سورة الرحمن / الآية رقم 17 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

رَبُّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ المَغْرِبَيْنِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَلَهُ الجَوَارِ المُنشَآتُ فِي البَحْرِ كَالأَعْلامِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكْرَامِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

الرحمنالرحمنالرحمنالرحمنالرحمنالرحمنالرحمنالرحمنالرحمنالرحمنالرحمنالرحمنالرحمنالرحمنالرحمن




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


يقول الحق جلّ جلاله: {خَلَقَ الإِنسانَ} آدم {من صلصالٍ} من طين يابس، له صلصلة، أي: صوت {كالفَخَّار} كالطين المطبوخ بالنار وهو الخزف. ولا تخالف بين هذا وبين قوله: {مِّنْ حَمإٍ مَّسْنُونٍ} [الحجر: 26] و{مِّن طِينٍ لاَّزِب} [الصافات: 11] لاتفاقهما معنىً، لأنَّ المعنى: أنَّ أصل خلقه من تراب، ثم جعله طيناً، ثم حمأً مسنوناً، ثم صلصالاً. {وخَلَقَ الجانَّ} أي: الجن، او أبا الجن إبليس، {من مَارجٍ من نار} والمارج هو اللهب الصافي، الذي لا دخان فيه، وقيل: المختلط بسواد النار، من: مَرجَ الشي: إذا اضطرب أو اختلط، و{مِن}: بيانية، كأ، ه قيل: مِن صاف النار، أو مختلط من النار، أو أراد: من نار مخصوصة.
{فبأي آلاءِ ربكما تُكَذِّبان} مما أفاض عليكما في تضاعيف خلقكما من سوابغ النعم. قال القشيري: وكرّر سبحانه هذه الآية في غير موضع، على جهة التقرير بالنعمة على التفاصيل. نعمة بعد نعمة، ووجه النعمة في خلق آدم من طين: أنه رقّاه إلى رتبةٍ بعد أن خلقه من طين، وكذلك القول في {مارج من نار}. اهـ. يعني: أنَّ آدم رقّاه إلى رتبة الروحانية والخلافة، والجن إلى رتبة التصرُّف الباطني في الآدمي وغيره.
{ربُّ المشْرِقَين وربُّ المغربين} أي: مشرقي الشمس في الصيف والشتاء، ومَغْربيها. قال ابن الحشا: المشرق الشتوي: هو النقطة التي تطلع فيها الشمس فيها في الأفق في نصف دجنبر، أقصر ما يكون النهار من أيام السنة، والمشرق الصيفي: هو النقطة التي تطلع فيها الشمس في نصف يونية، أطول ما يكون من أيام السنة. والمغربان: حيث تغرب في هذين اليومين، ومشارق الشمس ومغاربها في سائر أيام السنة ليس هذين المشرقين والمغربين. اهـ. وقوله: في نصف دجنبر ونصف يونية، هذا في زمانه، وأمّا اليوم فهي على ثمانية أيام ونحوها، لزيادة حركة الإقبال. قال ابن عطية: متى وقع ذكر المشرق والمغرب فهو إشارة إلى الناحيتين، أي: مشرق الصيف والشتاء ومغربهما. ومتى وقع ذكر الشارق والمغارب فيهو إشارة إلى تفصيل مشرق كل يوم ومغربه، ومتى ذكر المشرقان فهو إشارة إلى نهايتي المشارق والمغارب؛ لأنّ ذكر نهايتي الشيء ذكر لجميعه. اهـ.
{فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان} قال القشيري: ووجه النعمة في مشرق الشمس ومغربها: جريانه على ترتيب بديع؛ ليكمل انتفاع الخلق بذلك. اهـ.
{مَرَجَ البحرين يلتقيان} أي: أرسل البحر الملح والبحر العذب متجاورين متلاقيين، لا فصل بين الماءين بإسماك أحدهما عن الآخر في مرأى العين. قال في الحاشية: ويُقرب ما ذكره ما هو مشهود في الريف مع الماء، فاعتبر به، وبالأبيض من البيضة مع الأصفر منها، وقيل: أرسل بحري فارس والروم يلتقيان في المحيط؛ لانهما خلجان يتشعبان منه، {بينهما برزخٌ} حاجز من قدرة ا لله تعالى، {لا يَبغِيان} لا يتجاوزان حدّيهما، ولا يبغي أحدُهما على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية، أو: لا يتجاوزان حدّيهما بإغراق ما بينهما، {فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان} وليس شيء منها يقبل التكذيب.
{يَخْرُجُ منهما اللؤلؤُ والمَرجانُ} اللؤلؤ: الدرّ، والمَرجان: الخرزُ الأحمر المشهور. قلت: هو شجر ينبت في الحجر في وسط البحر، وهو موجود في بحر المغرب، ما بين طنجة وسبتة. وقال الطرطوشي: هو عروق حُمر يطلع من البحر كأصابع الكف، وشاهدناه بأرض المغرب مراراً. اهـ. وقيل: اللؤلؤ: كِبار الدر، والمرجان: صِغاره. وإنما قال: {منهما} وهما إنما يخرجان من الملح؛ لأنهما لمّا التقيا وصارا كالشيء الواحد جاز أن يُقال: يخرجان منهما. ونقل الأخفش عن قوم: أنهما يخرجان من المالح والعذب، وليس لِمن ردّه حجة قاطعة، ومَن أثبت أَولى ممن نفى. اهـ. قال أبو حيان: والظاهر خروجهما منهما، وحكاه الأخفش عن قوم. اهـ. {فبأي آلاء ربكما تُكَذَّبان} مع ظهور هذه النعمة.
{وله الجوارِ} أي: السفن، جمع: جارية، {المُنشَئاتُ} المرفوعات الشُرَّع، وقرأ حمزة ويحيى بكسر الشين، أي: الرافعات الشُروع، أي القلاع، أو: اللاتي يُنشئن الأمواج بمَخْرهن {في البحر كالأعلام} كالجبال الشاهقة، جمع عَلَم، وهو الجبل الطويل، {فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان} مِن خلق مواد السفن والإرشاد إلى أخذها، وكيفية تركيبها، وإجرائها في البحر، بأسباب لا يَقدر على خلقها وجمعها وترتيبها غيره سبحانه.
{كُلُّ مَن عليها} على الأرض {فانِ ويبقى وجهُ ربك} أي: ذاته، قال القشيري: وفي بقائه سبحانه خَلَفُ من كلِّ تلفٍ، وتسليةٌ للمؤمنين عما يُصيبهم من المصائب، ويفوتهم من المواهب. اهـ. {ذو الجلال} ذو العظمة والسلطان، {والإِكرام} أي: الفضل التام بالتجاوز والإحسان. وهذه الصفة من عظم صفات الله تعالى، وفي الحديث: «ألظوا- أي: تعلقوا- بيا ذا الجلال والإكرام» يعني: نادوه به، يُقال: ألظ بالمكان: إذا أدام به، وألظ بالدعاء: إذا لزمه، وروي أنه صلى الله عليه وسلم مرّ برجل يُصلِّي، ويقول: يا ذا الجلال والإكرام، فقال: «قد استُجيب لك» {فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان} فإنَّ إفناءهم وإخراجهم من ضيق هذه الدار الدنية، وإحياءهم وإبقاءهم في الدار الباقية في النعيم السرمدي من عظائم النِعم.
الإشارة: اختص مظهَر الإنسان عن سائر المظاهر باعتدال خلقته، لطافةً وكثافةً، معنىً وحسّاً، روحانيّاً وبشريةٌ، فلذلك فاقت معرفته إذا عرف سائر المخلوقات، بخلاف الجن والملائكة، اللطافةُ غالبة عليهم، فمَن كان منهم عارفاً لا تجده إلا متحرفاً، غالباً عليه الهيمان والسُكْر، وأمّا الآدمي فمَن غلبت رَوحانيتُه على صلصاليته، ومعناه على حسه، كان كالملائكة أو أفضل، ومَن غلبت طينتُه على روحانيته، وحسُّه على معناه، كان كالبهائم أو أضل.
وقوله تعالى: {رَبُّ المشرقين وربُّ المغربين} أي: رب مشرق شمس العرفان وقمر الإيمان، ومغربهما عند غين الأنوار والأغيار.
وقال القشيري: يُشير مشرق الروح والقلب، ومغرب النفس والهوى. اهـ. فإذا أشرق نور الروح والقلب غابت ظلمة النفس والهوى، وإذا استولت ظلمة النفس والهوى على الروح والقلب غربت شمسهما، {فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان} مع ما في ذلك في اللطائف الغامضة، والغوامض الخفية، من عدم سكون الروح والقلب إلى التجلِّي الجمالي، وعدم اضطراب النفس والهوى بالتجلِّي القهري الجلالي؛ لأنَّ الكامل من هذه الطائفة هو الذي يُشاهد الجمالَ في الجلال، والجلالَ في الجمال، فلا يسكن إلى شيء، ولا يقف مع شيء.
وقوله تعالى: {مَرَجَ البحرين يلتقيان} يُشير إلى بحر علم الشريعة، وبحر علم الحقيقة، يلتقيان في الإنسان الكامل، {بينهما برزخ} وهو العقل، فإنه يحجز الشريعةَ أن تعدو محلها، والحقيقة أن تُجاوز محلها، فالشريعة محلها الظواهر، والحقيقة محلها البواطن، والعقل برزخ بينهما، يقوم بحُكم كل واحدة منهما، فمَن خفَّ عقله غلبت إحداهما عليه، إمّا الشريعة، فيكون يابساً جامداً لا يخلو من فسوق، وإمّا الحقيقة، فيكون إما سكراناً أو زنديقاً. {فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان} حيث هَدى العبدَ إلى القيام بحقهما، وإنزال كل واحدة في محلها، {يَخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} فيخرج من بحر الحقيقة جواهرَ الحِكم ويواقيت العلوم، ومن بحر الشريعة مَرجان تحرير النقول، وتحقيق مبانيها، والإتيان بها من معادنها، {فبأي آلاء ربكما تُكذَّبان} حيث وفَّق غوّاص بحر الحقيقة إلى استخراج أسرارها، وغوّاص بحر الشريعة إلى إظهار أنوارها. {وله الجوارِ}، أي: سفن استخراج أسرارها، وغوّاص بحر الشريعة إلى أظهار أنوارها. {المنشأت} في بحر الذات، مع رسوخ عقلها، كالجبل الراسي، فتعوم سفنُ أفكار العارفين في بحر الجبروت وأنوار الملكوت، ثم ترسي في مرساة العبودية، للقيام بآداب الربوبية، {فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان} مع عظيم هذا اللطف الكبير، والمنَّة الكريمة، حيث يتلاطم عليهم أموَاجُ بحر الذات، فيكونوا من المغرقين في الزندقة، أو ذهاب العقل بالكلية، لكن مَنْ صَحبَ رئيسا عارفاً لا يخاف من الغرق إن شاء الله.
{كلُّ مَن عليها فانٍ} كل مَنْ على بساط المملكة فَانٍ متلاشٍ، {ويبقى وجه ربك} أي: ذاته المقدسة، فلا موجود معها على الحقيقة، كما قال الشاعر:
فَالْكُلُّ دُونَ اللَّه إِنْ حَقَّقْتَه *** عَدمٌ عَلَى التَّفْصِيل والإجمال
وهذا معلوم عند أرباب الأذواق، مُقرر عند أهل الفناء والبقاء، فلا يجحده إلاَّ جهول، كما قال تعالى: {فبأي آلاء ربكما تُكذِّبان}؟.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال