سورة المؤمنون / الآية رقم 107 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوَهُمْ سِخْرِياًّ حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الفَائِزُونَ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ العَادِّينَ قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكَافِرُونَ وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ

المؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالمؤمنونالنور




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (111)}.
التفسير:
قوله تعالى: {قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
هو التفات إلى النبىّ الكريم، بعد هذا العرض المبسوط لوجوه المشركين، وما يدور في أفكارهم من سخافات، وما تنطق به ألسنتهم من سفاهات، وما تنعقد عليه قلوبهم من شرك وضلال.
وفى هذا الالتفات يدعو اللّه سبحانه نبيّه، أن يطلب إلى ربه ألا يكون بمشهد من هؤلاء المشركين حين يحلّ بهم بأس اللّه، ويقع عليهم عذابه.
وفى هذا إشارة إلى شدّة هذا البلاء وقسوته، وأنه مما لا تحتمل النفس رؤيته بالعين، فكيف حال المبتلى به، الذي يتجرع كئوس عذابه؟
ثم إن هذا- من جهة أخرى- تهديد للمشركين بالعذاب الأليم، والبلاء العظيم، الذي يدعو اللّه أولياءه إلى أن يتضرعوا إليه، طالبين الفرار منه، قبل أن يقع، حتى لا يشهدوه بأعينهم.
ولا شك أن هذا دعاء مجاب مقدّما من قبل أن يدعو به النبي، لأن اللّه سبحانه هو الذي أمره بهذا الدعاء، وهو سبحانه الذي بيده إجابته.. وهذا يكشف لنا عن الارتباط بين الأسباب والمسببات.. وأن على الإنسان أن يأخذ بالأسباب لكل أمر يريده.. وقد دل اللّه عباده على الأسباب، وأمرهم بالأخذ بها، وأن يدعوا المسببات للّه وحده، واللّه يفعل ما يريد.
وأصل النظم هكذا: {ربّ إن ترينى ما يوعدون فلا تجعلنى في القوم الظالمين}.
وقد جاء النظم القرآنى على ما ترى من فخامة ودوىّ ينبعثان من الحرف {ما} باتصاله بأن الشرطية.. {إما}، وفى هذا تهويل للعذاب الذي يتهدد المشركين، ويحوم حولهم.. ثم ما ترى في تصدير جواب الشرط بهذا النداء للاسم الكريم {رب} الذي يضرع إليه لكشف الضرّ، ودفع البلاء، لأنه بلاء عظيم لا يدفعه إلا اللّه، وليس للناس جميعا سبيل إلى دفعه.
قوله تعالى: {وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ}.
هو تطمين للنبىّ بأن اللّه قد أعدّ للقوم الهزيمة والخزي على يديه، وأن ذلك موقوت بوقته، وأنه حاضر في علم اللّه، ولو شاء سبحانه أن يطلع النبي لرأى بعينه مسيرة هذا الصراع، بينه وبين قومه، خطوة خطوة.. حتى يجىء نصر اللّه والفتح، ويدخل الناس في دين اللّه أفواجا.
قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ}.
وإذا كانت خاتمة النبي هى النصر على هؤلاء المتطاولين عليه، المعاندين له، فإن ذلك يهوّن كثيرا من الأذى الذي يلقاه منهم، حيث يكون بصره متعلقا بيوم النصر الموعود، غير ملتفت إلى ما يصادفه على يومه من مشقّة وعناء.
ومن هنا، كانت دعوة النبي إلى لقاء إساءات قومه بالإحسان دعوة تلتقى مع مشاعره، التي استروحت أنسام الرضاء في ظل هذا الموعد الكريم بالنصر المبين لدعوته، وطلوع شمسها على كل أفق.. فإن كل صعب يهون، وكل بلاء محتمل، إذا كانت العاقبة نجاحا، ونصرا محققا.
وفى قوله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ} تهديد للمشركين، الذين يسيئون ويحسن إليهم، ثم لا يردّهم هذا الإحسان عن غيّهم وضلالهم.
فليفعلوا ما يحلو لهم، واللّه سبحانه عالم بما يفعلون، ومحاسبهم عليه.
قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ}.
همزات الشياطين: وساوسها، ونخسلتها التي تنخس بها في صدور الناس.
وكما أمر اللّه سبحانه وتعالى نبيه الكريم، أن يدعو ربه، بأن يقيه شر الناس، ويباعد بينه وبين القوم الظالمين- أمره سبحانه أن يستعيذ به من وساوس الشياطين، وما يزينون به للناس من منكرات، وأن يباعد بينه وبينهم، فلا يلمّون به، ولا يحضرونه في أي حال من أحواله، خاليا، أو مع الناس.
وهذه الاستعاذة من الشيطان، هى إلفات للمسلمين إلى هذا العدو المتربص بهم، والذي هو شر خالص، لا يجىء منه إلا الشر لكل من يأنس إليه، ويطمئن له.. وإنه إذا كان النبي- صلوات اللّه وسلامه عليه.. وهو في حراسة من ربه، وفى قوة من خلقه، ودينه- إذا كان النبي يطلب الغوث والعياذ باللّه من هذا العدو الراصد، فأولى بالناس- وهم على ما فيهم من ضعف- أن يستكثروا من طلب الغوث والعياذ باللّه من الشيطان الرجيم، وأن يكونوا على ذكر دائم بأنهم مع عدو متربص بهم، ينتظر غفلتهم، لينفذ إلى ما يريد فيهم، من إغراء وإضلال.
قوله تعالى: {حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ.. كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.
{حَتَّى} غاية لمحذوف دل عليه السياق، والتقدير، ولكن كثيرا من الناس، لا يأخذون حذرهم من الشيطان، ولا يستعيذون باللّه منه، فيفسد عليهم دينهم، وينقض ظهورهم بالذنوب والآثام، ثم يظلون هكذا في غفلتهم {حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} وانكشف عن عينيه الغطاء، ورأى ما قدم من منكرات {قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} إلى دنياى، {لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ} ولأصلح من أمرى ما فسد، وأقيم من دينى ما اعوجّ.. ولكن هيهات.. لقد فات وقت الزرع، وهذا أوان الحصاد.. {كَلَّا.. إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها} أي إنها مجرد كلام يقال، لا وزن له، ولا ثمرة منه.. {وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ} أي أن هناك سدا قائما، فاصلا بين الأموات، وعالم الأحياء.. فلا سبيل لمن أدركه الموت أن يخترق هذا البرزخ، وينفذ إلى عالم الأحياء مرة أخرى، وذلك {إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.
حيث يزول البرزخ، وينتقل الناس جميعا إلى العالم الآخر، ويصبحون جميعا في عالم الحق.
قوله تعالى: {فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ}.
أي فإذا صار الناس إلى هذا اليوم، يوم النفخ في الصور، للبعث، جاءوا وقد شغل كل منهم بشأنه وتقطعت بينهم الأنساب، فلا يجتمع قريب إلى قريب، ولا يلتفت صاحب إلى صاحبه.
{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [34- 37: عبس].. فلا يسأل أحد أحدا عن حاله ومآله. وحسبه ما هو فيه من شغل بنفسه {يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ، وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ. وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} [8- 10: المعارج].
قوله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ}.
وفى هذا اليوم توضع الموازين لحساب الناس، ويرى كل ميزانه وما يوزن فيه.
{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
حيث لا تثقل الموازين، إلا بالأعمال الصالحة.
فتلك الأعمال الصالحة، هى التي يقام لها وزن، ويكون لها في الميزان ثقل.
أما الأعمال السيئة فلا وزن لها، لأن هذا الميزان ميزان حق وعدل، لا يوضع فيه إلا ما كان حقا وعدلا وإحسانا.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً} [105: الكهف] وقوله سبحانه، عن أعمال الكافرين والضالين: {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً} [23: الفرقان] وفى قوله تعالى: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ} عرض لحال من أحوال أهل النار، وما يلقون فيها من بلاء، حيث تداعبهم النار بلهيبها، وتصفع وجوههم بلظاها، وحيث يغشاهم من ذلك همّ وكرب، وتعلو وجوههم غبرة ترهقها قترة.
والكالح: العابس المكفهرّ، لما يعتمل في كيانه من غموم وهموم.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ}.
هو رد على جؤار المعذبين في جهنم، وما يصطرخون به من ويل وثبور.
إنه لا مصير لكم إلا هذا.. فقد جاءكم رسولنا بآيات اللّه، وتلاها عليكم، ودعاكم إلى الهدى والإيمان.. فأبيتم وكذبتم. فهذا جزاؤكم، فذوقوا عذاب الخزي بما كنتم بآيات اللّه تكذبون.
قوله تعالى: {قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ}.
وماذا ينفع الندم، والإقرار بالذنب في دار الحساب والجزاء؟ {فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [57: الروم].
قوله تعالى: {رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ}.
وفى ذلة واستخزاء، وفى لهفة وجنون، يقولون ربنا أخرجنا من هذا البلاء، وردّنا إلى الدنيا مرة أخرى، فنؤمن بك ونتبع الرسل.. فإن عدنا إلى ما كنا فيه من كفر وضلال، كنا ظالمين، فنستحق ما نلقى من عذاب وهوان! وكأنهم لم يكونوا ظالمين، وكأن عذرهم الذي اعتذروا به حين قالوا: {رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ} كأن عذرهم هذا قد قبل منهم! لقد منّتهم أنفسهم تلك الأمانىّ الكاذبة.. وإنهم لأهل شر وسوء، لا يرجى لدائهم دواء: {وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ} [28:
الأنعام] ولهذا جاء الردّ القاطع الزاجر: {اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ}.
أي انزجروا فيها، وأقيموا حيث أنتم، ولا تكلموا اللّه.. فإنه سبحانه لا يقبل منكم قولا، ولا يجيب لكم سؤلا.
قوله تعالى: {إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ}.
هو تعليل لما أخذهم اللّه به، من كبت وزجر، ولما رماهم به من عذاب اليم.
إنهم لم يؤمنوا باللّه، ولم يستجيبوا لرسول اللّه، بل كذّبوه، وبهتوه، وآذوه.. ولم يقفوا عند هذا، بل إنهم تسلطوا على المؤمنين باللّه، واتخذوهم سخريّا، وجعلوا منهم مادة للضحك والعبث.. {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ} [29، 30 المطففين].
وفى قوله تعالى: {حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} إشارة إلى أن اشتغال هؤلاء المشركين الضالين بالسخرية من المؤمنين، والضحك منهم، قد ألهاهم عن ذكر اللّه، وصرفهم عن النظر في آياته، والاستماع إلى كلماته.. إنهم شغلوا بغيرهم عن أنفسهم، وعن العمل لما فيه خيرهم ورشادهم.. وهذا شأن كل من يشغل بأمور الناس، ويجعلها همّه.. إنه ينسى نفسه، ويحرمها ما كان يمكن أن يسوقه إليها من سعيه وجهده.
وفى نسبة نسيانهم لذكر اللّه، إلى المؤمنين، مع أن المؤمنين لم يكن منهم دعوة لهم إلى نسيان ذكر اللّه، بل إنهم كانوا يدعونهم إلى اللّه، ويذكّرونهم به- في هذا مضاعفة لحسرة الكافرين، وزيادة في إيلامهم، إن كان ما هم فيه يحتاج إلى زيادة. وذلك حين ينظرون إلى المؤمنين الذين كانوا يسخرون منهم، فيجدون أنهم هم الذين شغلوهم عن ذكر اللّه، وعن الإيمان به، وأنهم هم الذين أوردوهم هذا المورد الوبيل.. ثم يجدونهم- مع هذا- في نعيم ورضوان من اللّه: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ}.
لقد صبروا على استهزائكم بهم، وسخريتكم منهم، ولم يتحوّلوا عن الصراط المستقيم الذي استقاموا عليه، فكان هذا هو جزاؤهم عند اللّه.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال