سورة البقرة / الآية رقم 260 / تفسير تفسير أبي حيان / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَناًّ وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ قُوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌ حَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْـهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ

البقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرةالبقرة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


بهت: تحير ودهش، ويكون متعدياً على وزن فعَّل، ومنه: فتبهتهم، ولازماً على وزن فَعَلَ كظرف وفعل كدهش، والأكثر في اللازم الضم وحكي عن بعض العرب: بهت بفتح الهاء لازماً، ويقال بهته وباهته واجهه بالكذب، وفي الحديث أن اليهود قوم بهت.
الخاوي: الخالي، خوت الدار تخوى خوىً غير ممدود، وخوياً، والأولى أفصح، ويقال خوى البيت انهدم لأنه بتهدّمه يخلو من أهله، والخوى: الجوع: لخلو البطن من الغذاء، وخوت المرأة وخويت خلا جوفها عند الولادة، وخويت لها تخويةً علمت لها خوية تأكلها، وهي طعام. والخوي على وزن فعيل: البطن السهل من الأرض، وخوي البعير جافَى بطنه عن الأرض في مبركه، وكذلك الرجل في سجوده قال الراجز:
خوى على مستويات خمس *** كركرة وثفنات ملسِ
العرش: سقف البيت، وكل ما يهيأ ليُظلَّ أو يِكُنَّ فهو عريش الدالية، وقال تعالى: {ومما يعرشون} وفي الحديث لما أمر ببناء المسجد قالوا: نبنيه لك بنياناً قال: «لا بل عرش كعرش أخي موسى» فوضعوا النخل على الحجارة وغشوه بالجريد وسعفه، وقيل: العرش البنيان قال الشاعر:
إن يقتلوك فقد ثللث عروشهم *** بعتيبة بن الحارث بن شهاب
مائة: اسم لرتبة من العدد معروفة، ويجمع على مئات ومئين، وهي مخففة محذوفة اللام، ولا مها ياء، فالأصل مئية، ويقال: أمأيتُ الدراهم إذا صيرتها مائة، وأمأَتْ هي، أي: صارت مائة.
العام: مدّة من الزمان معروفة، وألفه منقلبة عن واو، لقولهم: العويم والأعوام. وقال النقاش: العام مصدر كالعوم، سمي به هذا القدر من الزمان لأنها عومة من الشمس في الفلك، والعوم كالسبح، وقال تعالى {وكل في فلك يسبحون} والعام على هذا: كالقول والقال.
اللبث: المكث والإقامة.
يتسنه: إن كانت الهاء أصلية فهو من السنة على من يجعل لامها المحذوف هاءً، قالوا في التصغير: سنيهة، وفي الجمع سنهات. وقالوا: سانهت وأسنهت عند بني فلان، وهي لغة الحجاز وقال الشاعر:
وليست بسنهاء ولا رجبية *** ولكن عرايا في السنين الجوائح
وإن كانت الهاء للسكت، وهو اختيار المبرد، فلام الكلمة محذوفة للجازم، وهي ألف منقلبة عن واو على من يجعل لام سنة المحذوف واواً. لقولهم: سنية وسنوات، واشتق منه الفعل، فقيل: سانيت وأسنى وأسنت. أبدل من الواو تاءً، أو تكون الألف منقلبة عن ياء مبدلة من نون، فتكون من المسنون أي: المتغير، وأبدلت كراهة اجتماع الأمثال، كما قالوا: تظنى، ويتلعى الأصل تظنن ويتلعع، قاله أبو عمر، وخطأه الزجاج. قال: لأن المسنون: المصبوب على سنة الطريق وصوبه. وقال النقاش: هو من قوله من ماء غير آسنٍ ورد النحاة عليه هذا القول لأنه لو كان من أسن الماء لجاء لم يتأسن، لأنك لو بنيت تفعل من الأكل لقلت تأكل، ويحتمل ما قاله النقاش على اعتقاد القلب، وجعل فاء الكلمة مكان اللام، وعينها مكان الفاء، فصار: تسنأ، وأصله تأسن، ثم أبدلت الهمزة كما قالوا في: هدأ وقرأ واستقر، أهدا وقرا واستقرا.
الحمار: هو الحيوان المعروف، ويجمع في القلة على: أفعلة قالوا: أحمرة، وفي الكثرة على: فُعُل، قالوا: حمر، وعلى: فعيل، قالوا: حمير.
أنشر: الله الموتى، ونشرهم، ونشر الميت حيي قال الشاعر:
حتى يقول الناس مما رأوا *** يا عجباً للميت الناشر
وأما: أنشز، بالزاي فمن النشز، وهو ما ارتفع من الأرض، ومعنى: أنشز الشيء جعله ناشزاً، أي: مرتفعاً، ومنه: انشزوا فانشزوا، وامرأة ناشز، أي: مرتفعة عن الحالة التي كانت عليها مع الزوج.
الطمأنينة: مصدر اطمأنَّ على غير القياس، والقياس الاطمئنان، وهو: السكون، وطامنته أسكنته، وطامنته فتطامن: خفضته فانخفض، ومذهب سيبويه في اطمأن أنه مما قدّمت فيه الميم على الهمزة، فهو من باب المقلوب، ومذهب الجرمي: أن الأصل في اطمأن كاطأمن، وليس من المقلوب، والترجيح بين المذهبين مذكور في علم التصريف.
الطير: اسم جمع: كركْب وسفْر، وليس بجمع خلافاً لأبي الحسن.
صار: يصور قطع. وانصار: انقطع، وصرته أصوره: أملته، ويقال أيضاً في القطع والإمالة: صاره يصيره، قاله أبو علي، وقال الفراء: الضم في الصاد يحتمل الإمالة والتقطيع، والكسر فيها لا يحتمل إلاَّ القطع، وقال أيضاً: صاره مقلوب صراه عن كذا، أي: قطعه، وقال غيره: الكسر بمعنى القطع، والضم بمعنى الإمالة.
الجبل: معروف ويجمع في القلة على: أجبال وأجبل، وفي الكثرة على: جبال.
الجزء: من الشيء، القطعة منه وجزَّأ الشيء جعله قطعاً.
{ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك} مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى: لما أخبر أنه ولي الذين آمنوا، وأخبر: أن الكفار أولياؤهم الطاغوت، ذكر هذه القصة التي جرت بين إبراهيم والذي حاجه، وانه ناظر ذلك الكافر فغلبه وقطعه، إذ كان الله وليه، وانقطع ذلك الكافر وبهت إذ كان وليه هو الطاغوت: {ألا ان حزب الله هم الغالبون} {ألا ان حزب الله هم المفلحون} فصارت هذه القصة مثلاً للمؤمن والكافر اللذين تقدّم ذكرهما، وتقدّم الكلام على قوله: {ألم تر إلى الذين} فأغنى عن إعادته.
وقرأ علي بن أبي طالب: ألم تر، بسكون الراء، وهو من إجراء الوصل مجرى الوقف، والذي حاج إبراهيم: هو نمروذ بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح، ملك زمانه وصاحب النار والبعوضة، قاله مجاهد، وقتادة، والربيع، والسدّي، وابن إسحاق، وزيد بن أسلم، وغيرهم. وقال ابن جريج: هو أول ملك في الأرض، ورده ابن عطية. وقال قتادة: هو أول من تجبر، وهو صاحب الصرح ببابل. قيل: إنه ملك الدنيا بأجمعها ونفذت فيها طينته، وقال مجاهد: ملك الأرض مؤمنان: سليمان وذو القرنين، وكافران: نمروذ وبخت نصر.
وقيل: هو نمروذ بن يحاريب بن كوش بن كنعان بن سام بن نوح. وقيل: نمروذ بن فايخ بن عابر بن سايخ بن ارفخشده بن سام بن نوح. وحكى السهيلي أنه: النمروذ بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح، وكان ملكاً على السودان، وكان ملكه الضحاك الذي يعرف بالازدهاق، واسمه اندراوست بن اندرشت، وكان ملك الأقاليم كلها، وهو الذي قتله أفريدون بن أهبان، وفيه يقول أبو تمام حبيب في قصيد مدح به الأفشين، وذكر أخذه بابك الخرّمي:
بل كان كالضحاك في فتكاته *** بالعالمين وأنت أفريدون
وهو أول من صلب وقطع الأيدي والأرجل، وملك نمروذ أربعمائة عام فيما ذكروا: وله ابن يسمى نمروذاً الأصغر ملك عاماً واحداً.
ومعنى: {حاج إبراهيم في ربه} أي: عارض حجته بمثلها، أو: أتى على الحجة بما يبطلها، أو: أظهر المغالبة في الحجة. ثلاثة أقوال.
واختلفوا في وقت المحاجة، فقيل: خرجوا إلى عيدٍ لهم، فدخل ابراهيم على أصنامهم فكسرها، فلما رجعوا قال: أتعبدون ما تنحتون؟ فقال له: فمن تعبد؟ قال: أعبد {ربي الذي يحيي ويميت} وقيل: كان نمروذ يحتكر، فإذا احتاجوا اشتروا منه الطعام، فإذا دخلوا عليه سجدوا له، فلما دخل إبراهيم لم يسجد له، فقال: مالك لم تسجد لي؟ فقال: أنا لا أسجد إلا لربي فقال له نمروذ: من ربك؟ قال: {ربي الذي يحيي ويميت}.
وفي قوله: إنه كان كلما جاء قوم قال من ربكم وإلهكم؟ فيقولون: أنت، فيقول: ميروهم وجاء ابراهيم يمتار، فقال له: من ربك وإلهك؟ فقال: {ربي الذي يحيي ويميت}.
وقيل: كانت المحاجة بعد أن خرج من النار التي ألقاه فيها النمروذ، وذكروا أنه لما لم يُمْرِهِ النمروذ، مر على رمل أعفر، فأخذ منه وأتى أهله ونام، فوجدوه أجود طعام، فصنعت منه وقربته له، فقال: من أين هذا؟ قالت من الطعام الذي جئت به فعرف أن الله رزقه، فحمد الله.
وقيل: مرّ على رملة حمراء، فأخذ منها، فوجدوها حنطة حمراء، فكان إذا زرع منها جاء سنبله من أصلها إلى فرعها حباً متراكباً.
في: ربه، يحتمل أن يعود الضمير على ابراهيم، وأن يعود على النمروذ، والظاهر الأول.
{أن آتاه الله الملك} الظاهر أن الضمير في: آتاه، عائد على: الذي حاج، وهو قول الجمهور، و: أن آتاه، مفعول من أجله على معنيين: أحدهما: أن الحامل له على المحاجة هو ايتاؤه الملك، أبطره وأورثه الكبر والعتوّ، فحاج لذلك. والثاني: أنه وضع المحاجة موضع ما وجب عليه من الشكر لله تعالى على ايتائه الملك، كما تقول: عاداني فلان لأني أحسنت إليه، تريد أنه عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لأجل الإحسان. ومنه: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}
وأجاز الزمخشري أن يكون التقدير: حاج وقت أن يكون أن آتاه الله الملك، فإن عنى أن ذلك على حذف مضاف، فيمكن ذلك على أن فيه بعداً من جهة أن المحاجة لم تقع وقت أن آتاه الله الملك. إلاَّ أن يجوز في الوقت، فلا يحمل على ما يقتضيه الظاهر من أنه وقت ابتداء ايتاء الله الملك له، ألا ترى أن ايتاء الله الملك إياه سابق على الحاجة وإن عنى أن: أن والفعل، وقعت موقع المصدر الواقع موقع ظرف الزمان؟ كقولك: جئت خفوق النجم، ومقدم الحاج، وصياح الديك؟ فلا يجوز ذلك، لأن النحويين مضوا على أنه لا يقوم مقام ظرف الزمان إلا المصدر المصرح بلفظه، فلا يجوز: أجئ أن يصيح الديك، ولا جئت أن صاح الديك. وقال المهدوي: يحتمل أن يعود الضمير على إبراهيم: أي آتاه ملك النبوّة. قال ابن عطية: وهذا تحامل من التأويل. انتهى. وما ذكره المهدوي احتمالاً هو قول المعتزلة، قالوا: الهاء كناية عن إبراهيم لا عن الكافر الذي حاجه، لأن الله تعالى قال: {لا ينال عهدي الظالمين} والملك عهد منه، وقال تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً} ورُدّ قول المعتزلة بأن ابراهيم ما عرف بالملك، وبقول الكافر: أنا أحيي وأميت، ولو كان إبراهيم الملك لما كان يقدر على محاجته في مثل هذه الحالة، وبأنه لما قال: أنا أحيي وأميت، جاء برجلين فقتل أحدهما وترك الآخر، ولو لم يكن ملكاً لم يقتل بين يدي ابراهيم بغير إذنه، إذ كان ابراهيم هو الملك، ولا يردّ على المعتزلة بهذه الأوجه، لأن إثبات ملك النبوّة لإبراهيم لا ينافي ملك الكافر، لأنهما ملكان: أحدهما: بفضل الشرف في الدين كالنبوّة والإمامة. والآخر: بفضل المال والقوّة والشجاعة والقهر والغلبة والاتباع. وحصول الملك للكافر بهذا المعنى يمكن، بل هو واقع مشاهد.
وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف جاز أن يؤتي الله الملك الكافر؟
قلت: فيه قولان: آتاه ما غلب به وتسلط من المال والخدم والأتباع، وأما التغليب والتسليط فلا، وقيل: ملكة امتحاناً لعباده. إنتهى. وفيه نزعة اعتزالية، وهو قوله: وأما التغليب والتسليط فلا، لأنه عندهم هو الذي تغلب وتسلط، فالتغليب والتسليط فعله لا فعل الله عندهم.
{إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت} هذا من إبراهيم عن سؤال سبق من الكافر، وهو أن قال: من ربك؟ وقد تقدّم في قصته شيء من هذا، وإلاَّ فلا يبتدأ كلام بهذا.
واختص إبراهيم من آيات الله بالإحياء والإماتة لأنهما أبدع آيات الله وأشهرها، وأدلها على تمكن القدرة، والعامل في إذ حاجّ، وأجاز الزمخشري أن يكون بدلاً من: أن آتاه، إذاً جعل بمعنى الوقت، وقد ذكرنا ضعف ذلك، وأيضاً فالظرفان مختلفان إذ وقت إيتاء الملك ليس وقت قوله: {ربي الذي يحيي ويميت} وفي قول إبراهيم: {ربي الذي يحيي ويميت} تقوية لقول من قال إن الضمير في قوله: في ربه، عائد على إبراهيم.
و {ربي الذي يحيي ويميت}، مبتدأ وخبر، وفيه إشارة إلى أنه هو الذي أوجد الكافر ويحييه ويميته، كأنه قال: ربي الذي يحيي ويميت هو متصرّف فيك وفي أشباهك بما لا تقدر عليه أنت ولا أشباهك من هذين الوصفين العظميين المشاهدين للعالم اللذين لا ينفع فيهما حيل الحكماء ولا طب الأطباء، وفيه إشارة أيضاً إلى المبدأ والمعاد وفي قوله: {ربي الذي يحيي ويميت} دليل على الاختصاص لأنهم قد ذكروا أن الخبر، إذا كان بمثل هذا، دل على الاختصاص، فتقول: زيد الذي يصنع كذا، أي: المختص بالصنع.
{قال أنا أحيي وأميت} لما ذكر إبراهيم أن ربه الذي يحيي ويميت عارضه الكافر بأنه يحيي ويميت، ولم يقل: أنا الذي يحيي ويميت، لأنه كان يدل على الاختصاص، وكان الحس يكذبّه إذ قد حيي ناس قبل وجوده وماتوا، وإنما أراد أن هذا الوصف الذي ادعيت فيه الاختصاص لربك ليس كذلك، بل أنا مشاركه في ذلك. قيل: أحضر رجلين، قتل أحدهما وأرسل الآخر، وقيل: أدخل أربعة نفر بيتاً حتى جاعوا، فأطعم اثنين فحييا، وترك إثنين فماتا، وقيل: أحيا بالمباشرة وإلقاء النطفة، وأمات بالقتل.
وقرأ نافع باثبات ألف: أنا إذا كان بعدها همزة مفتوحة أو مضمرة. وروى أبو نشيط إثباتها مع الهمزة المكسورة. وقرأ الباقون بحذف الألف، وأجمعوا على إثباتها في الوقف، وإثبات الألف وصلاً ووقفاً لغة بني تميم، ولغة غيرهم حذفها في الوصل، ولا تثبت عند غير بني تميم وصلاً إلاَّ في ضرورة الشعر نحو قوله:
فكيف أنا وانتحالي القوافي *** بعد المشيب كفى ذاك عاراً
والأحسن أن تجعل قراءة نافع على لغة بني تميم. لأنه من إجراء الوصل مجرى الوقف على ما تأوّله عليه بعضهم، قال: وهو ضعيف جداً، وليس هذا مما يحسن الأخذ به في القرآن. انتهى. فإذا حملنا ذلك على لغة تميم كان فصيحاً.
{قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب} لما خيل الكافر أنه مشارك لرب إبراهيم في الوصف الذي ذكره إبراهيم، ورأى إبراهيم من معارضته ما يدل على ضعف فهمه أو مغالطته، فإنه عارض اللفظ بمثله، ولم يتدبر اختلاف الوصفين، ذكر له ما لا يمكن أن يدعيه، ولا يغالط فيه، واختلف المفسرون هل ذلك انتقال من دليل إلى دليل؟ أو هو دليل واحد والانتقال فيه من مثال إلى مثال أوضح منه؟ وإلى القول الأول ذهب الزمخشري. قال: وكان الاعتراض عتيداً، ولكنّ إبراهيم لما سمع جوابه الأحمق لم يحاجه فيه، ولكن انتقل إلى ما لا يقدر فيه على نحو ذلك الجواب ليبهته أول شيء، وهذا دليل على جواز الانتقال من حجة إلى حجة.
انتهى كلامه.
ومعنى قول الزمخشري: وكان الاعتراض عتيداً: أي من إبراهيم، لو أراد أن يعترض عليه بأن يقول له: أحي من أمتّ، فكان يكون في ذلك نصرة الحجة الأولى، وقد قيل: إنه قال له ذلك، فانقطع به، وأردفه إبراهيم بحجة ثانية، فحاجه من وجهين، وكان ذلك قصداً لقطع المحاجة، لا عجزاً عن نصرة الحجة الأولى، وقيل: كان نمروذ يدعي الربوبية، فلما قال له إبراهيم: {ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت} أي: الذي يفعل ذلك أنا لا من نسبت ذلك إليه، فلما سمع ابراهيم افتراءه العظيم، وادعاءه الباطل تمويهاً وتلبيساً، اقترح عليه، فقال: {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب} فافحم وبان عجزه وظهر كذبه.
وقيل: لما




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال