سورة القصص / الآية رقم 54 / تفسير تفسير الشعراوي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الجَاهِلِينَ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَ لَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الوَارِثِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ

القصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصص




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(54)}
الحق سبحانه وتعالى يريد أنْ يُعلِّمنا أن الذي يريد ديناً حقاً لابد أن ينظر إلى دين يأتي بعده بمعجزة، لأنه إذا كان قد آمن حين يجيء بعد عيسى رسول، فوجب عليه أنْ يبحث في الدين الجديد، وأنْ ينظر أدلة تبرر له إيمانه بهذا الدين.
هذا إذا كان الدين الأول لم يتبدَّل، فإذا كان الدين الأول قد تبدَّل، فالمسألة واضحة؛ لأن التبديل يُحدث فجوة عند مَنْ يريد ديناً {الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة...} [الأعراف: 157].
آمنوا به؛ لأنهم وجدوا نَعْته، ووجدوا العقائد التي لا تتغير موجودة في كتابه، وهو أُميٌّ لم يعرف شيئاً من هذا، فأخذوا من أميته دليلاً على صِدْقه.
فقوله تعالى: {أولئك...} [القصص: 54] أي: أهل الكتاب الذين يؤمنون بالقرآن وهم خاشعون لله، والذين سبق وصفهم {أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ...} [القصص: 54] أجر لإيمانهم برسلهم، وأجر لإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.
لذلك جاء في الحديث الشريف: (ثلاثة يُؤْتَوْن أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه مثل آمن بي، وعبد مملوك أدى حق الله وأدى حق أوليائه، ورجل عنده أَمَة- جارية- فأدَّبها فأحسن تأديبها، فأعتقها بعد ذلك، ثم تزوجها).
وهؤلاء الذين آمنوا برسلهم، ثم آمنوا برسول الله استحقوا هذه المنزلة، ونالوا هذين الأجرين لأنهم تعرضوا للإيذاء ممَّنْ لم يؤمن في الإيمان الأول، ثم تعرَّضوا للإيذاء في الإيمان الثاني، فصبروا على الإيذاءين، وهذه هي حيثية {يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ...} [القصص: 54].
وكما أن الله تعالى يُؤتِي أهلَ الكتاب الذين آمنوا بمحمد أجرهم مرتين، كذلك يُؤتي بعض المسلمين أجرهم مرتين، ومنهم- كما بيَّن سيدنا رسول الله: (عبد مملوك أدى حق الله، وأدَّى حق أوليائه، ورجل عنده أَمَةٌ...).
ولا يُحرم هذا الأجر الدين الذي باشر الإسلام، وأتى قبله، وهو المسيحية، فلهم ذلك أيضاً؛ لذلك يقول تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط وَأَنزَلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ...} [الحديد: 25] وأهم هذه المنافع {وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بالغيب...} [الحديد: 25] وذكر الحديد، لأن منه سيصنع سلاح الحرب.
إذن: أنزل الله القرآن لمهمة، وأنزل الحديد لمهمة أخرى؛ لذلك يقول الشاعر:
فَمَا هُوَ إلاَّ الوَحْي أَوْ حَدٌّ مُرْهَف *** يُقيم ظباه أَخْدعَيْ كلِّ مائلٍ
فَهَذا دَوَاءُ الدَّاء من كُلِّ عَاقِلٍ *** وذَاك دَوَاءُ الدَّاءِ من كُلِّ جاهل
ولي أنا شخصياً ذكريات ومواقف مع هذه الآية {أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ...} [القصص: 54] وقد كنا في بلد بها بعض من إخواننا المسيحيين، وكان من بينهم رجل ذو عقل وفكر، كان دائماً يُواسي المسلمين، ويحضر مآتمهم ويستمع للقرآن، وكانت تعلَق بذهنه بعض الآيات، فجاءني مرة يقول: سمعت المقريء يقرأ: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
فألسنا من العالمين، قلت له: نعم أُرسِل محمد رحمة للعالمين جميعاً، فمَنْ آمن به نالته رحمته، ومَنْ لم يؤمن به حُرِم منها، ومع ذلك لو نظرتَ في القرآن نظرة إمعانٍ وتبصُّر تجد أنه رحِم غير المؤمن، قال: كيف؟ فقرأتُ له قوله تعالى: {إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس...} [النساء: 105] ولم يقل بين المؤمنين {بِمَآ أَرَاكَ الله وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً} [النساء: 105].
فمن رحمة الرسول بغير المؤمنين أنْ يُنصف المظلوم منهم، وأنْ يردَّ عليه حقَّه، ثم {واستغفر الله إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء: 106] لأن الله لا يحب الخوَّان الأثيم ولو كان مسلماً.
ثم ذكرتُ له سبب نزول هذه الآية وهي قصة الدرع الذي أودعه اليهودي زيد بن السمين أمانة عند طعمة بن أبيرق المسلم، وكان الدرع قد سُرِق من قتادة بن النعمان، فلما افتقده قتادة ذهب يبحث عنه، وكان قد وضعه في كيس من الدقيق، فتتبع أثر الدقيق حتى ذهب إلى بيت زيد بن السمين اليهودي فاتهمه بسرقته، وأذاع أمره بين الناس، فقصَّ اليهودي ما كان من أمر طُعْمة بن أبيرق، وأنه أودع الدرع عنده على سبيل الأمانة؛ لأنه يخشى عليه أنْ يُسرق من بيته.
وهنا أحب المسلمون تبرئة صاحبهم؛ لأنه حديث عهد بإسلام، وكيف ستكون صورتهم لو شاع بين الناس أن أحدهم يسرق، ومالوا إلى إدانة اليهودي، وفعلاً عرضوا وجهة نظرهم هذه على رسول الله ليرى فيه حلاً يُخرجه من هذا المأزق، مع أنهم لا يستبعدون أنْ يسرق ابن أبيرق.
وجلس رسول الله يفكر في هذا الأمر، لكن سرعان ما نزل عليه الوحي، فيقول له: هذه المسألة لا تحتاج إلى تفكير ولا بحث: {إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً} [النساء: 105].
فأدانت الآية ابن أبيرق، ودلَّتْ على أن هذه ليست الحادثة الأولى في حقِّه، ووصفتْه بأنه خوّان أي: كثير الخيانة وبرَّأتْ اليهودي، وصححتْ وجهة نظر المسلمين الذين يخافون من فضيحة المسلم بالسرقة، وغفلوا عن الأثر السيء لو قلبوا الحقائق، وأدانوا اليهودي.
فالآية وإنْ أدانت المسلم، إلا أنها رفعتْ شأن الإسلام في نظر الجميع: المسلم واليهودي وكل من عاصر هذه القصة بل وكل من قرأ هذه الآية، ولو انحاز رسول الله وتعصَّب للمسلم لاهتزتْ صورة الإسلام في نظر الجميع. ولو حدث هذا ماذا سيكون موقف اليهود الذين يراودهم الإسلام، وقد أسلموا فعلاً بعد ما حدث؟
وما أشبهَ هذه المسألة بشاهد الزور الذي يسقط أول ما يسقط من نظر صاحبه الذي شهد لصالحه، حتى قالوا: مَنْ جعلك موضعاً للنقيصة فقد سقطت من نظره، وإنْ أعَنْتَه على أمره، فشاهد الزور يرتفع رأسُك على الخصم بشهادته، وتطأ قدمُك على كرامته.
وقوله تعالى: {وَيَدْرَؤُنَ بالحسنة السيئة...} [القصص: 54] هذه أيضاً من خصالهم أن يدفعوا السيئة بالحسنة، فمن صفاتهم العفو والصفح كما قال تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور} [الشورى: 43] {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [القصص: 54] النفقة الواجبة على نفسه وعلى آله، والنفقة الواجبة للفقراء وهي الزكاة، ثم نفقة المروءات للمساكين وأهل الخصاصة.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال