سورة الحجرات / الآية رقم 2 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وَجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ

الفتحالفتحالفتحالفتحالفتحالفتحالحجراتالحجراتالحجراتالحجراتالحجراتالحجراتالحجراتالحجراتالحجرات




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


يقول الحق جلّ جلاله: {يا أيها الذين آمنوا} تصدير الخطاب بالنداء، تنبيهُ المخاطبين على أنَّ في حيّزه أمر خطير يستدعي اعتنائهم بشأنه، وفرط اهتمامهم بتلقيه ومراعاته، ووصفهم بالإيمان لتنشيطهم، والإيذان بأنه داع إلى المحافظة عليه ووازع عن الإخلال به، {لا تُقدِّموا} أي: لا تفعلوا التقديم، على ترك المفعول للقصد إلى نفس الفعل من غير اعتبار تعلقه بأمرٍ من الأمور، على طريقة قولهم: فلان يعطي ويمنع، أو: لا تُقدّموا أموراً من الأمور، على حذف المفعول، للعموم، أو: يكون التقديم بمعنى التقدُّم، من قدّم اللازم، ومنه: مقدمة الجيش، للجماعة المتقدَّمة، ويؤيده قراءة مَن قرأ: {لا تَقدَّموا} بحذف أحدى التاءين، أي: لا تتقدموا {بين يدي اللّهِ ورسولهِ}: لا تقطعوا أمراً قبل أن يحكما به، وحقيقة قولك: جلست بين يدي فلان: أن تجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريباً منه، فسُميت الجهتان يدين؛ لكونهما على سمت اليدين مع القرب منهما، توسعاً، كما يُسمّى الشيء باسم غيره إذا جاوره.
وفي هذه العبارة ضرب من المجاز الذي يُسمى تمثيلاً، وفيه فائدة جليلة، وهي: تصوير الهُجْنَةِ والشناعة فيما نُهوا عنه من الإقدام على أمر من الأمور دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة. ويجوز أن يجري مجرى قولك: سرَّني زيد وحُسْنُ ماله، فكذلك هنا المعنى: لا تُقدِّموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفائدة هذا الأسلوب: الدلالة على قوة الاختصاص، ولمَّا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله بالمكان الذي لا يخفى؛ سلك به هذا المسلك، وفي هذا تميهد لما نُقِم منهم من رفع أصواتهم فوق صوته؛ لأن مَن فضَّله الله بهذه الأَثْرة، واختصه بهذا الاختصاص، كان أدنى ما يجب له من التهيُّب والإجلال: إن لا يُرفع صوتٌ بين يديه، ولا يُقطع أمر دونه، فالتقدمُ عليه تَقَدمٌ على الله؛ لأنه لا ينطلق عن الهوى، فنبغي الاقتداء بالملائكة؛ حيث قيل فيهم: {لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ..} [الأنبياء: 27] إلخ.
قال عبد الله بن الزبير: قَدِمَ وفد من تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: لو أمَّرت عليهم القعقاع بن معبد، وقال عمر: يا رسول الله؛ بل أَمِّر الأقرعَ بن حابس؛ فقال أبو بكر: ما أردتُ إلا خلافي، وقال عمر: ما أردتُ خِلافَك، وارتفعت أصواتهما، فنزلت. فعلى هذا يكون المعنى: لا تُقَدِّموا وُلاةً، والعموم أحسن كما تقدّم. وعبارة البخاري: «وقال مجاهد: (لا تقُوموا) لا تَفْتاتُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يَقضي اللّهُ- عزّ وجل- على لسانه». وعن الحسن: أن ناساً ذبحوا يوم الأضحى قبل الصلاة، فنزلت، فأمرهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا، وعن عائشة: أنها نزلت في النهي عن صوم يوم الشك.
{واتقوا اللّهَ} في كل ما تأتون وتذرون من الأحوال والأفعال، التي من جملتها ما نحن فيه، {إِنَّ اللّهَ سميع} لأقوالكم {عليم} بأفعالكم، فمن حقِّه أن يُتَّقى ويُراقَب.
{يا أيها آمنوا لا ترفعوا أصواتَكم فوقَ صوتِ النبي} شروع في النهي عن التجاوز في كيفية القول عند النبي صلى الله عليه وسلم، بعد النهي عن التجاوز في نفس القول والفعل، وإعادة النداء مع قرب العهد؛ للمبالغة في الإيقاظ والتنبيه، والإشعار باستقلال كل من الكلامين باستدعاء الاعتناء بشأنه؛ أي: لا تبلغوا بأصواتكم وراء حدٍّ يبلغه صوته صلى الله عليه وسلم، بل يكون كلامه عالياً لكلامكم، وجهره باهراً لجهركم، حتى تكون مزيّته عليكم لائحةً، وسابقته لديكم واضحة.
{ولا تجهروا له بالقول} إذا كلّمتموه {كجَهْرِ بعضِكم لبعضٍ} أي: جهراً كائناً كالجهر الجاري فيما بينكم، بل اجعلوا أصواتكم أخفض من صوته، واختاروا في مخاطبته القول اللين القريب من الهمس، كما هو الدأب في مخاطبة المهابِ المُعظّم، وحافظوا على مراعاة هيبة النبوة وجلالة مقدارها. وقيل: معنى: {لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض}: لا تقولوا: يا محمد، يا أحمد، بل: يا رسول الله. يا نبي الله، ولمّا نزلت هذه الآية؛ ما كلّم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر إلا كأخي السِّرار.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شمَاس، وكان في أذنيه وَقْر، وكان جَهْوَريَّ الصوت، وكان إذا تكلم رفع صوته، وربما كان يكلّم النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيتأذّى من صوته. اهـ. والصحيح ما تقدّم. وفي الآية أنهم لم يُنهوا عن الجهر مطلقاً، وإنما نُهوا عن جهرٍ مخصوص، أي: الجهر المنعوت بمماثلة ما اعتادوه فيما بينهم، وهو الخلوّ عن مراعاة هيبة النبوة، وجلالة مقدارها.
وقوله: {أن تحبط أعمالُكم} مفعول من أجله، أي: لا تجهروا خشية أن تحبط أعمالكم، {وأنتم لا تشعرون} فإنَّ سوء الأدب ربنا يؤدي بصاحبه إلى العطب وهو لا يشعر. ولمّا نزلت الآية جلس ثابت بن قيس في بيته ولم يخرج، فتَفقَّده صلى الله عليه وسلم، فدعاه فسأله، فقال: يا رسول الله؛ لقد أُنزلت عليك هذه الآية، وإني رجل جهير الصوت، فأخاف أن يكون عملي قد حبط، فقال له صلى الله عليه وسلم: «لست هناك، تعيش بخير، وتموت بخير، وإنك من أهل الجنة».
وأما ما يُروى عن الحسن: أنها نزلت في المنافقين، الذي كانوا يرفعون أصواتهم فوق صوته صلى الله عليه وسلم فقد قيل: محْمله: أنّ نهيهم مندرج تحت نهي المؤمنين بدليل النص.
{إِنَّ الذين يَغُضُّون أصواتَهم عند رسول الله} أي: يخفضون أصواتهم في مجلسه، تعظيماً له، وانتهاءً عما عنه، {أولئك الذين امتحن اللّهُ قلوبَهم للتقوى} أي: أخلصها وصفَّاها، من قولهم: امتحن الذهب وفَتَنه: إذا أذابه، وفي القاموس: محنَه، كمنعه: اختبره، كامتحنه، ثم قال: وامتحن القول: نَظَرَ فيه ودبّره، والله قلوبَهم: شرحها ووسّعها، وفي الأساس: ومن المجاز: محنَ الأديمَ: مدّده حتى وسعه، وبه فسّر قوله تعالى: {امتحن اللّهُ قلوبَهم للتقوى} أي: شرحها ووسعها، {لهم مغفرة وأجرٌ عظيمٌ} أي: مغفرة لذنوبهم، وأجر عظيم: نعيم الجنان.
الإشارة: على هذه الآية والتي بعدها اعتمد الصوفية فيما دوَّنوه من آداب المريد مع الشيخ، وهي كثيرة أُفردت بالتأليف، وقد جمع شيخنا البوزيدي الحسني رضي الله عنه كتاباً جليلاً جمع فيه من الآداب ما لم يُوجد في غيره، فيجب على كل مريد طالب للوصول مطالعتُه والعملُ بما فيه.
والذي يُؤخذ من الآية: أنه لا يتقدم بين يدي شيخه بالكلام، لا سيما إذا سأله أحدٌ، فمِن الفضول القبيح أن يسبق شيخَه بالجواب، فإنَّ السائل لا يرضى بجواب غير الشيخ، مع ما فيه من إظهار علمه، وإشهار شأنه، والتقدم على شيخه. ومن ذلك أيضاً: ألاَّ يقطع أمراً دون مشورته، ما دام تحت الحجرية، وألاَّ يتقدم أمامه في المشي إلا بإذنه، وأن يغضّ صوته عند حضوره، بل لا يتكلم إلا أن يأذن له في الكلام، ويكون بخفض صوت وتعظيم.
قلت: وما زالت أشياخنا تأمرنا بالتكلم عند المذاكرة؛ إذ بالكلام تُعرف أحوال الرجال، وسَمِعتُ شيخ شيخنا، مولاي العربي الدرقاوي الحسني رضي الله عنه يقول: حُكّونا في المذاكرة؛ ليظهر العلم، وكونوا معنا كما قال القائل: حك لي نربل لك، لا كما قال القائل: سَفِّجْ لي نعسل لك. اهـ. لكن يكون بحثُه مع الشيخ على وجه الاسترشاد والاستعلام، من غير معارضة ولا جدال، وإلا وإلا فالسكوت أسلم.
قال القشيري: {لا تُقدّموا بين يَدي الله ورسوله} لا تعملوا في أمر الدين من ذات أنفسكم شيئاً، وقُفوا حيثما وُقِفْتم، وافعلوا ما به أُمِرْتُم، أي: اعملوا بالشرع لا بالطبع في طلب الحق، وكونوا من أصحاب الاقتداء والاتباع، لا من أرباب الابتداء أو الابتداع.
وقال في قوله تعالى: {لا ترفعوا أصواتَكم...} الآية، يُشير إلى أنه من شرط المؤمن: ألا يرى رأيَه وعقلَه واختيارَه فوق رأي النبي والشيخ، ويكون مستسلماً لرأيه، ويحفظ الأدب في خدمته وصحبته، {ولا تجهرا له بالقول كجهر بعضكم لبعض} أي: لا تخاطبوه كخطاب بعضكم لبعض، بل خاطبوه بالتعظيم والتبجيل، ولا تنظروا إليه بالعين التي تنظرون إلى أمثالكم، وإنه لحُسْن خُلقه قد يُلاعبكم، فلا تنبسطوا معه، متاجسرين عليه بما يُعاشركم من خُلقه، ولا تَبدأوه بحديث حتى يُفاتحكم، أن تحبط أعمالكم بسوء أدبكم، وأنتم لا تشعرون. إنَّ الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله وعند شيخه أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، أي: انتزع عنها حبّ الشهوات، وصفّاها من دنس سوءِ الأخلاق، وتخلقت بمكارم الأخلاق، حتى انسلختْ من عادات البشرية. اهـ.
وقال في القوت: الوقاية مقرونة بالنصرة؛ فإذا تولاَّه نَصَره على أعدائه، وأعْدى عدُوه نفْسُه، فإذا نَصَره عليها، أخرج الشهوة منها، فامتحنَ قلبَه للتقوى، ومحّض نفسَه، فخلّصها من الهوى. اهـ.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال