سورة المؤمنون / الآية رقم 79 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّنضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وَعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ

المؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنون




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ (81) قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
المتحدّث عنهم هنا، هم المشركون من قريش، الذين تحدثت عنهم الآيات السابقة، وكشفت عن موقفهم من الهدى، ومقولاتهم في النبي الذي يخاطبه اللّه سبحانه وتعالى بقوله: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
فهؤلاء المشركون، لا يزيدهم الهدى، إلا ضلالا، ولا النور، إلا عمى، ولا الإنعام والإحسان، إلا طغيانا، وكفرا.
فلو أن اللّه سبحانه وتعالى رحمهم، وكشف ما بهم من ضر، فأحال هذا الجدب الذي هم فيه خصبا، وجعل الصحارى التي تشتمل عليهم، جنات، وفجّر فيها أنهارا- لما شكروا للّه، ولما استجابوا لداعى الحق الذي يدعوهم.. بل زادهم ذلك ضلالا وبعدا عن الحق.. وعدوانا على الرسول الذي يدعوهم إلى اللّه.
واللجّ، واللجاج: التخبط على غير هدى.
والعمه: عمى البصيرة، وضلال العقل.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ}.
وهؤلاء المشركون. قد أخذهم اللّه بالبأساء والضّراء، وأنزلهم منازل الخزي في بدر، والأحزاب والحديبية.. ثم الفتح.. ومع هذا، فإن هذا البلاء لم يفتح قلوبهم إلى اللّه، ولم يقدهم بنواصيهم إليه: {فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} أي فما لجأوا إليه، ولا ضرعوا له، ولا طلبوا غوثه ورحمته.
وهذا مثل قوله تعالى في فرعون: {وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [130: الأعراف] وقد جاء الإخبار عن هذا الذي نزل بالقوم من بلاء، بصيغة الماضي. على حين أنه لم يكن قد وقع بعد، وذلك لتحقق وقوعه مستقبلا، فهو من أنباء الغيب التي جاء القرآن الكريم بكثير منها.
ويجوز أن يكون هذا إخبارا عما كان ينزل بهم من حوائج ومجاعات، قبل البعثة النبوية، ويكون هذا الخبر عنهم، مرادا به الكشف عن جفاء طباعهم، وغلظ مشاعرهم، وأنهم أشبه بالجماد، لا يتأثرون بالخير أو الشر.
قوله تعالى: {حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}.
وهكذا يظل القوم على ما هم فيه من ضلال، وكفر، وعناد، لا يصلح من فسادهم تأديب بالخير أو الشر، ولا يقوّم معوجّهم إحسان أو إساءة.. حتى يموتوا بدائهم هذا، الذي لا شفاء له إلّا عذاب السعير.
والإبلاس: الوجوم، والجمود، وسكون الحركات، وخمود المشاعر.
من الهول وشدة البلاء.
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ}.
هذه الآية والآيات التي بعدها، تعرض بعض نعم اللّه على الناس، وموقف كثير منهم من هذه النعم.
وأعظم هذه النعم وأكرمها، السمع والبصر، والفؤاد، وهو القلب.
إذ أن هذه الجوارح هى التي تجعل الإنسان إنسانا، إذا هو انتفع بها، ووجهها الوجهة الصالحة، حين يرد بها موارد الخير، ويلقى بها في محيط الوجود، فتجىء إليه بكل صيد ثمين طيب! وفى هذا الترتيب الذي جاء عليه نظم الآية: {أَنْشَأَكُمْ.. وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ.. وَالْأَبْصارَ.. وَالْأَفْئِدَةَ} ما يحدّث عن كثير من الأسرار.
فأولا: قدّم الإنشاء، وهو الخلق العام للإنسان، على إيجاد السمع والبصر، الفؤاد.. إذ أن الوجود الإنسانى مقدم على ظهور هذه الحواس فيه.
وثانيا: قدم السمع على البصر.. لأن حاسة السمع تسبق حاسة الإبصار عند مولد الطفل، كما ثبت ذلك بالملاحظة.
وثالثا: قدم السمع والبصر على الفؤاد، وهو العقل، لأنه لا يكون للإنسان إدراك أو تمييز إلا بعد أن تعمل حواس الإنسان كلها، وتؤدى وظائفها، وتتوثق الصلات بينها وبين خلايا المخ.. ومن هنا يبدأ الإدراك والتمييز ويتخلّق في الإنسان العقل أو الفؤاد، الذي ينمو شيئا فشيئا، حتى ينضج ويكتمل.
وقوله تعالى: {قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ} هو خطاب للناس عامة، وأن قليلا منهم هم الذين يعرفون نعمة اللّه عليهم ثم يشكرونها.. أما كثرتهم الغالبة فهم في غفلة عن هذه النعم، وفى شرود عن المنعم بها، وعن القيام بواجب الحمد والشكر.. وهذا مثل قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} [13: سبأ].
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
الذرء: الخلق، والإيجاد والحشر: الجمع، والحشد.
وهذه نعمة أخرى.. الخلق والإيجاد من عدم، ثم الموت، ثم البعث والنشور، والرجعة إلى اللّه سبحانه وتعالى، للحساب وللجزاء.
فالوجود نعمة، لأنه خير من العدم.. والحشر بعد الموت، نعمة أخرى، لأنه حياة جديدة، لا موت بعدها، ووضع لكل نفس في مكانها الذي أعدّ لها، في الجنة أو في النّار.
وإذا كانت النار شقاء على أهلها، وبلاء- نعوذ باللّه منها- فإنها مطهرة للنفوس الدنسة، وصفل لمعدنها الصّدئ، وشفاء لأمراضها الخبيثة! قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} هو دفع لهذا الوهم الذي قد يتسرب إلى بعض الناس من وجود الموت، والشك في عدّه نعمة من بين النعم المذكورة في هذه الآيات.
فالموت دورة من دورات الوجود الإنسانى، ووجه مقابل للحياة، مقابلة الليل للنهار.. فالحياة يقابلها الموت، والنهار يعقبه الليل.. تلك هى سنة اللّه في الحياة الدنيا، كل شيء فيها يقابله ضدّه، كى يثبت وجوده، ويحقق ذاته.
وهذا أمر لا يدرك سرّه، ولا يعرف حقيقته، إلا أصحاب العقول، الذين يستعملون عقولهم.
قوله تعالى: {بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}.
أي أن هؤلاء المشركين لا يستعملون عقولهم، ولا ينظرون في هذه الآيات الكونية التي بين أيديهم.. بل لقد أنكروا الحياة بعد الموت، وقالوا ما قاله آباؤهم من قبل.. قالوا: كيف نعود إلى الحياة مرة أخرى، بعد أن نصير ترابا وعظاما؟ ولو أنهم نظروا إلى الليل والنهار مثلا، لعرفوا أن النهار ينسخه الليل، ثم يعود النهار فيطلع من جديد ناسخا ظلام الليل.. وهكذا.. ليل ونهار، ونهار وليل! فمن عاش في النهار، وملأ عينيه من ضوئه الوضيء.. ثم عاش في الليل، ولفّه ظلامه الدّامس، لم يكن له- حسب تقديرهم هذا- أن ينتظر نهارا يطلع من أحشاء هذا الظلام الكثيف! لكن الذي يحدث، هو أن نهارا يطلع من كيان هذا الظلام، وكأن ليلا لم يكن! كذلك الحياة، والموت، ثم الحياة بعد الموت.
فهذا الإنسان الذي كان يملأ الدنيا حركة وسعيا، ثم تضمّه الأرض في بطنها، ويدسّه التراب في كيانه.. ليس بالشيء البعيد المستغرب- والشواهد ماثلة- أن يخرج من بين أحشاء هذا التراب إنسانا، كهذا الإنسان الذي كان! قوله تعالى: {لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ}.
هو تأكيد لقولهم الباطل الذي قالوه عن إمكان البعث.. وأن هذا البعث قد وعد به آباؤهم من قبل.. وها هم أولاء ما زالوا ترابا هامدا.. ثم إن هؤلاء يوعدون به.. وسيكونون بعضا من هذا التراب الهامد، مع آبائهم.
فما هذا الوعد عندهم، وحسب تطورهم، إلا من الخرافات والأساطير التي تعيش في الناس من زمن بعيد ولا محصّل لها أبدا.
قوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ؟ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ.. قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}.
هذا سؤال، لا يجيب عليه الإجابة الصحيحة إلا من عقل وعلم.
لمن هذه الأرض ومن فيها، من عوالم ومخلوقات؟
جواب واحد عند أهل الدراية والعلم.. إنها للّه.
وقد ألزمهم اللّه سبحانه وتعالى حجّة أهل العلم.. فإن لم يكونوا عالمين، كان عليهم أن يأخذوا بقول العالمين.. وإلا فإى الناس هم؟ إنهم ليسوا علماء، وليسوا بالمنتفعين بعلم العلماء.. والأعمى إذا لم يسلم يده للمبصر.
تخبط، وضلّ وهلك.. وإذن فهم في الهالكين، إذا لم ينزلوا على هذا الحكم الملزم، ولم يأخذوا به.
قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ؟ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ! قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ؟} وسؤال آخر.. يحتاج إلى نظر أوسع، وعلم أكثر! من ربّ السموات السبع وربّ العرش العظيم؟.
إنهم لمحجوجون بقول أهل الدراية والمعرفة.. إنها جميعا للّه.. هكذا يقرر أهل الدراية والعلم.
فليقولوا هذا.. وإنهم إن لم يقولوه اختيارا قالوه اضطرارا.
وإنهم إذا سلموا بهذا- ولا بد من التسليم به- فلم لا يتقون اللّه؟ ولم لا يخشون بأسه، وهو المالك المتصرف في هذا الوجود كله.. لا شريك له؟
قوله تعالى: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ.. وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ.. إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ؟ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ.. قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ؟} وسؤال ثالث.. لا بدّ أن يسلم به من سلم بالسؤالين السابقين.. وإن كان أشمل منهما، وأوسع مدى.
{مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ}؟ أي من بيده ملك كل شيء وتصرفه فيه..؟ {وَهُوَ يُجِيرُ} أي يحمى، ويحفظ {وَلا يُجارُ عَلَيْهِ}: ولا سلطان لأحد يدفع بأسه، ويكشف ضرّه.. من هذا، ولمن هذا؟
جواب واحد.. هو اللّه ربّ العالمين.. وهو للّه ربّ العالمين.
ونتيجة واحدة: الاستسلام للّه، والولاء للّه.
{فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} أي فكيف تذهلون عن هذا، وتستسلمون لغير اللّه، وتعطون ولاءكم لما تشركون به من دونه؟ أسحركم ساحر فأخذ على عقولكم، وأضلّكم عن اللّه، وأعماكم عن الحق؟ وهذا الخطاب جار على ما هو في أوهام القوم من أن هناك قوى تسحر الناس، وتفسد عقولهم، كما كانوا يقولون عن النبىّ، إنه ساحر! قوله تعالى: {بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ}.
هو تعقيب عام، على هذه الأسئلة، وأجوبتها.
إن اللّه سبحانه وتعالى قد أعطاهم الجواب الحقّ عليها، ولكنهم يجيبون عليها كذبا وبهتانا.. وإنهم إذ ينطقهم الحقّ بتلك الأجوبة، ويقهرهم سلطانه قهرا عليها، فإنهم لا يأخذون بما نطقت به ألسنتهم، ولا ينزلونه منزلة الاعتقاد من قلوبهم.
قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ.. سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ.. عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ.. فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
هذا هو ملاك الأمر كلّه، ومدار القضية، وأصل البحث، وهذا ما كان ينبغى أن يقرّ به أولئك المشركون، بعد أن ألقيت إليهم تلك الأسئلة، محملة بالأجوبة الصحيحة عليها.
إنه لا شريك للّه.. من صاحبة أو ولد، وإنه لا إله معه.. وأنه لو كان معه إله آخر لشاركه هذا الملك، ونازعه هذا السلطان، واستبدّ بالتصريف فيما يملك منه.. ولكان لكلّ منهما أن يفعل ما يشاء.. وهذا من شأنه أن يذهب بنظام الوجود، ويفسد الوضع القائم عليه، حيث لا تلتقى إرادتهما، ولا تتفق مشيئتهما.
إن الجسد الإنسانى، لا يقوم عليه إلا سلطان واحد، هو القلب، ولو أنه كان هناك قلبان في جسد واحد، لا ختل نظام الجسد، وانحلت روابطه، ولما تنفّس هذا الجسد نفسا واحدا.
والكون.. هو جسد كبير.. يحكمه نظام، ويقوم عليه سلطان.
وهيهات أن يحكم بنظامين، أو ينتظم أمره بسلطانين! {سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}.
وتنزهت ذاته عن أن يكون كما يصفه الضالون، بنسبة الولد، أو الشريك إليه، فتعالى، سبحانه، عما يشرك به المشركون: من آلهة وأشباه آلهة.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال