاك القرون الماضية {لآيات لأولي النهى} أي العقول السليمة. ثم بين تعالى الوجه الذي لأجله لا يترك العذاب معجلاً على من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم والكلمة السابقة هي المعدة بتأخير جزائهم في الآخرة قال تعالى: {بل الساعة موعدهم} تقول: لولا هذه العدة لكان مثل إهلاكنا عاداً وثموداً لازماً هؤلاء الكفرة، واللزام إما مصدر لازم وصف به وإما فعال بمعنى مفعل أي ملزم كأنه آلة للزوم، ولفظ لزومه كما قالوا لزاز خصم. وقال أبو عبد الله الرازي: لا شبهة أن الكلمة إخبار الله تعالى ملائكته وكتبه في اللوح المحفوظ أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وإن كذبوا يؤخرون ولا يفعل بهم ما فعل بغيرهم من الاستئصال انتهى.
والأجل أجل حياتهم أو أجل إهلاكهم في الدنيا أو عذاب يوم القيامة، أقوال: فعلى الأول يكون العذاب ما يلقى في قبره وما بعده. وعلى الثاني: قتلهم بالسيف يوم بدر. وعلى الثالث: هو عذاب جهنم. وفي صحيح البخاري «أن يوم بدر هو اللزام وهو البطشة الكبرى» والظاهر عطف {وأجل مسمى} على كلمة وأخر المعطوف عن المعطوف عليه، وفصل بينهما بجواب {لولا} لمراعاة الفواصل ورؤوس الآي، وأجاز الزمخشري أن يكون {وأجل} معطوفاً على الضمير المستكن في كان قال أي {لكان} الأخذ العاجل {وأجل مسمى} لازمين له كما كانا لازمين لعاد وثمود، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل انتهى.
ثم أمره تعالى بالصبر على ما يقول مشركو قريش، وهم الذين عاد الضمير عليهم في {أفلم يهد لهم} وكانوا يقولون أشياء قبيحة مما نص الله عنهم في كتابه، فأمره تعالى بالصبر على أذاهم والاحتمال لما يصدر من سوء أخلاقهم، وأمره بالتسبيح والحمد لله و{بحمد ربك} في موضع الحال، أي وأنت حامد لربك. والظاهر أنه أمر بالتسبيح مقروناً بالحمد، وإما أن يراد اللفظ أي قل سبحان الله والحمد لله، أو أريد المعنى وهو التنزيه والتبرئة من السوء والثناء الجميل عليه. وقال أبو مسلم: لا يبعد حمله على التنزيه والإجلال، والمعنى اشتغل بتنزيه الله في هذه الأوقات. قال أبو عبد الله الرازي: وهذا القول أقرب إلى الظاهر وإلى ما تقدم ذكره لأنه صبره أولاً {على ما يقولون} من التكذيب ومن إظهار الكفر والشرك الذي يليق بذلك أن يؤمر بتنزيهه عن قولهم حتى يكون مظهراً لذلك وداعياً، ولذلك ما جمع كل الأوقات أو يراد المجاز فيكون المراد الصلاة فقبل طلوع الشمس صلاة الصبح وقبل غروبها صلاة العصر {ومن آناء الليل} المغرب والعتمة {وأطراف النهار} الظهر وحده. قال ابن عطية: ويحتمل اللفظ أن يراد قول سبحان الله وبحمده من بعد صلاة الصبح إلى ركعتي الضحى وقبل غروب الشمس، فقد قال عليه السلام: «من سبح عند غروب الشمس سبعين تسبيحة غربت بذنوبه» انتهى.
وقال الزمخشري: {وقبل غروبها} يعني الظهر والعصر لأنهما واقعتان في النصف الأخير من النهار بين زوال الشمس وغروبها، وتعمد {آناء الليل} {وأطراف النهار} مختصاً لها بصلاتك، وذلك أن أفضل الذكر ما كان بالليل لاجتماع القلب وهدوّ الرجل والخلو بالرب. وقال تعالى: {إن ناشئة الليل} وقال: {أمّن هو قانت آناء الليل} الآيتين. ولأن الليل وقت السكون والراحة فإذا صرف إلى العبادة كانت على النفس أشد وأشق وللبدن أتعب وأنصب، فكانت أدخل في معنى التكليف وأفضل عند الله وقد تناول التسبيح في {آناء الليل} صلاة العتمة {وفي أطراف النهار} صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار إرادة الاختصاص كما اختصت في قوله {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} عند بعض المفسرين انتهى. وجاء هنا {وأطراف النهار} وفي هود {وأقم الصلاة طرفي النهار} فقيل: جاء على حد قوله:
ومهمهين قذفين مرتين *** ظهراهما مثل ظهور الترسين
جاءت التثنية على الأصل والجمع لا من اللبس إذ النهار ليس له إلاّ طرفان. وقيل: هو على حقيقة الجمع الفجر الطرف الأول، والظهر والعصر من الطرف الثاني، والطرف الثالث المغرب والعشاء. وقيل: النهار له أربعة أطراف عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند زوال الشمس، وعند وقوفها للزوال. وقيل: الظهر في آخر طرف النهار الأول، وأول طرف النهار الآخر، فهي في طرفين منه، والطرف الثالث غروب الشمس وهو وقت المغرب. وقيل: يجعل النهار للجنس فلكل يوم طرف فيتكرر بتكرره.
وقيل: المراد بالأطراف الساعات لأن الطرف آخر الشيء. وقرأ الجمهور: {وأطراف} بنصب الفاء وهو معطوف على {ومن آناء الليل}. وقيل: معطوف على {قبل طلوع الشمس} وقرأ الحسن وعيسى بن عمر {وأطراف} بخفض الفاء عطفاً على {آناء}.
{لعلك ترضى} أي تثاب على هذه الأعمال بالثواب الذي تراه وأبرز ذلك في صورة الرجاء والطمع لا على القطع. وقيل: لعل من الله واجبة. وقرأ أبو حيوة وطلحة والكسائي وأبو بكر وأبان وعصمة وأبو عمارة عن حفص وأبو زيد عن المفضل وأبو عبيد ومحمد بن عيسى الأصبهاني تُرْضَى بضم التاء أي يرضيك ربك.
ولما أمره تعالى بالصبر وبالتسبيح جاء النهي عن مد البصر إلى ما متع به الكفرة يقال: مد البصر إلى ما متع به الكفار، يقال: مد نظره إليه إذا أدام النظر إليه، والفكرة في جملته وتفصيله. قيل: والمعنى على هذا ولا تعجب يا محمد مما متعناهم به من مال وبنين ومنازل ومراكب وملابس ومطاعم، فإنما ذلك كله كالزهرة التي لا بقاء لها ولا دوام، وإنها عما قليل تفنى وتزول. والخطاب وإن كان في الظاهر للرسول صلى الله عليه وسلم فالمراد أمته وهو كان صلى الله عليه وسلم أبعد شيء عن النظر في زينة الدنيا وأعلق بما عند الله من كل أحد، وهو القائل في الدنيا «ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أريد به وجه الله» وكان شديد النهي عن الاغترار بالدنيا والنظر إلى زخرفها {ولا تمدن} أبلغ من لا تنظر لأن مد البصر يقتضي الإدامة والاستحسان بخلاف النظر، فإنه قد لا يكون ذلك معه والعين لا تمدّ فهو على حذف مضاف أي {لا تمدن} نظر {عينيك} والنظر غير الممدد معفو عنه. وذلك مثل من فاجأ الشيء ثم غض بصره. والنظر إلى الزخارف مركوز في الطبائع فمن رأى منها شيئاً أحب إدمان النظر إليه، وقد شدّد المتقون في غض البصر عن أبنية الظلمة وعدد الفسقة مركوباً وملبوساً وغيرهما لأنهم إنما اتخذوها لعيون النظارة حتى يفتخروا بها، فالناظر إليها محصل لغرضهم وكالمغرى لهم على اتخاذها. وانتصب {أزواجاً} على أنه مفعول به، والمعنى أصنافاً من الكفرة و{منهم} في موضع الصفة لأزواجاً أي أصنافاً وأقواماً من الكفرة. كما قال: {وآخر من شكله أزواج} وأجاز الزمخشري أن ينتصب {أزواجاً} عن الحال من ضمير {به} و{متعنا} مفعوله منهم كأنه قيل إلى الذي متعنا به وهو أصناف بعضهم، وناساً منهم. و{زهرة} منصوب على الذم أو مفعول ثان لمتعنا على تضمينه معنى أعطينا أو بدل من محل الجار والمجرور، أو بدل من {أزواجاً} على تقدير ذوي زهرة، أو جعلهم {زهرة} على المبالغة أو منصوب بفعل محذوف يدل عليه {متعنا} أي جعلنا لهم {زهرة} أو حال من الهاء، أو ما على تقدير حذف التنوين من {زهرة} لالتقاء الساكنين وخبر {الحياة} على البدل من {ما} وكل هذه الأعاريب منقول والأخير اختاره مكي، وردّ كونه بدلاً من محل {ما} لأن فيه الفصل بالبدل بين الصلاة وهي {متعنا} ومعمولها وهو {لنفتنهم} فالبدل وهو {زهرة}.
وقرأ الجمهور {زَهْرَة} بسكون الهاء. وقرأ الحسن وأبو البر هيثم وأبو حيوة وطلحة وحميد وسلام ويعقوب وسهل وعيسى والزهري بفتحها. وقرأ الأصمعي عن نافع لِنُفْتِنَهم بضم النون من أفتنه إذا جعل الفتنة واقعة فيه، والزهرة والزهرة بمعنى واحد كالجهرة والجهرة. وأجاز الزمخشري في {زهرة} المفتوح الهاء أن يكون جمع زاهر نحو كافر وكفرة، وصفهم بأنهم زاهر وهذه الدنيا الصفاء ألوانهم مما يلهون ويتنعمون وتهلل وجوههم وبهاء زيهم وشارتهم بخلاف ما عليه المؤمنون والصلحاء من شحوب الألوان والتقشف في الثياب، ومعنى {لنفتنهم فيه} أي لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب لوجود الكفران منهم أو لنعذبهم في الآخرة بسببه.
{ورزق ربك خير وأبقى} أي ما ذخر لهم من المواهب في الآخرة {خير} مما متع به هؤلاء في الدنيا {وأبقى} أي أدوم. وقيل: ما رزقهم وإن كان قليلاً خير مما رزقوا وإن كان كثير الحلية ذلك وحرمية هذا. وقيل: ما رزقت من النبوة والإسلام. وقيل: ما يفتح الله على المؤمنين من البلاد والغنائم. وقيل: القناعة. وقيل: ثواب الله على الصبر وقلة المبالاة بالدنيا.
ولما أمره تعالى بالتسبيح في تلك الأوقات المذكورة ونهاه عن مد بصره إلى ما متع به الكفار أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة التي هي بعد الشهادة آكد أركان الإسلام، وأمره بالاصطبار على مداومتها ومشاقها وأن لا يشتغل عنها، وأخبره تعالى أن لا يسأله أن يرزق نفسه وأن لا يسعى في تحصيل الرزق ويدأب في ذلك، بل أمره بتفريغ باله لأمر الآخرة ويدخل في خطابه عليه السلام أمته. وقرأ الجمهور {نَرْزُقُكَ} بضم القاف. وقرأت فرقة: منهم وابن وثاب بإدغام القاف في الكاف وجاء ذلك عن يعقوب. قال صاحب اللوامح: وإنما امتنع أبو عمرو من إدغام مثله بعد إدغامه {نرزقكم} ونحوها لحلول الكاف منه طرفاً وهو حرف وقف، فلو حرك وقفاً لكان وقوفه على حركة وكان خروجاً عن كلامهم. ولو أشار إلى الفتح لكان الفتح أخف من أن يتبعض بل خروج بعضه كخروج كله، ولو سكن لأجحف بحرف. ولعل من أدغم ذهب مذهب من يقول جعفر وعامر وتفعل فيشدد وقفاً أو أدغم على شرط أن لا يقف بحال فيصير الطرف كالحشو انتهى.
و {العاقبة} أي الحميدة أو حسن العاقبة لأهل التقوى {وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه} هذه عادتهم في اقتراح الآيات كأنهم جعلوا ما ظهر من الآيات ليس بآيات، فاقترحوا هم ما يختارون على ديدنهم في التعنت فأجيبوا بقوله {أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى} أي القرآن الذي سبق التبشير به وبإيحائي من الرسل به في الكتب الإلهية السابقة المنزّلة على الرسل، والقرآن أعظم الآيات في الإعجاز وهي الآية الباقية إلى يوم القيامة.
وفي هذا الاستفهام توبيخ لهم. وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص {تأتهم} بالتاء على لفظ بينة. وقرأ باقي السبعة وأبو بحرية وابن محيصن وطلحة وابن أبي ليلى وابن مناذر وخلف وأبو عبيدة وابن سعدان وابن عيسى وابن جبير الأنطاكي يأتهم بالياء لمجاز تأنيث الآية والفصل. وقرأ الجمهور بإضافة {بينة} إلى {ما} وفرقة منهم أبو زيد عن أبي عمرو بالتنوين و{ما} بدل. قال صاحب اللوامح: ويجوز أن يكون ما نفياً وأريد بذلك ما في القرآن من الناسخ والفصل مما لم يكن في غيره من الكتب. وقرأت فرقة بنصب {بينة} والتنوين و{ما} فاعل بتأتهم و{بينة} نصب على الحال، فمن قرأ يأتهم بالياء فعلى لفظ {ما} ومن قرأ بالتاء راعى المعنى لأنه أشياء مختلفة وعلوم من مضى وما شاء الله.
وقرأ الجمهور {في الصُحُف} بضم الحاء، وفرقة منهم ابن عباس بإسكانها والضمير في ضمن قبله يعود على البينة لأنها في معنى البرهان، والدليل قاله الزمخشري والظاهر عوده على الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله: {لولا أرسلت إلينا رسولاً} ولذلك قدره بعضهم قبل إرساله محمداً إليهم والذل والخزي مقترنان بعذاب الآخرة. وقيل {نذل} في الدنيا و{نخزَى} في الآخرة. وقيل: الذل الهوان والخزي الافتضاح.
وقرأ الجمهور {نُذل ونَخزى} مبنياً للفاعل، وابن عباس ومحمد بن الحنفية وزيد بن علي والحسن في رواية عباد والعمري وداود والفزاري وأبو حاتم ويعقوب مبنياً للمفعول.
{قل كل متربص فتربصوا} أي منتظر منا ومنكم عاقبة أمره، وفي ذلك تهديد لهم ووعيد وأفرد الخبر وهو {متربّص} حملاً على لفظ {كل} كقوله {قل كل يعمل على شاكلته} والتربص التأني والانتظار للمفرج و{من أصحاب} مبتدأ وخبر علق عنه {فستعلمون} وأجاز الفراء أن تكون ما موصولة بمعنى الذي فتكون مفعولة بفستعلمون و{أصحاب} خبر مبتدأ محذوف تقديره الذي هم أصحاب، وهذا جار على مذهب الكوفيين إذ يجيزون حذف مثل هذا الضمير مطلقاً سواء كان في الصلة طول أم لم يكن وسواء كان الموصول أياً أم غيره.
وقرأ الجمهور {السوي} على وزن فعيل أي المستوي. وقرأ أبو مجلز وعمران بن حدير السواء أي الوسط. وقرأ الجحدري وابن يعمر السوأى على وزن فعلى أنث لتأنيث {الصراط} وهو مما يذكر ويؤنث تأنيث الأسواء من السوأى على ضد الاهتداء قوبل به {ومن اهتدى} على الضد ومعناه {فستعلمون} أيها الكفار من على الضلال ومن على الهدى، ويؤيد ذلك قراءة ابن عباس الصراط السوء وقد روي عنهما أنهما قرآ السوأى على وزن فعلى، فاحتمل أن يكون أصله السووي إذ روي ذلك عنهما فخفف الهمزة بإبدالها واواً وأدغم، واحتمل أن يكون فعلى من السواء أبدلت ياؤه واواً وأدغمت الواو وفي الواو، وكان القياس أنه لما بني فعلى من السواء ان يكون السويا فتجتمع واو وياء، وسبقت إحداهما بالسكون فتقلب الواو ياء وتدغم في الياء، فكان يكون التركيب السيا.
وقرئ السُوَيّ بضم السين وفتح الواو وشد الياء تصغير السوء. قاله الزمخشري، وليس بجيد إذ لو كان تصغير سوء لثبتت همزته في التصغير، فكنت تقول سؤيي والأجود أن يكون تصغير سواء كما قالوا في عطاء عطي. ومن قرأ السوأى أو السوء كان في ذلك مقابلة لقوله {ومن اهتدى} وعلى قراءة الجمهور لم تراع المقابلة في الاستفهام.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال