سورة يس / الآية رقم 11 / تفسير تفسير البقاعي / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يس وَالْقُرْآنِ الحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ تَنزِيلَ العَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ لَقَدْ حَقَّ القَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَداًّ وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَداًّ فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ

فاطرفاطرفاطريسيسيسيسيسيسيسيسيسيسيسيس




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


ولما كان تطاول الإقامة على شيء موجباً للإلف له، والإلف قتال لما يوجب من الإصرار على المألوف لمحبته «وحبك للشيء يعمي ويصم» قال جواباً لمن يتوقع الجواب عما أثمرته حالهم: {لقد حق القول} أي الكامل في بابه وهو إيجاب العذاب بملازمة الغفلة {على أكثرهم فهم} أي بسبب ذلك {لا يؤمنون} أي بما يلقى إليهم من الإنذار بل يزيدهم عمى استكباراً في الأرض ومكر السيئ.
ولما كان المعنى أنه لا يتجدد منهم إيمان بعد البيان الواضح والحكمة الباهرة، وكان ذلك أمراً عجباً، علله بما يوجبه من تمثيل حالهم تصويراً لعزته سبحانه وباهر عظمته الذي لفت الكلام إليه لإفهامه- وهذا الذي ذكر هو اليوم معنى ومثال وفي الآخرة ذات ظاهر- وأنه ما انفك عنهم أصلاً وما زال، فقال: {إنا جعلنا} أي بما لنا من العظمة، وأكده لما لهم من التكذيب {في أعناقهم أغلالاً} أي من ظلمات الضلالات كل عنق غل، وأشار بالظرف إلى أنها من ضيقها لزت اللحم حتى تثنى على الحديد فكاد يغطيه فصار- والعنق فيه- كأنه فيها وهي محيطة به.
ولما كان من المعلوم أن الحديد إذا وضع في العنق أنزله ثقله إلى المنكب، لم يذكر جهة السفل وذكر جهة العلو فقال: {فهي} أي الأغلال بعرضها واصلة بسبب هذا الجعل {إلى الأذقان} جمع ذقن وهو مجتمع اللحيين، فهي لذلك مانعة من مطاطأة الرأس. ولما كان هذا من رفع الرأس فعل المتكبر، وكان تكبرهم في غير موضعه، بيّن تعالى أنهم ملجؤون إليه فهو ذل في الباطن وإن كان كبراً في الظاهر فقال: {فهم} أي بسبب هذا الوصول {مقمحون} من أقمح الرجل- إذا أقمحه غيره أي جعله قامحاً أي رافعاً رأسه غاضاً بصره لا ينظر إلا ببعض بصره هيئة المتكبر، وأصله من قولهم: قمح البعير- إذا رفع رأسه عند الشرب ولم يشرب الماء، قال في الجمع بين العباب والمحكم: قال بشر بن أبي حازم يصف سفينة، قال أبو حيان: ميتة أحدهم ليدفنها:
ونحن على جوانبها قعود *** نغض الطرف كالإبل القماح
وقال الرازي في اللوامع: والمقمح: الذي يضرب رأسه إلى ظهره هيئة البعير، وقال القزاز: والمقمح: الشاخص بعيينه الرافع رأسه. أبو عمرو: والقامح من الإبل هو الذي لا يشرب وهو عطشان عطشاً شديداً ولا تقبل نفسه الماء، والقمح مصدر قمحت الشيء والاقتماح: أخذك الشيء في راحتك ثم تقمحه في فيك أي تبتلعه، والاسم القمحة كاللقمة والأكلة- انتهى. وكأن المقمح من هذا لأن هيئته عند هذا الابتلاع رفع الرأس وغض الطرف أو شخوصه إذا عسر عليه الابتلاع- والله أعلم فهذا تمثيل لرفعهم رؤوسهم عن النظر إلى الداعي تكبراً وشماخة بحيث لو أمكنهم أن يسكنوا الجو لم يتأخروا صلافة وتيهاً، أو لأنهم يتركون هذا الأمر العظيم الحسن الجدير بأن يقبل عليه ويتروى منه وهم في غاية الحاجة إليه، فهم ذلك كالبعير القامح، إنما منعه من الماء مع شدة عطشه مانع عظيم أقمحه، ولكنه خفي أمره فلم يعلم ما هو، ولذلك بنى الاسم للمفعول إشارة إلى أنهم مقهورون على تفويت حظهم من هذا الأمر الجليل.
ولما كان الرافع رأسه غير ممنوع من النظر أمامه قال: {وجعلنا} أي بعظمتنا. ولما كان المقصود حجبهم عن خير مخصوص، وهو المؤدي إلى السعادة الكاملة لا عن كل ما ينفعهم، أدخل الجار فقال: {من بين أيديهم} أي الوجه الذي يمكنهم علمه {سداً}. ولما كان الإنسان إذا انسدت عليه جهة مال إلى أخرى قال: {ومن خلفهم} أي الوجه الذي هو خفي عنهم، وأعاد السد تأكيداً لإنكارهم ذلك وتحقيقاً لجعله فقال: {سداً} أي فصارت كل جهة يلتفت إليها منسدة، فصاروا لذلك لا يمكنهم النظر إلى الحق ولا الخلوص إليه، فلذلك قال: {فأغشيناهم} أي جعلنا على أبصارهم بما لنا من العظمة غشاوة {فهم} أي بسبب ذلك {لا يبصرون} أي لا يتجدد لهم هذا الوصف من إبصار الحق وما ينفعهم ببصر ظاهر وبصيرة باطنة أصلاً. ولما منعوا بذلك حس البصر، أخبر عن حس السمع فقال: {وسواء} أي مستو ومعتدل غاية الاعتدال من غير نوع فرق؛ وزاد في الدلالة على عدم عقولهم بالتعبير بأداة الاستعلاء إيذاناً بأنهم إذا امتنعوا مع المستعلي كانوا مع غيره أشد امتناعاً فقال: {عليهم ءأنذرتهم} أي ما أخبرناك به من الزواجر المانعة من الكفر {أم لم تنذرهم} ثم بيّن أن الذي استوى حالهم فيه بما سببه الإغشاء عدم الإيمان، فقال مستانفاً: {لا يؤمنون}.
ولما بيّن ما كان السبب المانع لهم من الإبصار، علم أن السبب المانع من السمع مثله، لأن المخبر عزيز، فهو إذا فعل شيئاً كان على وجه لا يمكن فيه حيلة. ولما أخبر أن الأكثر بهذه الصفة، استشرف السامع إلى أمارة يعرف بها الأقل الناجي لأنه المقصود بالذات فقال جواباً له: {إنما تنذر} أي إنذاراً ينتفع به المنذر فيتأثر عنه النجاة، فالمعنى: إنما يؤمن بإنذارك {من اتبع الذكر} أي أجهد نفسه في اتباع كل ما يذكر بالله من القرآن وغيره ويذكر به صاحبه ويشرف {وخشي الرحمن} أي خاف العام الرحمة خوفاً عظيماً، ودل لفت الكلام عن مظهر العظمة إلى الوصف بالرحمانية على أن أهل الخشية يكفيهم في الاتعاظ التذكير بالإحسان {بالغيب} أي بسبب ما يخبر به من مقدوراته الغائبة لا سيما البعث الذي كان اختصاصها بغاية بيانه بسبب كونها قلباً من غير طلب آية كاشفة للحجاب بحيث يصير الأمر عن شهادة لا غيب فيه، بل تجويزاً لما يجوز من انتقامه ولو بقطع إحسانه، لما ثبت له في سورة فاطر من القدرة والاختيار، ويخشاه أيضاً خشية خالصة في حال غيبته عمن يرائيه من الناس، فهؤلاء هم الذين ينفعهم الإنذار، وهو المتقون الذين ثبت في البقرة أن الكتاب هدى لهم، وغيرهم لا سبيل إلى استقامته، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، فإنه ليس عليك إلا الإنذار، إن الله عليم بما يصنعون، فمن علم منه هذه الخشية أقبل به، ومن علم منه القساوة رده على عقبه بما حال دونه من الغشاوة- والله الموفق.
ولما دل السياق على أن هذا نفع نفسه، تشوف السامع إلى معرفة جزائه، فقال مفرداً الضمير على النسق الماضي في مراعاة لفظ {من} دلالة على قلة هذا الصنف من الناس بأجمعهم في هذه السورة الجامعة بكونها قلباً لما تفرق في غيرها: {فبشره} أي بسبب خشيته بالغيب {بمغفرة} أي لذنوبه وإن عظمت وإن تكررت مواقعته لها وتوبته منها، فإن ذلك لا يمنع الاتصاف بالخشية. ولما حصل العلم بمحو الذنوب عينها وأثرها قال: {وأجر كريم} أي دارّ عظيم هنيء لذيذ متواصل، لا كدر فيه بوجه.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال