سورة السجدة / الآية رقم 13 / تفسير تفسير الشعراوي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ المَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ

السجدةالسجدةالسجدةالسجدةالسجدةالسجدةالسجدةالسجدةالسجدةالسجدةالسجدةالسجدةالسجدةالسجدةالسجدة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13)}
هنا قد يسأل سائل: لماذا جعل الله الناسَ: مؤمناً وكافراً، وطائعاً وعاصياً؟ لماذا لم يجعلنا جميعاً مهتدين طائعين؟ أهذا صعب على الله سبحانه؟ لا، ليس صعباً على الله تعالى، بدليل أنه خلق الملائكة طائعين مُنفِّذين لأوامره سبحانه {لاَّ يَعْصُونَ الله ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
كذلك الأرض والسماء والجبال.. إلخ، كلها تُسبِّح الله وتعبده {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ...} [النور: 41].
وقال: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ...} [الإسراء: 44]، وبعد ذلك يعطي الله تعالى لبعض خَلْقه معرفة هذا التسبيح، كما قال في حق داود عليه السلام: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال يُسَبِّحْنَ...} [الأنبياء: 79].
نعم، هي تُسبِّح أيضاً مع غير داود، لكن الميزة أنها تشترك معه في تسبيح واحد، كأنهم(كورس) يرددون نشيداً واحداً.
وعرفنا في قصة الهدهد وسليمان- عليه السلام- أنه كان يعرف قضية التوحيد على أتمَّ وجه، كأحسن الناس إيماناً بالله، وهو الذي قال عن بلقيس ملكة سبأ: {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ الله وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السبيل فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ} [النمل: 24].
وقال {أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ الذي يُخْرِجُ الخبء فِي السماوات والأرض وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25].
والحق سبحانه وتعالى- حينما يريد أنْ يُدلِّل لخَلْقه على قدرته يجعل من الضعف قوة، ومن القوة ضعفاً، وانظر إلى حال المؤمنين الأوائل، وكم كانوا أذلة مستضعفين، فلما أسلموا رفعهم الله بالإسلام وجعلهم سادة.
ومشهورة قصة الصِّدِّيق أبي بكر لما أَدخل عليه المستضعفين أمثال: عمار وبلال.. وترك صناديد قريش بالباب، فعاتبه أبوه على ذلك: كيف يُدخِل العبيد ويترك هؤلاء السادة بالباب؟ فقال أبو بكر: يا أبي، لقد رفع الإسلام الخسيسة، وإذا كان هؤلاء قد ورمتْ أنوفهم أن يدخل العبيد قبلهم، فكيف بهم حين يُدخِلهم اللهُ الجنةَ قبلهم؟
وعجيب أن يصدر هذا الكرم من الصِّدِّيق أبي بكر، مع ما عُرِف عنه من اللين ورِقَّة القلب والحلم.
وهذا لون من تبديل الأحوال واجتماع الأضداد، وقد عرض الحق تبارك وتعالى لهذه المسألة في قوله تعالى: {إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: 29-30] يعني: يسخرون منهم ويهزأون بهم، كما نسمع من أهل الباطل يقولون للإنسان المستقيم(خدنا على جناحك).
وليت الأمر ينتهي عند هذا الحد، إنما إذا عادوا إلى أهلهم كرروا هذا الاستهزاء، وتبجحوا به، وفرحوا لإيذائهم لأهل التقوى والاستقامة: {وَإِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قالوا إِنَّ هؤلاء لَضَالُّونَ وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين: 31-33] لكن يُنهي الحق سبحانه هذا الموقف بقوله: {فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ} ثم يسألهم الله {عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الكفار مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المطففين: 34-36].
فهنا يقول الحق سبحانه: لا تفهموا أن أحداً تأبى عليَّ، من خَلْقي، إنما أردتُ لهم الاختيار، ثم أخبرتهم بما أحبّ أنْ يفعلوه، فيريد الله أن يعلم علم وقوع بمَنْ آمن به، وهو يملك ألاَّ يؤمن. وإلا فهو سبحانه عالم أزلاً؛ ليكون الفعل حجة على أصحابه، إذن: إياك أنْ تظنَّ أنك باختيارك كسرت قهر العلى.
وسبق أنْ قُلْنا: إن الذين أَلِفوا التمرد على الله إيماناً به، فكفروا وتمردوا على طاعته فعصوه.. الخ نقول لهم: ما دُمْتم قد تعودتم التمرد على أوامر الله، فلماذا لا تتمردون على المرض مثلاً أو على الموت؟ إذن: أنت عبد رغم أنفك.
يقول سبحانه هنا: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا..} [السجدة: 13] أي: لَجعل الناس كالملائكة، وكالمخلوقات المسيَّرة التي لا اختيار لها، وسبق أنْ قُلْنا: إن المخلوقات كلها خُيِّرت في حمل الأمانة، وليس الإنسان وحده، لكن الفرق أن ابن آدم أخذ الاختيار مُفصَّلاً، وبقية الخَلْق أخذوا الاختيار جملة، بدليل قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب: 72].
ومعنى الهداية في {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا..} [السجدة: 13] أي: هدى المعونة، وإلا فقد هدى اللهُ جميعَ الناس هُدى الدلالة على طريق الخير، فالذي اخذ بهدى الدلالة وقال على العين والرأس يأخذ هدى المعونة، كما قال سبحانه: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} [محمد: 17].
ولكي نفهم الفرق بين الهديين، اقرأ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ...} [فصلت: 17] أي: دللناهم وأرشدناهم {فاستحبوا العمى عَلَى الهدى...} [فصلت: 17].
ثم يقول سبحانه: {ولكن حَقَّ القول مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13].
الحق سبحانه يريد أنْ يثبت لخَلْقه أنه هو الأَوْلَى بالحكمة في الخَلْق، بدليل أن الذي يشذ عن مراد الله لابد أن يفسد به المجتمع، كما نرى المجتمعات تشقى بكفر الكافر، وبعصيان العاصي.
والحق سبحانه يترك الكافر يكفر باختياره، والعاصي يعصي باختياره ليؤذي الناس بإثم الكافر وبإثم العاصي، وعندها يعودون إلى تشريع الله ويلجئون إلى ساحته سبحانه، ولو أن الناس عملوا بشرع الله ما حدث فساد في الكون ولا خَلَلٌ في حياتهم أبداً.
لذلك نفرح حينما ينتقم الله من أهل الكفر ومن أهل المعصية، ونقول: الحمد لله الذي أراح منهم البلاد والعباد.
إذن: مخالفة منهج الله في القمة كفراً به سبحانه، وفي غيرها معصية لأمره هو الذي يبين مزايا الإيمان وحلاوة التشريع. وقلنا: إن التشريع يجب أنْ يأخذه المكلَّف أَخْذاً أَخْذاً كاملاً بما له وبما عليه، فالله كلَّفك ألاَّ تسرق من الناس، وكلَّف الناسَ جميعاً ألاَّ يسرقوا منك.
ومعنى {ولكن حَقَّ القول مِنِّي..} [السجدة: 13] أي: وقع وثبت وقُطع به، ويأتي هذا المعنى بلفظ سبق، كما في {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين} [الصافات: 171] وفي قصة نوح عليه السلام: {فاسلك فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول...} [المؤمنون: 27].
وقال تعالى حكاية عن الكفار في حوارهم يوم القيامة: {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ} [الصافات: 31].
ومعنى {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13] عرفنا أن الله تعالى خلق الجنة، وخلق لها أهلاً يملأونها، وخلق النار وخلق لها أهلاً يملأونها، فليس فيهما أزمة أماكن، فالجنة أُعِدَّتْ لتسع جميع الخَلْق إنْ آمنوا، وكذلك النار أُعِدَّتْ لتسع الخَلْق جميعاً إنْ كفروا.
لذلك حين يذهب أهل الجنة إلى الجنة يرثون أماكن أهل النار فيها، كما قال سبحانه: {ونودوا أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43].
والجِنَّة: أي الجِنّ والعفاريت.
ثم يقول الحق سبحانه: {فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ...}.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال