سورة النجم / الآية رقم 14 / تفسير تفسير أبي حيان / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ المُنتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الهُدَى أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَـاءُ وَيَرْضَى

النجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجمالنجم




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{والنجم}: هم الصحابة. وقيل: العلماء مفرد أريد به الجمع، وهو في اللغة خرق الهوى ومقصده السفل، إذ مصيره إليه، وإن لم يقصد إليه. وقال الشاعر:
هوى الدلو اسلمها الرشا ***
ومنه: هوى العقاب. {صاحبكم}: هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخطاب لقريش: أي هو مهتد راشد، وليس كما تزعمون من نسبتكم إياه إلى الضلال والغي. {وما ينطق}: أي الرسول عليه الصلاة والسلام، {عن الهوى}: أي عن هوى نفسه ورأيه. {إن هو إلا وحى} من عند الله، {يوحى} إليه. وقيل: {وما ينطق}: أي القرآن، عن هوى وشهوة، كقوله: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق} {إن هو}: أي الذي ينطق به. أو {إن هو}: أي القرآن. {علمه}: الضمير عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمفعول الثاني محذوف، أي علمه الوحي. أو على القرآن، فالمفعول الأول محذوف، أي علمه الرسول صلى الله عليه وسلم. {شديد القوى}: هو جبريل، وهو مناسب للأوصاف التي بعده، وقاله ابن عباس وقتادة والربيع. وقال الحسن: {شديد القوى}: هو الله تعالى، وهو بعيد.
{ذو مرة}: ذو قوة، ومنه لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوى. وقيل: ذو هيئة حسنة. وقيل: هو جسم طويل حسن. ولا يناسب هذان القولان إلا إذا كان شديد القوى هو جبريل عليه السلام. {فاستوى}: الضمير لله في قوله الحسن، وكذا {وهو بالأفق الأعلى} لله تعالى، على معنى العظمة والقدرة والسلطان. وعلى قول الجمهور: {فاستوى}: أي جبريل في الجو، {وهو بالأفق الأعلى}، إن رآه الرسول عليه الصلاة والسلام بحراء قد سد الأفق له ستمائة جناح، وحينئذ دنا من محمد حتى كان قاب قوسين، وكذلك هو المرئي في النزلة الأخرى بستمائة جناح عند السدرة، قاله الربيع والزجاج. وقال الطبري: والفراء: المعنى فاستوى جبريل؛ وقوله: {وهو}، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، وفي هذا التأويل العطف على الضمير المرفوع من غير فصل، وهو مذهب الكوفيين. وقد يقال: الضمير في استوى للرسول، وهو لجبريل، والأعلى لعمه الرأس وما جرى معه. وقال الحسن وقتادة: هو أفق مشرق الشمس.
وقال الزمخشري: {فاستوى}: فاستقام على صورة نفسه الحقيقية دون الصورة التي كان يتمثل بها كلما هبط بالوحي، وكان ينزل في صورة دحية، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحب أن يراه في صورته التي جبل عليها، فاستوى له بالأفق الأعلى، وهو أفق الشمس، فملأ الأفق. وقيل: ما رآه أحد من الأنبياء في صورته الحقيقية غير محمد صلى الله عليه وسلم، مرة في الأرض، ومرة في السماء. {ثم دنا} من رسول الله صلى الله عليه وسلم، {فتدلى}: فتعلق عليه في الهوى. وكان مقدار مسافة قربه منه مثل {قاب قوسين}، فحذفت هذه المضافات، كما قال أبو علي في قوله:
وقد جعلتني من خزيمة أصبعا ***
أي: ذا مسافة مقدار أصبع، {أو أدنى} على تقديركم، كقوله: {أو يزيدون} {إلى عبده}: أي إلى عبد الله، وإن لم يجر لاسمه عز وجل ذكر، لأنه لا يلبس، كقوله: {ما ترك على ظهرها} {ما أوحى}: تفخيم للوحي الذي أوحي إليه قبل. انتهى. وقال ابن عطية: {ثم دنا}، قال الجمهور: أي جبريل إلى محمد عليهما الصلاة والسلام عند حراء. وقال ابن عباس وأنس في حديث الإسراء: ما يقتضي أن الدنو يستند إلى الله تعالى. وقيل: كان الدنو إلى جبريل. وقيل: إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أي دنا وحيه وسلطانه وقدرته، والصحيح أن جميع ما في هذه الآيات هو مع جبريل بدليل قوله: {ولقد رءاه نزلة أخرى}، فإنه يقتضي نزلة متقدمة. وما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه قبل ليلة الإسراء. ودنا أعم من تدلى، فبين هيئة الدنو كيف كانت قاب قدر، قال قتادة وغيره: معناه من طرف العود إلى طرفه الآخر. وقال الحسن ومجاهد: من الوتر إلى العود في وسط القوس عند المقبض. وقال أبو رزين: ليست بهذه القوس، ولكن قدر الذراعين. وعن ابن عباس: أن القوس هنا ذراع تقاس به الأطوال. وذكر الثعلبي أنه من لغة الحجاز.
{فأوحى}: أي الله، {إلى عبده}: أي الرسول صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس. وقيل: {إلى عبده} جبريل، {ما أوحى}: إبهام على جهة التعظيم والتفخيم، والذي عرف من ذلك فرض الصلوات. وقال الحسن: فأوحى جبريل إلى عبد الله، محمد صلى الله عليه وسلم، ما أوحى، كالأول في الإبهام. وقال ابن زيد: فأوحى جبريل إلى عبد الله، محمد صلى الله عليه وسلم، ما أوحاه الله تعالى إلى جبريل عليه السلام. وقال الزمخشري: {ما أوحى}: أوحى إليه أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك. {ما كذب} فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه ببصره من صورة جبريل: أي ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك، يعني أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه، ولم يشك في أن ما رآه حق. انتهى. وقرأ الجمهور: ما كذب مخففاً، على معنى: لم يكذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم الشيء الذي رآه، بل صدقه وتحققه نظراً، وكذب يتعدى. وقال ابن عباس وأبو صالح: رأى محمد صلى الله عليه وسلم الله تعالى بفؤاده. وقيل: ما رأى بعينه لم يكذب ذلك قلبه، بل صدقه وتحققه، ويحتمل أن يكون التقدير فيما رأى.
وعن ابن عباس وعكرمة وكعب الأحبار: أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه، وأبت ذلك عائشة رضي الله تعالى عنها، وقالت: أنا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآيات، فقال لي:
«هو جبريل عليه السلام فيها كلها» وقال الحسن: المعنى ما رأى من مقدورات الله تعالى وملكوته. وسأل أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال: «نورانى أراه» وحديث عائشة قاطع لكل تأويل في اللفظ، لأن قول غيرها إنما هو منتزع من ألفاظ القرآن، وليست نصاً في الرؤية بالبصر، بلا ولا بغيره. وقرأ أبو رجاء وأبو جعفر وقتادة والجحدري وخالد بن الياس وهشام عن ابن عامر: ما كذب مشدداً. وقال كعب الأحبار: إن الله قسم الرؤية والكلام بين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام، فكلم موسى مرتين، ورآه محمد صلى الله عليه وسلم مرتين. وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: لقد وقف شعري من سماع هذا، وقرأت: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} وذهبت هي وابن مسعود وقتادة والجمهور إلى أن المرئي مرتين هو جبريل، مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى.
وقرأ الجمهور: {أفتمارونه}: أي أتجادلونه على شيء رآه ببصره وأبصره، وعدى بعلى لما في الجدال من المغالبة، وجاء يرى بصيغة المضارع، وإن كانت الرؤية قد مضت، إشارة إلى ما يمكن حدوثه بعد. وقرأ علي وعبد الله وابن عباس والجحدري ويعقوب وابن سعدان وحمزة والكسائي: بفتح التاء وسكون الميم، مضارع مريت: أي جحدت، يقال: مريته حقه، إذا جحدته، قال الشاعر:
لثن سخرت أخا صدق ومكرمة *** لقد مريت أخاً ما كان يمريكا
وعدى بعلى على معنى التضمين. وكانت قريش حين أخبرهم صلى الله عليه وسلم بأمره في الإسراء، كذبوا واستخفوا، حتى وصف لهم بيت المقدس وأمر غيرهم، وغير ذلك مما هو مستقصى في حديث الإسراء. وقرأ عبد الله فيما حكى ابن خالويه، والشعبي فيما ذكر شعبة: بضم التاء وسكون الميم، مضارع أمريت. قال أبو حاتم: وهو غلط. {ولقد رءاه}: الضمير المنصوب عائد على جبريل عليه السلام، قال ابن مسعود وعائشة ومجاهد والربيع. {نزلة أخرى}: أي مرة أخرى، أي نزل عليه جبريل عليه السلام مرة أخرى في في صورة نفسه، فرآه عليها، وذلك ليلة المعراج. وأخرى تقتضي نزلة سابقة، وهي المفهومة من قوله: {ثم دنا} جبريل، {فتدلى}: وهو الهبوط والنزول من علو. وقال ابن عباس وكعب الأحبار: الضمير عائد على الله، على ما سبق من قولهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه مرتين. وانتصب نزلة، قال الزمخشري: نصب الظرف الذي هو مرة، لأن الفعلة اسم للمرة من الفعل. وقال الحوفي وابن عطية: مصدر في موضع الحال. وقال أبو البقاء: مصدر، أي مرة أخرى، أو رؤية أخرى.
{عند سدرة المنتهى}، قيل: هي شجرة نبق في السماء السابعة. وقيل: في السماء السادسة، ثمرها كقلال هجر، وورقها كآذان الفيلة.
تنبع من أصلها الأنهار التي ذكرها الله تعالى في كتابه، يسير الراكب في ظلها سبعين عاماً لا يقطعها. والمنتهى موضع الانتهاء، لأنه ينتهي إليها علم كل عالم، ولا يعلم ما وراءها صعداً إلا الله تعالى عز وجل؛ أو ينتهي إليها كل من مات على الإيمان من كل جيل؛ أو ينتهي إليها ما نزل من أمر الله تعالى، ولا تتجاوزها ملائكة العلو وما صعد من الأرض، ولا تتجاوزها ملائكة السفل؛ أو تنتهي إليها أرواح الشهداء؛ أو كأنها في منتهى الجنة وآخرها؛ أو تنتهي إليها الملائكة والأنبياء ويقفون عندها؛ أو ينتهي إليها علم الأنبياء ويعزب علمهم عن ما وراءها؛ أو تنتهي إليها الأعمال؛ أو لانتهاء من رفع إليها في الكرامة، أقوال تسعة.
{عندها جنة المأوى}: أي عند السدرة، قيل: ويحتمل عند النزلة. قال الحسن: هي الجنة التي وعدها الله المؤمنين. وقال ابن عباس: بخلاف عنه؛ وقتادة: هي جنة تأوي إليها أرواح الشهداء، وليست بالتي وعد المتقون جنة النعيم. وقيل: جنة: مأوى الملائكة. وقرأ علي وأبو الدرداء وأبو هريرة وابن الزبير وأنس وزر ومحمد بن كعب وقتادة: جنه، بهاء الضمير، وجن فعل ماض، والهاء ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، أي عندها ستره إيواء الله تعالى وجميل صنعه. وقيل: المعنى ضمه المبيت والليل. وقيل: جنه بظلاله ودخل فيه. وردّت عائشة وصحابة معها هذه القراءة وقالوا: أجن الله من قرأها؛ وإذا كانت قراءة قرأها أكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس لأحد ردّها. وقيل: إن عائشة رضي الله تعالى عنها أجازتها. وقراءة الجمهور: {جنة المأوى}، كقوله في آية أخرى: {فلهم جنات المأوى نزلاً} {إذ يغشى السدرة ما يغشى}: فيه بإبهام الموصول وصلته تعظيم وتكثير للغاشي الذي يغشاه، إذ ذاك أشياء لا يعلم وصفها إلا الله تعالى. وقيل: يغشاها الجم الغفير من الملائكة، يعبدون الله عندها. وقيل: ما يغشى من قدرة الله تعالى، وأنواع الصفات التي يخترعها لها. وقال ابن مسعود وأنس ومسروق ومجاهد وإبراهيم: ذلك جراد من ذهب كان يغشاها. وقال مجاهد: ذلك تبدل أغصانها درّاً وياقوتاً. وروي في الحديث: «رأيت على كل ورقة من ورقها ملكاً قائماً يسبح الله تعالى» وأيضاً: يغشاها رفرف أخضر، وأيضاً: تغشاها ألوان لا أدري ما هي. وعن أبي هريرة: يغشاها نور الخلاق. وعن الحسن: غشيها نور رب العزة فاستنارت. وعن ابن عباس: غشيها رب العزة، أي أمره، كما جاء في صحيح مسلم مرفوعاً، فلما غشيها من أمر الله ما غشي، ونظير هذا الإبهام للتعظيم: {فأوحى إلى عبده ما أوحى}، {والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى}.
{ما زاغ البصر}، قال ابن عباس: ما مال هكذا ولا هكذا. وقال الزمخشري: أي أثبت ما رآه إثباتاً مستيقناً صحيحاً من غير أن يزيغ بصره أو يتجاوزه، إذ ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها ومكن منها، {وما طغى}: وما جاوز ما أمر برؤيته.
انتهى. وقال غيره: {وما طغى}: ولا تجاوز المرئي إلى غيره، بل وقع عليه وقوعاً صحيحاً، وهذا تحقيق للأمر، ونفي للريب عنه. {لقد رأى من أيات ربه الكبرى}، قيل: الكبرى مفعول رأى، أي رأى الآيات الكبرى والعظمى التي هي بعض آيات ربه، أي حين رقي إلى السماء رأى عجائب الملكوت، وتلك بعض آيات الله. وقيل: {من آيات} هو في موضع المفعول، والكبرى صفة لآياته ربه، ومثل هذا الجمع يوصف بوصف الواحدة، وحسن ذلك هنا كونها فاصلة، كما في قوله: {لنريك من آياتنا الكبرى} عند من جعلها صفة لآياتنا. وقال ابن عباس وابن مسعود: أي رفرف أخضر قد سد الأفق. وقال ابن زيد: رأى جبريل في الصورة التي هو بها في السماء.
{أفرأيتم}: خطاب لقريش. ولما قرر الرسالة أولاً، وأتبعه من ذكر عظمة الله وقدرته الباهرة بذكر التوحيد والمنع عن الإشراك بالله تعالى، وقفهم على حقارة معبوداتهم، وهي الأوثان، وأنها ليست لها قدرة. واللات: صنم كانت العرب تعظمه. قال قتادة: كان بالطائف. وقال أبو عبيدة وغيره: كان في الكعبة. وقال ابن زيد: كان بنخلة عند سوق عكاظ. قال ابن عطية: وقول قتادة أرجح، ويؤيده قوله الشاعر:
وفرت ثقيف إلى لاتها *** بمنقلب الخائب الخاسر
انتهى.
ويمكن الجمع بأن تكون أصناماً سميت باسم اللات فأخبر كل عن صنم بمكانه. والتاء في اللات قيل أصلية، لام الكلمة كالباء من باب، وألفه منقلبة فيما يظهر من ياء، لأن مادة ليت موجودة. فإن وجدت مادة من ل وت، جاز أن تكون منقلبة من واو. وقيل: التاء للتأنيث، ووزنها فعلة من لوى، قيل: لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة، أو يلتوون عليها: أي يطوفون، حذفت لامها. وقرأ الجمهور: اللات خفيفة التاء؛ وابن عباس ومجاهد ومنصور بن المعتمر وأبو صالح وطلحة وأبو الجوزاء ويعقوب وابن كثير في رواية: بشدها. قال ابن عباس: كان هذا رجلاً بسوق عكاظ، يلت السمن والسويق عند صخرة. وقيل: كان ذلك الرجل من بهز، يلت السويق للحجاج على حجر، فلما مات، عبدوا الحجر الذي كان عنده، إجلالاً لذلك الرجل، وسموه باسمه. وقيل: سمي برجل كان يلت عنده السمن بالدب ويطمعه الحجاج. وعن مجاهد: كان رجل يلت السويق بالطائف، وكانوا يعكفون على قبره، فجعلوه وثناً. وفي التحرير: أنه كان صنماً تعظمه العرب. وقيل: حجر ذلك اللات، وسموه باسمه. وعن ابن جبير: صخرة بيضاء كانت العرب تعبدها وتعظمها. وعن مجاهد: شجيرات تعبد ببلادها، انتقل أمرها إلى الصخرة. انتهى ملخصاً. وتلخص في اللات، أهو صنم، أو حجر يلت عليه، أو صخرة يلت عندها، أو قبر اللات، أو شجيرات ثم صخرة، أو اللات نفسه، أقوال، والعزى صنم.
وقيل: سموه لغطفان، وأصلها تأنيث الأعز، بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها، وخرجت منها شيطانة، ناشرة شعرها، داعية ويلها، واضعة يدها على رأسها؛ فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها، وهو يقول:
يا عز كفرانك لا سبحانك *** إني رأيت الله قد أهانك
ورجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: «تلك العزى ولن تعبد أبدأ» وقال أبو عبيدة: كانت العزى ومناة بالكعبة. انتهى. ويدل على هذا قول أبي سفيان في بعض الحروب للمسلمين: لنا عزى، ولا عزى لكم. وقال ابن زيد: كانت العزى بالطائف. وقال قتادة: كانت بنخلة، ويمكن الجمع، فإنه كان في كل مكان منها صنم يسمى بالعزى، كما قلنا في اللات، فأخبر كل واحد عن ذلك الصنم المسمى ومكانه. {ومناة}: قيل: صخرة كانت لهذيل وخزاعة، وعن ابن عباس: لثقيف. وقيل: بالمشكك من قديد بين مكة والمدينة، وكانت أعظم هذه الأوثان قدراً وأكثرها عدداً، وكانت الأوس والخزرج تهل لها هذا اضطراب كثير في الأوثان ومواضعها، والذي يظهر أنها كانت ثلاثتها في الكعبة، لأن المخاطب بذلك في قوله: {أفرأيتم} هم قريش. وقرأ الجمهور: ومناة مقصوراً، فقيل: وزنها فعلة، سميت مناة لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها: أي تراق. وقرأ ابن كثير: ومناءة، بالمد والهمز. قيل: ووزنها مفعلة، فالألف منقلبة عن واو، نحو: مقالة، والهمزة أصل مشتقة من النوء، كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركاً بها، والقصر أشهر. قال جرير:
أزيد مناة توعد بأس تيم *** تأمل أين تاه بك الوعيد
وقال آخر في المد والهمز:
ألا هل أتى تيم بن عبد مناءة *** على النأي فيما بيننا ابن تميم
واللات والعزى ومناة منصوبة بقوله: {أفرأيتم}، وهي بمعنى أخبرني، والمفعول الثاني الذي لها هو قوله: {ألكم الذكر وله الأنثى} على حد ما تقرر في متعلق أرأيت إذا كانت بمعنى أخبرني، ولم يعد ضمير من جملة الاستفهام على اللات والعزى ومناة، لأن قوله: {وله الأنثى} هو في معنى: وله هذه الإناث، فأغنى عن الضمير. وكانوا يقولون في هذه الأصنام: هي بنات الله، فالمعنى: ألكم النوع المحبوب المستحسن الموجود فيكم، وله النوع المذموم بزعمكم؟ وهو المستثقل. وحسن إبراز الأنثى كونه نصاً في اعتقادهم أنهن إناث، وأنهن بنات الله تعالى، وإن كان في لحاق تاء التأنيث في اللات وفي مناة، وألف التأنيث في العزى، ما يشعر بالتأنيث، لكنه قد سمى المذكر بالمؤنث، فكان في قوله: {الأنثى} نص على اعتقاد التأنيث فيها. وحسن ذلك أيضاً كونه جاء فاصلة، إذ لو أتى ضميراً، فكان التركيب ألكم الذكر وله هن، لم تقع فاصلة.
وقال الزجاج: وجه تلفيق هذه الآية مع ما قبلها، فيقول: أخبروني عن آلهتكم، هل لها شيء من القدرة والعظمة التي وصف بها رب العزة في الآي السالفة؟ انتهى. فجعل المفعول الثاني لأفرأيتم جملة الاستفهام التي قدرها، وحذفت لدلالة الكلام السابق عليها، وعلى تقديره يبقى قوله: {ألكم الذكر وله الأنثى} متعلقاً بما قبله من جهة المعنى، لا من جهة المعنى الإعراب، كما قلناه نحن. ولا يعجبني قول الزجاج: وجه تلفيق هذه الآية مع ما قبلها، ولو قال: وجه اتصال هذه، أو وجه انتظام هذه مع ما قبلها، لكان الجيد في الأدب، وإن كان يعني هذا المعنى.
وقال ابن عطية: {أفرأيتم} خطاب لقريش، وهي من رؤية العين، لأنه أحال على أجرام مرئية، ولو كانت أرأيت التي هي استفتاء لم تتعد. انتهى. ويعني بالأجرام: اللات والعزى ومناة، وأرأيت التي هي استفتاء تقع على الأجرام، نحو: أرأيت زيداً ما صنع؟ وقوله: ولو كانت أرأيت التي هي استفتاء، يعني الذي تقول النحاة فيه إنها بمعنى أخبرني، لم تتعد؛ والتي هي بمعنى الاستفتاء تتعدى إلى اثنين، أحدهما منصوب، والآخر في الغالب جملة استفهامية. وقد تكرر لنا الكلام في ذلك، وأوله في سورة الأنعام. ودل كلام ابن عطية على أنه لم يطالع ما قاله الناس في أرأيت إذا كانت استفتاء على اصطلاحه، وهي التي بمعنى أخبرني. والظاهر أن {الثالثة الأخرى} صفتان لمناة، وهما يفيدان التوكيد. قيل: ولما كانت مناة هي أعظم هذه الأوثان، أكدت بهذين الوصفين، كما تقول: رأيت فلاناً وفلاناً، ثم تذكر ثالثاً أجل منهما فتقول: وفلاناً الآخر الذي من شأنه. ولفظة آخر وأخرى يوصف به الثالث من المعدودات، وذلك نص في الآية، ومنه قول ربيعة بن مكرم:
ولقد شفعتهما بآخر ثالث ***
وقول ربيعة مخالف للآية، لأن ثالثاً جاء بعد آخر. وعلى قول هذا القائل أن مناة هي أعظم هذه الأوثان، يكون التأكيد لأجل عظمها. ألا ترى إلى قوله: ثم تذكر ثالثاً أجل منهما؟ وقال الزمخشري: والأخرى ذم، وهي المتأخرة الوضيعة المقدار، كقوله تعالى: {قالت أخراهم لأولاهم} أي وضعاؤهم لرؤسائهم وأشرافهم. ويجوز أن تكون الأولية والتقدم عندهم للات والعزى. انتهى. ولفظ آخر ومؤنثه أخرى لم يوضعا للذم ولا للمدح، إنما يدلان على معنى غير، إلا أن من شرطهما أن يكونا من جنس ما قبلهما. لو قلت: مررت برجل وآخر، لم يدل إلا على معنى غير، لا على ذم ولا على مدح. وقال أبو البقاء: والأخرى توكيد، لأن الثالثة لا تكون إلا أخرى. انتهى. وقيل: الأخرى صفة للعزى، لأنها ثانية اللات؛ والثانية يقال لها الأخرى، وأخرت لموافقة رؤوس الآي. وقال الحسن بن الفضل: فيه تقديم وتأخير تقديره: والعزى الأخرى، ومناة الثالثة الذليلة، وذلك لأن الأولى كانت وثناً على صورة آدمي، والعزى صورة نبات، ومناة صورة صخرة.
فالآدمي أشرف من النبات، والنبات أشرف من الجماد. فالجماد متأخر، ومناة جماد، فهي في أخريات المراتب. والإشارة بتلك إلى قسمتهم، وتقديرهم: أن لهم الذكران، ولله تعالى البنات. وكانو يقولون: إن هذه الأصنام والملائكة بنات الله تعالى.
قال ابن عباس وقتادة: ضيزى: جائرة؛ وسفيان: منقوصة؛ وابن زيد: مخالفة؛ ومجاهد ومقاتل: عوجاء؛ والحسن: غير معتدلة؛ وابن سيرين: غير مستوية، وكلها أقوال متقاربة في المعنى. وقرأ الجمهور: {ضيزى} من غير همز، والظاهر أنه صفة على وزن فعلى بضم الفاء، كسرت لتصح الياء. ويجوز أن تكون مصدراً على وزن فعلى، كذكرى، ووصف به. وقرأ ابن كثير: ضئزى بالهمز، فوجه على أنه مصدر كذكرى. وقرأ زيد بن علي: ضيزى بفتح الضاد وسكون الياء، ويوجه على أنه مصدر، كدعوى وصف به، أو وصف، كسكرى وناقة خرمى. ويقال: ضوزى بالواو وبالهمز، وتقدّم في المفردات حكاية لغة الهمز عن الكسائي. وأنشد الأخفش:
فإن تنأ عنها تقتضيك وإن تغب *** فسهمك مضؤوز وأنفك راغم
{إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}: تقدّم تفسير نظيرها في سورة هود، وفي سورة الأعراف. وقرأ الجمهور: {إن يتبعون} بياء الغيبة؛ وعبد الله وابن عباس وابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى بن عمر: بتاء الخطاب، {إلا الظن}: وهو ميل النفس إلى أحد معتقدين من غير حجة، {وما تهوى}: أي تميل إليه بلذة، وإنما تهوى أبداً ما هو غير الأفضل، لأنها مجبولة على حب الملاذ، وإنما يسوقها إلى حسن العاقبة العقل. {ولقد جاءهم من ربهم الهدى}: توبيخ لهم، والذي هم عليه باطل واعتراض بين الجملتين، أي يفعلون هذه القبائح؛ والهدى قد جاءهم، فكانوا أولى من يقبله ويترك عبادة من لا يجدي عبادته.
{أم للإنسان ما تمنى}: هو متصل بقوله: {وما تهوى الأنفس}، بل للإنسان، والمراد به الجنس، {ما تمنى}: أي ما تعلقت به أمانيه، أي ليست الأشياء والشهوات تحصل بالأماني، بل لله الأمر. وقولكم: إن آلهتكم تشفع وتقرب زلفى، ليس لكم ذلك. وقيل: أمنيتهم قولهم: {ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى} وقيل: قول الوليد بن المغيرة: {لأوتين مالا وولداً} وقيل: تمنى بعضهم أن يكون النبي. {فللّه الآخرة والأولى}: أي هو مالكهما، فيعطي منهما ما يشاء، ويمنع من يشاء، وليس لأحد أن يبلغ منهما إلا ما شاء الله. وقدّم الآخرة على الأولى، لتأخرها في ذلك، ولكونها فاصلة، فلم يراع الترتيب الوجودي، كقوله: {وإن لنا للآخرة والأولى}




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال