سورة القصص / الآية رقم 79 / تفسير تفسير ابن كثير / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكَافِرُونَ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

القصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصصالقصص




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ (80)}.
يقول تعالى مخبرًا عن قارون: إنه خرج ذات يوم على قومه في زينة عظيمة، وتجمل باهر، من مراكب وملابس عليه وعلى خدمه وحشمه، فلما رآه مَنْ يريد الحياة الدنيا ويميل إلى زُخرفها وزينتها، تمنوا أن لو كان لهم مثل الذي أعطي، قالوا: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} أي: ذو حظ وافر من الدنيا. فلما سمع مقالتهم أهل العلم النافع قالوا لهم: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} أي: جزاء الله لعباده المؤمنين الصالحين في الدار الآخرة خير مما ترون.
كما في الحديث الصحيح: يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
وقوله: {وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ}: قال السدي: وما يلقى الجنة إلا الصابرون. كأنه جعل ذلك من تمام كلام الذين أوتوا العلم. قال ابن جرير: وما يلقى هذه الكلمة إلا الصابرون عن محبة الدنيا، الراغبون في الدار الآخرة. وكأنه جعل ذلك مقطوعًا من كلام أولئك، وجعله من كلام الله عز وجل وإخباره بذلك.
{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)}.
لما ذكر تعالى اختيال قارون في زينته، وفخره على قومه وبغيه عليهم، عقب ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض، كما ثبت في الصحيح- عند البخاري من حديث الزهري، عن سالم- أن أباه حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة».
ثم رواه من حديث جرير بن زيد، عن سالم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاص، حدثنا الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا رجل فيمَنْ كان قبلكم، خرج في بُرْدَيْن أخضرين يختال فيهما، أمر الله الأرض فأخذته، فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة».
تفرد به أحمد، وإسناده حسن.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو خَيْثَمَةَ، حدثنا أبو معلى بن منصور، أخبرني محمد بن مسلم، سمعت زيادًا النميري يحدث عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا رجل فيمن كان قبلكم خرج في بردين فاختال فيهما، فأمر الله الأرض فأخذته، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة».
وقد ذكر الحافظ محمد بن المنذر- شكَّر- في كتاب العجائب الغريبة بسنده عن نوفل بن مساحق قال: رأيت شابًّا في مسجد نجران، فجعلت أنظر إليه وأتعجب من طوله وتمامه وجماله، فقال: ما لك تنظر إلي؟ فقلت: أعجب من جمالك وكمالك. فقال: إن الله ليعجب مني. قال: فما زال ينقص وينقص حتى صار بطول الشبر، فأخذه بعض قرابته في كمه وذهب.
وقد ذُكر أن هلاك قارون كان عن دعوة نبي الله موسى عليه السلام واختلف في سببه، فعن ابن عباس والسدي: أن قارون أعطى امرأة بَغِيَّا مالا على أن تبهت موسى بحضرة الملأ من بني إسرائيل، وهو قائم فيهم يتلو عليهم كتاب الله، فتقول: يا موسى، إنك فعلت بي كذا وكذا. فلما قالت في الملأ ذلك لموسى عليه السلام، أرْعِدَ من الفَرَق، وأقبل عليها وصلى ركعتين ثم قال: أنشدك بالله الذي فَرَق البحر، وأنجاكم من فرعون، وفعل كذا وفعل كذا، لما أخبرتني بالذي حملك على ما قلت؟ فقالت: أما إذ نَشَدْتَني فإن قارون أعطاني كذا وكذا، على أن أقول لك، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه. فعند ذلك خَرّ موسى لله عز وجل ساجدًا، وسأل الله في قارون. فأوحى الله إليه أني قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره فكان ذلك.
وقيل: إن قارون لما خرج على قومه في زينته تلك، وهو راكب على البغال الشّهب، وعليه وعلى خدمه الثياب الأرجوان الصّبغة، فمر في جَحْفَله ذلك على مجلس نبي الله موسى عليه السلام، وهو يذكرهم بأيام الله. فلما رأى الناس قارون انصرفت وجوه الناس حوله، ينظرون إلى ما هو فيه. فدعاه موسى عليه السلام، وقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا موسى، أما لئن كنت فُضِّلتَ عَلَيَّ بالنبوة، فلقد فضلت عليك بالدنيا، ولئن شئت لتخرجن، فلتدعون عليّ وأدعو عليك. فخرج وخرج قارون في قومه، فقال موسى: تدعو أو أدعو أنا؟ قال: بل أنا أدعو. فدعا قارون فلم يجب له، ثم قال موسى: أدعو؟ قال: نعم. فقال موسى: اللهم، مُر الأرض أن تطيعني اليوم. فأوحى الله إليه أني قد فعلت، فقال موسى: يا أرض، خذيهم. فأخذتهم إلى أقدامهم. ثم قال: خذيهم. فأخذتهم إلى ركبهم، ثم إلى مناكبهم. ثم قال: أقبلي بكنوزهم وأموالهم. قال: فأقبلت بها حتى نظروا إليها. ثم أشار موسى بيده فقال: اذهبوا بني لاوى فاستوت بهم الأرض.
وعن ابن عباس أنه قال: خُسف بهم إلى الأرض السابعة.
وقال قتادة: ذكر لنا أنه يخسف بهم كل يوم قامة، فهم يتجلجلون فيها إلى يوم القيامة.
وقد ذكر هاهنا إسرائيليات غريبة أضربنا عنها صفحًا.
وقوله: {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} أي: ما أغنى عنه مالُه، وما جَمَعه، ولا خدمه ولا حشمه. ولا دفعوا عنه نقمة الله وعذابه ونكاله به، ولا كان هو في نفسه منتصرًا لنفسه، فلا ناصر لهلا من نفسه، ولا من غيره.
وقوله تعالى: {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأمْسِ} أي: الذين لما رأوه في زينته قالوا {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}، فلما خسف به أصبحوا يقولون: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} أي: ليس المال بدالّ على رضا الله عن صاحبه وعن عباده؛ فإن الله يعطي ويمنع، ويضيق ويوسع، ويخفض ويرفع، وله الحكمة التامة والحجة البالغة. وهذا كما في الحديث المرفوع عن ابن مسعود: «إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم أرزاقكم وإن الله يعطي المال من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب».
{لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا} أي: لولا لُطف الله بنا وإحسانه إلينا لخسف بنا، كما خسف به، لأنا وَددْنا أن نكون مثله.
{وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} يعنون: أنه كان كافرًا، ولا يفلح الكافر عند الله، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وقد اختلف النحاة في معنى قوله تعالى ها هنا: {وَيْكَأَنَّ}، فقال بعضهم: معناها: ويلك اعلم أن، ولكن خُفّفت فقيل: ويك، ودلَّ فتح أن على حذف اعلموهذا القول ضعَّفه ابن جرير، والظاهر أنه قوي، ولا يشكل على ذلك إلا كتابتها في المصاحف متصلة ويكأن. والكتابة أمر وضعي اصطلاحي، والمرجع إلى اللفظ العربي، والله أعلم.
وقيل: معناها: ويكأن، أي: ألم تر أن. قاله قتادة. وقيل: معناها وي كأن، ففصلها وجعل حرف وي للتعجب أو للتنبيه، وكأن بمعنى أظن وأحسب. قال ابن جرير: وأقوى الأقوال في هذا قول قتادة: إنها بمعنى: ألم تر أن، واستشهد بقول الشاعر:
سَألَتَاني الطَّلاق أنْ رَأتَاني *** قَلّ مَالي وقَدْ جئْتُمَاني بِنُكر
وَيْكأنْ مَنْ يكُن له نَشَب يُحْ *** بَبْ ومن يَفْتقر يَعش عَيشَ ضُرّ




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال