سورة النور / الآية رقم 2 / تفسير تفسير الشعراوي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سورة أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوَهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا العَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ

النورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنور




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(2)}
قلنا: إن الحق سبحانه تناول هذه المسألة حرصاً على سلامة النشء، وطهارة هذا الإنسان الذي جعله الله خليفة له في الأرض، وحين نتأمل السياق القرآني في هذه الآية نجد أن كلمة الزاني تدل على كُلٍّ من الأنثى والذكر، ففي اللغة الاسم الموصول: الذي للمفرد المذكر، والتي للمفردة المؤنثة، واللذان للمثنى المذكر، واللتان للمثنى المؤنث، والذين لجمع الذكور، واللائي لجمع الإناث.
لكن هناك أسماء تدل على كل هذه الصيغ مثل: مَنْ، ما، ال.
تقول: جاء مَنْ أكرمني، وجاءت من أكرمتني، وجاء من أكرموني.
فكذلك(ال) في(الزاني) تدل على المؤنث وعلى المذكر، لكن الحق سبحانه ذكرهما صراحةً ليُزيلَ ما قد يحدث عند البعض من خلاف: أيهما السبب في هذه الجريمة، هذا الخلاف الذي وقع فيه حتى الأئمة والفقهاء، فهناك مَنْ يقول: الزاني واطئ وفاعل، والمرأة موطوءة، فالفعل للرجل لا للمرأة، فهو وحده الذي يتحمل هذه التبعة.
لذلك الإمام الشافعي رضي الله عنه يحكي أن رجلاً ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله وطئت امرأتي في رمضان. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «كَفِّر».
وأخذ الشافعي من هذا الحديث أن الكفارة إنما تكون على الرجل دون المرأة، وإلا لقال له الرسول: كَفِّرا.
لكن يجب أن نفرق بين وطِئ وجامع: الوَطْءُ فعل الرجل حتى وإن كانت الزوجة كارهة رافضة، أمَّا الجماع فهو حال الرضا والقبول من الطرفين، وفي هذه الحالة تكون الكفارة عليهما معاً؛ لذلك صرَّح الحق تبارك وتعالى بالزاني والزانية ليزيل هذه الشُّبهة وهذا الخلاف.
وأرى في هذه المسألة أن الذي استفتى رسولَ الله هو الرجلُ، ولو كانت المرأة لقال لها أيضاً: كفِّري، فالحكم خاصٌّ بمن استفتى.
والمتأَمل في آيات الحدود يجد مثلاً في حَدِّ السرقة قوله تعالى: {والسارق والسارقة..} [المائدة: 38] فبدَأ بالمذكر، أما في حَدِّ الزنا فقال: {الزانية والزاني..} [النور: 2] فبدأ بالمؤنث، لماذا الاختلاف في التعبير القرآني؟
قالوا: لأن دور المرأة في مسألة الزنا أعظم ومدخلها أوسع، فهي التي تغري الرجل وتثيره وتهيج عواطفه؛ لذلك أمر الحق تبارك وتعالى الرجال بغَضِّ البصر وأمر النساء بعدم إبداء الزينة، ذلك ليسُدَّ نوافذ هذه الجريمة ويمنع أسبابها.
أما في حالة السرقة فعادةً يكون عِبْءُ النفقة ومُؤْنة الحياة على كاهل الرجل، فهو المكلف بها؛ لذلك يسرق الرجل، أمَّا المرأة فالعادة أنها في البيت تستقبل، وليس من مهمتها توفير تكاليف الحياة، لكن لا مانعَ مع ذلك أن تسرق المرأة أيضاً؛ لذلك بدأ في السرقة بالرجل.
إذن: بمقارنة آيات القرآن تجد الكلام موزوناً دقيقاً غاية الدقة، لكل كلمة ولكل حرف عطاؤه، فهو كلام رب حكيم، ولو كانت المسألة مجرد تقنين عادي ما التفتَ إلى مثل هذه المسائل.
ثم يأتي الحد الرادع لهذه الجريمة {فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ..} [النور: 2] اجلدوا: أمر، لكن لمن؟ لم يقُل أيها الحاكم أو القاضي؛ لأن الأمر هنا للأمة كلها، فأمر إقامة الحدود منوط بالأمة كلها، لكن أتنهض الأمة بأَسْرها وتعدّدها بفعل واحد في كل مكان؟
قالوا: الأمة مثل النائب العام للوالي، عليه أن يختار مَنْ يراه أهلاً للولاية لينفذ له ما يريد، ومَنْ ولَّى قاضياً فقد قضى، وما دام الأمر كذلك فإياك أنْ تُولِّي القضاء مَنْ لا يصلح للقضاء؛ لأن التبعة- إذن- ستكون عليك إنْ ظلم أو جار، فالواو والألف في {فاجلدوا..} [النور: 2] تدل على معانٍ كبيرة، فالأمة في مجموعها لا تستيطع أن تجلد كل زانٍ أو زانية، لكن حين تولي إمامها بالبيعة، وحين تختاره ليقيم حدود الله، فكأنها هي التي أقامتْ الحدود وهي التي نفذت.
لذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ ولّى أحداً أمراً وفي الناس خير منه لا يشم رائحة الجنة» .
لماذا؟ لأنك حين تُولِّي أمور الناس مَنْ لا يصلح لها في وجود مَنْ يصلح إنما تُشيع الفساد في المجتمع، ولا تظن أنك تستطيع أن تخفي شيئاً عن أعيُن الناس، فلهم من الوعي والانتباه ما يُفرِّقون به بين الكفء وغيره، وإنْ سكتوا وتغافلوا فإنهم يتساءلون من ورائك: لماذا ولّى هذا، وترك مَنْ هو أكفأ منه، لابد أن له مؤهلات أخرى، دخل بها من الباب الخلفي، ولماذا لا نفعل مثله؟ عندها تسود الفوضى وتضيع الحقوق وينتشر الإحباط والتكاسل والخمول، ويحدث خلل في المجتمع وتتعطل المصالح.
ومع هذا كله لا نستطيع أن نلوم الوالي حين يختار مَنْ لا يصلح قبل أن نلوم أنفسنا أولاً، فنحن الذين اخترناه ودلَّسْنَا في البيعة له، فسلّطه الله علينا ليُدلِّس هو أيضاً في اختياره، أمّا لو أدى كل منا واجبه في اختيار مَنْ يصلح ما وصل إلى مراتب القيادة مَنْ يدلس على الناس، وبذلك تستقيم الأمور، ويتقرب الإنسان للولاية بالعمل وبالجد والإخلاص والأمانة والصدق والتفاني في خدمة المجتمع.
ومن رحمة الله تعالى بالخَلْق أنْ يقذف الإخلاص وحُبّ العمل ويزرع الرحمة بالخلق في بعض القلوب؛ لذلك ترى في كل مصلحة أو في كل مكتب موظفاً متواضعاً يحب الناس ويحرص على قضاء مصالحهم، تراه يرتدي نظارة سميكة يرى من خلالها بصعوبة، وهو دائماً مُنكبٌّ على الأوراق والملفات، ويقصده الخَلْق لقضاء مصالحهم: يا فلان أفندي، أعطني كذا، واكتب لي كذا، وقد وسَّع الله صَدْره للناس فلا يرد أحداً.
هذه المسائل كلها نفهمها من الواو والألف في {فاجلدوا..} [النور: 2] أما الجَلْد فهو الضرب، نقول: جلَده: يعني ضرب جِلْدَه، ورأسه: يعني ضرب رِأسه، وظهَره: ضرب ظهره.
والجلد ضَرْبٌ بكيفية خاصة، بحيث لا يقطع لحماً ولا يكسر عظماً؛ لأن الضربة حسب قوتها وحسب الآلة المستخدمة في الضرب، فمن الضرب ما يكسر العظم ولا يقطع الجلد، ومنه ما يقطع الجلد ولا يكسر العظم، ومنه ما يؤلم دون هذا أو ذاك.
ثم يقول سبحانه: {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله..} [النور: 2] تحذير من الرحمة الحمقاء، الرحمة في غير محلها، وعلى حَدِّ قول الشاعر:
فَقَسَا لِيزدْجِرُوا ومَنْ يَكُ حَازِماً *** فَلْيَقْسُ أحْيَاناً على مَنْ يَرحَمُ
فالرأفة لا تكون في حدود الله، ارأفوا بهم في مسائلكم الخاصة فيما بينكم، وعجيب أن تدعوا الرأفة في مسائل الحدود وأنتم من ناحية أخرى تضربون وتسرقون أموال الناس، وتنتهكون حرماتهم، وتثيرون بينهم الفتنة والحروب، فأين الرأفة إذن؟
إذن: لا مجالَ للرحمة وللرأفَة في حدود الله، فلسنا أرحم بالخَلْق من الخالق، وما وُضِعَتْ الحدود حباً في تعذيب الناس، إنما وُضِعت وشُدِّد عليها لتمنع الوقوع في الجريمة التي تستوجب الحد، فقَطْع يد واحدة تمنع قَطْع آلاف الأيدي.
والذين يتهمون الإسلام بالقسوة والبشاعة في تطبيق الحدود أنَسُوا ما فعلوه في هيروشيما، وما زالت آثاره حتى الآن؟ أنسوا الحروب التي يشعلونها في أنحاء العالم، والتي تحصد آلاف الأرواح؟ أهي الرحمة الحمقاء التي لا معنى لها؟ أم هي الكراهية لحدود الله؟
ونذكر في الماضي أنه كان يخرج مع فوج الحجيج قوة حماية وحراسة من الجيش، تحمي الحجيج من قطاع الطرق، وكانوا يُسَمُّون بعثة الحج هذه(المحمل)، فلما أقامت السعودية حكم الله وطبَّقَتْ الحدود أمَّنَتْ الطرق، واستغنى الناس عن هذه الحراسات مع اتساعها وتشعُّب طرقها ووعورتها بين الجبال والوديان والصحاري الشاسعة التي لا يمكن أن تحكمها أو تحرسها عَيْن بشر، لابد لها من تقنين الخالق عز وجل.
ومع ذلك حين أحْصَوا الأيدي التي قُطِعَتْ وجدوها قليلة جداً، وأغلبها من خارج المملكة- وأذكر أنني قلت مرة في خطبة عرفة: ارجعوا إلى حكامكم وقولوا لهم: اقطعوا يد السارق، فالذي لا يقطع يد السارق في نيته أن يسرق؛ لذلك يخاف على يده، فحين تذكر له مسألة قَطْع يد السارق ترتجف يده. والذين يعارضون حدود الله هم أنفسهم يسيرون على مبدأ أن هلاك الثُلث جائز لإصلاح الثلثين، لكن تقف حدود الله غُصَّة في حلوقهم.
والجلْد مائة جلدة يخصّ الزاني غير المحْصَن يعني غير المتزوج، أمَّا المتزوج فله حكم آخر لم يأْت في كتاب الله، إنما أتى في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ذلك لأن القرآن الكريم ليس كتابَ منهج فقط، إنما كتابَ منهج ومعجزة ومعه أصول، من هذه الأصول أنه قال في آية من آياته: إننا وكلنا رسول الله في أن يُشرِّع للناس.
والحكم الذي يؤخذ من القول عُرْضة لأن نتمحك فيه ونقف أمامه نُقلّب ألفاظه أو نؤوله، أمّا إنْ أُخِذ الحكم من فعل المشرع، فليس فيه شكٌّ أو تمحُّك، وليس قابلاً للتأويل لأنه فعل، وقد فعل الرسول ورجم الزاني والزانية المحصنين في قصة ماعز والغامدية، لأنه مفوض من الله.
ولا بد أن نفرق بين الحدَّيْن، ففي حَدِّ الأمة إنْ زنت يقول تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب..} [النساء: 25] البعض فَهِم من الآية أنها تشمل حدَّيْ الرَّجْم والجَلْد، فقالوا: في الجلد يمكن أن تجلد خمسين جلده، لكن كيف نجزيء الرجم؟ وما دام الرجم لا يُجَزَّأ فليس عليها رجم.
ولو تأمل هؤلاء نصَّ الآية لخرجوا من هذا الخلاف، فالحق سبحانه وتعالى لم يقل {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات..} [النساء: 25] وسكت، إنما قال {مِنَ العذاب..} [النساء: 25] فخصَّ بذلك حدَّ الجلد؛ لأن العذاب إيلام حَيٍّ، أمَّا الرجم فهو إزهاق حياة، فهما متقابلان.
أَلاَ ترى قول القرآن في قصة سليمان عليه السلام والهدهد: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ..} [النمل: 21] فالعذاب غير الذبح.
إذن: تجزئة الحد في الجَلْد فقط، أمّا الرَّجم فلا يُجزَّأ، فإنْ زنتِ الأَمَة المحصنة رُجِمَتْ.
وقوله تعالى: {إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر..} [النور: 2] هذا كلام مُوجِع، وإهاجة لجماعة المؤمنين، فهذا هو الحكم، وهذا هو الحدُّ قد شرعه الله، فإن كنتم مؤمنين بالله وبالحساب والعقاب فطبِّقوا شَرْع الله، وإلاَّ فراجعوا إيمانكم بالله وباليوم الآخر لأننا نشكُّ في صِدْق هذا الإيمان.
وكأن الحق تبارك وتعالى يهيجنا ويثيرنا على أهل هذه الجريمة، لنأخذ على أيديهم ونُخوِّفهم بما شرع الله من الحدود.
فالمعنى: أنْ كنتم تؤمنون بالله إلهاً حكيماً مشرعاً، خلق خَلْقاً، ويريد أن يحمي خَلْقه ويُطهره ليكون أهلاً لخلافته في الأرض الخلافة الحقة، فاتركوا الخالق يتصرف في كونه وفي خَلْقه على مراده عَزَّ وجَلَّ، فالخَلْق ليس خَلْقكم لتتدخلوا فيه.
ثم يقول تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين} [النور: 2] فالأمر لا يقف عند حدِّ التعذيب والجَلْد، إنما لابد أن يشهد هذا العذاب جماعة من المؤمنين، والطائفة هم الجماعة وأقلها أربعة لماذا؟ قالوا: لأن النفس قد تتحمّل الإهانة إنْ كانت سِراً لا يطَّلع عليها أحد، فلا يؤلمه أنْ تُعذِّبه أشدَّ العذاب بينك وبينه، إنما لا يتحمل أن تشتمه أمام الناس. إذن: فمشاهدة الحدِّ إهانة لصاحبه، وهي أيضاً زَجْر للمشاهد، ونموذج عمليٌّ رادع.
لذلك يقولون: الحدود زواجر وجوابر، زواجر لمن شاهدها أي: تزجره عن ارتكاب ما يستوجب هذا الحدَّ، وجوابر لصاحب الحد تجبر ذنبه وتُسقط عنه عقوبة الآخرة، فلا يمكن أن يستوي مَنْ أقر وأقيم عليه الحد بمَنْ لم يقر، ولأن الزنا لم يثبت بشهود أبداً، وإنما بإقرار، وهذا دليل على أن الحكم صحيح في ذِهْنه، ويرى أن فضوح الدنيا وعذابها أهونُ من فضوح الآخرة وعذابها، إلا لما أقر على نفسه.
فالمسألة يقين وإيمان ثابت بالقيامة وبالبعث والحساب، والعقوبة اليوم أهون، وإنْ كان الزنا يثبت بالشهود فلربما دلَّسُوا، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه الرجل مُقرّاً بالزنا فيقول له: (لعلك قبَّلْتَ، لعلك غمزْتَ، لعلك لمسْت) يعني: لم تصل إلى الحد الذي يسمى زنا، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدرأ الحدَّ بالشبهة.
ولهذا المبدأ الإسلامي السمح إنْ أخذتَ الزاني وذهبت ترجمه فآلمه الحجر فحاول الفرار يأمرنا الشرع ألاَّ نتبعه وألاَّ نلاحقه، لماذا؟ لأنه اعتبر أن فراره من الحد كأنه رجوع عن الإقرار.
يقول الحق سبحانه: {الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزانية لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ..}.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال