سورة النجم / الآية رقم 12 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ المُنتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الهُدَى أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَـاءُ وَيَرْضَى

النجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجم




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


يقول الحق جلّ جلاله: {والنجم} أي: الثريا، أو: جنس النجم {إِذا هَوَى} إذا غرب، أو: انتثر يوم القيامة، أو طلع، يقال: هَوَى هَوِياً، بوزن قَيول إذا غرب، وهَوى هُوياً، بوزن دُخول: إذا طلع. والعامل في {إذا} فعل القسم، أي: أقسم بالنجم وقت غروبه أو طلوعه. وجواب القسم: {ما ضلَّ} عن قصد الحق {صاحِبكُم} أي: محمد صلى الله عليه وسلم، والخطاب لقريش. {وما غَوَى} في اتباع الباطل، أو: ما اعتقد باطلاً قط، أي: هو في غاية الهدى والرشد، وليس مما تتوهموه من الضلالة والغواية في شيء. فالضلال، نقيض الهدى، والغي نقيض الرشد، ومرجعهما لشيء واحد، وهو عدم اتباع طريق الحق.
وقال الفخر: أكثر المفسرين لم يُفرقوا بين الغي والضلال، والفرق بينهما: أنَّ الغي في مقابلة الرشد، والضلال أعم منه، والاسم من الغي: الغَواية- بالفتح- والحاصل: أنّ الغي أقبح من الضلال، إذ لا يرجى فلاحه. وإيراده صلى الله عليه وسلم بعنوان صاحبهم للإيذان بوقوفهم على تفاصيل أحواله الشريفة، وإحاطتهم خُبراً ببراءته- عليه الصلاة والسلام- مما نفى عنه بالكلية، وباتصافه- عليه الصلاة والسلام- بغاية الهدى والرشد؛ فإنَّ كون صحبتهم له صلى الله عليه وسلم، ومشاهدتهم لمحاسن شؤونه العظيمة مقتضية لذلك حتماً. وتقييد القسم بوقت الهُوى؛ لأن النجم لا يهتدي به الساري إلا عند هبوطه أو صعوده، وأما ما دام في وسط السماء فلا يهتدي به، ولا يعرف المشرق من المغرب، ولا الشمال من الجَنوب.
ثم قال: {وما ينطق عن الهوى} أي: وما يصدر نطقه بالقرآن أو غيره عن هواه ورأيه أصلاً، {إنْ هو إِلا وحيٌ} من الله تعالى {يُوحَى} إليه، وهي صفة مؤكدة لوَحْي، لرفع المجاز، مفيدة لاستمرار التجدُّد للوحي، واحتج بهذه الآية مَن لا يرى الاجتهاد للأنبياء- عليه السلام- ويُجاب بأن الله تعالى إذا سوّغ لهم الاجتهاد وقررهم عليه كان كالوحي، لا نُطقاً عن الهوى.
{علَّمه شديدُ القوى} أي: مَلكٌ شديد قواه، وهو جبريل عليه السلام: فإنه الواسطة في إيراد الوحي إلى الأنبياء، ومَن قوته أنه خلع قُرى قوم لوط من الماء الأسود الذي تحت الثرى، وحملها على جناحه، ورفعاه إلى السماء ثم قلبها، وصاح صيحةً بثمود، فأصبحوا جاثمين، وكان هبوطه على الأنبياء وصعوده أسرع من لحظة.
{ذو مِرَّةٍ} أي: ذو خصابة في عقله، ورزانة ومتانة في دينه. وأصل المِرة: الشدّة، من مراير الحبل، وهو فتله فتلاً شديداً، أو: ذو حُسن في منظره، {فاستوى}: عطفٌ على {علَّمه} بطريق التفسير، فإنه إلى قوله: {ما أوحى} بيان لكيفية التعليم، أو: فاستقام على صورته التي خلقه الله عليها، دون الصورة التي كان يتمثّل بها كلما هبط بالوحي، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ أن يراه في الصورة التي خلقه اللّهُ عليها، وكان صلى الله عليه وسلم بحراء، فطلع له جبريلُ من المشرق، وسدّ الأرض من المغرب، وملأ الأفق، فخرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فنزل في صورة الأدمي، فضمّه إلى نفسه، وجعل يمسح الغبار عن وجهه.
قيل: ما رآه أحد من الأنبياء في صورته الأصلية إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه رآه فيها مرتين؛ مرة في الأرض، ومرة في السماء، وقيل: استوى بقوته على ما جعل له من الأمر.
{وهو} أي: جبريل {بالأُفق الأعلى} أفق الشمس، أي: مطلعها، {ثم دنا} جبريلُ من النبي صلى الله عليه وسلم {فتدلَّى} أي: زاد في القرب، أو: استرسل من الأفق مع تعلُّق به. يقال: تدلت الشجرة، ودلّى رجله من السرير، ودلّى دلوه، والدوالي: الثمر المُعلّق. {فكان قابَ قوسين} أي: مقدار قوسين عربيين. والقاب: المقدار. قال قتادة وغيره: معناه: من طرف العود إلى طرفه الآخر. وقال مجاهد والحسن: من الوتر إلى العود في وسط القوس، أي: فكان بين جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم مقدار قوسين، {أو أدنى} في تقديركم، كقوله: {أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] وهذا لأنهم خُوطبوا على لغتهم وفهمهم، وهم يقولون: هذا مقدار قوسين أو أدنى.
{فأَوْحَى إلى عبده ما أَوْحَى} أي: فأوحى الله تعالى إلى عبده بواسطة تجلّي جبريل {ما أوحى} من الأمور العظيمة التي لا تفي بها العبارة، وقيل: أوحى إليه: «أنَّ الجنة مُحرّمة على الأنبياء حتى تدخلها، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك» ويمكن حمل الآية على قصة المعراج، أي: {علَّمه شديد القوى} وهو الله تعالى، {ذُو مِرة} أي: شدة ومتانة، ومنه: أسمه المتين، {فاستوى} بنوره أي: تجلّى بنور ذاته من ناحية الأُفق، أي: العلو {فتدلّى} ذلك النور {فكان قاب قوسين أو أدنى} وفي البخاري: «فدنا ربُّ العزة دنو يليق بجلاله ومجده» ويرجع لتجلّيه لنبيه، وتنزُّله له، وتعرّفه له، وفي حديث الإسراء عنه- عليه الصلاة والسلام-: «سمع النداء من العلي الأعلى: أُدن يا خير البرية، أُدن يا محمد، فأدناني ربي حتى كنتُ كما قال تعالى: {ثم دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى}» قال القشيري: ويُقال: كان بينه وبين ربه قَدْر قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى.
{ما كَذَبَ الفؤادُ} أي: فؤاد محمد عليه السلام {ما رأى} أي: ما رآه ببصره من صورة جبريل على تلك الكيفية، أو: من نور الحق تعالى الذي تجلّى له، أي: ما قال فؤاده لَمَّا رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك لكان كاذباً؛ لأنه عرفه بقلبه، كما عرفه ببصره، وقيل: على إسقاط الخافض، أي: ما كذب القلب فيما رآه البصر، بل ما رآه ببصره حققه، وفي الحديث: سئل صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: «رأيت ربي بفؤادي مرتين»، حديث آخر: «جعل نور بصري في فؤادي، فنظرتُ إليه بفؤادي»، يعني أنه انعكس نور البصر إلى نور البصيرة فرأى ببصره ما رأته البصيرة، وجاء أيضاً: أنه لما انتهى إلى العرش صار كله بصراً، وبهذا يرتفع الخلاف، وأنه رآه ببصر رأسه؛ وقوله عليه السلام حين سأله أبو ذر: هل رأيت ربك؟ فقال «نورَاني أراه» وفي رواية: «نورٌ أَنَّى أراه»؟ بالاستفهام، وفي طريق آخر: «رأيت نوراً» وحاصلها: أنه رأى ذات الحق متجلية بنور من نور جبروته؛ إذ لا يمكن أن ترى الذات إلا بواسطة التجليات، كما هو مقرر عند محققي الصوفية، كما قال الشاعر:
وليستْ تُنال الذاتُ من غير مَظهرٍ *** ولو هُتك الإنسانُ من شدةِ الحرصِ
وقال كعب لابن عباس: إنَّ الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى، فكلَّم موسى مرتين، ورآه محمد مرتين. وقيل لابن عباس: ألم يقل الله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]، قال: ذلك إذا تجلّى بنوره. الذي هو نوره الأصلي، يعني أن الله تعالى يتجلّى لخلقه على ما يطيقون، ولو تجلّى بنوره الأصلي لتلاشى الخلق، كما قال في الحديث: «حجابه النور، لو كشفه لأحرقت تجليات وجهه ما أدركه من بصره»
{أَفتُمارونه} أي: أفتجادلونه، من: المراء، وهو المجادلة، واشتقاقه من: مَرْي الناقة، وهو استخراج لبنها، كأنَّ كل واحد من المتجادلين يَمْري ما عند صاحبه، أي: يستخرجه. وقُرئ في التواتر: {أَفَتَمْرُونه} أي: أفتغلبونه. ولما فيه من معنى الغلبة، قال تعالى: {على ما يرى} فعدّى بعلى، كما تقول: غلبته على كذا، وقيل: أفتمرونه: أفتجحدونه، يقال: مريته حقّه: جحدته، وتعديته ب {على} على مذهب التضمين، والمعنى: أفتُخاصمونه على ما يرى معانيةً، وحققه باطناً.
{ولقد رآه} أي: رأى محمدٌ جبريلَ على صورته الأصلية، أو: رأى ربه على تجلٍّ خاص وتعرفٍ تام، {نزلةً أخرى} مرةً أخرى، والحاصل: أنه عليه السلام رأى ربه بتجلٍّ خاص جبروتي مرتين، عند خرق الحُجب العلوية فوق العرش، عند السدرة، وأما رؤيته عليه السلام لله تعالى في مظاهر الكائنات ففي كل حين، لا يغيب عنه طرفة عين. والنزلة: فعلة من النزول، نُصب نَصبَ الظرف الذي هو {مرّة}. {عند سِدرة المنتهى} الجمهور: أنها شجرة النبق في السماء السابعة، عن يمين العرش، وتسميتها المنتهى؛ إما لأنها في منتهى الجنة وآخرها، أو: لأنها لم يُجاوزها أحد، وإليها ينتهي علم الخلائق، ولا يعلم أحدٌ ما وراءها، أو: إليها ينتهي أرواح الخلائق، أو: أرواح الشهداء، وفي الحديث: «أنها شجرة يسير الراكب في ظلها ألف عام، لا يقطعها، والورقة منها تُظل الأُمّة، وتمرها كالقِلال الكبار».
{عندها جنةُ المأوى} أي: الجنة التي يصير إليها المتقون ويأوون إليها، أو: تأوي إليها أرواح الشهداء والصدّيقين والأنبياء. قال ابن جُزي: يعني أن الجنة التي وَعَدَ اللّهُ بها عبادَه هي عند سدرة المنتهى، وقيل: هي جنة أخرى، والأول أظهر وأشهر. اهـ. ويؤيده ما في الحديث: «إن النيل والفرات يخرجان من أصلها» وهما من الجنة، كما في الصحيح. {إِذ يغشى السدرةَ ما يغشى} ظرف للرؤية، أي: لقد رآه عند السدرة وقت ما غشيها ما غشيها، مما لا يكتنهه الوصف، ولا يفي به البيان، وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية، استحضاراً لصوتها البديعة، أو للإيذان باستمرار الغشيان وتجدُّده، وقيل: يغشاها الجمُّ الغفير من الملائكة، يعبدون الله تعالى عندها، وقيل: يزورونها متبركين بها، كما يزور الناسُ الكعبة، وقيل: يغشاها فَراش من ذهب، والفَراش- بفتح الفاء- ما يطير ويضطرب. {ما زاغ البصرُ} أي: بصر محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أي: ما عدل عن رؤية العجائب التي مُكِّنَ من رؤيتها، {وما طغى} وما جاوز ما أمر برؤيته، {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} أي: والله لقد رأى من عجائب الملكوت وأسرار الجبروت وما لا يفي به نطاق العبارة وقد دُوِّنَتْ هنا كُتبٌ في عجائب ما رآه صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج.
الإشارة: أقسم اللّهُ تعالى بنجم العلم إذا طلع في أفق سماء القلوب الصاحية، إنَّ هذا القلب الذي طلع فيه نجم العلم بالله، وأشرقت عليه شمسُ الحقائق، لا يَضل صاحبُه ولا يغوى، وما ينطق عن الهوى؛ لأنه مستغرق في شهود الحق، لا يتجلى فيه إلا الحق، {إن هو} أي: ما يتجلى فيه إلا وحي يُوحى من قِبل الإلهام الإلهي، علّمه شديدُ القوى، وهو الوارد الرباني، ذو مِرةٍ وشدة؛ لأنه من حضرة قهّار، ولا يُصادم شيئاً إلا دفعه، فاستوى وهو بالأفق الإعلى على من سماء الغيوب، ثم دنا من القلب فتدلّى، فكان من القلب قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللّهُ تعالى بواسطة ذلك الوارد إلى عبده ما أوحى من علوم الحقائق والأسرار، ومن مكاشفات غيوب الأقدار، ما كذب الفؤادُ فيما رأى لأنه حق، لكن قهرية العبودية غيَّبت عنه تعيين وقت وقوعه. ولقد رآه، أي: رأى القلبُ أسرارَ ذات الحق، نزلةً أخرى في عالم الجبروت، الخارج عن دائرة التجليات الكونية، وهي الأسرار اللطيفة، المحيطة في الأنوار الملكوتية والملكية، عند سِدرة المنتهى، وهي شجرة القبضة المحمدية، التي انتهى إليها علم العلماء، وأرواح الشهداء، إذ لا يخرج عن دائرتها أفكار العارفين. عندها جنة المأوى التي يأوي إليها أفكار العارفين وأسرار الراسخين، إذا يغشى السدرة- أي: شجرة الكون- ما يغشى من الفناء والتلاشي عند سطوع شمس الحقائق، ما زاغ بصرُ البصيرة عن شهود تلك الأسرار، وما حجبه عنها أرض، ولا سماء، ولا عرش، ولا كرسي؛ لتلطُّف تلك العوالم في نظر العارف، وما طغى: وما جاوز العبودية حتى يطمع في الإحاطة بعظمة كنه الربوبية، فإنَّ الإحاطة لا تُمكن، لا في هذه الدار، ولا في تلك الدار، بل يبقى الترقي في الكشوفات، والمزيد من حلاوة الشهود أبداً سرمداً، لقد رأى هذا القلب الصافي من عجائب ربه الكبرى، حيث وسع مَن لم تسعه أرضه ولا سماؤه.
وقال الروتجبي بعد كلام: في هذه الآية بيان كمال شرف حبيبه، إذ رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى، ظنَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ ما رآه في الأول لا يكون في الكون- أي: في مظهر الكون- لكمال علمه بتنزيه الحق، فلما رآه ثانياً علم أنه لا يحجبه شيء من الحدثان، وعادة الكُبراء إذا زارهم أحد يأتون معه إلى باب الدار إذا كان عليهم كريمً، فهذا منه سبحانه إظهار كمال حُبه لحبيبه. وحقيقة الإشارة: أنه سبحانه أراد أن يعرف حبيبه مقام الالتباس، فلبس الأمر، وظهرَ المكرُ، وبان الحقُّ من شجرة سدرة المنتهى، كما بان من شجرة العِناب لموسى، ليعرفَهُ حبيبُه بكمال المعرفة، إذ ليس بعارف مَن لم يعرف حبيبه في لباس مختلفة، وبيان ذلك في قوله: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} وأبهم ما غشيه؛ لأن العقول لا تُدرك حقائق ما يغشاها، وكيف يغشاها، والقِدم منزّه عن الحلول في الأماكن؟! كان ولا شجرة، وكانت الشجرة مرآه لظهوره سبحانه، ما ألطف ظهوره، لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يؤمنون به بعد عرفانهم به. اهـ.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال