سورة النور / الآية رقم 31 / تفسير تفسير الشوكاني / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

النورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنورالنور




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


لما ذكر سبحانه حكم الاستئذان، أتبعه بذكر حكم النظر على العموم، فيندرج تحته غضّ البصر من المستأذن، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإذن من أجل البصر» وخص المؤمنين مع تحريمه على غيرهم، لكون قطع ذرائع الزنا التي منها النظر هم أحق من غيرهم بها، وأولى بذلك ممن سواهم. وقيل: إن في الآية دليلاً على أن الكفار غير مخاطبين بالشرعيات كما يقوله بعض أهل العلم، وفي الكلام حذف، والتقدير قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ غضوا يَغُضُّواْ، ومعنى غضّ البصر: إطباق الجفن على العين بحيث تمتنع الرؤية، ومنه قول جرير:
فغضّ الطرف إنك من نمير *** فلا كعباً بلغت ولا كلابا
وقول عنترة:
وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي *** حتى يوارى جارتي مأواها
و{من} في قوله: {مِنْ أبصارهم} هي: التبعيضية، وإليه ذهب الأكثرون، وبينوه بأن المعنى: غضّ البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل. وقيل: وجه التبعيض: أنه يعفى للناظر أوّل نظرة تقع من غير قصد.
وقال الأخفش: إنها زائدة، وأنكر ذلك سيبويه. وقيل: إنها لبيان الجنس قاله أبو البقاء. واعترض عليه: بأنه لم يتقدّم مبهم يكون مفسراً بمن، وقيل: إنها لابتداء الغاية قاله ابن عطية، وقيل: الغضّ النقصان، يقال: غضّ فلان من فلان أي: وضع منه، فالبصر إذا لم يمكن من عمله، فهو: مغضوض منه، ومنقوص، فتكون {مِنْ} صلة للغضّ، وليست لمعنى من تلك المعاني الأربعة. وفي هذه الآية دليل على تحريم النظر إلى غير من يحلّ النظر إليه، ومعنى {وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ}: أنه يجب عليهم حفظها عما يحرم عليهم. وقيل: المراد ستر فروجهم عن أن يراها من لا تحلّ له رؤيتها، ولا مانع من إرادة المعنيين، فالكل يدخل تحت حفظ الفرج. قيل: ووجه المجيء بمن في الأبصار دون الفروج أنه موسع في النظر فإنه لا يحرم منه إلاّ ما استثنى، بخلاف حفظ الفرج فإنه مضيق فيه، فإنه لا يحلّ منه إلاّ ما استثنى. وقيل: الوجه أن غضّ البصر كله كالمتعذر، بخلاف حفظ الفرج فإنه ممكن على الإطلاق، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما ذكر من الغضّ، والحفظ، وهو مبتدأ، وخبره: {أزكى لَهُمْ} أي: أظهر لهم من دنس الريبة، وأطيب من التلبس بهذه الدنيئة {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} لا يخفى عليه شيء من صنعهم، وفي ذلك وعيد لمن لم يغضّ بصره، ويحفظ فرجه.
{وَقُل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أبصارهن} خصّ سبحانه الإناث بهذا الخطاب على طريق التأكيد لدخولهنّ تحت خطاب المؤمنين تغليباً كما في سائر الخطابات القرآنية، وظهر التضعيف في يغضضن، ولم يظهر في يغضوا، لأن لام الفعل من الأوّل متحرّكة، ومن الثاني ساكنة، وهما في موضع جزم جواباً للأمر، وبدأ سبحانه بالغضّ في الموضعين قبل حفظ الفرج؛ لأن النظر وسيلة إلى عدم حفظ الفرج، والوسيلة مقدّمة على المتوسل إليه، ومعنى: {يغضضن من أبصارهنّ} كمعنى: يغضوا من أبصارهم، فيستدلّ به على تحريم نظر النساء إلى ما يحرم عليهنّ، وكذلك يجب عليهنّ حفظ فروجهنّ على الوجه الذي تقدّم في حفظ الرجال لفروجهم {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} أي: ما يتزينّ به من الحلية، وغيرها، وفي النهي عن إبداء الزينة نهي عن إبداء مواضعها من أبدانهنّ بالأولى.
ثم استثنى سبحانه من هذا النهي، فقال: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}.
واختلف الناس في ظاهر الزينة ما هو؟ فقال ابن مسعود، وسعيد بن جبير: ظاهر الزينة هو الثياب، وزاد سعيد بن جبير الوجه.
وقال عطاء، والأوزاعي: الوجه والكفان.
وقال ابن عباس، وقتادة والمسور بن مخرمة: ظاهر الزينة هو الكحل والسواك والخضاب إلى نصف الساق ونحو ذلك، فإنه يجوز للمرأة أن تبديه.
وقال ابن عطية: إن المرأة لا تبدي شيئاً من الزينة، وتخفي كل شيء من زينتها، ووقع الاستثناء فيما يظهر منها بحكم الضرورة. ولا يخفى عليك أن ظاهر النظم القرآني النهي عن إبداء الزينة إلاّ ما ظهر منها كالجلباب، والخمار، ونحوهما مما على الكف، والقدمين من الحلية، ونحوها، وإن كان المراد بالزينة: مواضعها كان الاستثناء راجعاً إلى ما يشق على المرأة ستره كالكفين والقدمين، ونحو ذلك. وهكذا إذا كان النهي عن إظهار الزينة يستلزم النهي عن إظهار مواضعها بفحوى الخطاب، فإنه يحمل الاستثناء على ما ذكرناه في الموضعين، وأما إذا كانت الزينة تشمل مواضع الزينة، وما تتزين به النساء فالأمر واضح، والاستثناء يكون من الجميع. قال القرطبي في تفسيره: الزينة على قسمين: خلقية، ومكتسبة؛ فالخلقية: وجهها فإنه أصل الزينة، والزينة المكتسبة: ما تحاوله المرأة في تحسين خلقها كالثياب، والحلى، والكحل، والخضاب، ومنه قوله تعالى: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31]، وقول الشاعر:
يأخذن زينتهنّ أحسن ما ترى *** وإذا عطلن فهنّ خير عواطل
{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ} قرأ الجمهور بإسكان اللام التي للأمر. وقرأ أبو عمرو بكسرها على الأصل لأن أصل لام الأمر الكسر، ورويت هذه القراءة عن ابن عباس. والخمر: جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، ومنه اختمرت المرأة، وتخمرت. والجيوب: جمع جيب، وهو موضع القطع من الدرع، والقميص، مأخوذ من الجوب، وهو القطع. قال المفسرون: إن نساء الجاهلية كنّ يسدلن خمرهنّ من خلفهنّ، وكانت جيوبهنّ من قدّام واسعة، فكان تنكشف نحورهنّ، وقلائدهنّ، فأمرن أن يضربن مقانعهنّ على الجيوب لتستر بذلك ما كان يبدو، وفي لفظ الضرب مبالغة في الإلقاء الذي هو: الإلصاق. قرأ الجمهور {بخمرهنّ} بتحريك الميم، وقرأ طلحة بن مصرف بسكونها.
وقرأ الجمهور: {جيوبهنّ} بضم الجيم، وقرأ ابن كثير، وبعض الكوفيين بكسرها، وكثير من متقدمي النحويين لا يجوّزون هذه القراءة.
وقال الزجاج: يجوز: أن يبدل من الضمة كسرة، فأما ما روي عن حمزة من الجمع بين الضم والكسر فمحال لا يقدر أحد أن ينطق به إلاّ على الإيماء، وقد فسّر الجمهور الجيوب بما قدّمنا، وهو: المعنى الحقيقي، وقال مقاتل: إن معنى على جيوبهنّ: على صدورهنّ، فيكون في الآية مضاف محذوف أي: على مواضع جيوبهنّ.
ثم كرر سبحانه النهي عن إبداء الزينة لأجل ما سيذكره من الاستثناء، فقال: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} البعل هو: الزوج والسيد في كلام العرب، وقدّم البعولة لأنهم المقصودون بالزينة، ولأن كل بدن الزوجة والسرية حلال لهم، ومثله قوله سبحانه: {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} [المؤمنون: 5 6]، ثم لما استثنى سبحانه الزوج أتبعه باستثناء ذوي المحارم، فقال: {أو آبائهنّ أو آباء بعولتهن} إلى قوله: {أَوْ بَنِى أخواتهن} فجوّز للنساء أن يبدين الزينة لهؤلاء لكثرة المخالطة، وعدم خشية الفتنة لما في الطباع من النفرة عن القرائب.
وقد روي عن الحسن والحسين رضي الله عنهما: أنهما كانا لا ينظران إلى أمهات المؤمنين ذهاباً منهما إلى أن أبناء البعولة لم يذكروا في الآية التي في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي قوله: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِى ءَابَائِهِنَّ} [الأحزاب: 55] والمراد بأبناء بعولتهنّ ذكور أولاد الأزواج، ويدخل في قوله: {أَوْ أَبْنَائِهِنَّ} أولاد الأولاد، وإن سفلوا، وأولاد بناتهنّ، وإن سفلوا، وكذا آباء البعولة، وآباء الآباء، وآباء الأمهات، وإن علوا، وكذلك أبناء البعولة، وإن سفلوا، وكذلك أبناء الإخوة، والأخوات.
وذهب الجمهور إلى أن العمّ والخال كسائر المحارم في جواز النظر إلى ما يجوز لهم، وليس في الآية ذكر الرضاع، وهو كالنسب.
وقال الشعبي، وعكرمة: ليس العمّ والخال من المحارم، ومعنى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} هنّ: المختصات بهنّ الملابسات لهنّ بالخدمة، أو الصحبة، ويدخل في ذلك الإماء، ويخرج من ذلك نساء الكفار من أهل الذمة، وغيرهم، فلا يحل لهنّ أن يبدين زينتهنّ لهنّ لأنهن لا يتحرّجن عن وصفهنّ للرجال. وفي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، وإضافة النساء إليهن تدل على اختصاص ذلك بالمؤمنات {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن} ظاهر الآية يشمل العبيد، والإماء من غير فرق بين أن يكونوا مسلمين أو كافرين، وبه قال جماعة من أهل العلم، وإليه ذهبت عائشة، وأمّ سلمة، وابن عباس، ومالك، وقال سعيد بن المسيب: لا تغرّنكم هذه الآية {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهن} إنما عني بها الإماء، ولم يعن بها العبيد. وكان الشعبي يكره أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته، وهو قول عطاء، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، وروي عن ابن مسعود، وبه قال أبو حنيفة، وابن جريج {أَوِ التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة مِنَ الرجال} قرأ الجمهور {غير} بالجر.
وقرأ أبو بكر، وابن عامر بالنصب على الاستثناء، وقيل: على القطع، والمراد بالتابعين: هم الذين يتبعون القوم فيصيبون من طعامهم لا همة لهم إلاّ ذلك، ولا حاجة لهم في النساء، قاله مجاهد، وعكرمة، والشعبي، ومن الرجال في محل نصب على الحال. وأصل الإربة والإرب والمأربة: الحاجة، والجمع: مآرب، أي: حوائج، ومنه قوله سبحانه: {وَلِي فِيهَا مَآرِبُ أخرى} [طه: 18] ومنه قول طرفة:
إذا المرء قال الجهل والحوب والخنا *** تقدّم يوماً ثم ضاعت مآربه
وقيل: المراد بغير أولي الإربة من الرجال: الحمقى الذين لا حاجة لهم في النساء، وقيل: البله، وقيل: العنين، وقيل: الخصي، وقيل: المخنث، وقيل: الشيخ الكبير، ولا وجه لهذا التخصيص، بل المراد بالآية ظاهرها، وهم: من يتبع أهل البيت، ولا حاجة له في النساء، ولا يحصل منه ذلك في حال من الأحوال، فيدخل في هؤلاء من هو بهذه الصفة ويخرج من عداه {أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ على عورات النساء} الطفل: يطلق على المفرد والمثنى، أو المراد به هنا: الجنس الموضوع موضع الجمع بدلالة وصفه بوصف الجمع، وفي مصحف أبيّ: {أو الأطفال} على الجمع، يقال للإنسان طفل: ما لم يراهق الحلم، ومعنى {لَمْ يَظْهَرُواْ} لم يطلعوا، من الظهور بمعنى الاطلاع، قاله ابن قتيبة. وقيل: معناه: لم يبلغوا حدّ الشهوة، قاله الفراء، والزجاج، يقال: ظهرت على كذا: إذا غلبته، وقهرته. والمعنى: لم يطلعوا على عورات النساء ويكشفوا عنها للجماع، أو لم يبلغوا حدّ الشهوة للجماع. قراءة الجمهور: {عورات} بسكون الواو تخفيفاً، وهي لغة جمهور العرب. وقرأ ابن عامر في رواية بفتحها. وقرأ بذلك ابن أبي إسحاق، والأعمش. ورويت هذه القراءة عن ابن عباس، وهي لغة هذيل بن مدركة، ومنه قول الشاعر الذي أنشده الفراء:
أخوَ بيَضَاتٍ رائحٌ متأوبٌ *** رفيقٌ لمسح المنكبينِ سبوحُ
واختلف العلماء في وجوب ستر ما عدا الوجه والكفين من الأطفال، فقيل: لا يلزم لأنه لا تكليف عليه، وهو الصحيح؛ وقيل: يلزم لأنها قد تشتهي المرأة. وهكذا اختلف في عورة الشيخ الكبير الذي قد سقطت شهوته، والأولى بقاء الحرمة كما كانت، فلا يحلّ النظر إلى عورته، ولا يحلّ له أن يكشفها.
وقد اختلف العلماء في حدّ العورة، قال القرطبي: أجمع المسلمون على أن السوأتين عورة من الرجل، والمرأة، وأن المرأة كلها عورة إلاّ وجهها، ويديها على خلاف في ذلك.
وقال الأكثر: إن عورة الرجل من سرّته إلى ركبته {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} أي: لا تضرب المرأة برجلها إذا مشت ليسمع صوت خلخالها من يسمعه من الرجال، فيعلمون أنها ذات خلخال.
قال الزجاج: وسماع هذه الزينة أشدّ تحريكاً للشهوة من إبدائها. ثم أرشد عباده إلى التوبة عن المعاصي، فقال سبحانه: {وَتُوبُواْ إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَ المؤمنون} فيه الأمر بالتوبة، ولا خلاف بين المسلمين في وجوبها، وأنها فرض من فرائض الدين، وقد تقدّم الكلام على التوبة في سورة النساء. ثم ذكر ما يرغبهم في التوبة، فقال: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي: تفوزون بسعادة الدنيا، والآخرة، وقيل: إن المراد بالتوبة هنا: هي عما كانوا يعملونه في الجاهلية، والأوّل أولى لما تقرر في السنة أن الإسلام يجبّ ما قبله.
وقد أخرج ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب قال: مرّ رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرقات المدينة، فنظر إلى امرأة، ونظرت إليه، فوسوس لهما الشيطان: أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلاّ إعجاباً به، فبينما الرجل يمشي إلى جنب حائط، وهو ينظر إليها، إذ استقبله الحائط، فشق أنفه، فقال: والله لا أغسل الدمّ حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعلمه أمري، فأتاه، فقصّ عليه قصته، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «هذا عقوبة ذنبك»، وأنزل الله: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم} قال: يعني من شهواتهم مما يكره الله.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو داود، والترمذي، والبيهقي في سننه عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتبع النظرة النظرة، فإن الأولى لك، وليست لك الأخرى» وفي مسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، عن جرير البجلي قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري، وفي الصحيحين، وغيرهما من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والجلوس على الطرقات»، قالوا: يا رسول الله ما لنا بدّ من مجالسنا نتحدّث فيها، فقال: «إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه»، قالوا: وما حقه يا رسول الله؟ قال: «غضّ البصر، وكف الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر».
وأخرج البخاري، وأهل السنن، وغيرهم عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها، وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك إلاّ من زوجتك، أو ما ملكت يمينك»، قلت: يا نبيّ الله إذا كان القوم بعضهم في بعض، قال: «إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها»، قلت: إذا كان أحدنا خالياً، قال: «فالله أحق أن يستحيا منه من الناس» وفي الصحيحين، وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كتب الله على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، وزنا الأذنين السماع، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين الخطو، والنفس تتمنى، والفرج يصدّق ذلك أو يكذبه».
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه»، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: بلغنا، والله أعلم: أن جابر بن عبد الله الأنصاري حدّث أن أسماء بنت يزيد كانت في نخل لها لبني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات فيبدو ما في أرجلهن، يعني: الخلاخل، وتبدو صدورهنّ وذوائبهنّ، فقالت أسماء: ما أقبح هذا، فأنزل الله ذلك: {وَقُل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أبصارهن} الآية، وفيه- مع كونه مرسلاً- مقاتل.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} قال: الزينة: السوار، والدملج، والخلخال، والقرط، والقلادة، {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الثياب والجلباب.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عنه قال: الزينة زينتان زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلاّ الزوج، فأما الزينة الظاهرة، فالثياب، وأما الزينة الباطنة، فالكحل، والسوار، والخاتم. ولفظ ابن جرير: فالظاهرة منها الثياب، وما خفي الخلخالان، والقرطان، والسواران.
وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الكحل والخاتم.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد ابن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن ابن عباس {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الكحل، والخاتم، والقرط، والقلادة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عنه قال: هو خضاب الكفّ، والخاتم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن ابن عمر قال: الزينة الظاهرة الوجه والكفان.
وأخرجا عن ابن عباس قال: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وجهها، وكفاها، والخاتم، وأخرجا أيضاً عنه قال: رقعة الوجه وباطن الكفّ.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن عائشة: أنها سئلت عن الزينة الظاهرة قالت: القلب، والفتخ، وضمت طرف كمها.
وأخرج أبو داود، وابن مردويه، والبيهقي عن عائشة: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلاّ هذا»، وأشار إلى وجهه وكفه. قال أبو داود، وأبو حاتم الرازي: هذا مرسل لأنه من طريق خالد بن دريك عن عائشة، ولم يسمع منها.
وأخرج البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن عائشة: قالت: رحم الله نساء المهاجرات الأولات لما أنزل الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ} شققن أكثف مروطهنّ، فاختمرن به.
وأخرج ابن جرير، والحاكم وصححه، وابن مردويه عنها بلفظ: أخذ النساء أزرهنّ، فشققنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، والزينة الظاهرة: الوجه، وكحل العينين، وخضاب الكفّ، والخاتم، فهذا تظهره في بيتها لمن دخل عليها، ثم قال: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنّ} الآية، والزينة التي تبديها لهؤلاء: قرطها، وقلادتها، وسوارها، فأما خلخالها، ومعضدها، ونحرها، وشعرها، فإنها لا تبديه إلاّ لزوجها.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} قال: هنّ المسلمات لا تبديه ليهودية ولا نصرانية، وهو النحر، والقرط، والوشاح، وما يحرم أن يراه إلاّ محرم.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في سننه، عن عمر بن الخطاب: أنه كتب إلى أبي عبيدة: أما بعد، فإنه بلغني أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء أهل الشرك، فإنه من قبلك عن ذلك، فإنه لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلاّ أهل ملتها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، عن ابن عباس قال: لا بأس أن يرى العبد شعر سيدته.
وأخرج أبو داود وابن مردويه، والبيهقي عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبدٍ قد وهب لها، وعلى فاطمة ثوب إذا قنع به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال: «إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك» وإسناده في سنن أبي داود هكذا، حدّثنا محمد بن عيسى، حدثنا أبو جميع سالم بن دينار، عن ثابت، عن أنس فذكره.
وأخرج عبد الرزاق، وأحمد عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان لإحداكنّ مكاتب، وكان له ما يؤدي، فلتحتجب منه»، وإسناد أحمد هكذا: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن نبهان: أن أم سلمة... فذكره.
وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عباس في قوله: {أَوِ التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة مِنَ الرجال} قال: هذا الذي لا تستحيي منه النساء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال: هذا الرجل يتبع القوم، وهو مغفل في عقله، لا يكترث للنساء، ولا يشتهي النساء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عنه في الآية قال: كان الرجل يتبع الرجل في الزمان الأوّل لا يغار عليه، ولا ترهب المرأة أن تضع خمارها عنده، وهو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال: هو المخنث الذي لا يقوم زبه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي، عن عائشة قالت: كان رجل يدخل على أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم مخنث، فكانوا يدعونه من غير أولي الإربة، فدخل النبيّ صلى الله عليه وسلم يوماً وهو عند بعض نسائه، وهو ينعت امرأة قال: إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمانٍ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ألا أرى هذا يعرف ما ها هنا لا يدخلنّ عليكم، فحجبوه».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} وهو: أن تقرع الخلخال بالآخر عند الرجال، أو يكون في رجلها خلاخل فتحركهن عند الرجال، فنهى الله عن ذلك، لأنه من عمل الشيطان.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال