سورة الزخرف / الآية رقم 10 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشـاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حـم وَالْكِتَابِ المُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزِيزُ العَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

الشورىالشورىالشورىالشورىالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرفالزخرف




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (14) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (19)}.
التفسير:
قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} أي أن هؤلاء المشركين يختانون أنفسهم، ويخادعون عقولهم، فهم- مع علمهم بأن اللّه سبحانه هو خالق هذا الوجود، والقائم عليه- لا يقيمون أنفسهم على هذا العلم، ولا يأخذون به، بل يتبعون أهواءهم، ويتجهون مع الريح التي تهبّ عليهم من أهوائهم.. فلو سألهم سائل: {مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ؟} لقالوا في غير تردد: خلقهن اللّه.. ثم إنهم من جهة أخرى لا يعطون الخالق ما ينبغى له من صفات الكمال والجلال، والتفرد بالخلق والأمر، بل يجعلون له أندادا وأعوانا، وينسبون إليه بنين وبنات.. بغير علم.
وفى قوله تعالى: {الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} إشارة إلى ما ينبغى أن يكون عليه الإقرار الصحيح منهم، بعد أن أقروا بأن اللّه هو الذي خلق السموات والأرض.
فإن الذي خلق السموات والأرض، ينبغى أن يكون عزيزا متفردا بالعزة، فلا يحتاج إلى معين من صاحبة أو ولد، ولا يدخل على عزته ضيم بمشاركة شريك.
كما ينبغى أن يكون عليما محيطا علمه بكل شىء.. {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ؟} [14: الملك].
فقوله تعالى: {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} هو- وإن لم يكن مما نطق به القوم مقالا، فقد نطقوا به حالا والتزاما.. فإن إقرارهم بأن اللّه هو الذي خلق السموات والأرض، يقضى بأن يكون للّه العزة المطلقة، والعلم الشامل.
قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} هو إلفات لهؤلاء المشركين، وهم في موقف الاعتراف الملجئ لهم، إلى القول بأن اللّه هو الذي خلق السموات والأرض- إلفات لهم إلى أن اللّه الذي خلق السموات والأرض، هو اللّه الذي جعل لهم هذه الأرض مهدا، أي موطنا ممهدا، كأنه المهد الذي يهيأ للوليد ساعة يولد، حيث يقوم على هذا المهد من يرعى هذا الوليد، ويسهر على راحته. فهذه الأرض هى المهد الذي يحتوى الناس، والذي تحفه عناية اللّه ورعايته، بما يمدهم به- سبحانه- من نعمه، وما يفيض عليهم من فضله، وأنه لو لا هذه الأمداد لم يكن للناس حياة.
وفى قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إشارة إلى بعض هذه النعم التي أنعم اللّه سبحانه بها على الناس، وهم في هذا المهاد الممهّد.
فمن هذه النعم، تلك السبل، وهذه المسالك التي في البر وفى البحر، والتي بها يعرفون وجوه الأرض، وينتقلون من مكان إلى مكان دون أن يضلوا.
فهم يضربون في كل وجه من وجوه الأرض، ثم يعودون إلى مواطنهم، كما تعود الطير آخر النهار إلى أعشاشها.
قوله تعالى: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ}.
أي ومن نعم اللّه العزيز العليم، هذا الماء الذي ينزله من السماء بقدر وحساب، حسب علمه وحكمته.. وهذا الماء المنزل من السماء، هو الذي يبعث الحياة في كل حى، ويمسك الحياة على كل حى.
وفى قوله تعالى: {فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً} إشارة إلى أن هذه البلاد العامرة، بما تزخر به من عوالم الحياة من نبات، وحيوان، وإنسان- هذه البلاد، قد كانت مواتا، لا أثر للحياة فيها، شأنها في هذا شأن المقابر.. فلما نزل هذا الماء بقدرة القادر وتقديره، دبّت الحياة في الأرض الموات، وقامت المدن والقرى، وهذا هو بعض السر في قوله تعالى: {فَأَنْشَرْنا} الذي يشير إلى أن هذه البلاد العامرة نشرت من عالم الموات، وأنها كانت مطوية في التراب فنشرها اللّه، وأخرج منها هذه الحياة الدافقة.
وقوله تعالى: {كَذلِكَ تُخْرَجُونَ} إشارة إلى أن بعث الموتى من القبور، هو صورة من هذا النشور، الذي نشرت به الحياة في الأرض الموات.
وفى وصف البلدة بأنها ميتة، إشارة إلى أن هذا الموت يحوى في كيانه حياة، ولكنها حياة ميتة، وستظل هكذا ميتة إلى أن يأذن اللّه لها بالحياة والنشور، بما ينزل من السماء من ماء فتحيا به الأرض بعد موتها.. وفى إفراد البلدة، وتنكيرها- إشارة إلى الوقوف بالنظر عند بلدة واحدة من تلك البلاد القائمة، حتى تستخلص منها العبرة والعظة، من غير أن يتشتت النظر ويتوزع في كل بلد.. فإذا وقعت للإنسان العبرة والعظة في البلد الواحد، كانت كل بلدة بعد هذا، هى هذا البلد.. فهى أولا بلدة، ثم هى بعد ذلك بلاد كثيرة، تشمل ما وقع عليه النظر وما لم يقع!.
قوله تعالى: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوانِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}.
أي ومن نعم اللّه العزيز العليم، كذلك، أنه خلق الأزواج كلها، من جميع ما على الأرض من مخلوقات، من عوالم النبات، والحيوان، والإنسان- فهذه المخلوقات كلها متزاوجة من ذكر وأنثى، وهى بهذا التزاوج تتوالد فتتكاثر، كما يتوالد ويتكاثر الإنسان.. وبهذا يعتدل ميزان الحياة بين الأحياء، ويكون تكاثر النبات والحيوان في البر والبحر مكافئا لتوالد الإنسان وتناسله، وبهذا يجد الإنسان كفايته مما على الأرض.
وفى قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ} إشارة إلى ما سخر اللّه سبحانه للإنسان من أدوات الركوب، في البر والبحر، والتي بها ينتقل الإنسان من مكان إلى مكان لم يكن ليبلغه مشيا على رجليه إلا بشق النفس.
وقوله تعالى: {لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}.
الضمير في ظهوره يعود إلى الاسم الموصول {ما} أي لتستووا على ظهور ما جعل اللّه لكم من الفلك والأنعام من أدوات حمل وركوب.
والاستواء على الظهور، هو التمكن منها، والاقتدار عليها، واقتيادها من زمامها إلى الوجهة التي يريدها الإنسان.
ففى قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ} إشارة إلى أن هذا الجعل يحمل معه تذليل هذه المخلوقات وتسخيرها للإنسان، وأنه لو لا هذا لما كان للإنسان أن ينتفع بها، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:
{وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} [32: إبراهيم] أي ذللها لتجرى بسلطانه لا بسلطانكم عليها.. كما يشير إليه قوله تعالى: {ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أي ما كنا قادرين على قيادة هذه المخلوقات، التي هى أقوى قوة منا، لو لا أن سخرها اللّه سبحانه وتعالى لنا، وملّكنا أمرها، والتصرف فيها.
فاللام في قوله تعالى: {لِتَسْتَوُوا} هى لام التعليل الكاشفة عن العلة التي من أجلها سخر اللّه هذه المخلوقات.. فقد سخرها سبحانه ليستوى الإنسان على ظهورها، ويملك تصريفها حيث يشاء.
وفى العطف بثم في قوله تعالى: {ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} إشارة إلى أن ذكر هذه النعمة، إنما يكون على أتمه وأكمله، حين يكون الإنسان متلبسا بها، معايشا لها، مستظلا بظلها، طاعما من ثمرها.
عندئذ يكون إحساسه بهذه النعمة كاملا، ويكون ذكر المنعم بها قائما على شعور مدرك، يقدّر هذه النعمة، ومالها من أثر بالغ في الحال التي هو فيها مع هذه النعمة، فيجد لذلك قلبا منشرحا، ولسانا رطبا طلقا، يسبح بحمد اللّه، ويشكر له.. ولهذا جاء العطف بالحرف {ثم} الذي يفيد التراخي، والذي يشير إلى أن الإنسان إذا غفل عن ذكر اللّه، والنعمة غائبة عنه، فإنه لا ينبغى أن يغفل والنعمة حاضرة بين يديه، يعيش فيها وينعم بها.
قوله تعالى: {وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ}.
معطوف على قوله تعالى: {وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا}.
فهو من مقول القول.. أي وتقولوا.. إنا إلى ربنا لمنقلبون.. أي راجعون إليه، بعد رحلتنا في هذه الحياة الدنيا.
وذكر الرجوع إلى اللّه في هذا المقام، هو أنسب الأوقات الداعية إليه، حيث المشابهة قوية بين هذه الرحلة التي يقطعها الإنسان على ظهر السفينة أو الدابة، ثم يعود بعدها إلى مستقره، الذي خرج منه. فكذلك الحياة الدنيا، هى رحلة بدأها الإنسان من يوم أن كان له وجود فيها، هذا الوجود الذي خرج من عالم قائم وراء هذه الدنيا، ثم لا يلبث أن يعود من حيث بدأ إلى هذا العالم الذي خرج منه. {إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى} [8: العلق] قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ}.
هو معطوف على محذوف، هو جواب لسؤال مقدر، وهو: ماذا كان من أمر المشركين إزاء هذه النعم التي بين أيديهم؟ وهل قالوا ما هو مطلوب منهم وهذا المقام، من ذكر اللّه، والتسبيح بحمده، حين استووا على ظهور هذه الأدوات المسخرة لهم؟ وكان الجواب: إنهم لم يقولوا هذا، بل استقبلوا تلك النعم بالجحود والكفران.. فلقد جعل سبحانه وتعالى لهم من الفلك والأنعام ما يركبون، وجعلوا هم له من عباده جزءا، بأن أشركوا به، وأضافوا إليه معبودات أخرى يعبدونها معه، ونسبوا إليه الولد.. وهذا ضلال عظيم، وكفران مبين، إذ كيف يكون المخلوق بعضا من الخالق؟ وكيف يكون اللّه أبعاضا، وأجزاء فالولد بضعة من أبيه، وفلذة من أفلاذه!.
قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ؟}.
استفهام إنكارى، يكشف عن ضلال المشركين، وفساد منطقهم.
فإنهم- وفد أراهم ضلالهم المبين أن ينسبوا الولد إلى اللّه- استغواهم الغى، فنزلوا بقدر اللّه سبحانه عن أن يكون مساويا لهم، فجعلوا للّه البنات، وجعلوا لهم هم البنين وقالوا إن الملائكة بنات اللّه، ولم يروا أن يكون هؤلاء الملائكة ذكورا.. وهذا منطق سقيم إذ كيف يكون الذكور والإناث من خلق اللّه، ثم يكون لهم هم أن يختاروا ما يشتهون منها، ويدعون للّه ما لا يشتهون؟ {أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ؟ ما لَكُمْ؟ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [153: 154 الصافات].
{لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ.. سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ} [4: الزمر].
قوله تعالى: {وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} هو تسفيه للمشركين، ولقسمنهم تلك الجائرة. إنهم لا يرضون أن يكون البنات ممن يولد لهم فإذا ولد لأحدهم أنثى امتلأت نفسه غمّا وكمدا.. فكيف ينسب إلى اللّه من هو- حسب تقديرهم هدا- مصدر همّ وغم؟ أهذا أدب مع اللّه، عند من يعترف بوجود للّه؟ إنهم لو أنكروا اللّه أصلا، ولم يعترفوا بوجوده، لكان لذلك منطق عندهم أما أنهم يعترفون باللّه، ثم ينزلونه من أنفسهم هذه المنزلة التي لا يرضونها لأنفسهم، فذلك هو الضلال المبين، الذي لا يمكن أن يقام له منطق، حتى من الضلال نفسه! وفى قوله تعالى: {بُشِّرَ أَحَدُهُمْ} إشارة إلى أن {بِالْأُنْثى} نعمة من نعم اللّه، وأن ورودها على لإنسان من البشريات المسعدة، التي من شأنها أن تشرح الصدر، وتسر القلب. ولكن القوم لجهلهم وضلالهم، يضيقون بهذه النعمة، ويشقون بلقائها.
وقوله تعالى: {بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا} إشارة إلى ما نسبه المشركون إلى اللّه من ولد، حين جعلوا الملائكة بنات اللّه، وأن هذه النسبة من شأنها أن تجعل تماثلا بين اللّه، وبين خلقه. إذ كان الوالد والأولاد على صورة متشابهة أو متقاربة، أو متماثلة.. جنسا، وهيئة، ولونا، وشكلا.
قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ}.
ينشأ: يربى، ويشبّ، ويكبر.
والحلية: الزينة، وما يتحلّى به من حلى، وثياب.. وهذا من شأن النساء غالبا.
والآية تنكر على المشركين- في أسلوب استفهامى- أن يجعلوا للّه سبحانه الجانب الضعيف، من المخلوقات وهو جانب الأنوثة، على حين يجعلون لأنفسهم الجانب القوى، وهو جانب الذكورة.
إذ المعروف في عالم الأحياء، أن الذكر أقوى من الأنثى، وأشدّ بأسا، في مجال الصراع والخصام.
والمراد بالإبانة في قوله تعالى: {وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ} الكشف والتجلية والإفصاح عن القوة، حين تدعو دواعيها، وتعرض في مجال الامتحان.
والآية معطوفة على قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ}.
أي أم اتخذ ممن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين، وترك لكم أن تتخذوا من تجعلون منهم فرسان قتال وأبطال حروب؟.
قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ؟ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ}.
هو معطوف على قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ}.
وهو بيان شارح للعباد الذين جعلهم المشركون جزءا من اللّه، فهذا الجزء هو الملائكة، وقد جعلوا هؤلاء الملائكة إناثا.
فالمشركون يعملهم هذا، قد اقترفوا جرما غليظا، يضم في كيانه ثلاث جرائم:
نسبة الولد إلى اللّه، وجعل أولاد اللّه إناثا، ووصف الملائكة بأنهم إناث.
وكل هذا زور وبهتان.. لا منطق له من العقل، ولا مستند له من الكتاب.
وقوله تعالى: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ؟} إنكار لهذا القول الذي يقوله المشركون في الملائكة، إذ قالوه بغير علم.. إنهم لم يشهدوا خلقهم حتى يعلموا من أمرهم شيئا يقولونه فيهم.
وقوله تعالى: {سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ!} تهديد ووعيد للمشركين وأنهم سيحاسبون على هذا القول الذي يقولونه في الملائكة، والذي سيكتب على أنه شهادة منهم في هذا الأمر.. وإذ كانت تلك الشهادة زورا، فإنهم سيماقبون عليها عقاب شاهد الزور!




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال