سورة النور / الآية رقم 7 / تفسير تفسير القرطبي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سورة أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوَهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا العَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ

النورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنور




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)}
فيه ثلاثون مسألة: الأولى: قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} {أَنْفُسُهُمْ} بالرفع على البدل. ويجوز النصب على الاستثناء: وعلى خبر {يَكُنْ}. {فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ} بالرفع قراءة الكوفيين على الابتداء والخبر، أي فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات. وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو: {أربع} بالنصب، لان معنى {فشهادة} أن يشهد، والتقدير: فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات، أو فالأمر أن يشهد أحدهم أربع شهادات، ولا خلاف في الثاني أنه منصوب بالشهادة. {وَالْخامِسَةَ} رفع بالابتداء.
والخبر {أَنَّ} وصلتها، ومعنى المخففة كمعنى المثقلة لان معناها أنه. وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة وعاصم في رواية حفص: {والخامسة} بالنصب، بمعنى وتشهد الشهادة الخامسة. الباقون بالرفع على الابتداء، والخبر في {أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ}، أي والشهادة الخامسة قوله: لعنة الله عليه.
الثانية: في سبب نزولها، وهو ما رواه أبو داود عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشريك بن سحماء فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «البينة أو حد في ظهرك» قال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا رجلا على امرأته يلتمس البينة! فجعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «البينة وإلا حد في ظهرك» فقال هلال: والذي بعثك بالحق إنى لصادق، ولينزلن الله في أمرى ما يبرئ ظهري من الحد، فنزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} فقرأ حتى بلغ {مِنَ الصَّادِقِينَ 70} الحديث بكماله.
وقيل: لما نزلت الآية المتقدمة في الذين يرمون المحصنات وتناول ظاهرها الأزواج وغيرهم قال سعد بن معاذ: يا رسول الله، إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتى بأربعة! والله لأضربنه بالسيف غير مصفح عنه. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير منى».
وفي ألفاظ سعد روايات مختلفة، هذا نحو معناها. ثم جاء من بعد ذلك هلال بن أمية الواقفي فرمى زوجته بشريك بن سحماء البلوى على ما ذكرناه، وعزم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ضربه حد القذف، فنزلت هذه الآية عند ذلك، فجمعهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد وتلاعنا، فتلكأت المرأة عند الخامسة لما وعظت وقيل: إنها موجبة، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فالتعنت، وفرق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينهما، وولدت غلاما كأنه جمل أورق- على النعت المكروه- ثم كان الغلام بعد ذلك أميرا بمصر، وهو لا يعرف لنفسه أبا. وجاء أيضا عويمر العجلاني فرمى امرأته ولاعن. والمشهور أن نازلة هلال كانت قبل، وأنها سبب الآية.
وقيل: نازلة عويمر بن أشقر كانت قبل، وهو حديث صحيح مشهور خرجه الأئمة.
قال أبو عبد الله بن أبى صفرة: الصحيح أن القاذف لزوجه عويمر، وهلال بن أمية خطأ. قال الطبري يستنكر قوله في الحديث هلال بن أمية: وإنما القاذف عويمر بن زيد بن الجد ابن العجلاني، شهد أحدا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رماها بشريك بن السحماء، والسحماء أمه، قيل لها ذلك لسوادها، وهو ابن عبدة بن الجد بن العجلاني، كذلك كان يقول أهل الاخبار.
وقيل: قرأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الناس في الخطبة يوم الجمعة {والذين يرمون المحصنات} فقال عاصم بن عدى الأنصاري: جعلني الله فداك! لو أن رجلا منا وجد على بطن امرأته رجلا، فتكلم فأخبر بما جرى جلد ثمانين، وسماه المسلمون فاسقا فلا تقبل شهادته، فكيف لأحدنا عند ذلك بأربعة شهداء، وإلى أن يلتمس أربعة شهود فقد فرغ الرجل من حاجته! فقال عليه السلام: «كذلك أنزلت يا عاصم بن عدى». فخرج عاصم سامعا مطيعا، فاستقبله هلال بن أمية يسترجع، فقال: ما وراءك؟ فقال: شر! وجدت شريك ابن السحماء على بطن امرأتي خولة يزني بها، وخولة هذه بنت عاصم بن عدى، كذا في هذا الطريق أن الذي وجد مع امرأته شريكا هو هلال بن أمية، والصحيح خلافه حسبما تقدم بيانه. قال الكلبي: والأظهر أن الذي وجد مع امرأته شريكا عويمر العجلاني، لكثرة ما روى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاعن بين العجلاني وامرأته. واتفقوا على أن هذا الزاني هو شريك ابن عبدة وأمه السحماء، وكان عويمر وخولة بنت قيس وشريك بنى عم عاصم، وكانت هذه القصة في شعبان سنة تسع من الهجرة، منصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تبوك إلى المدينة، قاله الطبري.
وروى الدارقطني عن عبد الله بن جعفر قال: حضرت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين لا عن بين عويمر العجلاني وامرأته، مرجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوة تبوك، وأنكر حملها الذي في بطنها وقال هو لابن السحماء، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هات امرأتك فقد نزل القرآن فيكما»، فلاعن بينهما بعد العصر عند المنبر على خمل. في طريقه الواقدي عن الضحاك بن عثمان عن عمران بن أبى أنس قال: سمعت عبد الله بن جعفر يقول...... فذكره.
الثالثة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ} عام في كل رمى، سواء قال: زنيت أو يا زانية أو رأيتها تزني، أو هذا الولد ليس منى، فإن الآية مشتملة عليه. ويجب اللعان إن لم يأت بأربعة شهداء، وهذا قول جمهور العلماء وعامة الفقهاء وجماعة أهل الحديث. وقد روى عن مالك مثل ذلك. وكان مالك يقول: لا يلاعن إلا أن يقول: رأيتك تزني، أو ينفى حملا أو ولدا منها. وقول أبى الزناد ويحيى بن سعيد والبتي مثل قول مالك: إن الملاعنة لا تجب بالقذف وإنما تجب بالرؤية أو نفى الحمل مع دعوى الاستبراء، هذا هو المشهور عند مالك، وقاله ابن القاسم. والصحيح الأول لعموم قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ}. قال ابن العربي: وظاهر القرآن يكفى لإيجاب اللعان بمجرد القذف من غير رؤية، فلتعولوا عليه، لا سيما وفي الحديث الصحيح: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فاذهب فأت بها» ولم يكلفه ذكر الرؤية. وأجمعوا أن الأعمى يلاعن إذا قذف امرأته. ولو كانت الرؤية من شرط اللعان ما لاعن الأعمى، قاله أبو عمر وقد ذكر ابن القصار عن مالك أن لعان الأعمى لا يصح إلا أن يقول: لمست فرجه في فرجها. والحجة لمالك ومن اتبعه ما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا، فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهجه حتى أصبح، ثم غدا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إنى جئت أهلي عشاء فوجدت عندهم رجلا، فرأيت بعيني وسمعت بأذنى، فكره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما جاء به واشتد عليه، فنزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} الآية، وذكر الحديث. وهو نص على أن الملاعنة التي قضى فيها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كانت في الرؤية، فلا يجب أن يتعدى ذلك. ومن قذف امرأته ولم يذكر رؤية حد، لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ}.
الرابعة: إذا نفى الحمل فإنه يلتعن، لأنه أقوى من الرؤية ولا بد من ذكر عدم الوطي والاستبراء بعده. واختلف علماؤنا في الاستبراء، فقال المغيرة ومالك في أحد قوليهما:
يجزى في ذلك حيضة.
وقال مالك أيضا: لا ينفيه إلا بثلاث حيض. والصحيح الأول، لان براءة الرحم من الشغل يقع بها كما في استبراء الامة، وإنما راعينا الثلاث حيض في العدد لحكم آخر يأتي بيانه في الطلاق إن شاء الله تعالى. وحكى اللخمي عن مالك أنه قال مرة: لا ينفى الولد بالاستبراء، لان الحيض يأتي على الحمل. وبه قال أشهب في كتاب ابن المواز، وقاله المغيرة. وقال: لا ينفى الولد إلا بخمس سنين لأنه أكثر مدة الحمل على ما تقدم.
الخامسة: اللعان عندنا يكون في كل زوجين حرين كانا أو عبدين، مؤمنين أو كافرين، فاسقين أو عدلين. وبه قال الشافعي. ولا لعان بين الرجل وأمته، ولا بينه وبين أم ولده.
وقيل: لا ينتفي ولد الامة عنه إلا بيمين واحدة، بخلاف اللعان. وقد قيل: إنه إذا نفى ولد أم الولد لاعن. والأول تحصيل مذهب مالك، وهو الصواب.
وقال أبو حنيفة: لا يصح اللعان إلا من زوجين حرين مسلمين، وذلك لان اللعان عنده شهادة، وعندنا وعند الشافعي يمين، فكل من صحت يمينه صح قذفه ولعانه. واتفقوا على أنه لا بد أن يكونا مكلفين.
وفي قوله: «وجد مع امرأته رجلا». دليل على أن الملاعنة تجب على كل زوجين، لأنه لم يخص رجلا من رجل ولا امرأة من امرأة، ونزلت آية اللعان على هذا الجواب فقال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ} ولم يخص زوجا من زوج. وإلى هذا ذهب مالك واهل المدينة، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبى عبيد وأبى ثور. وأيضا فإن اللعان يوجب فسخ النكاح فأشبه الطلاق، فكل من يجوز طلاقه يجوز لعانه. واللعان أيمان لا شهادات، قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما 10} [المائدة: 107] أي أيماننا.
وقال تعالى: {إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1]. ثم قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة: 16].
وقال عليه السلام: «لولا الايمان لكان لي ولها شأن». وأما ما احتج به الثوري وأبو حنيفة فهي حجج لا تقوم على ساق، منها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أربعة ليس بينهم لعان ليس بين الحر والامة لعان وليس بين الحرة والعبد لعان وليس بين المسلم واليهودية لعان وليس بين المسلم والنصرانية لعان». أخرجه الدارقطني من طرق ضعفها كلها.
وروى عن الأوزاعي وابن جريج وهما إمامان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قوله، ولم يرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واحتجوا من جهة النظر أن الأزواج لما استثنوا من جملة الشهداء بقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} وجب ألا يلاعن إلا من تجوز شهادته. وأيضا فلو كانت يمينا ما رددت، والحكمة في ترديدها قيامها في الاعداد مقام الشهود في الزنى. قلنا: هذا يبطل بيمين القسامة فإنها تكرر وليست بشهادة إجماعا، والحكمة في تكرارها التغليظ في الفروج والدماء. قال ابن العربي: والفيصل في أنها يمين لا شهادة أن الزوج يحلف لنفسه في إثبات دعواه وتخليصه من العذاب، وكيف يجوز لاحد أن يدعى في الشريعة أن شاهدا يشهد لنفسه بما يوجب حكما على غيره هذا بعيد في الأصل معدوم في النظر.
السادسة: واختلف العلماء في ملاعنة الأخرس، فقال مالك والشافعي: يلاعن، لأنه ممن يصح طلاقه وظهاره وإيلاؤه، إذا فهم ذلك عنه.
وقال أبو حنيفة: لا يلاعن، لأنه ليس من أهل الشهادة، ولأنه قد ينطق بلسانه فينكر اللعان، فلا يمكننا إقامة الحد عليه. وقد تقدم هذا المعنى في سورة مريم والدليل عليه، والحمد لله.
السابعة: قال ابن العربي: رأى أبو حنيفة عموم الآية فقال: إن الرجل إذا قذف زوجته بالزنى قبل أن يتزوجها فإنه يلاعن، ونسى أن ذلك قد تضمنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ} وهذا رماها محصنة غير زوجة، وإنما يكون اللعان في قذف يلحق فيه النسب، وهذا قذف لا يلحق فيه نسب فلا يوجب لعانا، كما لو قذف أجنبية.
الثامنة: إذا قذفها بعد الطلاق نظرت، فإن كان هنالك نسب يريد أن ينفيه أو حمل يتبرأ منه لاعن وإلا لم يلاعن.
وقال عثمان البتي: لا يلاعن بحال لأنها ليست بزوجة.
وقال أبو حنيفة: لا يلاعن في الوجهين، لأنها ليست بزوجة. وهذا ينتقض عليه بالقذف قبل الزوجية كما ذكرناه آنفا، بل هذا أولى، لان النكاح قد تقدم وهو يريد الانتفاء من النسب وتبرئته من ولد يلحق به فلا بد من اللعان. وإذا لم يكن هنالك حمل يرجى ولا نسب يخاف تعلقه لم يكن للعان فائدة فلم يحكم به وكان قذفا مطلقا داخلا تحت عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ} الآية، فوجب عليه الحد وبطل ما قاله البتي لظهور فساده.
التاسعة: لا ملاعنة بين الرجل وزوجته بعد انقضاء العدة إلا في مسألة واحدة، وهى أن يكون الرجل غائبا فتأتي امرأته بولد في مغيبه وهو لا يعلم فيطلقها فتنقضي عدتها، ثم يقدم فينفيه فله أن يلاعنها ها هنا بعد العدة. وكذلك لو قدم بعد وفاتها ونفى الولد لاعن لنفسه وهى ميتة بعد مدة من العدة، ويرثها لأنها ماتت قبل وقوع الفرقة بينهما.
العاشرة: إذا انتفى من الحمل ووقع ذلك بشرطه لاعن قبل الوضع، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يلاعن إلا بعد أن تضع، لأنه يحتمل أن يكون ريحا أو داء من الأدواء. ودليلنا النص الصريح بأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاعن قبل الوضع، وقال: «إن جاءت به كذا فهو لأبيه وإن جاءت به كذا فهو لفلان» فجاءت به على النعت المكروه.
الحادية عشرة: إذا قذف بالوطي في الدبر لزوجه لاعن.
وقال أبو حنيفة: لا يلاعن، وبناه على أصله في أن اللواط لا يوجب الحد. وهذا فاسد، لان الرمي به معرة وقد دخل تحت عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ} وقد تقدم في الأعراف والمؤمنون أنه يجب به الحد.
الثانية عشرة: قال ابن العربي: من غريب أمر هذا الرجل أنه قال إذا قذف زوجته وأمها بالزنى: إنه إن حد للأم سقط حد البنت، وإن لاعن للبنت لم يسقط حد الام، وهذا لا وجه له، وما رأيت لهم فيه شيئا يحكى، وهذا باطل جدا، فإنه خص عموم الآية في البنت وهى زوجة بحد الام من غير أثر ولا أصل قاسه عليه.
الثالثة عشرة: إذا قذف زوجته ثم زنت قبل التعانه فلا حد ولا لعان. وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأكثر أهل العلم.
وقال الثوري والمزني: لا يسقط الحد عن القاذف، وزني المقذوف بعد أن قذف لا يقدح في حصانته المتقدمة ولا يرفعها، لان الاعتبار الحصانة والعفة في حال القذف لا بعده. كما لو قذف مسلما فارتد المقذوف بعد القذف وقبل أن يحد القاذف لم يسقط الحد عنه. وأيضا فإن الحدود كلها معتبرة بوقت الوجوب لا وقت الإقامة. ودليلنا هو أنه قد ظهر قبل استيفاء اللعان والحد معنى لو كان موجودا في ابتداء منع صحة اللعان ووجوب الحد، فكذلك إذا طرأ في الثاني، كما إذا شهد شاهدان ظاهرهما العدالة فلم يحكم الحاكم بشهادتهما حتى ظهر فسقهما بأن زنيا أو شربا خمرا فلم يجز للحاكم أن يحكم بشهادتهما تلك. وأيضا فإن الحكم بالعفة والإحصان يؤخذ من طريق الظاهر لا من حيت القطع واليقين، وقد قال عليه السلام: «ظهر المؤمن حمى»، فلا يحد القاذف إلا بدليل قاطع، وبالله التوفيق.
الرابعة عشرة: من قذف امرأته وهي كبيرة لا تحمل تلاعنا، هو لدفع الحد، وهى لدرء العذاب. فإن كانت صغيرة لا تحمل لا عن هو لدفع الحد ولم تلاعن هي لأنها لو أقرت لم يلزمها شي.
وقال ابن الماجشون: لا حد على قاذف من لم تبلغ. قال اللخمي: فعلى هذا لا لعان على زوج الصغيرة التي لا تحمل.
الخامسة عشرة: إذا شهد أربعة على امرأة بالزنى أحدهم زوجها فإن الزوج يلاعن وتحد الشهود الثلاثة، وهو أحد قولي الشافعي. والقول الثاني أنهم لا يحدون.
وقال أبو حنيفة: إذا شهد الزوج والثلاثة ابتداء قبلت شهادتهم وحدت المرأة. ودليلنا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ} الآية. فأخبر أن من قذف محصنا ولم يأت بأربعة شهداء حد، فظاهره يقتضى أن يأتي بأربعة شهداء سوى الرامي، والزوج رام لزوجته فخرج عن أن يكون أحد الشهود، والله أعلم.
السادسة عشرة: إذا ظهر بامرأته حمل فترك أن ينفيه لم يكن له نفيه بعد سكوته.
وقال شريح ومجاهد: له أن ينفيه أبدا. وهذا خطأ، لان سكوته بعد العلم به رضى به، كما لو أقر به ثم ينفيه فإنه لا يقبل منه، والله أعلم.
السابعة عشرة: فإن أخر ذلك إلى أن وضعت وقال: رجوت أن يكون ريحا ينفش أو تسقطه فأستريح من القذف، فهل لنفيه بعد وضعه مدة ما فإذا تجاوزها لم يكن له ذلك، فقد اختلف في ذلك، فنحن نقول: إذا لم يكن له عذر في سكوته حتى مضت ثلاثة أيام فهو راض به ليس له نفيه، وبهذا قال الشافعي.
وقال أيضا: متى أمكنه نفيه على ما جرت به العادة من تمكنه من الحاكم فلم يفعل لم يكن له نفيه من بعد ذلك.
وقال أبو حنيفة: لا أعتبر مدة.
وقال أبو يوسف ومحمد: يعتبر فيه أربعون يوما، مدة النفاس. قال ابن القصار: والدليل لقولنا هو أن نفى ولده محرم عليه، واستلحاق ولد ليس منه محرم عليه، فلا بد أن يوسع عليه لكي ينظر فيه ويفكر، هل يجوز له نفيه أولا. وإنما جعلنا الحد ثلاثة لأنه أول حد الكثرة وآخر حد القلة، وقد جعلت ثلاثة أيام يختبر بها حال المصراة، فكذلك ينبغي أن يكون هنا. وأما أبو يوسف ومحمد فليس اعتبارهم بأولى من اعتبار مدة الولادة والرضاع، إذ لا شاهد لهم في الشريعة، وقد ذكرنا نحن شاهدا في الشريعة من مدة المصراة.
الثامنة عشرة: قال ابن القصار إذا قالت امرأة لزوجها أو لأجنبي يا زانية- بالهاء- وكذلك الأجنبي لأجنبي، فلست أعرف فيه نصا لأصحابنا، ولكنه عندي يكون قذفا وعلى قائله الحد، وقد زاد حرفا، وبه قال الشافعي ومحمد بن الحسن.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف:
لا يكون قذفا. واتفقوا أنه إذا قال لامرأته يا زان أنه قذف. والدليل على أنه يكون في الرجل قذفا هو أن الخطاب إذا فهم منه معناه ثبت حكمه، سواء كان بلفظ أعجمي أو عربي. ألا ترى أنه إذا قال للمرأة زنيت بفتح التاء كان قذفا، لان معناه يفهم منه، ولابي حنيفة وأبى يوسف أنه لما جاز أن يخاطب المؤنث بخطاب المذكر لقوله تعالى: {وَقالَ نِسْوَةٌ 30} صلح أن يكون قوله يا زان للمؤنث قذفا. ولما لم يجز أن يؤنث فعل المذكر إذا تقدم عليه لم يكن لخطابه بالمؤنث حكم، والله أعلم.
التاسعة عشرة: يلاعن في النكاح الفاسد زوجته لأنها صارت فراشا ويلحق النسب فيه فجرى اللعان عليه. العشرون: اختلفوا في الزوج إذا أبى من الالتعان، فقال أبو حنيفة: لا حد عليه، لان الله تعالى جعل على الأجنبي الحد وعلى الزوج اللعان، فلما لم ينتقل اللعان إلى الأجنبي لم ينتقل الحد إلى الزوج ويسجن أبدا حتى يلاعن لان الحدود لا تؤخر قياسا.
وقال مالك والشافعي وجمهور الفقهاء: إن لم يلتعن الزوج حد، لان اللعان له براءة كالشهود للأجنبي، فإن لم يأت الأجنبي بأربعة شهداء حد، فكذلك الزوج إن لم يلتعن.
وفي حديث العجلاني ما يدل على هذا، لقوله: إن سكت سكت على غيظ وإن قتلت قتلت وإن نطقت، جلدت.
الحادية والعشرون: واختلفوا أيضا هل للزوج أن يلاعن مع شهوده، فقال مالك والشافعي: يلاعن كان له شهود أو لم يكن، لان الشهود ليس لهم عمل في غير درء الحد، وأما رفع الفراش ونفى الولد فلا بد فيه من اللعان.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إنما جعل اللعان للزوج إذا لم يكن له شهود غير نفسه، لقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ}.
الثانية والعشرون: البداءة في اللعان بما بدأ الله به، وهو الزوج، وفائدته درء الحد عنه ونفى النسب منه، لقوله عليه السلام: «البينة وإلا حد في ظهرك». ولو بدئ بالمرأة قبله لم يجز لأنه عكس ما رتبه الله تعالى.
وقال أبو حنيفة: يجزى. وهذا باطل، لأنه خلاف القرآن، وليس له أصل يرده إليه ولا معنى يقوى به، بل المعنى لنا، لان المرأة إذا بدأت باللعان فتنفى ما لم يثبت وهذا لا وجه له.
الثالثة والعشرون: وكيفية اللعان أن يقول الحاكم للملاعن: قل أشهد بالله لرأيتها تزني ورأيت فرج الزاني في فرجها كالمرود في المكحلة وما وطئتها بعد رؤيتي. وإن شئت قلت: لقد زنت وما وطئتها بعد زناها. يردد ما شاء من هذين اللفظين أربع مرات، فإن نكل عن هذه الايمان أو عن شيء منها حد. وإذا نفى حملا قال: أشهد بالله لقد استبرأتها وما وطئتها بعد، وما هذا الحمل منى، ويشير إليه، فيحلف بذلك أربع مرات ويقول في كل يمين منها: وإني لمن الصادقين في قولي هذا عليها. ثم يقول في الخامسة: على لعنة الله إن كنت من الكاذبين، وإن شاء قال: إن كنت كاذبا فيما ذكرت عنها. فإذا قال ذلك سقط عنه الحد وانتفى عنه الولد. فإذا فرغ الرجل من التعانه قامت المرأة بعده فحلفت بالله أربعة أيمان، تقول فيها: أشهد بالله إنه لكاذب، أو إنه لمن الكاذبين فيما ادعاه على وذكر عنى. وإن كانت حاملا قالت: وإن حملي هذا منه. ثم تقول في الخامسة: وعلى غضب الله إن كان صادقا، أو إن كان من الصادقين في قوله ذلك. ومن أوجب اللعان بالقذف يقول في كل شهادة من الأربع: أشهد بالله إنى لمن الصادقين فيما رميت به فلانة من الزنى. ويقول في الخامسة: على لعنة الله إن كنت كاذبا فيما رميتها به من الزنى. وتقول هي: أشهد بالله إنه لكاذب فيما رماني به من الزنى. وتقول في الخامسة: على غضب الله إن كان صادقا فيما رماني به من الزنى.
وقال الشافعي: يقول الملاعن أشهد بالله إنى لمن الصادقين فيما رميت به زوجي فلانة بنت فلان، ويشير إليها إن كانت حاضرة، يقول ذلك أربع مرات، ثم يوعظه الامام ويذكره الله تعالى ويقول: إنى أخاف إن لم تكن صدقت أن تبوء بلعنة الله، فإن رآه يريد أن يمضى على ذلك أمر من يضع يده على فيه، ويقول: إن قولك وعلى لعنة الله إن كنت من الكاذبين موجبا، فإن أبى تركه يقول ذلك: لعنة الله على إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنى. احتج بما رواه أبو داود عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر رجلا حيث أمر المتلاعنين أن يضع يده على فيه عند الخامسة يقول: إنها موجبة.
الرابعة والعشرون: اختلف العلماء في حكم من قذف امرأته برجل سماه، هل يحد أم لا، فقال مالك: عليه اللعان لزوجته، وحد للمرمى. وبه قال أبو حنيفة، لأنه قاذف لمن لم يكن له ضرورة إلى قذفه.
وقال الشافعي: لا حد عليه، لان الله عز وجل لم يجعل على من رمى زوجته بالزنى إلا حدا واحدا بقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ}، ولم يفرق بين من ذكر رجلا بعينه وبين من لم يذكر، وقد رمى العجلاني زوجته بشريك وكذلك هلال ابن أمية، فلم يحد واحد منهما. قال ابن العربي: وظاهر القرآن لنا، لان الله تعالى وضع الحد في قذف الأجنبي والزوجة مطلقين، ثم خص حد الزوجة بالخلاص باللعان وبقي الأجنبي على مطلق الآية. وإنما لم يحد العجلاني لشريك ولا هلال لأنه لم يطلبه، وحد القذف لا يقيمه الامام إلا بعد المطالبة إجماعا منا ومنه.
الخامسة والعشرون: إذا فرغ المتلاعنان من تلاعنهما جميعا تفرقا وخرج كل واحد منهما على باب من المسجد الجامع غير الباب الذي يخرج منه صاحبه، ولو خرجا من باب واحد لم يضر ذلك لعانهما. ولا خلاف في أنه لا يكون اللعان إلا في مسجد جامع تجمع فيه الجمعة بحضرة السلطان أو من يقوم مقامه من الحكام. وقد استحب جماعة من أهل العلم أن يكون اللعان في الجامع بعد العصر. وتلتعن النصرانية من زوجها المسلم في الموضع الذي تعظمه من كنيستها بمثل ما تلتعن به المسلمة.
السادسة والعشرون- قال مالك وأصحابه: وبتمام اللعان تقع الفرقة بين المتلاعنين، فلا يجتمعان أبدا ولا يتوارثان، ولا يحل له مراجعتها أبدا لا قبل زوج ولا بعده، وهو قول الليث بن سعد وزفر بن الهذيل والأوزاعي.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن: لا تقع الفرقة بعد فراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما، وهو قول الثوري، لقول ابن عمر: فرق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين المتلاعنين، فأضاف الفرقة إليه، ولقوله عليه السلام: «لا سبيل لك عليها».
وقال الشافعي: إذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته، التعنت أو لم تلتعن. قال: وأما التعان المرأة فإنما هو لدرء الحد عنها لا غير، وليس لالتعانها في زوال الفراش معنى. ولما كان لعان الزوج ينفى الولد ويسقط الحد رفع الفراش. وكان عثمان البتي لا يرى التلاعن ينقص شيئا من عصمة الزوجين حتى يطلق. وهذا قول لم يتقدمه إليه أحد من الصحابة، على أن البتي قد استحب للملاعن أن يطلق بعد اللعان، ولم يستحسنه قبل ذلك، فدل على أن اللعان عنده قد أحدث حكما. وبقول عثمان قال جابر بن زيد فيما ذكره الطبري، وحكاه اللخمي عن محمد ابن أبى صفرة. ومشهور المذهب أن نفس تمام اللعان بينهما فرقة. واحتج أهل هذه المقالة بأنه ليس في كتاب الله تعالى إذا لاعن أو لاعنت يجب وقوع الفرقة، وبقول عويمر: كذبت عليها إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا، قال: ولم ينكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك عليه ولم يقل له لم قلت هذا، وأنت لا تحتاج إليه، لان باللعان قد طلقت. والحجة لمالك في المشهور ومن وافقه قوله عليه السلام: «لا سبيل لك عليها». وهذا إعلام منه أن تمام اللعان رفع سبيله عليها وليس تفريقه بينهما باستئناف حكم، وإنما كان تنفيذا لما أوجب الله تعالى بينهما من المباعدة، وهو معنى اللعان في اللغة.
السابعة والعشرون- ذهب الجمهور من العلماء أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا، فإن أكذب نفسه جلد الحد ولحق به الولد، ولم ترجع إليه أبدا. وعلى هذا السنة التي لا شك فيها ولا اختلاف.
وذكر ابن المنذر عن عطاء أن الملاعن إذا أكذب نفسه بعد اللعان لم يحد، وقال: قد تفرقا بلعنة من الله.
وقال أبو حنيفة ومحمد: إذا أكذب نفسه جلد الحد ولحق به الولد، وكان خاطبا من الخطاب إن شاء، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وسعيد بن جبير وعبد العزيز بن أبى سلمة، وقالوا: يعود النكاح حلالا كما لحق به الولد، لأنه لا فرق بين شيء من ذلك. وحجة الجماعة قوله عليه السلام: «لا سبيل لك عليها»، ولم يقل إلا أن تكذب نفسك.
وروى ابن إسحاق وجماعة عن الزهري قال: فمضت السنة أنهما إذا تلاعنا فرق بينهما فلا يجتمعان أبدا. ورواه الدارقطني، ورواه مرفوعا من حديث سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «المتلاعنان إذا افترقا لا يجتمعان أبدا».
وروى عن على وعبد الله قالا: مضت السنة ألا يجتمع المتلاعنان. عن على: أبدا.
الثامنة والعشرون- اللعان يفتقر إلى أربعة أشياء: عدد الألفاظ- وهو أربع شهادات على ما تقدم. والمكان- وهو أن يقصد به أشرف البقاع بالبلدان، إن كان بمكة فعند الركن والمقام، وإن كان بالمدينة فعند المنبر، وإن كان ببيت المقدس فعند الصخرة، وإن كان في سائر البلدان ففي مساجدها، وإن كانا كافرين بعث بهما إلى الموضع الذي يعتقدان تعظيمه، إن كانا يهوديين فالكنيسة، وإن كانا مجوسيين ففي بيت النار، وإن كانا لا دين لهما مثل الوثنيين فإنه يلاعن بينهما في مجلس حكمه. والوقت- وذلك بعد صلاة العصر. وجمع الناس- وذلك أن يكون هناك أربعة أنفس فصاعدا، فاللفظ وجمع الناس مشروطان، والزمان والمكان مستحبان.
التاسعة والعشرون- من قال: إن الفراق لا يقع إلا بتمام التعانهما، فعليه لو مات أحدهما قبل تمامه ورثه الأخر. ومن قال: لا يقع إلا بتفريق الامام فمات أحدهما قبل ذلك وتمام اللعان ورثه الأخر. وعلى قول الشافعي: إن مات أحدهما قبل أن تلتعن المرأة لم يتوارثا. الموفية ثلاثين- قال ابن القصار: تفريق اللعان عندنا ليس بفسخ، وهو مذهب المدونة: فإن اللعان حكم تفريقه حكم تفريق الطلاق، ويعطى لغير المدخول بها نصف الصداق.
وفي مختصر ابن الجلاب: لا شيء لها، وهذا على أن تفريق اللعان فسخ.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال