سورة يس / الآية رقم 56 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

إِنَّ أَصْحَابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ سَلامٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ وَامْتَازُوا اليَوْمَ أَيُّهَا المُجْرِمُونَ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا اليَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِياًّ وَلاَ يَرْجِعُونَ وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَياًّ وَيَحِقَّ القَوْلُ عَلَى الكَافِرِينَ

يسيسيسيسيسيسيسيسيسيسيسيسيسيسيس




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (56) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (68) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (70)}.
التفسير:
قوله تعالى: {إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} هذا ما يلقّاه المؤمنون في هذا اليوم الذي يساق فيه المشركون إلى موقف الحساب والجزاء.. وهذا الخبر هو تشويق للمؤمنين إلى هذا الجزاء الكريم الذي وعدوا به من ربّهم.. ثم هو في الوقت نفسه عزل للكافرين عن هذا المقام، ومضاعفة للحسرة في قلوبهم.. وسمى أهل الجنة أصحابها، تمكينا لهم منها، وإطلاقا لأيديهم بالتصرف في كل شيء فيها، شأنهم في هذا شأن المالك فيما ملك.. فضلا من اللّه وإحسانا.
وشغل أصحاب الجنة في الجنة، هو ما يلقّون من ألوان النعيم، حيث يشغل هذا النعيم كل لحظة من حياتهم، إذ يجيئهم ألوانا وصنوفا، فإذا هم في أحوال متغايرة متشابهة معا.. متغايرة في صورها وآثارها، متشابهة في إسعاد النفوس ونعيمها.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً} [25: البقرة] وفاكهون: أي منعّمون بما يساق إليهم من ألوان النعيم، وأصله من الفاكهة، إذ كانت من طيبات المطاعم.. ومنه الفكاهة، وهى التخير من طرف الكلام وملحه.
وقوله تعالى: {هُمْ وَأَزْواجُهُمْ}.
إشارة إلى أن أهل الجنة يجدون نعيما خاصا، في صور من الحياة التي كانوا يحيونها في دنياهم، ومن هذه الصور، هذا الإلف الذي يجمع بين الزوج وزوجه، وبين الوالدين وأولادهم.. فهذه رغيبة من رغائب الناس في الحياة، يسعد بها من وجدها في زوجه وولده، ويشتهيها من حرمها، فلم يجد الزوج الموافقة، ولا الولد الذي يسعد به.. فإذا كانت الآخرة، كان من مطالب أهل الجنة أن يستعيدوا ما كانوا يجيدون من نعيم في دنياهم، وأن ينالوا ما كانوا يشتهونه ولا يجدون سبيلا إليه.. وهذا- كما قلنا غير مرة- هو التأويل لهذا النعيم الحسى، ولهذه الصور الدنيوية من ذلك النعيم، الذي يدخل على أصحاب الجنة مع نعيم الجنة.
وهذا مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [21: الطور] فالمراد بالأزواج هنا، الزوجات المؤمنات اللاتي أدخلن الجنة، فيكون من تمام النعمة عليهن وعلى أزواجهن، أن يجتمع بعضهم إلى بعض.
وقوله تعالى: {فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ} هو صور من صور النعيم الدنيوي، وكان كثير من أصحاب الجنة يتطلعون إليه في دنياهم، ولا يجدونه.
وقوله تعالى: {لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ..} أي لأصحاب الجنة فاكهة.
وأطلقت الفاكهة من غير تحديد، لتشمل كل فاكهة، فيتخيرون منها ما يشاءون، كما يقول سبحانه: {وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [2: الواقعة] وقوله تعالى: {وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ} أي لهم ما يشاءون، وما يطلبون، غير ما يقدّم إليهم من غير طلب.
وقوله تعالى: {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} بدل من الاسم الموصول {ما} في قوله تعالى: {وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ} أي ولهم سلام.. وهذا السلام يقال لهم قولا من رب رحيم، أي يسلم عليهم الرحمن به، فيقول جل جلاله لأصحاب الجنة {سَلامٌ عليكم}.
وهذا هو غاية نعيم أصحاب الجنة وأطيب طعومها الطيبة عندهم.
قوله تعالى: {وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} أي انعزلوا، وخذوا مكانا خاصا بكم، حيث تتميزون به، وتعرفون فيه.. وهذا زجر للكافرين، وردع لهم أن يكونوا بمحضر من هذا المقام الكريم الذي ينزله أصحاب الجنة، أو أن يروه بأعينهم.
قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ.. إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.
العهد هنا، هو ما كان من اللّه سبحانه وتعالى من تحذير من الشيطان وأعوانه، كما يقول سبحانه على يد الرسل {يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [27: الأعراف] وكما يقول جلّ شأنه: {إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ} [6: فاطر] وعبادة الشيطان، هى اتّباعه فيما يدعو إليه، وهو لا يدعو إلا إلى ضلال، وشرك، وكفر.
والاستفهام في الآية للتقرير.. الذي يثير مشاعر الندم والحسرة.
قوله تعالى: {وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ} هو معطوف على قوله تعالى: {أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ}.
أي {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي}؟.. فالعهد الذي أخذه اللّه على أبناء آدم جميعا، هو أن يتجنبوا عبادة الشيطان، وأن يحذروا الاستجابة له فيما يدعوهم إليه، وأن يعبدوا اللّه وحده.. فهذا هو الصراط المستقيم.. فمن لم يعبد اللّه، فقد ضل وهلك.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} الجبلّ، والجبلة: الخلق والآية تلفت العقول إلى هذه الآثار السيئة التي تركها الشيطان فيمن عصوا اللّه، ونقضوا العهد، واتبعوا خطوات الشيطان.. لقد ألقى بهم الشيطان في بلاء عظيم، وأوردهم موارد الهلاك.. فإذا لم ير بعض الغافلين أن يستجيبوا لما دعاهم اللّه إليه من اجتناب الشيطان، والحذر منه- أفلم يكن لهم فيما رأوا من آثاره في أتباعه وأوليائه، ما يدعوهم إلى اجتنابه، ومحاذرته؟
وفى قوله تعالى: {أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ؟} هو عود باللائمة والتوبيخ لهؤلاء الذين لا تزال أيديهم ممسكة بيد الشيطان، وهم يمشون على أشلاء صرعاه منهم! قوله تعالى: {هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}.
لقد نقض المشركون عهد اللّه، وخرجوا عن أمره.. ولكن اللّه سبحانه لم ينقض عهده معهم، وهو أنهم إذا نقضوا عهده، وخرجوا عن أمره، كانت النار موعدهم.. كما يقول سبحانه: {النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [72: الحج] قوله تعالى: {اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.
أي اصطلوا بها، وذوقوا عذابها، بسبب كفركم وضلالكم.
وفى هذا الأمر الذي يلقى إليهم وهم يتقلبون على جمر جهنم مضاعفة للعذاب ومزيد منه، إن كان وراءه مزيد! قوله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} أي في هذا اليوم يختم اللّه على أفواه أهل الضلال، فلا ينطقون.. وفى هذا زجر لهم، وكبت للكلمات التي كانت ستنطلق من أفواههم، ليعتذروا بها إلى اللّه، وليتبرءوا بها من أنفسهم، وما جنته أيديهم، أو يحاولوا بها إلقاء التهمة على غيرهم.. وفى كل هذا مجال للتنفس عنهم.. وكلّا، فإنه لا متنفس لهم، ولو بالكلمة!! ومما يضاعف في إيلامهم وحسرتهم أن يقوم الشهود عليهم بإثبات جريمتهم- من أنفسهم، فتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم.. إنهم شهود أربعة، تتم بهم الشهادة على مرتكبى الكبائر.
ولا نسأل كيف تتكلم هذه الجوارح.. إنها تنطق للخالق الذي خلقها.
وفى هذا يقول اللّه تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [19- 21: فصلت].
فليست الأيدى والأرجل وحدها هى التي تنطق وتشهد على أصحابها، بل إن كل جارحة فيهم تشهد عليهم بما كان منها، حتى ألسنتهم تلك التي ختم اللّه عليها.. إنها ستنطق ولكن بعد أن تشهد الجوارح كلها، فلا يكون لهم حجة تنطق بها الألسنة.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} [24: النور] قوله تعالى: {وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} أي لو شاء اللّه لطمس على أعين هؤلاء المشركين، وهم في هذه الدنيا، وأنزل بهم هذا العقاب الرادع، فأسرعوا إلى الإيمان، واستبقوا إليه، تحت ضغط هذا النذير، ولكن اللّه سبحانه لم يشأ هذا بهم، ولم يلجئهم إلى الإيمان اضطرارا.
فقوله تعالى: {فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ} سبب للطمس على أعينهم، والفاء للسببية.
وقوله تعالى: {فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} أي فكيف يبصرون، إذا طمس اللّه على عيونهم؟ إن هذه الإبصار نعمة جليلة من نعم اللّه، وقد أبقاها اللّه لهم فلم يطمس عليها.. أفلا يرعون هذه النعمة المهددة بالطمس؟ ثم ألا ينظرون بها، ويهتدون إلى الإيمان ويستبقون بها إلى صراط اللّه المستقيم؟
قوله تعالى.
{وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ} أي لو شاء اللّه كذلك، لمسخهم على مكانتهم التي هم فيها من الضلال والعناد، هو لم يدخل على مشاعرهم شيئا من الإيمان، ولأمسك بهم على الكفر فما استطاعوا {مضيّا} أي اتجاها إلى الإيمان، ولا رجوعا عما هم عليه من طرق الضلال.
ولكنه سبحانه وتعالى، لم يشأ ذلك فيهم، وترك لهم مجال النظر، والاختيار، والتحرك من الكفر إلى الإيمان، إن شاءوا.. فمشيئتهم مطلقة عاملة، غير معطلة، وبهذا لا تكون لهم على اللّه حجة.
وهذا يعنى أن الخطاب هنا- وهو لجماعة المشركين- يشير إلى أن فيهم من سيتحولون من حالهم تلك، ويخرجون من هذا الظلام، ويلحقون بالمؤمنين، ويدخلون في دين اللّه.. فالفرصة لا تزال في أيديهم، لن تفلت منهم بعد.
وإن السعيد منهم من سبق، وأخذ مكانه على طريق الإيمان، قبل أن تفلت الفرصة من يده قوله تعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ.. أَفَلا يَعْقِلُونَ} مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآيتين السابقتين، حملتا مع هذا التهديد الذي حملته إلى المشركين، دعوة إلى المبادرة إلى الإيمان باللّه، واستباق الزمن قبل أن يفوت الأوان.
وهنا في هذه الآية، دعوة أخرى إلى المبادرة واستباق الزمن.. حيث أنه كلما طال الزمن بهم لم يزدهم طول الزمن إلا نقصا في الخلق، وإلا ضعفا في التفكير، حيث يأخذ الإنسان عند مرحلة من مراحل العمر في العودة إلى الوراء، وفى الانحدار شيئا فشيئا، حتى يعود كما بدأ، طفلا في مشاعره، وخيالاته، وصور تفكيره.
فالزمن بالنسبة لهؤلاء المشركين، ليس في صالحهم، وأنهم وقد بلغوا مرحلة الرجولة الكاملة، لا ينتظرون إلا أن ينقصوا لا أن يزدادوا، وعيا وإدراكا، وأنهم إذا لم تهدهم عقولهم إلى الإيمان بهذا الكتاب الذي بين أيديهم فلن يهتدوا بعد هذا أبدا، بل سيزدادون ضلالا إلى ضلال، وعمى إلى عمى.
وفى قوله تعالى: {أَفَلا يَعْقِلُونَ} حثّ لهم على استعمال عقولهم تلك، التي هى معهم الآن، ثم إذا هى- بعد أن يمتد العمر بهم- وقد تخلت عنهم! وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} [70: النحل].
قوله تعالى: {وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ}.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أيضا، هو أنه وقد حملت الآيات الثلاث قبلها دعوة إلى المشركين أن يستبقوا الإيمان باللّه، وأن يبادروا باستعمال عقولهم والنظر بها إلى آيات اللّه قبل أن تذهب هذه العقول مع الزمن- فقد جاءت تلك الآية تلقاهم برسول اللّه، وبكتاب اللّه الذي معه، ليكون لمن انتفع بهذه الدعوة معاودة نظر إلى رسول اللّه، وإلى كتاب اللّه.. فالضمير في قوله تعالى: {وَما عَلَّمْناهُ} يعود إلى الرسول الكريم، وهو وإن لم يجر له ذكر في الآيات السابقة، فإنه مذكور ضمنا في كل آية من آيات الكتاب، إذ كانت منزلة عليه.
فهذا رسول اللّه.. ليس بشاعر كما يقولون.. إنه لم يؤثر عنه شعر، ولم يكن- كما عرفوا منه- من بين شعرائهم.. فهذه تهمة ظالمة، يجب أن يبرئوا النبىّ منها، وأن يلقوه من جديد على أنه ليس بشاعر.
وهذا كتاب اللّه الذي بين يديه.. ليس من واردات الشعر- كما يزعمون زورا وبهتانا- بل هو {ذكر} يجد الناس من آياته وكلماته، ما يذكّرهم بإنسانيتهم، وبما ضيعوا من عقولهم في التعامل مع الجهالات والضلالات، على خلاف الشعر، فإنه- في غالبه- استرضاء للعواطف وتغطية على مواطن الرشد من العقول.. وهذا الكتاب هو {قُرْآنٌ مُبِينٌ} أي كتاب غير مغلق على قارئه، أو سامعه من قارئ له، بل هو واضح المعنى، بيّن القصد، فلا تعمّى على قارئه أو سامعه أنباء ما به.
قوله تعالى: {لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ} أي أن هذا الرسول الكريم، إنما ينذر بالكتاب الذي معه، {مَنْ كانَ حَيًّا} أي من كان في الأحياء من الناس، بعقله، ومدركاته، وحواسه.. فإن من كان هذا شأنه، كان أهلا لأن ينتفع بما ينذر به.. أما من تخلى عن عقله، وملكاته ومشاعره فلا يحسب في الأحياء، ولا ينتفع بالنذر.. بل سيظل على ما هو عليه من كفر وضلال، ويحق عليه القول، أي ينزل به العذاب، الذي توعد به اللّه سبحانه وتعالى، أهل الكفر والضلال.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال