سورة الأحقاف / الآية رقم 19 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ القُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ القَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ

الأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقافالأحقاف




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (16) وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (19) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)}.
التفسير:
قوله تعالى:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ، وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ}.
فى هاتين الآيتين مباحث:
أولا: مناسبتهما لما قبلهما:
وتبدو هذه المناسبة فيما تضمنته الآيات السابقة من الإشارة إلى القرآن الكريم، وأنه يحمل النذير بالعذاب إلى الذين ظلموا، والبشرى بالجنة والرضوان للذين آمنوا وأحسنوا.. ثم ما جاء بعد ذلك من تعقيب بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا...} وما في هذا التعقيب من بيان لما أعد اللّه للذين آمنوا واستقاموا من جزاء كريم في الآخرة، وأنهم أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ثم كان قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً..} دعوة مرافقة للدعوة إلى الإيمان باللّه، وإحسان العمل في سبيل مرضاته، وأن من الإحسان، الإحسان إلى الوالدين، فلن يكون الإنسان من المحسنين، إذا فاته الإحسان إلى أبويه.
وفى أكثر من موضع من القرآن الكريم، اقترن الأمر بطاعة اللّه، بطاعة الوالدين، والإحسان إليهما: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً} [23: الإسراء].. {وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [13- 14 لقمان].
وثانيا: المراد بالإنسان في قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً} أهو مطلق الإنسان أم هو إنسان بالذات؟.
أكثر المفسرين على أن هذه الآية نزلت في أبى بكر رضى اللّه عنه، وأنه هو الإنسان المقصود هنا. ومستندهم في هذا، أن أبا بكر رضى اللّه عنه، هو الذي آمن، وآمن معه والداه، أول الدعوة الإسلامية، وأنه- رضى اللّه عنه- كان في أول الدعوة الإسلامية في الأربعين من عمره، إذ كان- كما يقولون- أصغر سنّا من النبي- صلى اللّه عليه وسلم- بنحو عامين.
والذي نراه- ونرجو أن يكون صوابا- هو أن المراد بالإنسان، هو مطلق هذا الإنسان، الذي وصاه اللّه بوالديه إحسانا.. فهذه الوصاة بالإحسان إلى الوالدين موجهة إلى كل إنسان.. ولكن كما يتردد بعض الناس في قبول دعوة إلى اللّه إلى الإيمان به، أو يرفض هذه الدعوة- كذلك يتردد بعض الناس في امتثال أمر اللّه بالإحسان إلى الوالدين، أو لا يستجيب لهذه الدعوة أبدا.. وكما يتوب اللّه سبحانه وتعالى على العصاة ويتجاوز عن سيئاتهم، ويقبلهم في أهل الإيمان والإحسان، كذلك يقبل اللّه سبحانه من يراجع نفسه، ويقبل بالإحسان إلى والديه بعد أن فرّط وقصر.
ففى قوله تعالى: {حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ...} في هذا ما يشير إلى شيء من التقصير في حق الوالدين، وإلى مطاولة الزمن وعدم المبادرة بالإحسان إليهما منذ مطلع الصبا والشباب، حتى امتدّ هذا التفريط والتقصير إلى أن بلغ هذا الإنسان أشده، وبلغ أربعين سنة، حيث استوفى غاية ما يمكن أن يبلغه من سلامة إدراك، وحسن تقدير.. وعندها ثاب إلى رشده، وأقبل على والديه، يصلح من أمره معهما ما أفسده بتقصيره وتفريطه.. ثم هو في هذا الموقف، وقد بلغ من العمر أربعين سنة، ينظر إلى ذريته نظرة أبويه إليه، فيذكر فضلهما عليه، وإحسانهما إليه، وما يؤثرانه به من خير وبرّ، كما يؤثر هو ذريته من خيره وبره.. وهذا من شأنه أن يحرك عاطفته الجامدة نحو أبويه، ويؤدى ما قصر فيه من حقهما، كما يود أن يؤدى له أبناؤه ما يجب عليهما له من طاعة وولاء.
فالإنسان هنا، هو الإنسان الذي قصر في حق والديه، ثم عاد فأحسن صحبتهما، وأدى ما يجب عليه نحوهما.. وبهذا تقبل اللّه عنه أحسن ما عمل، وتجاوز عما كان منه من تقصير.. {أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ}.
ثالثا: في قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا.
الآية} ما يدل على أن الآية السابقة ليست خيرا عن إنسان واحد بعينه، وإنما هى خبر عن كل إنسان كان على هذا الوصف من أبويه.. فرّط في حقهما، وقصر في الإحسان إليهما، ثم كانت منه توبة إلى اللّه، وإحسان إليهما.. وهذا مثل قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [70: الفرقان].
رابعا: من العبارات التي تحتاج إلى شرح:
قوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} أي حملته واجدة ما تكره من آلام الحمل والولادة، لا ما تكره من الحمل نفسه، فهى- مع هذه الآلام التي تجدها- حريصة على أن تحمل جنينها، وأن تتحمل هذه المكاره في سبيله.. فهى بهذا إنما ترضى طبيعة الأنثى فيها، وإن كانت تقاسى ما تقاسى من آلام في الحمل، وفى الوضع.
وقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} أي مدة حمله وفطامه ثلاثون شهرا.. وقد جمع بين مدة الحمل ومدة الفطام معا، للإشارة إلى أن الأمّ تعالى من المشقات وتتحمل من الآلام في مدة الرضاع والقيام على شئون وليدها، نفس المشقات والآلام التي كانت تعانيها وتحتملها أثناء الحمل والولادة، وإن اختلفت طعومها وألوانها.
قوله تعالى: {وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ}.
فى هذه الآية بيان للصنف الثاني من الأبناء، وهم الذين مضوا في عقوقهم لأبويهم إلى آخر أيام حياتهم، فلم يكن لهم عند بلوغهم غاية ما يبلغه الإنسان من كمال عقلى، وتوازن شعورى، بعد أن يبلغ أشده، وتذهب فورة الشباب، ويسكن جنون الصبا- لم يكن لهم عند هذا واعظ من أنفسهم، يعظهم، ويقيم وجوههم على الطريق القويم.
ثم إنه ليس الذي كان من عقوق هنا هو مجرّد التقصير في حق الأبوين، بل تجاوز هذا إلى العدوان عليهما، إذ يدعوانه إلى الخير، ويمدان إليه أيديهما بالإحسان، حين يطلبان إليه أن يؤمن باللّه، وأن يخرج من هذا الضلال الذي اشتمل عليه، وقاده إلى عذاب جهنم، فيلقاهما بهذا الردع والزجر، ويرمى في وجهيهما بهذه القولة الآثمة: {أُفٍّ لَكُما}!! وفى قوله تعالى: {أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} استفهام إنكارى، ينكر به هذا الابن الضال العاق، على والديه أن يدعواه إلى الإيمان باللّه، وأن يحدثاه عن البعث والحياة بعد الموت، وأن هذا أمر لا يصدقه عقل، وقد مضت القرون، ولم يبعث الموتى من قبورهم.
فكيف يكون هناك بعث؟ ولو كان ذلك أمرا كائنا لبعث الذين ماتوا من آلاف السنين.. هذا هو منطق الضالّين الأغبياء! وقوله تعالى: {وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ.. إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}.
إشارة إلى ما في قلب الوالدين من حرص على نجاة هذا الولد العاق، وإن رماهما بما يسوء من منكر القول.. إنه يقول لهما: {أُفٍّ لَكُما} وهما يستغيثان اللّه من أجله، ويطلبان من اللّه أن يهديه ويصلح أمره!.
قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ}.
أي أن هذا الصف من الذين عقّوا آباءهم، وخرجوا عن طاعتهم، كما أنهم حادّوا اللّه، وحادوا عن طريق الهدى- هؤلاء قد حق عليهم القول، ووقعوا تحت حكم اللّه على أهل الضلال والكفر في الأمم السابقة من الجن والإنس.. وأولئك هم الخاسرون، الذين خسروا أنفسهم، فكانوا من أصحاب الجحيم.
هذا، ويقال إن هاتين الآيتين، نزلتا في عبد الرحمن بن أبى بكر، كما نزلت الآيتان السابقتان عليهما، في أبى بكر رضى اللّه عنه.
وهذا مردود لما يأنى:
أولا: لأن عبد الرحمن بن أبى بكر قد أسلم، وأنه لو صحّ منه هذا الموقف قبل إسلامه، لكان إسلامه دافعا عنه هذا الحكم الذي تضمنته الآية، والذي سلك أهله في سلك الفاسقين الذين حق عليهم القول، ولكان ثوب الإسلام الذي لبسه، ساترا له، إلى أن يلقى ربه بما هو عليه من عمل.
وثانيا: لأن أبا بكر- الذي قيل إن الآيتين السابقتين نزلتا فيه- قد كان من دعائه قوله: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}.
فكيف يكون من أبى بكر هذا الدعاء، ثم يكون من ذريته من يفضحه اللّه بهذا الخزي على الملأ، ويلبسه ثوب جهنم في الدنيا؟ أيتفق هذا وما لأبى بكر عند اللّه من هذا المقام الكريم الذي سجله القرآن في أكثر من موضع؟
قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}.
أي ولكل من هذين الصنفين من الأبناء، درجاتهم ومنازلهم عند اللّه، بحسب أعمالهم، التي يوفون جزاءها بالحق، فيجزى أهل الإحسان بالإحسان، وأهل الإساءة بالإساءة،.. ولا يظلم ربك أحدا.
قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}.
هو عرض لمشهد من مشاهد القيامة، يرى فيه الكافرون وقد وقفوا موقف الحساب، والمساءلة، على ما كان منهم في حياتهم الدنيا، من بغى، واستكبار في الأرض بغير الحق.
إن الكافرين والضالين، إذ يعرضون على النار في هذا اليوم، ويساقون إلى العذاب الأليم فيها، يقال لهم وهم على شفيرها: هذا جزاؤكم، فلقد أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا، واستمتعتم بها، ولم تدخروا منها شيئا لهذا اليوم.
لقد كانت معكم عقول تعقلون بها، وآذان تسمعون بها، وأعين تبصرون بها، فما استعملتم شيئا من هذا في سبيل التعرف على اللّه، والاهتداء إليه، بل صرفتم هذا كله إلى مواقع الكفر والضلال: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ} الذي تهدر فيه آدميتكم، وتذهب كرامتكم، فلا يكون لكم إلا الهوان والإذلال، إذ كنتم ولا عقل معكم، ولا سمع، ولا بصر! وهذا ما يشير إليه قوله تعالى في هذه السورة: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً، فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} (الآية: 26).
فالطيبات التي أذهبها الكافرون في حياتهم الدنيا، هى تلك القوى التي أودعها اللّه سبحانه وتعالى فيهم، من عقل، وسمع، وبصر، ونحوها مما يكون به الإنسان إنسانا، والتي يكشف بها مواقع الهدى والخير.. وقد عطل الكافرون هذه القوى، وأفسدوها حين صرفوها في وجوه الفساد، وفى اصطياد اللذات وجلب الشهوات.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال