سورة الزمر / الآية رقم 53 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بُمُعْجِزِينَ أَوَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ

الزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمرالزمر




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


يقول الحق جلّ جلاله: {قل} يا محمد {يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم} أي: أفرطوا في الجناية عليها، بالإسراف في المعاصي، والغلو فيها، {لا تقنطوا من رحمة الله}: لا تيأسوا من مغفرته أولاً، وتفضُّله بالرحمة ثانياً، {إِن الله يغفرُ الذنوبَ جميعاً}، بالعفو عنها، إلا الشرك. وفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: «يغفر الذنوب جميعاً ولا يُبالي» لكنها لم تتواتر عنه.
والمغفرة تصدق بعد التعذيب وقبله، وتقييده بالتوبة خلاف الظاهر، كيف، وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ} [النساء: 48] ظاهر في الإطلاق مما عدا الشرك؟ وَلِمَا يدل عليه التعليل بقوله: {إِنه هو الغفور الرحيم} على المبالغة، وإفادة الحصر، والوعد بالرحمة بعد المغفرة. وما في {عبادي} من الدلالة على الذلة والاختصاص، المقتضييْن للترحُّم. {إِنه هو الغفورُ}؛ يستر عظام الذنوب {الرحيمُ} يكشف فظائع الكروب. والآية، وإن نزلت في وحشي، قاتل حمزة، أو في غيره، لا تقتضي التخصيص بهم، فإن أسباب النزول لا تخصص. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية».
ولما نزلت في شأن وحشي، وأسلم، قال المسلمون: هذه له خاصة، أو للمسلمين عامة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بل هي للمسلمين عامة» وقال قتادة إن ناساً أصابوا ذنوباً عظاماً، فلما جاء الإسلام أشفقوا ألا يتاب عليهم، فدعاهم الله تعالى بهذه الآية. وقال ابن عمر: نزلت هذه الآيات في عياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، ونفر كانوا قد أسلموا ثم فُتنوا، فكنا نقول: لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً، فنزلت الآية، وكان عمر بن الخطاب كاتباً، فكتبها بيده، ثم بعث بها إلى عياش بن أبي ربيعة والوليد، وإلى أولئك النفر، فأسلموا، وهاجروا.
قال علي رضي الله عنه: «ما في القرآن آية أوسع من هذه الآية». فما يُقنط الناس ويشدد عليهم بعد هذه الآية إلا جهول، أو جامد، قال زيد بن أسلم: إنَّ رجلاً كان في الأمم الماضية مجتهداً في العبادة، فيشدد على نفسه، ويقنط الناس من رحمة الله، فمات، فقال: أيّ ربّ؛ ما لي عندك؟ فقال: النار. فقال: يا رب؛ أين عبادتي؟ فقال: إنك كنت تُقنط الناس من رحمتي في الدنيا، فاليوم أقنطك من رحمتي. وعن عليّ كرّم الله وجهه قال: الفقيه كل الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يؤمنهم من عذاب الله، ولا يرخص لهم في معاصي الله. اهـ.
ثم حضَّ على التوبة لتتحقق المغفرة، فقال: {وأَنِيبوا إِلى ربكم} أي: ارجعوا إليه بالتوبة والإخلاص.
فالإنابة أخص من التوبة؛ لأن التوبة: مطلق الندم على الزلة، والإنابة: تحقيق التوبة والنهوض إلى الله بإخلاص التوجه. قال صلى الله عليه وسلم: «من السعادة أن يطول عمر الرجل ويرزقه الله الإنابة» قال القشيري: وقيل الفرق بين الإنابة والتوبة: أن التائب يرجع خوفاً من العقوبة، والمنيب يرجع حياءً منه تعالى. اهـ.
والأمر بالتوبة لا يدل على تقييد المغفرة في الآية بها، كما تقدّم؛ إذ ليس المدعَى: أن الآية تدل على حصول المغفرة لكل أحد من غير توبة وسبْق تعذيب، حتى يغني عن الأمر بها، وإنما المراد: الإخبار بسعة غفرانه، سواء كان مع التوبة أم لا. قال ابن عرفة: واعلم أن التوبة من الكفر مقطوع بها، ومن المعاصي، قيل: مظنونة، وقيل: مقطوع بها، هذا في الجملة، وأما في التعيين، كتوبة زيد بن عَمْرو، فلا خلاف أنها مظنونة. اهـ. قلت: قد اقترن بتوبة زيد من الأخبار ما يقطع بصحتها.
ثم قال: وأما العاصي إذا لم يتب فهو في المشيئة، مع تغليب جانب الخوف والعقوبة، واعتقاد أن العذاب أرجح، وأما العصيان بالقتل، ففيه خلاف بين أهل السُّنة، فقيل: يخلد في النار، وقيل: في المشيئة. اهـ. وقال أبو الحجاج الضرير رحمه الله:
وتوبةُ الكافرِ تمحُو اِثْمَه *** لا خلافَ فيه بين الأُمَّهْ
وتوبةُ العاصي على الإِرجاءِ *** وقيلَ كالأول بالسواءِ
إذ لا يكونُ دونه في الحالِ *** وَهُوَ عندي أحسنُ الأقوالِ
دليلُه تتابعُ الظواهِرْ *** شاملةٌ مسلمٌ وكافرْ
{وأَسْلِمُوا له} أي: اخضعوا له، وانقادوا لأمره. قال القشيري: أي: أَخلصوا في طاعتكم، والإسلامُ الذي هو الإخلاص بعد الإنابة: هو أن يعلم نجاته بفضلِه، لا بإنابته؛ فبفضله يصل إلى إثابته، لا بإنابته يصل إلى فضله. اهـ. {من قبل أن يأتيكم العذابُ} في الدنيا، أو في الآخرة، إن لم تتوبوا قبل نزول العقاب. قال القشيري: العذاب هنا، قيل: الفراق، وقيل: هو أن يفوتَه وقت الرجوعِ بسوء الإياس. اهـ. {ثم لا تُنصرون}: لا تُمنعون منه أبداً.
الإشارة: لا يعظم عندك الذنب عظمة تصدك عن حسن الظن بالله، فإن مَن استحضر عظمة ربه صغر في عينه كل شيء. وتذكر قضية الرجل الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً، ثم سأل راهباً: هل له توبة؟ فقال: لا، فكمل به المائة، ثم سأل عارفاً، فقال له: ومَن يحول بينك وبينها؟ لكن اخرج من القرية التي كنت تعصي فيها، واذهب إلى قوم يعبدون الله في مكان، فذهب، فأدركه الموت في الطريق، فلما أحسّ بالموت انحاز بصدره إلى القرية التي قصدها، ثم مات، فاختصمت فيه ملائكة العذاب وملائكة الرحمة فقال لهم الحق تعالى: قيسوا من القرية التي خرج منها، إلى القرية التي قصدها، فإلى أيهما هو أقرب هو منها؟ فوجدوه أقرب إلى القرية التي قصدها بشبر، فأخذته ملائكة الرحمة.
إلى غير ذلك من الحكايات التي لا تحصى في هذا المعنى.
وتأمل قضية الشاب الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم يبكي، فقال: «ما يبكيك؟» قال: ذنوبي. فقال له عليه السلام: «إن الله يغفر ذنوبك، ولو كانت مثل السماوات السبع، والأرضين السبع، والجبال الرواسي»، فقال: يا رسول الله، ذنب من ذنوبي أعظم من السماوات السبع والأرضين السبع، فقال له: «ذنوبك أعظم أو العرش؟» قال: ذنوبي، فقال له: «ذنوبك أعظم أو الكرسي؟» قال: ذنوبي، فقال: «ذنوبك أعظم أو إلهك؟» فقال: الله أعظم، فقال: «فأخبرني عن ذنبك» قال: إني أستحيي، فقال: «فأخبرني»، فقال: إني كنت نبّاشاً أنبش القبور منذ سبع سنين، حتى ماتت جارية من بنات الأنصار، فنبشتها، وأخرجتها من كفنها، فمضيت، ثم غلبني الشيطان، فرجعت، فجامعتها، فقامت الجارية، وقالت: الويل لك يا شاب من دَيّان يوم الدين، يوم يضع كرسيه للقضاء، يأخذ من الظالم للمظلوم، تركتني عريانة في عساكر الموتى، وأوقفتني جُنباً بين يدي الله، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب في قفاه، وهو يقول: «يا فاسق، اخرج، ما أقربك من النار»، فخرج الشاب تائباً إلى الله تعالى، حتى أتى عليه ما شاء الله، ثم قال: يا إله محمد وآدم وحواء، إن كنت غفرت لي فأَعْلِم محمداً وأصحابه، وإلا فأرسل عليَّ ناراً من السماء فأحرقني بها، ونجِّني من عذاب الآخرة، فجاء جبريل: فقال: السلام يقرئك السلام، فقال: «هو السلام وإليه يعود السلام»، قال: يقول أأنت خلقت خلقي؟ قال: «بل هو الذي خلقهم» قال: يقول: ترزقهم؟ قال: «بل هو الذي يرزقهم»، قال: يقول: أأنت تتوب عليهم؟ قال: «بل هو الذي يتوب عليهم» قال: فتب على عبدي، فإني تبتُ عليه، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الشاب، وتاب عليه، وقال: «إن الله هو التوّاب الرحيم». اهـ. ذكره السمرقندي والثعلبي.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال