سورة البقرة / الآية رقم 251 / تفسير تفسير القرطبي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لاَ طَاقَةَ لَنَا اليَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ المُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ تَلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ

البقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251)}
قوله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} أي فأنزل الله عليهم النصر {فَهَزَمُوهُمْ}: فكسروهم. والهزم: الكسر، ومنه سقاء متهزم، أي انثنى بعضه على بعض مع الجفاف، ومنه ما قيل في زمزم: إنها هزمة جبريل، أي هزمها جبريل برجله فخرج الماء. والهزم: ما تكسر من يابس الحطب.
قوله تعالى: {وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ} وذلك أن طالوت الملك اختاره من بين قومه لقتال جالوت، وكان رجلا قصيرا مسقاما مصفارا أصغر أزرق، وكان جالوت من أشد الناس وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده، وكان قتل جالوت وهو رأس العمالقة على يده. وهو داود بن إيشى- بكسر الهمزة، ويقال: داود بن زكريا بن رشوى، وكان من سبط يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وكان من أهل بيت المقدس جمع له بين النبوة والملك بعد أن كان راعيا وكان أصغر إخوته وكان يرعى غنما، وكان له سبعة إخوة في أصحاب طالوت، فلما حضرت الحرب قال في نفسه: لأذهبن إلى رؤية هذه الحرب، فلما نهض في طريقه مر بحجر فناداه: يا داود خذني فبى تقتل جالوت، ثم ناداه حجر آخر ثم آخر فأخذها وجعلها في مخلاته وسار، فخرج جالوت يطلب مبارزا فكع الناس عنه حتى قال طالوت: من يبرز إليه ويقتله فأنا أزوجه ابنتي وأحكمه في مالى، فجاء داود عليه السلام فقال: أنا أبرز إليه وأقتله، فازدراه طالوت حين رآه لصغر سنه وقصره فرده، وكان داود أزرق قصيرا، ثم نادى ثانية وثالثة فخرج داود، فقال طالوت له: هل جربت نفسك بشيء؟ قال نعم، قال بما ذا؟ قال: وقع ذئب في غنمي فضربته ثم أخذت رأسه فقطعته من جسده. قال طالوت: الذئب ضعيف، هل جربت نفسك في غيره؟ قال: نعم، دخل الأسد في غنمي فضربته ثم أخذت بلحييه فشققتهما، أفترى هذا أشد من الأسد؟ قال لا، وكان عند طالوت درع لا تستوي إلا على من يقتل جالوت، فأخبره بها وألقاها عليه فاستوت، فقال طالوت: فأركب فرسي وخذ سلاحي ففعل، فلما مشى قليلا رجع فقال الناس: جبن الفتى! فقال داود: إن الله إن لم يقتله لي ويعنى عليه لم ينفعني هذا الفرس ولا هذا السلاح، ولكني أحب أن أقاتله على عادتي. قال: وكان داود من أرمى الناس بالمقلاع، فنزل واخذ مخلاته فتقلدها واخذ مقلاعه وخرج إلى جالوت، وهو شاك في سلاحه على رأسه بيضة فيها ثلاثمائة رطل، فيما ذكر الماوردي وغيره، فقال له جالوت: أنت يا فتى تخرج إلى! قال نعم، قال: هكذا كما تخرج إلى الكلب! قال نعم، وأنت أهون. قال: لأطعمن لحمك اليوم للطير والسباع، ثم تدانيا وقصد جالوت أن يأخذ داود بيده استخفافا به، فأدخل داود يده إلى الحجارة، فروى أنها التأمت فصارت حجرا واحدا، فأخذه فوضعه في المقلاع وسمي الله وأداره ورماه فأصاب به رأس جالوت فقتله، وحز رأسه وجعله في مخلاته، واختلط الناس وحمله أصحاب طالوت فكانت الهزيمة. وقد قيل: إنما أصاب بالحجر من البيضة موضع أنفه، وقيل: عينه وخرج من قفاه، وأصاب جماعة من عسكره فقتلهم.
وقيل: إن الحجر تفتت حتى أصاب كل من في العسكر شيء منه، وكان كالقبضة التي رمى بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هوازن يوم حنين، والله أعلم. وقد أكثر الناس في قصص هذه الآي، وقد ذكرت لك منها المقصود والله المحمود.
قلت: وفى قول طالوت: «من يبرز له ويقتله فإنى أزوجه ابنتي وأحكمه في مالى» معناه ثابت في شرعنا، وهو أن يقول الامام: من جاء برأس فله كذا، أو أسير فله كذا على ما يأتي بيانه في الأنفال إن شاء الله تعالى. وفيه دليل على أن المبارزة لا تكون إلا بإذن الامام، كما يقوله أحمد وإسحاق وغيرهما. واختلف فيه عن الأوزاعي فحكى عنه أنه قال: لا يحمل أحد إلا بإذن إمامه.
وحكى عنه أنه قال: لا بأس به، فإن نهى الامام عن البراز فلا يبارز أحد إلا بإذنه. وأباحت طائفة البراز ولم تذكر بإذن الامام ولا بغير إذنه، هذا قول مالك. سئل مالك عن الرجل يقول بين الصفين: من يبارز؟ فقال: ذلك إلى نيته إن كان يريد بذلك الله فأرجو ألا يكون به بأس، قد كان يفعل ذلك فيما مضى.
وقال الشافعي: لا بأس بالمبارزة. قال ابن المنذر: المبارزة بإذن الامام حسن، وليس على من بارز بغير إذن الامام حرج، وليس ذلك بمكروه لأني لا أعلم خبرا يمنع منه. {وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} قال السدى: أتاه الله ملك طالوت ونبوة شمعون. والذي علمه هو صنعة الدروع ومنطق الطير وغير ذلك من أنواع ما علمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال ابن عباس: هو أن الله أعطاه سلسلة موصولة بالمجرة والفلك ورأسها عند صومعة داود، فكان لا يحدث في الهواء حدث إلا صلصلت السلسلة فيعلم داود ما حدث، ولا يمسها ذو عاهة إلا برئ، وكانت علامة دخول قومه في الدين أن يمسوها بأيديهم ثم يمسحون أكفهم على صدورهم، وكانوا يتحاكمون إليها بعد داود عليه السلام إلى أن رفعت.
قوله تعالى: {مِمَّا يَشاءُ} أي مما شاء، وقد يوضع المستقبل موضع الماضي، وقد تقدم.
قوله تعالى: {وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ} فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} كذا قراءة الجماعة، إلا نافعا فإنه قرأ {دفاع} ويجوز أن يكون مصدرا لفعل كما يقال: حسبت الشيء حسابا، وآب إيابا، ولقيته لقاء، ومثله كتبه كتابا، ومنه: {كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}. النحاس: وهذا حسن، فيكون دفاع ودفع مصدرين لدفع وهو مذهب سيبويه.
وقال أبو حاتم: دافع ودفع بمعنى واحد، مثل طرقت النعل وطارقت، أي خصفت إحداهما فوق الأخرى، والخصف: الخرز. واختار أبو عبيدة قراءة الجمهور {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ}. وأنكر أن يقرأ دفاع وقال: لان الله عز وجل لا يغالبه أحد. قال مكي: هذا وهم توهم فيه باب المفاعلة وليس به، واسم اللَّهِ في موضع رفع بالفعل، أي لولا أن يدفع الله. ودفاع مرفوع بالابتداء عند سيبويه. {النَّاسَ} مفعول، {بَعْضَهُمْ} بدل من الناس، {بِبَعْضٍ} في موضع المفعول الثاني عند سيبويه، وهو عنده مثل قولك: ذهبت بزيد، فزيد في موضع مفعول فاعلمه.
الثانية: واختلف العلماء في الناس المدفوع بهم الفساد من هم؟ فقيل: هم الابدال وهم أربعون رجلا كلما مات واحد بدل الله آخر، فإذا كان عند القيامة ماتوا كلهم، اثنان وعشرون منهم بالشام وثمانية عشر بالعراق.
وروى عن على رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «إن الابدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات منهم رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم الغيث وينصر بهم على الاعداء ويصرف بهم عن أهل الأرض البلاء» ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول. وخرج أيضا عن أبى الدرداء قال: إن الأنبياء كانوا أوتاد الأرض، فلما انقطعت النبوة أبدل الله مكانهم قوما من أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال لهم الابدال، لم يفضلوا الناس بكثرة صوم ولا صلاة ولكن بحسن الخلق وصدق الورع وحسن النية وسلامة القلوب لجميع المسلمين والنصيحة لهم ابتغاء مرضاة الله بصبر وحلم ولب وتواضع في غير مذلة، فهم خلفاء الأنبياء قوم اصطفاهم الله لنفسه واستخلصهم بعلمه لنفسه، وهم أربعون صديقا منهم ثلاثون رجلا على مثل يقين إبراهيم خليل الرحمن، يدفع الله بهم المكاره عن أهل الأرض والبلايا عن الناس، وبهم يمطرون ومن يرزقون، لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد أنشأ من يخلفه.
وقال ابن عباس: ولولا دفع الله العدو بجنود المسلمين لغلب المشركون فقتلوا المؤمنين وخربوا البلاد والمساجد.
وقال سفيان الثوري: هم الشهود الذين تستخرج بهم الحقوق.
وحكى مكي أن أكثر المفسرين على أن المعنى: لولا أن الله يدفع بمن يصلى عمن لا يصلى وبمن يتقى عمن لا يتقى لأهلك الناس بذنوبهم، وكذا ذكر النحاس والثعلبي أيضا. قال الثعلبي وقال سائر المفسرين: ولولا دفاع الله المؤمنين الأبرار عن الفجار والكفار لفسدت الأرض، أي هلكت. وذكر حديثا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إن الله يدفع العذاب بمن يصلى من أمتي عمن لا يصلى وبمن يزكى عمن لا يزكى وبمن يصوم عمن لا يصوم وبمن يحج عمن لا يحج وبمن يجاهد عمن لا يجاهد، ولو اجتمعوا على ترك هذه الأشياء ما أنظرهم الله طرفة عين» ثم تلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}. وعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إن لله ملائكة تنادى كل يوم لولا عباد ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا» خرجه أبو بكر الخطيب بمعناه من حديث الفضيل بن عياض. حدثنا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لولا فيكم رجال خشع وبهائم رتع وصبيان رضع لصب العذاب على المؤمنين صبا». أخذ بعضهم هذا المعنى فقال:
لولا عباد للإله ركع *** وصبية من اليتامى رضع
ومهملات في الفلاة رتع *** صب عليكم العذاب الأوجع
وروى جابر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إن الله ليصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده واهلة دويرته ودويرات حوله ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم».
وقال قتادة: يبتلى الله المؤمن بالكافر ويعافى الكافر بالمؤمن.
وقال ابن عمر قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله ليدفع بالمؤمن الصالح عن مائة من أهل بيته وجيرانه البلاء». ثم قرأ ابن عمر {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}.
وقيل: هذا الدفع بما شرع على ألسنة الرسل من الشرائع، ولولا ذلك لتسالب الناس وتناهبوا وهلكوا، وهذا قول حسن فإنه عموم في الكف والدفع وغير ذلك فتأمله. {وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ}. بين سبحانه أن دفعه بالمؤمنين شر الكافرين فضل منه ونعمة.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال