سورة النور / الآية رقم 9 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سورة أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوَهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا العَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ

النورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنور




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
بعد أن بينت الآيتان السابقتان حكم الزانية والزاني، وما يجرى عليهما من عقاب، وما يكون لهما من مكان في المجتمع الإسلامى- جاءت الآيات بعد هذا تبيّن شناعة هذه الجريمة، والخطر العظيم الذي ينجم عنها، حتى ليكاد يصيب كل من يقترب منها، فضلا عن أن يكون طرفا من أطرافها.
وهذه الجريمة لا تتم إلا بشهادة شهود أربعة، كما بيّنا، أو بالاعتراف أربع مرات، أو بالحمل في غير فراش الزوجية.
أما الاعتراف بالزنا والإقرار به، فأمره موكول إلى من فعله، وأقرّ به، ليتطهر بالعقوبة، من الرجس الذي لبسه.
وأما الحمل في غير فراش الزوجية، فهو منكر يمشى بين الناس، وفيه- مع المجاهرة بالفاحشة- اعتراف ضمنى.
وأما الشهود الذين يشهدون على واقعة الزنا، فهو موضوع هذه الآية، حيث تدعو الشهود إلى التثبت، والتحقق مما يشهدون عليه، وإلّا يعجلوا بالشهادة قبل التثبت والتحقق، وألا يتلقوا ما يشهدون به من أفواه الشائعات والأقاويل.. ذلك أن هذه الشهادة إذا تمت، كان من شأنها أن تهدر دم إنسان بالرجم، إن كان محصنا، أو تحطّم إنسانيته وتذهب بكرامته بالجلد، إن كان غير محصن.. إن آثارها في كلا الحالين، قضاء على إنسانية إنسانين، وفضحهما وفضح من يتصل بهما من أهل وولد.. ومن هنا أقام الإسلام تلك الحراسة الشديدة على الشهادة، وعلى الشهود معا.. كما فصلنا ذلك من قبل! فمن رمى محصنة أو محصنا، وقذفهما بهذه التهمة علنا، كان عليه أن يأتى بأربعة شهداء، هو واحد منهم، أو أربعة ليس هو فيهم.. يشهدون على ما رأوا بأعينهم من التقاء المرأة والرجل، التقاء محققا، كما يلتقى الزوج بزوجه في فراش الزوجية.
وقد ذكرت المحصنات، ولم يذكر المحصنون.. لأن المرأة تبعتها في هذه الجريمة- إذا ثبتت- أفدح من الرجل.. وكذلك ذكر المحصنات، ولم يذكر غير المحصنات، لهذا السبب عينه.
فالجميع داخلون في هذا الحكم، نساء ورجالا، محصنات، وغير محصنات، ومحصنين وغير محصنين.
وإنما ذكر الإحصان، للدلالة به على التعفف والتصوّن، وأن الذي يرمى بتلك التهمة إنما يرمى عفيفا متصونا، أو من شأنه أن يكون هكذا، أو من شأن المسلمين أن يظنوا به هذا الظن، قبل أن يتهموه.
فإذا لم يأت القاذف للمحصنة أو المحصن بأربعة شهداء، أو إذا أتى بهما ولم تتحقق التهمة من شهادتهم، لخلل فيها.. وقعوا جميعا- أي القاذف والشهود- تحت طائلة العقاب، واستحقوا شيئا من العقوبة التي كان يستحقها المتهم لو أن التهمة ثبتت عليه، وذلك بأن يجلد كل منهم ثمانين جلدة.. وليس هذا فحسب بل إنهم يخرجون من دائرة المسلمين العدول، فلا تقبل لهم شهادة أبدا.
وليس هذا وكفى، بل إنهم لينادى عليهم بأنهم فاسقون.. فتلك هى صفتهم- بل هذه هى صفتهم الخاسرة التي خرجوا بها من هذا الأمر الذي دخلوا فيه من غير تثبت، واستيقان.
وفى هذا كلّه دعوة للمؤمنين ألا يذيعوا الفاحشة في المؤمنين، وألا يتعجلوا الفضيحة للمسلمين، وأن يستروا عليهم ما كان للستر موضع.. وليس معنى هذا ألا ينكر الناس المنكر، وألا يسوقوا أهله إلى موقع العقاب، وإنما هو الحذر والحيطة، وعدم الطّير فرحا، إذا اطلع المسلم على سوء من مسلم..! وأنه إذا أراد الكشف عن هذا السوء فليكن في حذر، وفى مهل، وفى رفق، بل وفى أسى على هذا الذي غرق في الإثم، ووقع بين أنياب الفتنة..!
وفى قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} استثناء من الحكم الذي قضى به اللّه تعالى على أولئك الذين يرمون المحصنات، ولم تكن بين أيديهم الحجة القاطعة، وقد تضمن هذا الحكم ثلاثة أمور: جلدهم ثمانون جلدة.. وعدم قبول شهادة لهم أبدا.. ثم وسمهم بهذه السمة، وهى الفسق.
وقد اختلف فيما يقع عليه الاستثناء في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا} أهو الجلد؟ أم عدم قبول الشهادة؟ أم وصفهم بالفسق.؟
ولا خلاف يعتدّ به في وقوع الجلد.. لأن التوبة، إنما تجىء بعد وقوع العقوبة، لأن التوبة لا تدفع الحدّ عمن لزمه الحدّ ووجب عليه، إذا أعلن توبته.
وإنما هى طهرة له، مما بقي عليه من آثار فعلته، مما لم يذهب به الحدّ.
أما الخلاف فهو فى: هل التوبة ترفع عن الذين أقيم عليهم حدّ القذف، هذا الحظر الذي أقيم عليهم بعدم قبول شهادتهم؟ وهل تزيل عنهم وصفهم بالفسق؟.
أكثر المفسرين على أن التوبة هنا إنّما تدخل بالاستثناء على الوصف بالفسق وحده. بمعنى أن المجلودين في هذا الحد، إذا تابوا، وأعلنوا توبتهم على الملأ وأصلحوا ما فسد منهم، رفعت عنهم صفة الفسق.. أما الحظر الذي أقيم عليهم بعدم قبول شهادتهم فهو قائم، لا ترفعه التوبة، لأنه جاء حكما مؤبدا، كما يقول سبحانه: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً}.
وذهب بعض المفسرين إلى أن التوبة تدخل بالاستثناء على الأمرين معا:
عدم قبول الشهادة، والوصف بالفسق، وأن التأبيد هو تأبيد قائم ما لم تلحقه توبة.. وقالوا: إن المجلود في الزنا، وهو أصل الجريمة، لم ينصّ على ردّ شهادته، فكيف ترد شهادة من جلد في الشهادة على الزنا، وتقبل شهادة من زنى..؟
والحقّ أن هذا قياس مع الفارق- كما يقولون- فالزّانى الذي جلد في الزنا إنما ارتكب جريمة، قامت عليه بالبيّنة، أو بالإقرار، أو بالحبل.. وفيها أن من أقرّ على نفسه، وطلب التطهير، هو شخص لم يقبل ضميره هذا المنكر، وأنه طلب بنفسه إنزال العقوبة به، ومثل هذا لا يمكن أن يشهد زورا، ومن ثمّ فهو عدل لا تردّ شهادته.. ومن جهة أخرى، فإن المجلودة أو المجلود في الزّنا، قد غلبتهما شهوة، وتسلط عليهما هوى، وأنهما بهذا قد جنيا على أنفسهما، أما شاهد الزور هنا، فهو إنما دخل إلى هذا الأمر لما غلب على طبيعته من فساد، وليس عن حال طارئة، أو شهوة غالبة، ثم إنه بهذا الزور يجنى على نفسه كما يجنى على غيره.. وكذلك الشأن في كل شهادة، هى في أصلها مؤثرة فيمن شهد عليه.
فردّ شاهد الزور الذي ثبت عليه هذا، ثم أقيم عليه الحدّ فيه، هو حماية للناس من أن يجنى عليهم بشهادة الزور، وقد جرّب عليه هذا، وأنه إذا كانت شهادته قد ردّت هنا، ولم يؤخذ بها، فإنه إذا كان له أن يشهد بعد هذا وأن تقبل شهادته، فقد يشهد بالزور، وقد يقضى بما شهد به.. وفى هذا بلاء وشر، يقع على الناس منه.
وعلى هذا، فإننا نرى أن المجلود في القذف لا تقبل شهادته أبدا.. وإن قبلت شهادة المجلود في الزنا.. وبهذا يكون الاستثناء في قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا} واقعا على صفة الفسق، التي تسعها رحمة اللّه، وتشملها مغفرته.. لأن أمرها يتعلق بحق من حقوق اللّه.. أما شهادة الزور ففيها حق الناس، الذين تحمل عليهم هذه الشهادة.
ويؤيد هذا ما جاء في الرسالة المشهورة المعروفة برسالة القضاء، والمنسوبة إلى عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه.. وفيها: المسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا مجلودا في حدّ، أو مجربا عليه شهادة زور، أو كان ظنينا في نسب أو ولاء وقد جرى الفقه على هذا، وأخذ به القضاء! وفى قوله تعالى: {وَأَصْلَحُوا} إشارة إلى أن من تمام التوبة أن يصلح الرامي ما أصاب برميته من جراح، أصابت المقذوف في شرفه وسمعته، كما أصابت أهله برذاذ من هذا الدم الذي يقطر من جراحه.. والإصلاح يكون بأن يعلن الرّامى على الملأ، أنه كان مخطئا، أو غير متحقق مما شهد به، أو أنه ألبس عليه الأمر، واختلط عنده الحق بالباطل.. إلى غير ذلك مما يطيّب خاطر المتهم، ويقطع ألسنة السوء فيه، أو يمسكها عن التمادي في النيل منه.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ}.
قررت الآية السابقة حكم الذين يرمون غيرأزواجهم بتهمة الزنا، وفى هذه الآية بيان لحكم الذين تكون التهمة منهم موجهة إلى أزواجهم.. فللعلاقة الزوجية شأن في هذا الأمر، غيره مع غير الزوج والزوجة.
فإذا وضع الرجل امرأته موضع التهمة، ورماها بهذا المنكر، لم يكن مطالبا لإثبات هذه التهمة بإحضار أربعة شهود يشهدون على هذا الأمر، إذ لا يقبل رجل على نفسه أن يعرض امرأته في هذا المعرض، وأن يفضحها تلك الفضيحة المعلنة، على الملأ.. وإنما المطلوب منه هنا هو أن يستشهد نفسه، ويحتكم إلى دينه وضميره، فيستخرج من كيانه أربعة شهود يشهدون على لسانه أربع شهادات، وذلك بأن يشهد هو هذه الشهادة، ويحتملها ديانة أمام اللّه، فيقول مثلا: أشهد اللّه أنى رأيت زوجتى هذه، فلانة، مع فلان، في حال تلبس بتلك الجريمة.
وإنى لمن الصادقين فيما شهدت.. ويكرر هذا أربع مرات.. ثم يجىء بالخامسة بعد هذا مواجها بها نفسه، فيقول: إنّ لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين.
ولا شك أن تكرار هذه الشهادة، وتكرار ذكر اسم اللّه معها في كل مرة، مما يتيح للرجل فرصة في أن يراجع نفسه، أو يرجع إلى اللّه إن كان أمره قائما على ظنون، وشكوك.
وفى المرة الخامسة التي يصبّ فيها لعنة اللّه عليه إن كان كاذبا، عملية يقف بها الإنسان على حافة الهاوية، ويطلّ منها على تلك الهوة العميقة التي سيتردّى فيها إذا هو مضى إلى غايته، ولم يكن متقيا اللّه في نفسه، وفى المرأة التي يضربها الضربة القاضية، بهذه الكلمة تخرج من فمه.
روى الإمام الشافعي- رضى اللّه عنه- في الرسالة أن رجلا لاعن زوجه عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما صار إلى الخامسة، التي يحسم فيها الأمر، قال صلوات اللّه ورحمته وبركاته عليه: «قفوه فإنها موجبة»! والواقع أن الزوج لا يسوق زوجه إلى هذا الموقف، إلا إذا قامت بين يديه القرائن القاطعة، والأدلة الواضحة.. ولكن كثيرا من الأزواج قد تعميهم الغيرة، فيخالون غير الواقع واقعا.. ثم لا يرضون إلا أن يكون انتقامهم من المرأة على تلك الصورة الفاضحة المخزية، التي أقلّ ما فيها أنها تنفى نسبة الولد إليه، إن كانت حاملا.
أما المرأة التي وضعت هذا الموضع، ولا عنها زوجها- فإن أقرت بما شهد به، أقيم عليها الحدّ، ورجمت.. وإن أبت أن تقرّ، فإن عليها أن تردّ شهادته بأن تشهد أربع شهادات باللّه إنه لمن الكاذبين.. وذلك بأن تقول مثلا: أشهد باللّه أن فلانا زوجى كاذب فيما اتهمني به.. تكرر ذلك أربع مرات.. ثم تقول في الخامسة: إن غضب اللّه عليها إن كان من الصادقين.
وبهذا تدرأ عن نفسها العذاب الدنيوي، وهو الرجم.. أما في الآخرة، فحسابها، وحساب زوجها على اللّه، سبحانه وتعالى، وهو الذي يعلم المحق من المبطل منهما.. إذ لا شك أن أحدهما كاذب.
ويترتب على هذا أن تطلّق المرأة من الرجل، ولها مهرها، من غير متعة، وتلزمها العدّة، ولا ينتسب ولدها الذي تأتى به إلى أبيه، بل ينسب إلى أمه، ولا يحلّ له زواجها أبدا.
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
والدرء: الدّفع، والردّ.. والمراد بالعذاب هنا: الرجم.
قوله تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ}.
جواب لو لا محذوف، وتقديره: ولو لا فضل اللّه عليكم، ورحمته بكم، وأنه تواب حكيم- لو لا هذا لعنتّم، ولما عرفتم هذه الحدود، وتلك الأحكام التي بينها اللّه لكم، والتي يحسم بها ما يقع بينكم من شر وفساد، وضياع للأنساب.
ثم إنه تعالى: {تَوَّابٌ} يقبل العاصين منكم، ويردّهم إلى حظيرة المؤمنين الصالحين، إذا هم تابوا وأصلحوا، وهو سبحانه: {حَكِيمٌ} فيما حدّد من حدود ورصد من عقوبات، للمعتدين على حدوده.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال