سورة آل عمران / الآية رقم 130 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُنزَلِينَ بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُوا النَّارَ الَتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

آل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمرانآل عمران




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136)}.
التفسير:
هذه الآيات والآيتان اللتان بعدها، تجىء هكذا بين تلك الأحداث التي يعرضها القرآن عن الصراع الدائر بين المسلمين والمشركين، في معارك بدر وأحد.
والحديث عن الربا هنا، يبدو وكأنه شيء غريب في هذا الجوّ، الذي لا نسمع فيه إلا قعقعة السلاح، ولا يرى فيه إلا الدماء والأشلاء! فما شأن الرّبا هنا؟ وما داعيته في هذا المقام؟
عرفنا في وقوفنا بين يدى آيات الرّبا في سورة البقرة، أن الربا كبيرة الكبائر، وأنه لفداحة جرمه لم يدخله الإسلام في دائرة الجرائم التي يطهّر مقترفوها بإقامة الحدّ عليهم فيها.
ولهذا فإن الذي يبدو لنا- واللّه أعلم- من وضع الرّبا هنا، وسط المعارك الدائرة بين الإسلام والكفر، أنه خطر كهذا الخطر الذي يتهدد المسلمين من الشرك والمشركين، وأنه إذا كان المسلمون مشتبكين في معركة ضارية مع المشركين، ليقتلعوا بذور الشرك والضلال من المجتمع الإنسانى، فإن ذلك ينبغى ألا يشغلهم عن معركة أخرى يجب أن يشتبكوا فيها مع عدوّ لا يقل خطرا في إفساد الكيان الإنسانى، وتدمير معالم الإنسانية في الإنسان- عن الشرك.. ألا، وهو الربا! وخطاب المؤمنين في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً} يتضمن أمرين:
أولهما: نهى المسلمين مقارفة هذا الإثم، والعمل على محاربته في أنفسهم، حتى يجلوه عنها، كما أجلوا الشرك من قبل منها.
وثانيهما: محاربة هذا الإثم، وجهاده حيث أطلّ برأسه في أي مكان تناله أيديهم، وتصل إليه قوتهم، كما يحاربون الشرك ويجاهدونه.. فإنه- أي الربا- ربيب الشرك، وثمرته البكر في شجرته الخبيثة! فحيث كان شرك، كان ظلم، والربا هو أشأم وجوه الظلم. وعلى هذا، فإنه كما لا يجتمع إيمان وشرك في قلب مؤمن، كذلك لا يجتمع إيمان وربا في حياة المؤمن! وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [278- 279: البقرة].
فانظر إلى قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وما فيها من تشكيك في إيمان المؤمنين، ونزع تلك الصفة عنهم، والتي خوطبوا بها في أول الآية، في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا..} وذلك إذا لم ينزعوا عن الرّبا، ويخلّصوا أنفسهم منه. ثم انظر بعد هذا في قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} تجد أنها حرب معلنة من اللّه ورسوله.. فيا للهول، ويا للبلاء!! وعلى من؟
على المؤمنين الذين آمنوا باللّه ولكن بقي معهم الربا! إنهم إذن والمشركون سواء! يحاربهم اللّه ورسوله.. ويجاهدهم المؤمنون كما يجاهدون المشركين.
فالمعركة مع الربا والمرابين معركة في صميمها مع الشرك والمشركين! ولهذا فقد أضيف الربا هنا إلى الشرك، ودخل في حسابه.. وبهذا صارت معركته وجهاده جزءا من معركة الشرك، وجهاد المشركين.
وفى قوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً} قد يبدو أن النهى في تحريم الربا، وفى درجه مع الشرك في قرن واحد- إنما هو الربا الفاحش، الذي يتضاعف فيه رأس المال بمضاعفة المدة التي يبقى فيها المال في يد المقترض بالربا، ويكون- بمفهوم المخالفة- أن هذا النهى لا يرد على الربا إذا لم يكن على تلك الصورة الفاحشة! ولكن- مع قليل من النظر في وجه الآية الكريمة- نجد أن قوله تعالى {أَضْعافاً مُضاعَفَةً} وإن يكن حالا من أحوال الربا، مقيدا للربا في عمومه وإطلاقه.. إلا أن هذا الحال يكاد يكون الحال الشامل لجميع أحوال الربا، الذي كان معروفا شائعا في هذا الوقت، وهو ربا النسيئة، الذي يتضاعف فيه رأس المال على امتداد الزمن.
وإذن فهذا الوصف بالأضعاف المضاعفة للربا هو تقرير لحقيقة الربا، وكشف لوجهه الكريه، الذي يغتال أموال الناس على تلك الصورة البشعة التي لم تكن تتخلف أبدا عن المعاملات الربوية يومئذ! ويكون معنى الآية: نهى المؤمنين عن أكل الربا، الذي يأكل بدوره أموال الناس، حتى ينتفخ ويتورم، ويصبح أضعاف ما كان عليه، بتلك الأورام الخبيثة التي التصقت به.. فهو زاد تخمر وتعفن، تصدّ عنه النفوس الطيبة، ولو هلكت.. لأن في تناوله الهلاك المحقق.
وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} تأكيد لاجتناب الربا، وتحذير من أكله.. لأن آكله لا يفلح أبدا.. لأنه لم يكن على تقوى من اللّه ومن حرم التقوى والخشية من اللّه فقد حرم الفلاح، وفى قوله تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ} ما يكشف عن جريمة الربا، وأنها باب من أبواب الكفر، ومدخل من مداخله- كما أشرنا إلى ذلك من قبل- فالنار المعدّة للكافرين، هى معدة أيضا لآكلى الربا.. فمن لم يتق اللّه وينتهى عما نهى اللّه عنه من أكل الربا فهو مع الكافرين في نار جهنم، يلقى ما يلقى الكافرون، من عذاب ونكال.. وهذا يلتقى مع قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [278: البقرة] فمن لم يتق اللّه، ويتجنب الربا فليس بالمؤمن، ولا هو في المؤمنين! وقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} التفات إلى المؤمنين، ودعوة لهم إلى الطاعة العامة للّه ورسوله، بعد أن أطاعوه في ترك الربا.
وفى قوله تعالى {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} تذكير لهم بالرحمة التي يجب أن تملأ قلوبهم عطفا وبرّا بالنّاس، فلا يغتالوا أموالهم بالرّبا، ولا يأكلوها ظلما وعدوانا، فإنهم إن رحموا الناس، رحمهم ربّ الناس، وفى الأثر: «الراحمون يرحمهم الرحمن».
قوله تعالى: {وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
إثارة وإغراء بالمبادرة إلى طلب المغفرة من اللّه، باجتناب المحرمات، وعلى رأسها الكفر والربا.. فمن بادر بالتوبة، ورجع إلىّ اللّه من قريب، مستغفرا ربه، وجد ربّا غفورا رحيما يفتح له مع خزائن رحمته أبواب جنته وما فيها من نعيم مقيم.
وهذه الجنة التي وعد بها المتقون تسع النّاس، وأضعاف أضعاف الناس.
عرضها السموات والأرض.. يجد فيها المؤمنون والتائبون- مهما كثر عددهم- مكانا فسيحا، لا حدّ له، حيث يسرحون ويمرحون ما شاءوا.
فليخرس إذن أولئك المتنطعون والمتزمّتون، الذين يضيّقون من رحمة، أو يضيقون بها، حتى لكأنهم يرون أن ما يبسطه اللّه من رحمة ورضوان لعباده إنما هو مقتطع مما يمنّون أنفسهم به عند اللّه.. وأنّه كلما كثرت أعداد المقبولين عند اللّه، والداخلين في رحمته- تحيّف ذلك من نصيبهم، وأخذ الكثير من حظهم.. وهذا- لا شك- سوء ظن باللّه، وعدوان على مشيئته، شأنهم في هذا شأن بنى إسرائيل، الذين أكل الحسد قلوبهم أن ينال أحد من من اللّه خيرا غيرهم، كما قال تعالى فيهم: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [54: النساء] وكما قال فيهم أيضا: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ} [100: الإسراء].
وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} صفة من صفات المتقين.
فمن شان التقوى أن تقيم في كيان الإنسان عواطف الرحمة والإحسان، فلا يمسك صاحبها خيرا لنفسه خاصة، بل إن كل ما في يده هو له وللناس.. فهو ينفق منه في كل حال.. في يسره وعسره، في سرّائه وضرّائه، وفى سرّاء الناس وضرائهم، لا يمنع فضله عن طالبه أبدا! وقوله تعالى: {وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} بيان للصفات المكملة للتقوى، المجمّلة للمتقين، فمن اتقى اللّه، كان رحيما بالناس، حدبا عليهم، يلقى إساءتهم بالصفح والمغفرة، فلا يصل إليهم منه أذى، بيد أو لسان.
والكاظمون الغيظ والعافون عن الناس، هم وإن كانوا في المتقين المحسنين، إلا أنهما درجتان في الإحسان والتقوى.. فالكظم درجة، والعفو درجة أعلى من تلك الدرجة.. فالذى تلقّى الإساءة وهو قادر على مقابلتها بمثلها ثم أمسك عن الردّ، وكظم في نفسه ما أثارته الإساءة في مشاعره من غيظ ونقمة، هو على درجة من التقوى والإحسان.. أما إذا ذهب إلى أكثر من هذا، فمسح ما بصدره من غيظ ونقمة. وأظهر العفو والمغفرة، فهو على حظ أكبر من الإحسان والتقوى.. وأرفع من هذا درجة، وأعلى مقاما في التقوى والإحسان، من دفع السيئة، لا يكظم الغيظ المتولد منها، ولا بالعفو عن المسيء، بل دفعها بالإحسان إليه.. وفى هذا يقول اللّه تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} [22: الرعد].
ويقول سبحانه أيضا: {أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} [54: القصص].
ودفع السيئة بالحسنة إنما هو من باب الإنفاق، ولكنه إنفاق من أطيب وأعزّ ما يملك الناس: إنه إنفاق من سعة صدر، ومن كرم خلق، مما لا يرزقه إلا أهل الصبر والتقوى.. وفى هذا يقول الحق جلّ وعلا: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [34: 35 السجدة].
فيما يروى عن علىّ بن أبى طالب رضى اللّه عنه.. أن جارية له كانت تقوم على وضوئه وفى يدها إبريق، فسقط الإبريق من يدها وانكسر.. ونظر إليها الإمام- كرم اللّه وجهه- فقالت: {وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ} فقال: كظمت غيظى.. ثم قالت: {وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ} فقال: ولقد عفوت عنك قالت: {واللّه يحب المحسنين} فقال: أنت حرة لوجه اللّه!!.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
الفاحشة: المنكر الغليظ من العمل والقول.. وأكثر ما تكون في الأعمال السيئة.. وظلم النفس: يقع على كل مكروه ينالها من قبل صاحبها فيما يمسّ خاصة الإنسان من أذى، أو يتجاوزه إلى غيره من الناس.. فالزنا، فاحشة، والكفر ظلم! وكلّ من الأمرين ظلم وفاحشة معا.
فهذا الصنف من الناس إذا أصاب فاحشة أو ارتكب إثما، ذكر اللّه، وذكر عظمة اللّه وجلاله، وعلمه به، وفضله عليه، وذكر لقاء ربّه، ومحاسبته بين يديه.. فرجع إلى اللّه من قريب، تائبا مستغفرا- هذا الصنف من الناس معدود في المتقين من عباد اللّه، إذ غسل الحوبة بالتوبة، وبعد عن اللّه ثم عاد إليه، واقترب منه.
وفى قوله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} إغراء للعصاة والمذنبين، بالتوبة والقبول إذا هم مدّوا أيديهم إليه، وطلبوا الصفح والمغفرة منه! وقوله تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} إشارة إلى ما تصحّ عليه توبة التائبين، وهو أنّهم إذا فعلوا المعصية لم يصرّوا على معاودتها، بل أخذتهم خشية اللّه، واستولى عليهم الندم.. وأقبلوا على اللّه تائبين مستغفرين.
وقوله تعالى: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} يفسح العذر للذين يأتون الفاحشة عن جهل، أو خطأ، كمن يشرب خمرا وهو يظنها غير الخمر.
وقوله تعالى {أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ} الإشارة هنا إلى جميع من ذكروا في قوله تعالى: {وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} إلى قوله سبحانه: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} فهؤلاء الذين جاء ذكرهم في هذه الآيات الثلاث، هم من المتقين، وهم من الذين يتلقّون هذا الجزاء الحسن من اللّه.
جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها.
وفى قوله تعالى: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ} مدح وتمجيد لهذا الجزاء العظيم، الذي ناله هؤلاء الذين أنعم اللّه عليهم، فاتقوه، وأنفقوا في السّرّاء والضراء، وكظموا الغيظ وعفوا عن الناس.. ومثلهم أولئك الذين إذا فعلوا فاحشة، أو واقعوا المعصية ذكروا جلال اللّه وعظمته، فرجعوا إليه من قريب، باسطين يد التوبة والمغفرة.
فالجزاء الذي ناله هؤلاء المحسنون المتقون، شيء عظيم رائع.. وهل شيء أعظم من الجنة وأروع؟.. ثم إن هذا الجزاء- وإن يكن فضلا من اللّه وإحسانا- هو عن إحسان كان من هؤلاء العاملين، وعن عمل من هؤلاء المحسنين: أجراه اللّه على أيديهم، ووفقهم إليه.
وفى هذا يقول الحق سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} [13- 14: الأحقاف].




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال