سورة الجاثية / الآية رقم 14 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العَالَمِينَ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ المُتَّقِينَ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ

الجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثية




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)}.
التفسير:
قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآية السابقة عليها، أشارت إلى القرآن الكريم، ونبهت إلى أنه الهدى لكل من طلب الهدى.. ثم تهددت الآية أولئك الذين يكفرون بربّهم، ولا يقبلون على هذا الهدى الذي أنزله اللّه سبحانه وتعالى إليهم.
وهذه الآية، تجىء بعد هذا، لتحثّ أولئك الذين استمعوا للآية السابقة، ووقفوا موقف التدبّر والتبصر- على أن يسرعوا الخطا إلى اللّه، وان يستجيبوا لما يدعوهم إليه الرسول، من خير وهدى.. وإنهم إذ يتجهون إلى اللّه ليجدون هذه الدعوة المجدّدة إليهم، والكاشفة لهم عن جلال ربهم وعظمته وقدرته، وماله من فضل وإحسان إليهم.. فهو سبحانه، الذي سخر البحر، ومكّن الناس من أن يجعلوه طريقا ذلولا تجرى الفلك عليه، كما تجرى الدواب على اليابسة.. كل هذا بأمر اللّه وحكمته.. فهو سبحانه الذي قدّر بحكمته أن تطفو بعض الأجسام على الماء، حسب قانون محكم لا يتخلف أبدا.. ومن عجب أنه بحكم هذا القانون، أن يلقى بالحصاة الصغيرة في الماء فتغوص فيه، على حين أنه يلقى فوق ظهره بالسفينة محملة بالدواب، والناس، والأمتعة، فتظلّ سابحة فوقه! قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
وهذا الإله الذي يدعى إليه العباد، هو الذي سخر لهم ما في السموات وما في الأرض، وأتاح لهم الانتفاع به في كل وجه من وجوه الانتفاع، حسب استعدادهم وقدرتهم على التصرف فيه.
ففى السماء، النجوم، والكواكب.. وهى مسخرة بأمر اللّه سبحانه وتعالى، في دورانها في أفلاكها، على ما يرى الناس منها، في جميع الأوقات.
وهى قائمة على ما أقامها اللّه عليه، من إرسال أضوائها، وأنوارها على الأرض، دون أن يكون للناس شأن، أو حول، في تحويل مداراتها، أو تغيير نظامها.
ثم إن للناس مع هذا أن ينتفعوا بكل ما أمكنهم الانتفاع به منها.. فإذا كشف لهم العلم عن إمكان اختزان الطاقة الحرارية للشمس، واستخدام هذه الطاقة في إدارة المحركات، وتسيير البواخر، والقاطرات، والسيارات، وغيرها- فذلك مما سخر اللّه للناس، ويسر لهم الانتفاع به.. وقل مثل هذا في كل ما يمكن أن يحصل عليه الإنسان من عالم السماء.
وفى الأرض.. ما لا يحصى من قوى الطبيعة المختزنة فيها، والتي جعل اللّه مفاتحها في يد الإنسان، بما يكشف له العلم من أسرار.
فهذا البناء الشامخ للمدنية، وما تزخر به الحياة في هذا العصر من ألوان لا حصر لها- هو مما أودعه اللّه سبحانه وتعالى في هذه الأرض، وهو ما استطاعت يد الإنسان أن تطوله.. وهناك ذخائر كثيرة لا تزال مطوّية في صدر الطبيعة، تنتظر يد الإنسان القادر على الوصول إليها، وكشف الستر عنها.
وقوله تعالى: {جَمِيعاً مِنْهُ} حالان من لفظ {ما} في قوله تعالى: {ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} أي سحر كل هذا مجتمعا، في حال أنه من اللّه سبحانه وتعالى.. أي من فضله وإحسانه.
هذا وقد رأى بعض أصحاب الجدل والمراء، من طوائف المعتزلة والمتصوفة وغيرهم، أن في قوله تعالى: {مِنْهُ} يشير إلى أن هذا الوجود في أرضه وسمائه، هو من ذات اللّه، وأن هذه العوالم هى ظل اللّه، وتجلّياته، أو هى اللّه ذاته.. إلى غير ذلك من المقولات، التي تنتهى إلى القول بوحدة الوجود، وأنه ليس ثمة خالق ومخلوق.
ولا شك أن هذا تعسف في التأويل، فضلا عن فساد المعنى المستنبط من هذا التأويل.. فإن الجار والمجرور {منه} متعلق بمحذوف، هو مضاف إلى اللّه سبحانه وتعالى، أي ذلك كله، من فضل اللّه، ورحمته.
وفى قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} دعوة إلى إعمال الفكر، في مواجهة هذه القوى المسخرة، حتى ينسج الإنسان من هذه الخيوط المتنائرة هنا وهناك، ثوبا قشيبا، يتزين به، ويكون سمة له، وشارة تفرق بينه وبين عالم الحيوان، الذي يعيش على ما تعطيه الطبيعة، دون أن يكون له أثر يذكر في تحوير شيء أو تبديله.
قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}.
مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآيات السابقة قد كشفت عن بعض الوجوه المنكرة من المشركين الذين إذا علموا من آيات اللّه شيئا اتخذوها هزوا، ومع هذا فإن اللّه سبحانه وتعالى لم يمسك رحمته عنهم، بل ساق إليهم آياته، تحمل إليهم الهدى، وتدعوهم إليه، وتغريهم بالإيمان باللّه، بما تعرض عليهم من دلائل قدرته، وسوابغ نعمه.
ثم إنه لكى يكون من المشركين الضالين إصاخة إلى هذه الدعوة الكريمة من اللّه سبحانه وتعالى لهم، ثم يكون منهم نظر فيما يدعون إليه من النظر في آيات اللّه، وفيما سخر للناس في السموات وفى الأرض من نعم- لكى يكون من المشركين هذا، كان على المؤمنين ألا يدخلوا معهم في مجال الخصومة الحادة، والجدل العنيف، فإن ذلك من شأنه أن يثير في القوم دوافع الكبر والاستعلاء، وأن يشغلوا بالمؤمنين، وبالانتصار عليهم في المقاولة والمصاولة- عن النظر في أنفسهم والإفادة من آيات اللّه التي تتلى عليهم.
ومن أجل هذا جاء قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} جاء داعيا المؤمنين إلى أن يتجاوزوا عن سفاهة هؤلاء المشركين، وألا يلقوا سفههم بسفه مثله، حتى تتاح الفرصة لهؤلاء المشركين أن يستمعوا إلى آيات اللّه، في جوّ لا تنعقد فيه سحب الجدل والخصام، التي تحجب عنهم الرؤية الصحيحة لآيات اللّه.. وبهذا تقام الحجة عليهم، بعد هذا البلاغ المبين لدعوة اللّه.. فإذا لم يستجيبوا بعد هذا، لم يكن لهم عذر يعتذرون به، ووقعوا تحت طائلة العقاب الذي هم أهل له.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}.
فلقد أزيلت الحواجز التي تحجز القوم عن الاستماع إلى آيات اللّه، حتى لقد احتمل المسلمون ما احتملوا من سفههم وتطاولهم عليهم، كى يهيئوا لهم الجوّ الصالح للاستماع، والنظر، والتأمل، فإذا كان بعد هذا ثمة حاجز يحجزهم عن الإيمان باللّه، فهو من عند أنفسهم، وكان كفرهم وضلالهم من صنع أيديهم، التي حجبوا بها نور الحق عنهم.
وفى قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}.
.. وفى تنكير {قوم} إشارة إلى قوم بأعيانهم، وأن أمرهم مع تنكيرهم، أظهر من أن يدلّ عليه، وأن يعرّف به.. وهؤلاء القوم، هم أولئك المشركون، الذين دعى المؤمنون إلى أن يغفروا لهم، وأن يتجاوزوا عن سيئاتهم وسفاهاتهم.
فهؤلاء القوم قد امتنّ اللّه سبحانه وتعالى عليهم بهذه المنة العظيمة، بفضل مقام رسول اللّه فيهم، فلم يعجّل اللّه سبحانه وتعالى لهم العذاب، بل أمهلهم إلى آخر لحظة من حياتهم، حتى تكون أمامهم فسحة من الوقت، يصلحون فيها أنفسهم، ويصححون عقيدتهم.. ثم إنه- سبحانه- بعد أن أفسح لهم المقام في هذه الحياة الدنيا، صرف عنهم الدواعي التي تشغلهم عن الاستماع إلى آيات اللّه التي تتلى عليهم، أو تحول بينهم وبين النظر فيها، فدعا اللّه سبحانه وتعالى الذين آمنوا، أن يغفروا لهم، وألا يدخلوا معهم في جدل.
وهذا كله دليل على مزيد من الفضل والإحسان إلى هؤلاء القوم.. فإذا لم يستقبلوا هذا الفضل وذلك الإحسان بالإقبال على اللّه، والاستجابة لما يدعوهم سبحانه وتعالى إليه، من هدى- لم يكن لهم بعد هذا إلا العقاب الأليم.
وأيام اللّه، التي لا يرجوها هؤلاء المشركون ولا يتوقعونها، هى الأيام الواقعة في الحياة الآخرة، والمراد بها الحياة الآخرة، ذاتها، وإنما عبّر عنها بالأيام، لأن الأيام دلالة على وحدة من وحدات الزمن في الحياة الدنيا، وهناك في الحياة الآخرة أيام ذات دلالة على الزمن، وإن اختلفت تلك الأيام عن أيام الدنيا في مقدارها.. وهذا ما يشير إليه سبحانه وتعالى في قوله عن أهل الجنة: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [62: مريم].. وفى إضافة أيام الآخرة إلى اللّه سبحانه وتعالى، مع أن الأيام كلها هى أيام اللّه- إشارة إلى شرف هذه الأيام، وإلى عظم قدرها، وأن أيام الحياة الدنيا إذا ووزنت بها لا تساوى شيئا، كما يقول اللّه سبحانه: {وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ} [64: العنكبوت].. وكما يقول سبحانه: {وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ} [26: الرعد].
فللأيام أقدار وأوزان عند اللّه، كأقدار الناس وأوزانهم، فالناس كلّهم عباد اللّه، ولكن اللّه سبحانه يضيف إلى ذاته أهل ودّه، ومحبته، تكريما لهم وتشريفا.. فيقول سبحانه: {فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [17- 18: الزمر].
قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}.
هو تعقيب على الآيات السابقة، وما حملت إلى المشركين من دعوة إلى الإيمان، وما دعت إليه المؤمنين من الرفق بالمشركين والتجاوز عن جهلهم وسفاهتهم.. فمن استجاب لأمر اللّه، وعمل صالحا، فله جزاء عمله، ومن أعرض عن اللّه سبحانه وتعالى، وركب طرق الباطل والضلال، فسيلقى جزاء كفره وضلاله.. فهناك يوم يرجع فيه الناس جميعا إلى اللّه، ويحاسبون على كل ما عملوا، ويجزون عن الإحسان إحسانا ورضوانا، وعن السوء عذابا ونكالا.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال