سورة الأحقاف / الآية رقم 4 / تفسير تفسير الشوكاني / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ وَقِيلَ اليَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ فَلِلَّهِ الحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ العَالَمِينَ وَلَهُ الكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حـم تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ

الجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالجاثيةالأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقاف




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


قوله: {حم تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم} قد تقدّم الكلام على هذا في سورة غافر وما بعدها مستوفى، وذكرنا وجه الإعراب، وبيان ما هو الحقّ من أن فواتح السور من المتشابه الذي يجب أن يوكل علمه إلى من أنزله {مَا خَلَقْنَا السموات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا} من المخلوقات بأسرها {إِلاَّ بالحق} هو استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال، أي: إلاّ خلقاً ملتبساً بالحقّ الذي تقتضيه المشيئة الإلهية، وقوله: {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} معطوف على الحقّ، أي: إلاّ بالحقّ، وبأجل مسمى، على تقدير مضاف محذوف، أي: وبتقدير أجل مسمى، وهذا الأجل هو يوم القيامة، فإنها تنتهي فيه السموات والأرض وما بينهما، وتبدّل الأرض غير الأرض والسموات. وقيل: المراد بالأجل المسمى: هو انتهاء أجل كلّ فرد من أفراد المخلوقات، والأوّل أولى، وهذا إشارة إلى قيام الساعة، وانقضاء مدّة الدنيا، وأن الله لم يخلق خلقه باطلاً وعبثاً لغير شيء، بل خلقه للثواب والعقاب. {والذين كَفَرُواْ عَمَّا أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ} أي: عما أنذروا وخوّفوا به في القرآن من البعث والحساب والجزاء معرضون مولون غير مستعدّين له، والجملة في محل نصب على الحال، أي: والحال أنهم معرضون عنه غير مؤمنين به، و{ما} في قوله: {مَا أَنْذِرُواْ} يجوز أن تكون الموصولة، ويجوز أن تكون المصدرية. {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} أي: أخبروني ما تعبدون من دون الله من الأصنام {أَرُونِى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض} أي: أيّ شيء خلقوا منها، وقوله: {أَرُونِىَ} يحتمل أن يكون تأكيداً لقوله: {أَرَءيْتُمْ}، أي: أخبروني أروني، والمفعول الثاني لأرأيتم {ماذا خلقوا}، ويحتمل أن لا يكون تأكيداً، بل يكون هذا من باب التنازع؛ لأن أرأيتم يطلب مفعولاً ثانياً، وأروني كذلك {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى السموات} أم هذه هي المنقطعة المقدّرة ببل والهمزة، والمعنى: بل ألهم شركة مع الله فيها؟ والاستفهام للتوبيخ والتقريع {ائتونى بكتاب مّن قَبْلِ هذا} هذا تبكيت لهم، وإظهار لعجزهم، وقصورهم عن الإتيان بذلك، والإشارة بقوله: {هذا} إلى القرآن، فإنه قد صرّح ببطلان الشرك، وأن الله واحد لا شريك له، وأن الساعة حقّ لا ريب فيها، فهل للمشركين من كتاب يخالف هذا الكتاب، أو حجة تنافي هذه الحجة. {أَوْ أثارة مّنْ عِلْمٍ}. قال في الصحاح: {أو أثارة من علم}: بقية منه، وكذا الأثرة بالتحريك. قال ابن قتيبة: أي: بقية من علم الأوّلين.
وقال الفراء، والمبرد: يعني: ما يؤثر عن كتب الأوّلين. قال الواحدي: وهو معنى قول المفسرين. قال عطاء: أو شيء تأثرونه عن نبيّ كان قبل محمد صلى الله عليه وسلم. قال مقاتل: أو رواية من علم عن الأنبياء.
وقال الزجاج: أو أثارة أي: علامة، والأثارة مصدر كالسماحة والشجاعة، وأصل الكلمة من الأثر، وهي الرواية يقال: أثرت الحديث آثره أثرة وأثارة وأثراً: إذا ذكرته عن غيرك. قرأ الجمهور {أثارة} على المصدر كالسماحة والغواية. وقرأ ابن عباس، وزيد بن علي، وعكرمة، والسلمي، والحسن، وأبو رجاء بفتح الهمزة والثاء من غير ألف. وقرأ الكسائي: {أثرة} بضم الهمزة وسكون الثاء {إِن كُنتُمْ صادقين} في دعواكم التي تدّعونها، وهي قولكم إن لله شريكاً، ولم تأتوا بشيء من ذلك، فتبين بطلان قولهم لقيام البرهان العقلي، والنقلي على خلافه. {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ} أي: لا أحد أضل منه ولا أجهل، فإنه دعا من لا يسمع، فكيف يطمع في الإجابة فضلاً عن جلب نفع، أو دفع ضرّ؟ فتبين بهذا أنه أجهل الجاهلين وأضلّ الضالين، والاستفهام للتقريع والتوبيخ، وقوله: {إلى يَوْمِ القيامة} غاية لعدم الاستجابة {وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غافلون} الضمير الأوّل للأصنام، والثاني لعابديها، والمعنى: والأصنام التي يدعونها عن دعائهم إياها غافلون عن ذلك، لا يسمعون ولا يعقلون لكونهم جمادات، والجمع في الضميرين باعتبار معنى {من} وأجري على الأصنام ما هو للعقلاء لاعتقاد المشركين فيها أنها تعقل. {وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاء} أي: إذا حشر الناس العابدين للأصنام كان الأصنام لهم أعداء يتبرأ بعضهم من بعض، ويلعن بعضهم بعضاً، وقد قيل: إن الله يخلق الحياة في الأصنام، فتكذبهم. وقيل المراد: أنها تكذبهم وتعاديهم بلسان الحال لا بلسان المقال. وأما الملائكة، والمسيح، وعزير، والشياطين، فإنهم يتبرّءون ممن عبدهم يوم القيامة، كما في قوله تعالى: {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} [القصص: 63] {وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كافرين} أي: كان المعبودون بعبادة المشركين إياهم كافرين، أي: جاحدين مكذبين، وقيل: الضمير في {كانوا} للعابدين، كما في قوله: {والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، والأوّل أولى. {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا} أي: آيات القرآن حال كونها {بينات} واضحات المعاني ظاهرات الدلالات {قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقّ} أي: لأجله وفي شأنه، وهو عبارة عن الآيات {لَمَّا جَاءهُمْ} أي: وقت أن جاءهم {هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ} أي: ظاهر السحرية {أَمْ يَقُولُونَ افتراه} أم هي المنقطعة، أي: بل أيقولون افتراه؟ والاستفهام للإنكار والتعجب من صنيعهم، وبل للانتقال عن تسميتهم الآيات سحراً إلى قولهم: إن رسول الله افترى ما جاء به، وفي ذلك من التوبيخ والتقريع ما لا يخفى، ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عنهم فقال: {قُلْ إِنِ افتريته فَلاَ تَمْلِكُونَ لِى مِنَ الله شَيْئاً} أي: قل إن افتريته على سبيل الفرض والتقدير، كما تدّعون، فلا تقدرون على أن تردّوا عني عقاب الله، فكيف أفتري عل الله لأجلكم، وأنتم لا تقدرون على دفع عقابه عني؟ {هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} أي: تخوضون فيه من التكذيب، والإفاضة في الشيء: الخوض فيه، والاندفاع فيه، يقال: أفاضوا في الحديث، أي: اندفعوا فيه، وأفاض البعير: إذا دفع جرّته من كرشه، والمعنى: الله أعلم بما تقولون في القرآن، وتخوضون فيه من التكذيب له، والقول بأنه سحر وكهانة {كفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} فإنه يشهد لي بأن القرآن من عنده، وأني قد بلغتكم، ويشهد عليكم بالتكذيب والجحود، وفي هذا وعيد شديد {وَهُوَ الغفور الرحيم} لمن تاب وآمن، وصدّق بالقرآن وعمل بما فيه، أي: كثير المغفرة والرحمة بليغهما.
{قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ الرسل} البدع من كلّ شيء المبدأ، أي: ما أنا بأوّل رسول، قد بعث الله قبلي كثيراً من الرسل. قيل: البدع بمعنى: البديع كالخفّ والخفيف، والبديع: ما لم ير له مثل، من الابتداع وهو الاختراع، وشيء بدع بالكسر، أي: مبتدع، وفلان بدع في هذا الأمر، أي: بديع كذا قال الأخفش، وأنشد قطرب:
فما أنا بدع من حوادث تعتري *** رجالاً غدت من بعد بؤسي وأسعدا
وقرأ عكرمة، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة: {بدعاً} بفتح الدال على تقدير حذف المضاف، أي: ما كنت ذا بدع، وقرأ مجاهد بفتح الباء، وكسر الدال على الوصف {وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ} أي: ما يفعل بي فيما يستقبل من الزمان هل أبقى في مكة، أو أخرج منها؟ وهل أموت أو أقتل؟ وهل تعجل لكم العقوبة أم تمهلون؟ وهذا إنما هو في الدنيا. وأما في الآخرة، فقد علم أنه وأمته في الجنة، وأن الكافرين في النار. وقيل: إن المعنى: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة، وإنها لما نزلت فرح المشركون، وقالوا: كيف نتبع نبياً لا يدري ما يفعل به ولا بنا، وأنه لا فضل له علينا؟ فنزل قوله تعالى: {لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] والأوّل أولى {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ} قرأ الجمهور {يوحى} مبنياً للمفعول، أي: ما أتبع إلاّ القرآن، ولا أبتدع من عندي شيئًا، والمعنى: قصر أفعاله صلى الله عليه وسلم على الوحي لا قصر اتباعه على الوحي {وَمَا أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أي: أنذركم عقاب الله، وأخوّفكم عذابه على وجه الإيضاح.
وقد أخرج أحمد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عباس {أَوْ أثارة مّنْ عِلْمٍ} قال: الخط. قال سفيان: لا أعلم إلاّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: أن الحديث مرفوع لا موقوف على ابن عباس.
وأخرج عبد بن حميد، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان نبيّ من الأنبياء يخط، فمن صادف مثل خطه علم» ومعنى هذا ثابت في الصحيح، ولأهل العلم فيه تفاسير مختلفة. ومن أين لنا أن هذه الخطوط الرملية موافقة لذلك الخط؟ وأين السند الصحيح إلى ذلك النبيّ؟ أو إلى نبينا صلى الله عليه وسلم أن هذا الخط هو على صورة كذا، فليس ما يفعله أهل الرمل إلاّ جهالات وضلالات.
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «{أَوْ أثارة مّنْ عِلْمٍ} قال: حسن الخط».
وأخرج الطبراني في الأوسط، والحاكم من طريق الشعبي، عن ابن عباس {أَوْ أثارة مّنْ عِلْمٍ} قال: خط كان يخطه العرب في الأرض.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس {أَوْ أثارة مّنْ عِلْمٍ} يقول: بينة من الأمر.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه في قوله: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ الرسل} يقول: لست بأوّل الرسل {وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ} فأنزل الله بعد هذا {لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] وقوله: {لّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جنات} الآية [الفتح: 5]، فأعلم سبحانه نبيه ما يفعل به، وبالمؤمنين جميعاً.
وأخرج أبو داود في ناسخه عنه أيضاً أن هذه الآية منسوخة بقوله: {لّيَغْفِرَ لَكَ الله} وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث أمّ العلاء قالت: لما مات عثمان بن مظعون قلت: رحمك الله أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك أن الله أكرمه؟ أما هو فقد جاءه اليقين من ربه، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم، قالت أمّ العلاء: فوالله لا أزكي بعده أحداً».




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال