سورة الروم / الآية رقم 32 / تفسير تفسير ابن كثير / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ وَلَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ المَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ

الرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالرومالروم




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}
يقول تعالى: فسدد وجهك واستمر على الذي شرعه الله لك، من الحنيفية ملة إبراهيم، الذي هداك الله لها، وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة، التي فطر الله الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره، كما تقدم عند قوله تعالى: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]، وفي الحديث: «إني خلقت عبادي حُنَفاء، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم». وسنذكر في الأحاديث أن الله تعالى فطر خلقه على الإسلام، ثم طرأ على بعضهم الأديان الفاسدة كاليهودية أو النصرانية أو المجوسية.
وقوله: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} قال بعضهم: معناه لا تبدلوا خلق الله، فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها. فيكون خبرا بمعنى الطلب، كقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97]، وهذا معنى حسن صحيح.
وقال آخرون: هو خبر على بابه، ومعناه: أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، لا يولد أحد إلا على ذلك، ولا تفاوت بين الناس في ذلك؛ ولهذا قال ابن عباس، وإبراهيم النَّخَعي، وسعيد بن جُبَيْر، ومجاهد، وعِكْرِمة، وقتادة، والضحاك، وابن زيد في قوله: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} أي: لدين الله.
وقال البخاري: قوله: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}: لدين الله، خَلْقُ الأولين: دين الأولين، والدين والفطرة: الإسلام.
حدثنا عبدان، أخبرنا عبد الله، أخبرنا يونس، عن الزهري، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدَانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجسانه، كما تَنْتِج البهيمة بهيمة جَمْعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟» ثم يقول: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}.
ورواه مسلم من حديث عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيْلي، عن الزهري، به. وأخرجاه- أيضا- من حديث عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن همام، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي معنى هذا الحديث قد وردت أحاديث عن جماعة من الصحابة، فمنهم الأسودُ بن سَرِيع التميمي. قال الإمام أحمد:
حدثنا إسماعيل، حدثنا يونس، عن الحسن عن الأسود بن سَرِيع التميمي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت معه، فأصبت ظهرا، فقتل الناس يومئذ، حتى قتلوا الولدان. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال أقوام جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية؟». فقال رجل: يا رسول الله، أما هم أبناء المشركين؟ فقال: «ألا إنما خياركم أبناء المشركين». ثم قال: «لا تقتلوا ذرية، لا تقتلوا ذرية». وقال: «كل نسمة تولد على الفطرة، حتى يُعرب عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو ينصرانها».
ورواه النسائي في كتاب السير، عن زياد بن أيوب، عن هُشَيْم، عن يونس- وهو ابن عبيد- عن الحسن البصري، به.
ومنهم جابر بن عبد الله الأنصاري، قال الإمام أحمد:
حدثنا هاشم، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، عن الحسن، عن جابر عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، حتى يُعرب عنه لسانه، فإذا عبر عنه لسانه إما شاكرًا وإما كفورا».
ومنهم عبد الله بن عباس الهاشمي، قال الإمام أحمد:
حدثنا عفان، حدثنا أبو عَوَانة، حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن أولاد المشركين، فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم». أخرجاه في الصحيحين، من حديث أبي بشر جعفر بن إياس اليَشْكُرِي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعا بذلك.
وقد قال أحمد أيضا: حدثنا عفان، حدثنا حماد- يعني ابن سلمة- أنبأنا عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس قال: أتى عليَّ زمان وأنا أقول: أولاد المسلمين مع أولاد المسلمين، وأولاد المشركين مع المشركين. حتى حدثني فلان عن فلان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين». قال: فلقيت الرجل فأخبرني. فأمسكت عن قولي.
ومنهم عياض بن حِمار المجاشعي، قال الإمام أحمد:
حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا هشام، حدثنا قتادة، عن مُطَرّف، عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فقال في خطبته: «إن ربي، عز وجل، أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا، كل مال نحلته عبادي حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، ثم إن الله، عز وجل، نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان.
ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشا، فقلت: يا رب إذًا يَثْلَغُوا رأسي فيدعوه خبُزَةً. قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نَغْزُك، وأنفق عليهم فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بِمَنْ أطاعك مَنْ عصاك». قال: «وأهل الجنة: ثلاثة ذو سلطان مُقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم، ورجل عفيف فقير متصدق. وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زَبْرَ له، الذين هم فيكم تَبَعًا، لا يبتغون أهلا ولا مالا. والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» وذكر البخيل، أو الكذاب، والشنظير: الفحاش.
انفرد بإخراجه مسلم، فرواه من طرق عن قتادة، به.
وقوله تعالى: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} أي: التمسك بالشريعة والفطرة السليمة هو الدين القويم المستقيم، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أي: فلهذا لا يعرفه أكثر الناس، فهم عنه ناكبون، كما قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} الآية [الأنعام: 116].
وقوله: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} قال ابن زيد، وابن جُرَيْج: أي راجعين إليه، {وَاتَّقُوهُ} أي: خافوه وراقبوه، {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} وهي الطاعة العظيمة، {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أي: بل من الموحدين المخلصين له العبادة، لا يريدون بها سواه.
قال ابن جرير: حدثنا ابن حُمَيد، حدثنا يحيى بن واضح، حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن يزيد بن أبي مريم قال: مر عمر، رضي الله عنه، بمعاذ بن جبل فقال: ما قوام هذه الأمة؟ قال معاذ: ثلاث، وهن من المنجيات: الإخلاص، وهي الفطرة، فطرة الله التي فَطرَ الناس عليها، والصلاة وهي الملة، والطاعة وهي العصمة. فقال عمر: صدقت.
حدثني يعقوب، حدثنا ابن عُلَيَّةَ، حدثنا أيوب، عن أبي قِلابة: أن عمر، رضي الله عنه، قال لمعاذ: ما قوام هذا الأمر؟ فذكره نحوه.
وقوله: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} أي: لا تكونوا من المشركين الذين قد فرقوا دينهم أي: بدلوه وغيروه وآمنوا ببعض وكفروا ببعض.
وقرأ بعضهم: {فارقوا دينهم} أي: تركوه وراء ظهورهم، وهؤلاء كاليهود والنصارى والمجوس وعَبَدة الأوثان، وسائر أهل الأديان الباطلة، مما عدا أهل الإسلام، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159]، فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء وملَل باطلة، وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء، وهذه الأمة أيضًا اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة إلا واحدة، وهم أهل السنة والجماعة، المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه، كما رواه الحاكم في مستدركه أنه سئل، عليه السلام عن الفرقة الناجية منهم، فقال: «ما أنا عليه اليوم وأصحابي».




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال