سورة الجاثية / الآية رقم 23 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ المُبْطِلُونَ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا اليَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ المُبِينُ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَناًّ وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ

الجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثية




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


يقول الحق جلّ جلاله: {أفرأيتَ مَن اتخذ إِلهَهُ هواه} أي: أباح لنفسه كل ما تهواه، سواء كان مباحاً أو غير مباح، فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه، وإليه أشار في المباحث بقوله:
ومَن أباح النفس ما تهواه *** فإنما معبوده هواه
فالآية وإن نزلت في هوى الكفر؛ فهي متناولة لكل هوى النفس الأمَّارة، قال ابن جبير: نزلت في قريش والعرب، كانوا يعبدون الحجارة والذهب والفضة، فإذا وجدوا شيئاً أحسن أَلْقَوه وعبدوا غيره. اهـ. ومتابعة الهوى كلها مذمومة، فإن كان ما هوته مُحرّماً أفضى بصاحبه إلى العقاب، وإن كان مباحاً بقي صاحبه في غم الحجاب وسوء الحساب، وأسْرِ نفسه وكدِّ طبعه. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «ما عُبد تحت السماء أبغض إلى الله تعالى من هوى»، وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ مهلكات؛ شحٌّ مطاع، وهوىً متبع، وإعجابُ المرء بنفسه» وقال أيضاً: «الكيِّسُ مَن دان نفسه، وعَمِلَ لما بعد الموت، والعاجز مَن أَتبع نفسَه هواها، وتمنَّى على الله»، وسيأتي في الإشارة تمامه.
ثم قال تعالى: {وأضلَّه اللّهُ على علم} أي: خذله على علم منه، باختياره الضلالة، أي: عالماً بضلاله، وتبديله لفطرة الله التي فطر الناس عليها. وقيل: نزلت في أمية بن أبي الصلت، وكان عنده علم بالكتب المتقدمة، فكان ينتظر بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما ظهر، قال: ما كنتُ لأومن لرسول ليس من ثقيف، وأشعاره محشوة بالتوحيد، ولكن سبق له الشقاء، فلم يؤمن، وختم على سمعه فلا يقبل وعظاً وقلبه، فلا يعتقد حقاً أي: لا يتأثر بالمواعظ، ولا يتكفّر في الآيات والنُذر. {وجَعَلَ على بصره غشاوةً} أي: ظلمة مانعة نم الاعتبار والاستبصار، {فمَن يهديه من بعدِ الله} من بعد إضلال الله إياه؟ {أفلا تَذَكَّرون} أفلا تتعظون، فتُسلمون الأمور إلى مولاها، يُضل مَن يشاء ويهدي مَن يشاء.
الإشارة: حقيقة الهوى كل ما تعشقه النفس، وتميل إليه من الحظوظ العاجلة، ويجري ذلك في المآكل، والمشارب، والملابس، والمناكح، والجاه، ورفع المنزلة، فليجاهد العبد نفسه في ترك ذلك كله، حتى لا تحب إلا ما هو طاعة يقرب إلى الله، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمنُ أحدكُم حتى يكون هواه تابعاً لما جئتُ به» فإن كان في طريق الإرادة والتربية ترك كل ما تميل إليه نفسه وتسكن إليه، ولو كان طاعة، كما قال البوصيري رضي الله عنه:
ورَاعِها وهي في الأعمالِ سائمة *** وإن هي استحْلت المرعى فلا تُسِمِ
فإنَّ حلاوة الطاعة سموم قاتلة، يمنع الوقوف معها من الترقي إلى حلاوة الشهود ولذة المعرفة، وكذلك الركون إلى الكرامات، والوقوف مع المقامات، كلها أهوية تمنع مما هو أعلى منها؛ من مقام العيان، فلا يزل المريد يُجاهد نفسه، ويرحلها عن هذه الحظوظ، حتى تتمحّض محبتها في الحق تعالى، فلا يشتهي إلا شهود ذاته الأقدس، أو ما يقضيه عليه، فإذا ظهر بهذا المقام لم تبقَ له مجاهدة ولا رياضة، وكان ملكاً حرّاً، فيقال له حينئذ:
لك الدهر طوع والأنام عبيد *** فعش كل يوم من أيامك عيد
وطريق السير في هذا أن يُساس نفسه شيئاً فشيئاً، يمنعها من المكروهات، ثم من المباحات شيئاً فشيئاً، حتى تستأنس، يترك شهوة ثم أخرى، وهكذا، وأما لو منعها الكل دفعة واحدة فربما تمل وتسقط، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لا يكن أحدكم كالمُنبت، لا أرضاً قَطَع، ولا ظهراً أبقى» وإلى هذا أشار في المباحث، حيث قال:
واحتلْ على النفس فرب حيلهْ *** أنفع في النصرة من قبيلهْ
وأعظم الحظوظ حُب الجاه والتقدُّم، فلا يسامحها المريد في شيء من ذلك قط، ولينزل بها إلى الخمول والسفليات، وأما شهوة البطن والفرج، فما تشوّفت إليه النفس من ذلك فليمنعها منها كليّاً، وما أتاها من غير حرص ولا تشوُّف فليأخذ منه قدر الحاجة، مع الشكر عيله، هكذا يسير حتى يتحقق وصوله، ويتمكن من معرفة الحق، وحينئذ فلا كلام معه، كما تقدّم، ولا بد من صُحبة شيخ عارف كامل، يلقيه زمام نفسه، فيحمله بهمته، وإلا فلا طاقة على مجاهدتها أصلاً، وجَرَّب ففي التجريب علم الحقائق.
قال القشيري: مَن لم يَسْلك سبيلَ الاتباع، ولم يستوفِ أحكام الرياضة، ولم ينسلخ عن هواه بالكلية، ولم يؤدبَه إمامٌ مُقتدًى به، فهو ينحرفُ في كل وَهْدةٍ، ويهيمُ في كل ضلالة، ويضلُّ في كل فجٍّ، خسرانه أكثر من ربحه، ونقصانه أوفر من رجحانه، أولئك في ضلال بعيد، زِمامُهم بيد هواهم، أولئك أهل المكر، استْتُدرِجُوا وما يشعرون. اهـ. وفي الحِكَم: (لا يخاف أن تلتبس الطرق عليك، وإنما يخاف من غلبة الهوى عليك). فمَن غَلَبَه الهوى غَلَبَه الوجود بأسره، وتصرّف فيه، أحبّ أم كَرِهَ، ومَن غلب هواه غلب الوجودَ بأسره، وتصرّف فيه بهمته كيف شاء.
حكي عن أبي عمران الواسطي، قال: انكسرت بنا السفينة، فبقيت أنا وامرأتي على ألواح، وقد وَلَدَتْ في تلك الليلة صبية، فصاحت بي، وقالت: يقتلني العطش، فقتل: هو ذا يرى حالنا، فرفعتُ رأسي، فإذا رجل جالس في يده سلسلة من ذهب، فيها كوز من ياقوت أحمر، فقال: هاك اشربا، فأخذتُ الكوز، فشربنا، فإذا هو أطيب من المسك، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، فقلتُ: مَن أنتَ؟ فقال: أنا عبد لمولاك، فقلت: بِمَ وصلتَ إلى هذا؟ فقال: تركت هواي لمرضاته، فأجلسني في الهواء، ثم غاب ولم أره. اهـ. وقال سهل رضي الله عنه: هواك داؤك، فإن خالفته فدواؤك، وقال وهب: إذا عرض لك أمران وشككت في خيرهما، فانظر أبعدهما من هواك فأته. اهـ.
ومثله في الحِكَم: (إذا التبس عليك أمران، فانظر أثقلهما على النفس، فاتبعه، فإنه لا يَثْقُل عليها إلا ما كان حقاً). فالعز كله في مخالفة الهوى والذل والهوان كله في متابعة الهوى، فنُونُ الهوان سُرقت من الهوى، كما قال الشاعر:
نونُ الهوانِ من الهوَى مسروقةٌ *** وأسيرُ كل هوى أسير هوان
وقال آخر:
إن الهوَى لهو الهوانُ بعينه *** فإذا هوَيْتَ فقد لَقِيتَ هَوانَا
وإذا هَوِيتَ فقد تعبَّدكَ الهوَى *** فاخضعْ لحِبّك كائناً مَنْ كانا
وقال ابن المبارك:
ومن البلاءِ للبلاءِ علامةٌ *** ألاّ يُرى لك عن هَوَاكَ نُزُوعُ
العبدُ أعنَى النفسَ في شهواتها *** والحرُّ يَشبَعُ تارةً ويجوعُ
ولابن دُريد:
إذا طالبتك النفسُ يوماً بشهوةٍ *** وكان إليها للخلافِ طريقُ
فدعْها وخالِفْ ما هويتَ فإنما *** هَواك عدوٌ والخلاف صديقُ
وقال أبو عُبيد الطوسي:
والنفسً إن أعطيتها مُنَاها *** فاغِرَةٌ نحوَ هواها فَاهَا
هذا، وللآية إشارة أخرى، رُويت عن بعض مشايخنا، قال: يمكن أن تكون الآية مدحاً، يقول تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه} وهو الله تعالى، ومحبوبَه وهواه، لا يهوى معه غيره، وأضله الله، في محبته، على علم منه بالله، وختم على سمعه وقلبه وبمحبته، فلا يسمع إلا منه، ولا يُحب غيره، وجعل على بصره غشاوة، فلا يرى سواه، فمَن يهديه هذه الهداية العظمى من بعد الله، وهذا يُسلّم في طريق الإشارة، لأنها خارجة عن سياق العبارة، وللقرآن أسرار باطنة، يعرفها أهل الباطن فقط، فسلِّم تَسْلَمْ.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال