سورة الحج / الآية رقم 48 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ المَصِيرُ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَحِيمِ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ

الحجالحجالحجالحجالحجالحجالحجالحجالحجالحجالحجالحجالحجالحجالحج




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ}.
فى هذه الآيات مواساة للنبىّ الكريم، وعزاء جميل من ربّ العالمين، لما يلقى من قومه من تكذيب، وسفه، وتطاول.. فتلك هى سبيل الأنبياء مع أقوامهم.. {كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ} [44: المؤمنون].. وأنت أيها النبي لست بمعزل عن هذا، ولا قومك ببدع بين الأقوام.. إنه حق وباطل، وهدى وضلال، وإنه لا بد من صدام بين أصحاب الحق وأهل الباطل، وبين دعاة الهدى، وأئمة الضلال.. {فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [35: الأحقاف].
وفى هذه الآيات:
أوّلا: جاء ذكر قوم نوح، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، مضافين إلى أنبيائهم، على حين جاء قوم هود، وقوم صالح، وأصحاب مدين، وهم عاد وثمود، وقوم شعيب مجردين من هذه الإضافة.. فما وجه هذا؟.
الجواب- واللّه أعلم- أنه تنويع في النظم، وذلك بتوزيع الكلمات ذات النغم الواحد مثل {قوم} هذا التوزيع غير المتتابع، حتى لا يثقل على الأذن، ولا يثير الملل والسأم، فكان هذا التوزيع الذي ترى وتسمع تساوق لحنه وروعة نغمه.. ولو ذهبت تعيم النظم على أسلوب واحد، فتذكر الأقوام مضافين إلى أنبيائهم، أو تذكرهم بأعيانهم مجردين من تلك الإضافة، لوجدت نظما قلقا مضطربا يتعثر به اللسان، وتستثقله الآذان.
وثانيا: جاء الفعل {كذبت} مؤنثا مع أن فاعله مذكر وهو {قوم نوح}.
وكان ظاهر النظم يقضى بأن يجىء الفعل مذكرا هكذا: كذب فما سرّ هذا؟.
والجواب- واللّه أعلم- أن القوم المكذبين كانوا على طبيعة واحدة من الضلال والعمى، فكأنهم- بهذا كتلة متضخمة من الظلام، لا يخرج منها إلا ما هو شر، وضرّ.. فكأنّ الفعل واقع على هذا الكيان الفاسد، أو هذه القطعة من الظلام، والضلال!.
ومن جهة أخرى، فإن الفعل كذب مسلط على هؤلاء الأقوام الذين ذكرتهم الآية، قوم نوح، وعاد، وثمود... وهم بهذا أمة واحدة، في الضلال، وإن كانوا أمما في الأمكنة والأزمنة.
وثالثا: جاء قوله تعالى: {وَكُذِّبَ مُوسى} مخالفا للنظم، الذي كان ظاهره يقضى بأن يجىء هكذا: {وكذب قوم موسى} معطوفا على قوله تعالى {وَأَصْحابُ مَدْيَنَ}.
فما وجه هذا؟.
والجواب- واللّه أعلم- أن قوم موسى، وهم بنو إسرائيل لم يكذبوه، وإنما الذي كذبه هو فرعون وقوم فرعون، وهم ليسوا قوم موسى.
أما السرّ في أنه لم يذكر فرعون وقومه في الأمم والأقوام المكذبة بالرسل فذلك- واللّه أعلم- لأن موسى لم يكن من قوم فرعون، ورسل اللّه جميعا من أقوامهم.. فلم يكن موسى مبعوثا إلى فرعون وقومه ليقيم فيهم دينا ويؤسس شريعة، وإنما كانت رسالته إلى فرعون أن يدعوه إلى إطلاق بنى إسرائيل من يده كما يقول سبحانه لموسى وما يدعون فرعون إليه: {فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ} [47: طه] هذه هى رسالة موسى إلى فرعون.
أما دعوته فرعون إلى الإيمان باللّه، فهى من مستلزمات دعوته إلى إطلاق بنى إسرائيل، تلك الدعوة المأمور بها من اللّه.. فإذا لم يؤمن فرعون باللّه، فلن يستجيب لهذه الدعوة.
وفى قوله تعالى: {فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ.}.
هو تهديد للمشركين، الذين تصدوا للنبىّ وكذبوه، وآذوه.. فإن يكن اللّه قد أملى لهم، أي أمهلهم، ولم يعجل لهم العذاب فإنه سبحانه قد أملى للكافرين قبلهم.. ثم أخذهم أخذ عزيز مقتدر.
وفى قوله تعالى: {فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ} استفهام يراد به التقرير، والإلفات إلى ما أخذ اللّه به الكافرين المكذبين برسل اللّه.. {فمنهم من أغرقه اللّه، ومنهم من خسف به الأرض، ومنهم من أرسل عليه حاصبا، ومنهم من أخذته الصيحة..}.
والنكير: الإنكار المنكر.. ونكير اللّه هو إنكاره على الكافرين كفرهم، وليس وراء هذا الإنكار، إلا البلاء المهين، والعذاب الأليم.
قوله تعالى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ..}.
هو بيان لنكير اللّه سبحانه وتعالى، ووقعات بأسه بالظالمين والضالين.
فكثير من قرى الظالمين قد أهلكها اللّه، وأنزل بها عذابه، فوقع عليها وهى قائمة على ما كانت عليه من ظلم وطغيان.. وهذه القرى قد خوت على عروشها، أي خرّت، وسقطت على عروشها، أي سقفها.. كما يخرّ الإنسان على وجهه.
فتعطلت آبارها وردمت، لأنها لا تجد الواردين إليها، وخربت القصور المشيدة، بعد عمرانها، لأنها لا تجد من يسكنها.
لقد ذهب الجميع، وخلّفوا وراءهم هذا الخراب الموحش المخيف!.
قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ.}.
الاستفهام هنا، تقريع، ونخس لهؤلاء المشركين من قريش، الذين تصدّوا لرسول اللّه، وكذّبوه وآذوه، دون أن ينظروا في عاقبة أمرهم، ودون أن يلتفتوا إلى ما وراء هذا المنكر الذي هم فيه.. ولو نظروا فيما حولهم لعرفوا أنهم في معرض الهلاك، إذا هم لم يرجعوا عن هذا الضلال الذي يركبونه، فهم ليسوا أحسن موقفا من أولئك الأقوام الذين كذبوا الرسل من قبلهم، فأهلكهم اللّه.
وفى قوله تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها} هو إشارة إلى أن السير في الأرض، لا يفيد منه صاحبه شيئا إلا إذا كان معه قلب متفتّح، يتلقّى المؤثّرات الخارجية، ويتأثّر بها، ويتفاعل معها.. فإن لم يكن له هذا القلب اليقظ المتفتّح، فليفتح أذنه لدعوة الداعي، ونذير المنذر.
فإن الأعمى يتّخذ من أذنه أداة عاملة تقوم مقام عينيه، وتصل ما بينه وبين الوجود.
أما هؤلاء القوم الضالون، فلم تكن لهم قلوب يعقلون بها، ولم تكن لهم آذان يسمعون بها.. لقد عطلوا حواسهم.. فهم صمّ بكم عمى لا يعقلون.
ولم يذكر القرآن هنا أبصارهم، ولم يستدعها كما استدعى قلوبهم وآذانهم.. ولكن أشار إليها ضمنا، في قوله تعالى: {فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.
فكأنه قال: أما أبصارهم فلا وزن لها إذا لم تكن هناك القلوب التي تتلقى عنها، وتعى ما يجىء إليها منها.
فأبصارهم معهم، وهى سليمة لا عيب فيها، ولكنهم مع هذا هم عمى، لأن العمى ليس عمى الأبصار، ولكنه عمى القلوب التي في الصدور.
وفى قوله تعالى: {الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} توكيد للقلوب، وأنها هى المرادة هنا، على سبيل الحقيقة لا المجاز، وذلك لئلا ينصرف مفهوم القلوب إلى العقول، كما يحدث ذلك كثيرا.
وقد وصفت القلوب هنا بأنها تعقل وتدرك.. فكان تحديد مكانها أمرا لازما، حتى يتقرر أنها المقصودة بذاتها، وليست العقول.
واختصاص القلب بالذكر، والنظر إليه على أنه مركز الإدراك والإلهام، في هذا المقام، لأن الدّين عقيدة، والعقيدة أساسها الحبّ والامتثال والولاء، والقلب هو منبع هذه المشاعر، ومصدر تلك العواطف.
وحقّا، إن للعقل مكانه البارز في إدراك الحقائق الدينية، وتصوّرها، وإنه بغير هذا الإدراك وذلك التصور لا تقع هذه الحقائق من القلب موقع الحبّ، والتقدير، والتقديس.. ولكن القرآن الكريم ينظر إلى القلب، لا باعتباره مصدر العواطف والمشاعر وحسب، بل ينظر إليه كذلك نظرة وظيفية، كعضو عامل في كيان الإنسان.. فهو- من هذه الجهة- مركز الحياة في الإنسان، بل وفى كل عالم الحيوان- حيث يمدّ الجسم كلّه بالدّم المتدفق منه في العروق والشرايين، ولو توقف لحظات لمات الكائن الحىّ، وأصبح جثة هامدة.. ومن هنا كان نبض القلب هو الإشارة الدالة على وجود الحياة في الإنسان.. وحين يسكت النبض تتوقف الحياة، ويغيض مجراها، وتجفّ ينابيعها.
وإذ كان القلب بهذه المثابة، فإنه هو صاحب الشأن الأول في الإنسان، بحكم آثاره الظاهرة فيه.. إنه يعمل دائما في حال اليقظة والنوم.
وأما العقل، وإن عرفت آثاره، فإنه لا يعرف سرّه، ولو عرف سرّه، فإنه لا يخرج عن أن يكون ربيب القلب، وغذىّ ماء الحياة الذي يمدّه به، أيّا كان موضعه في كيان الإنسان، وأيّا كان مستقرّه.
فإذا أضاف القرآن الكريم إلى القلب، علما، ومعرفة، وحكمة، وإيمانا، فإنّما ذلك لأنه سلطان الجسد كلّه، وإلى صلاحه أو فساده يعود صلاح أعضاء الإنسان وفسادها، وسلامة حواسه أو اعتلالها.. وليس العقل إلا حاسّة خفية- من حواس الإنسان، ترتبط سلامته بسلامة الجسد، كما ترتبط سلامة الجسد بسلامة القلب، وفى المثل: العقل السليم في الجسم السليم.
وقد كشف عن هذا الرسول الكريم في قوله: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهى القلب».
وعلى هذا يمكن أن نفهم قوله تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها} [46: الحج] لا على أن القلب هو مصدر الإدراك المباشر، وإنما هو مصدر للعقل الذي يعقل ويدرك.. فلو كان القلب سليما معافى من العلل لسلم العقل، ثم لكان إدراكه للأمور سليما، وتقديره لها صحيحا.. وهذا أبلغ في الكشف عن داء الغفلة المستولى على القوم، وأنه داء ينبع من المنبع الأصلى، وهو القلب، وليس داء عارضا أصاب حاسة من الحواس.
إنه داء يسرى في الجسد كله.
وسواء إذا كان القلب هو موطن المشاعر والمدركات، أم كان عضوا من أعضاء الجسد أو جارحة من جوارحه، فإنه من حيث مكانه في الجسد، ووظيفته العضوية فيه- يعدّ مركز الحياة في الكائن الحىّ، تتأثر به كل خلية من خلايا الجسد، كما أنه يتأثر بكل خلية في الجسد.. ومن هنا صحّ أن يضاف إليه كلّ ما للجوارح من آثار، وما لكل عضو من قوى حسّية أو معنوية.
فالعين وما فيها من قوى الإبصار، هى من جنود القلب.. إذ هى غصن من أغصان الشجرة التي يقوم على تغذيتها، وإمدادها بالحياة.. وكذلك الشأن في الأذن، واليد، واللسان.. وكذلك الحال في المخ الذي قيل إنه هو موطن الشعور والإدراك!! إن الإنسان، هو في الواقع هذا القلب، لا من حيث هو تلك النطفة الصنوبرية من اللحم والدّم.. ولكن من حيث هو مستودع هذه الحياة المتدفقة منه، وهى الدّم الذي يسرى في العروق والشرايين، والذي يملأ الكيان الجسدى كلّه مع كل خفقة من خفقاته، قبضا وانبساطا.
قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}.
هو ردّ على هؤلاء المشركين الضالين الذين عموا عن الحقّ، وضلوا عن سواء السبيل، ثم هم مع- هذا الموقف المكابر المتحدّى- يستعجلون العذاب الذي أنذروا به إنهم أعرضوا عن الإيمان باللّه، وكذبوا بما جاءهم به رسول اللّه، كما في قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ} [13: فصلت].. وفى هذا الرد إنكار عليهم، وتسفيه لهم، إذ يطلبون الهلاك، ويستعجلون البلاء، على حين يصرفون وجوههم عن هذا الخير الذي بين أيديهم، ويلقون بأنفسهم إلى التهلكة.. وهذا لا يكون من إنسان له مسكة من العقل والإدراك.
وفى قوله تعالى: {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} تهديد لهم، بالعذاب الذي أنذروا به، وأنه واقع بهم.. فهذا وعد من اللّه، ولن يخلف اللّه وعده.. لأن خلف الوعد إنما يكون عن عجز عن الوفاء به.. وتعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.
وقوله سبحانه: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} هو تأكيد لوقوع وعد اللّه، وإنجازه وأنهم إذا كانوا قد استبطئوا وقوعه، فإن للّه سبحانه وتعالى تقديرا غير تقديرهم، وحسابا غير حسابهم، وأنه سبحانه لا يقيس الزمن بمقياس الناس، فالناس يتعاملون مع أشياء محدودة، في زمن محدود، على حين أن اللّه سبحانه يدبر الوجود كله، في زمن مطلق، وبقدرة مطلقة.
وعلى هذا فإنه إذا لم يقع بهم العذاب عاجلا فهو واقع آجلا، وأنهم إذا لم يؤخذوا به في الدنيا، أخذوا به في الآخرة.. فهم أبدا في قبضة الزمن الذي هو في قبضة اللّه.. ولن يفلتوا أبدا.
قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}.
هو بيان شارح لقوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}.
والمعنى أن هؤلاء المشركين إن كانوا يستعجلون العذاب، ويشكون في وقوعه حين أبطأ عليهم، ولم يقع بهم، فما ذلك إلّا لأن لهم حسابا، وأن للّه سبحانه وتعالى حسابا، وأنهم إذا كانوا قد أملى لهم ولم يؤخذوا بظلمهم إلى يومهم هذا الذي هم فيه- فليس هذا لأنهم ممتنعون عن اللّه بقوة أو جاه أو سلطان، وإنما لأن ذلك هو حكم اللّه في عباده، وسنته في الظالمين منهم.. لا يعجل لهم العذاب، ولا يبادرهم به، بل يمهلهم ويملى لهم، حتى يراجعوا أنفسهم، ويتدبروا أمرهم، وهذا من رحمة اللّه بهم وفضله عليهم، كما يقول سبحانه: {وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} [61: النحل] وبين يدى هؤلاء المشركين الضالين شاهد ناطق بهذا فما أكثر القرى الظالمة التي أمهلها اللّه.. ثم أخذها.. بل إن هؤلاء المشركين هم شاهد حىّ لهذا.. فهم على ما هم فيه من ظلم ما زالوا في عافية من أمرهم، لم يأخذهم اللّه بعذابه.. وتلك فرصتهم السانحة للخلاص من بأس اللّه، الذي لا يردّ.. إذا حان حينه بهم.
وفى قوله تعالى: {وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} إشارة إلى أنهم إذا لم يؤخذوا بظلمهم في هذه الدنيا، فإنهم صائرون إلى اللّه، وسيلقون جزاء الظالمين يوم القيامة.. فإن هم أمهلوا اليوم، فليس معنى ذلك أنهم نجوا من العذاب، بل إن في غد عذابا فوق العذاب، وبلاء فوق البلاء! {وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} [26: الزمر].




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال