سورة ق / الآية رقم 32 / تفسير التفسير القرآني للقرآن / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كَنتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي العَذَابِ الشَّدِيدِ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ قَالَ لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ وَأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الخُلُودِ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ

ققققققققققققققق




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)}.
التفسير:
قوله تعالى: {قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} هو عرض لصورة من صور التلاحي والترامي بالتهم بين قرناء السوء يوم القيامة.
فحين يؤخذ أحد القرينين- وهو التابع- ليساق إلى جهنم، يتعلق به صاحبه، قائلا: ربّ هو الذي أضلنى عن الحق، وأغوانى بما أغوانى من ضلال.
وهنا يحاول القرين المتبوع، وهو الشيطان- دفع هذا الاتهام عن نفسه، فيقول:
{رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ}.
إنه كان مسوقا إلى الضلال بنفسه، متجها إليه بأهوائه، سواء وجد من يدعوه إلى هذا الضلال أو لم يجد.
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [22: إبراهيم].
قوله تعالى: {قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ}.
هو قولة الحق من اللّه سبحانه وتعالى، إلى قرناء السوء، سواء منهم التابعون، والمتبوعون.. إنه لا تخاصم اليوم بين يدى اللّه، فقد توعد اللّه أهل الضلال، وحذرهم عاقبة أمرهم، وإن مع كل إنسان عقلا يدرك به، ونظرا يرى به عواقب الأمور، وليس يغنى في مقام المساءلة والمحاسبة أن يلقى إنسان بجرمه على غيره {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ} [14- 15: القيامة].
قوله تعالى: {ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}.
أي أنه لا ينقض هذا الحكم الذي قضى اللّه به في أهل الضلال، ولن تنفع الظالمين معذرتهم، ولا هم يستعتبون.
وقوله تعالى: {وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}.
هو توكيد ل قوله تعالى: {ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ}.
لأن هذا حكم من أحكم الحاكمين، رب العالمين، الذي يقضى بين عباده بالحقّ.
قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}.
أي إن هذا القضاء إنما يكون يوم القيامة، يوم يعرض الناس على رب العالمين، يوم يساق المجرمون إلى جهنم.. وإنهم لأعداد كثيرة، يتقحمونها فوجا بعد فوج، وهى فاغرة فاها لتبتلع كل وارد عليها، دون أن تشبع.
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ} 68:
(العنكبوت).
قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ}.
هذه أول آية في هذه السورة تتحدث عن المؤمنين، وما أعد اللّه لهم من ثواب عظيم وأجر كريم.. فقد كانت السورة كلها مواجهة لأهل الشرك والضلال، وما دخل عليهم من شركهم وضلالهم، من إنكار ليوم البعث، حتى إذا جاءهم هذا اليوم، ذهلوا وذعروا، ثم إذا سيقوا إلى المحشر، والتقى بعضهم ببعض- أنكر بعضهم بعضا، وتراموا بالعداوة والبغضاء، ثم ألقوا جميعا في جهنم التي لا تضيق بكثرة الواردين إليها.
فقوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} هو النسمة العليلة المنعشة التي تطلع في هذا الجوّ الخانق، الذي يكظم الأفواه، ويزكم الأنوف، مما يهب من سعير جهنم، ومن صرخات أهلها.
إن يوم القيامة ليس كله هذا الهول وهذا البلاء، بل إن في هذا اليوم مباهج، ومسرات، وبشريات مسعدة لأهل الإيمان والتقوى.. وأنه إذا كان هناك جهنم التي تفغر فاها لأهل الشرك والضلال، فإن هناك أيضا جنة عرضها السموات والأرض أعدّت للمتقين.. وأنه إذا كانت جهنم تنتظر الواردين الذين يسوقهم إليها سائق عنيف يدعّهم دعّا، ويلقى بهم إلقاء فيها، فإن الجنة تسعى للقاء أهلها، وتلقاهم متوددة، متلطفة، تماما كما يفعل المضيف عند استقبال ضيف عزيز كريم، فيلقاه على الطريق مرحبا محييا.
فقوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ} أي قربت، والزلفى: القرب.. وهذا يكون في مقام الإحسان، كما في قوله تعالى: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ} [40: ص].
قوله تعالى: {هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ..}.
أي هذا الجزاء الكريم الطيب، هو ما وعد اللّه سبحانه به الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
والأوّاب: مبالغة من الأوب، وهو الرجوع، والمراد به الرجوع إلى اللّه، والاعتصام به في كل حال، وإضافة الأمر إليه في السراء والضراء.. فهذا هو مقتضى الإيمان الحق باللّه، حيث يقوم من هذا الإيمان شعور قوىّ حىّ، يصل الإنسان بربه أبدا، فإذا كان منه انحراف مع هواه لم يلبث أن يردّه هذا الشعور إلى ربه تائبا مستغفرا، كما يقول سبحانه. {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ}.
(201: الأعراف) والحفيظ: مبالغة من الحفظ، وهو حفظ الإنسان لنفسه، وحراستها من الأهواء والضلالات التي ترد عليها.. ثم حفظ ما اؤتمن عليه من أحكام دينه.
وقوله تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ} بدل من قوله تعالى: {أَوَّابٍ حَفِيظٍ}.
فالأوّاب إنما كان أوابا وكان حفيظا، لأنه كان على خشية لربه، وخوف من لقائه، وعذابه.
والمراد بالخشية بالغيب، الخشية التي تكون من الإنسان في غير حضور من وازع سلطان أو قانون، وحيث تمكن الإنسان الفرصة من أن يفعل المنكر، ويرتكب الفحشاء من غير أن يطلع عليه مطلع، ولكنه يردّ نفسه عن هذا خوفا من اللّه، وحياء من جلاله.
وفى ذكر الاسم الكريم {الرحمن} هنا إشارة إلى مبلغ التقوى والخشية التي تستولى على نفس هذا المؤمن الذي يخشى ربه، وهو يستحضر رحمته ويذكر سعة هذه الرحمة، ومع هذا فإن ذلك- وإن أطمعه في رحمة اللّه- لا يجرّئه على محاربته بالمعصية، بل إنه في حضور هذه الرحمة يكون أشد حبّا لربه، ومن أحب لم يكن منه عصيان لمن امتلأ قلبه بحبه.
وقوله تعالى: {وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} معطوف على قوله تعالى: {خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ}.
أي كانت منه خشية للرحمن بالغيب، وكان منه مجىء، وعودة إلى ربه بقلب منيب، أي راجع من شروده الذي كان متجها به إلى طريق المعصية.. فالقلب هو موطن المعتقدات الصالحة أو الفاسدة، ومصدر التصرفات الطيبة أو الخبيثة، كما يشير إلى ذلك الحديث الشريف: «ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب»!.
قوله تعالى: {ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ}.
هو التفات إلى أهل الإيمان والتقوى، هؤلاء الذين يخشون ربهم بالغيب، ويقبلون عليه بقلوب سليمة، منيبة، وهو دعوة كريمة من رب كريم إليهم أن يقبلوا هذه الضيافة الكريمة التي ينزلهم فيها، وقد جاءوا إليه سبحانه، مسلمين تائبين.
وقوله تعالى: {بِسَلامٍ} هو حال من فاعل {ادْخُلُوها} أي أدخلوا هذه الجنة التي أزلفت لكم، مصحوبين بسلام، لا يمسّكم ما يسوء أبدا.
قوله تعالى: {لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ}.
الانتقال من الخطاب إلى الغيبة، فيه مزيد حسرة لأهل الضلال والشرك، وكأن هذا حديث إليهم، وردّ على ما يغلى في صدورهم من حسد لأهل الإيمان والتقوى، الذين دعاهم اللّه سبحانه إلى جنته ورضوانه، وأنهم إذ يحسدون المؤمنين على هذه الجنة التي أزلفت لهم فليسمعوا إذن ما يؤحج هذه النار المشتعلة في قلوبهم من حسرة وحسد: إن هذه الجنة سيجد فيها أهلها ما يطلبون، وما يشتهون من كل شىء، يجدون ذلك حاضرا عتيدا بين أيديهم من غير سعى أوكد.. بل وأكثر من هذا، فطن اللّه سبحانه يسوق إليهم من فضله وإحسانه ما لم يقع في حسابهم، وما لم يخطر على بالهم، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {وَلَدَيْنا مَزِيدٌ} بعد قوله سبحانه: {لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها}.
قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ.. هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} عاد الحديث مرة أخرى، ليصل ما انقطع من أخبار أهل الكفر والضلال، وما يلقون على طريق كفرهم وضلالهم، وما تنتهى إليه مسيرتهم التي تلقى بهم في سواء الجحيم.
وهذا الحديث يواجه المشركين بعد أن رأوا مشاهد القيامة، وما فيها من عذاب ونعيم، عذاب لأهل الكفر والفسوق والعصيان، ونعيم لأهل الإيمان، والطاعة والتقوى.. فلينظروا بعد هذا إلى أنفسهم، وليأخذوا الطريق الذي يشاءون، إلى النار إن شاءوا، أو إلى الجنة إن أرادوا. وأنهم إن أبوا أن يتوقفوا عن مسيرتهم على طريق غيهم وضلالهم، مغترين بقوتهم، معتزين بمكانتهم في أهليهم- فليعلموا أنهم أضعف قوة، وأقل شأنا ممن كان قبلهم من أهل الضلال، وقد أهلكهم اللّه، وأنزلهم منازل الهون والعذاب.
وقوله تعالى: {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ}.
التنقيب في البلاد: السعى بالإفساد فيها، واستعمال قوتهم في الاستبداد بالعباد، كما يقول سبحانه في فرعون وملائه:
{وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ} [10- 13 الفجر] وقوله تعالى: {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ؟} أي هل انتفع هؤلاء المغترون بقوتهم المعتزون بسلطانهم، في ردّ بأس اللّه عنهم، وفى رفع البلاء الذي أخذهم به؟
كلا. فما أغنى عنهم ذلك من اللّه من شىء.
والمحيص: المفرّ من مواجهة البلاء، والتماس السلامة من الهلاك.. وفى هذا يقول الشاعر:
وهل نحن إن حصنا عن الموت حيصة *** هل العمر باق والمدى متطاول؟
قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} أي في هذه المعارض التي تعرضها الآيات، في مقام الوعد أو الوعيد- في هذه المعارض موعظة، واعتبار، وذكرى.. ولكن ليس هذا لكل إنسان، بل {لمن كان له قلب} أي كان ذا قلب سليم، معافى من الآفات التي تقتل كل بذرة خير تبذر فيه، فلا تنبت زهرا، ولا تطلع ثمرا.. كما أن المعارض فيها عبرة، وذكرى، وموعظة، لمن كان قلبه في غفوة وغفلة عن مواقع العبر والعظات، ولكن كان له أذن واعية، تستمع لما يلقى إليها من آيات اللّه وكلماته، ومن نصح الناصحين، ووعظ الواعظين.. وهنا يتنبه القلب الغافل، ويصحو القلب الغافى.
وهذا يعنى أن الإنسان قد يتهدّى إلى الهدى بنفسه، ويرد موارد السلامة والنجاة ببصيرته، إذا كان معه قلب سليم، وفطرة لم تقع فريسة لآفات الهوى والضلال.. فإذا لم يكن مع الإنسان هذا القلب وتلك الفطرة، فإنه يمكن أن يأخذ طريق الهدى من خارج ذاته، إذا هو أصغى إلى كلمات الحق الواردة عليه من رسل اللّه، أو الراشدين المهتدين من عباد اللّه.. شأنه في هذا شأن الأعمى، الذي إن أسلم يده لمبصر قاده إلى مأمنه، وإن هو استبدّ به العناد، وأبى أن يعطى يده لأحد، سار متخبطا، يتردّى في الحفر والمعاثر، حتى يهوى في مهلكة من المهالك!




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال