سورة الرحمن / الآية رقم 76 / تفسير تفسير ابن القيم / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ وَالإِكْرَامِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إِذَا وَقَعَتِ الوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجاًّ وَبُسَّتِ الجِبَالُ بَساًّ فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنْبَثاًّ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ المَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ المُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ

الرحمنالرحمنالرحمنالرحمنالرحمنالرحمنالواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعةالواقعة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (76)}
وقال تعالى: {فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [88: 13- 15].
وذكر هشام عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال: الرفرف رياض الجنة. والعبقري: عتاق الزرابي. وذكر إسماعيل بن عليّة عن أبي رجاء عن الحسن. في قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ} قال: هي البسط. قال: وأهل المدينة يقولون: هي البسط.
وأما النمارق. فقال الواحدي: هي الوسائد في قول الجميع، واحدتها: نمرقة. بضم النون. وحكى الفراء نمرقة بكسرها، وأنشد أبو عبيدة:
إذا ما بساط اللهو مدّ وقربت *** للذاته أنماطه ونمارقه
وقال الكلبي: وسائد مصفوفة بعضها إلى بعض.
وقال مقاتل: هي الوسائد مصفوفة على الطنافس. والزرابي بمعنى البسط، والطنافس.
واحدتها: زربية. في قول جميع أهل اللغة والتعبير، و{مبثوثة} مبسوطة ومنشورة.
فصل:
وأما (الرفرف) فقال الليث: هو ضرب من الثياب خضر تبسط.
الواحد رفرفة.
وقال أبو عبيدة: الرفارف: البسط وأنشد لابن مقبل:
وإنا لنزّالون تغشى نعالنا *** سواقط من أصناف ريط ورفرف
وقال أبو إسحاق، قالوا، الرفرف هاهنا رياض الجنة. وقالوا: الرفرف الوسائد. وقالوا: الرفرف المحابس. وقالوا: فضول المحابس للفرش.
وقال المبرد: هو فضول الثياب التي تتخذ الملوك في الفرش وغيره.
قال الواحدي: وكأن الأقرب هذا. لأن العرب تسمى كسر الخباء والخرقة التي تخلط في أسفل الخباء رفرفا. ومنه الحديث في وفاة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: «فرفع الرفرف، فرأينا وجهه كأنه ورقة».
قال ابن الاعرابي: الرفرف هاهنا طرف الفسطاط. فشبه ما فضل من المحابس عما تحته بطرف الفسطاط، فسمي رفرفا.
قلت: أصل هذه الكلمة من الطرف أو الجانب، فمنه الرفرف في الحائط، ومنه الرفرف، وهو كسر الخباء، وجوانب الدرع، وما تدلى منها، الواحدة رفرفة. ومنه: رفرف الطير إذا حرك جناحه حول الشيء، يريد أن يقع عليه. والرفرف: ثياب خضر يتخذ منها المحابس. الواحدة رفرفة، وكل ما فضل من شيء فثني وعطف: فهو رفرف، وفي حديث ابن مسعود في قول اللّه عز وجل: {لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى} قال: «رأى رفرفا أخضر سدّ الأفق» وهو في الصحيحين.
فصل:
وأما (العبقري) فقال أبو عبيدة: كل شيء من البسط عبقري. قال: ويرون أنها أرض توشّى البسط فيها، وقال الليث: عبقر: موضع بالبادية كثير الجن، يقال: كأنه جن عبقر.
قال أبو عبيدة، في حديث النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، حين ذكر عمر: «فلم أر عبقريا يفري فريه».
وإنما أصل هذا، فيما يقال: أنه نسب إلى عبقر، وهي أرض يسكنها الجن، فصار مثلا لكل منسوب إلى شيء رفيع، وأنشد لزهير:
تخيل عليها جنة عبقرية *** جديرون يوما أن ينالوا فيستعملوا
وقال أبو الحسن الواحدي: وهذا القول هو الصحيح في العبقري.
وذلك أن العرب إذا بالغت في وصف شيء نسبته إلى الجن، أو شبهته بهم.
ومنه قول لبيد:
جن الردى رواسيا أقدامها ***
وقال آخر يصف امرأة:
جنية، ولها جن يعلمها *** رمى القلوب بقوس ما لها وتر
وذلك أنهم يعتقدون في الجن كل صفة عجيبة، وأنهم يأتون كل أمر عجيب ولما كان عبقر معروفا بسكناهم نسبوا كل شيء يبالغ فيه إليه، يريدون بذلك أنه من عملهم وصنعهم، هذا هو الأصل، ثم صار العبقري نعتا لكل ما بولغ في صفته.
ويشهد لما ذكرنا: بيت زهير، فإنه نسب الجن إلى عبقر.
ثم رأينا أشياء كثيرة نسبت إلى عبقر غير البسط والثياب، كقوله في صفة عمر عبقريا وروى سلمة عن الفراء قال: العبقري الرشيد من الرجال، وهو الفاخر من الحيوان والجوهر، فلو كانت (عبقر) مخصوصة بالوشي، لما نسب إليها غير الموشّى وإنما نسب إليها البسط الموشاة العجيبة الصنعة، كما ذكرنا. كما نسب إليها كل شيء ما بولغ في وصفه، قال ابن عباس: وعبقري، يريد البسط والطنافس، وقال الكلبي: هي الطنافس المجمّلة، وقال قتادة: هي عتاق الزرابي، وقال مجاهد: الديباج الغليظ.
وعبقري، جمع، واحده عبقرية، ولها وصف بالجمع فتأمل كيف وصف اللّه سبحانه وتعالى الفرش بأنها مرفوعة، والزرابي بأنها مبثوثة، والنمارق بأنها مصفوفة، فرفع الفرش دال على سمكها ولينها.
وبث الزرابي دال على كثرتها، وأنها في كل موضع، لا يختص بها صدر المجلس دون مؤخره، ووصف المساند يدل على أنها مهيأة للاستناد إليها دائما، ليست مخبأة تصف في وقت دون وقت.
وللجنة عدة أسماء، باعتبار صفاتها، ومسماها واحد باعتبار الذات. فهي مترادفة من هذا الوجه، وتختلف باعتبار الصفات. فهي متباينة من هذا الوجه. وهكذا أسماء الرب سبحانه وتعالى، وأسماء الرب سبحانه وتعالى، وأسماء كتابه. وأسماء رسله. وأسماء اليوم الآخر. وأسماء النار.
فالاسم الأول: الجنة وهو الاسم العام المتناول لتلك الدار، وما اشتملت عليه من أنواع النعيم واللذة، والبهجة والسرور، وقرة الأعين.
وأصل اشتقاق هذه اللفظة: من التسر والتغطية. ومنه الجنين، لاستتاره في البطن، والجان لاستتاره عن العيون، والمجنّ لستره ووقايته الوجه. والمجنون لاستتار عقله وتواريه عنه. والجان، وهي الحية الصغيرة الرقيقة.
ومنه قول الشاعر:
فدقّت وجلت واسبكرّت وأكملت *** فلو جنّ إنسان من الحسن جنت
أي لو غطي وستر عن العيون لفعل بها ذلك. ومنه سمي البستان جنة.
لأنه يستر داخله بالأشجار ويغطيه. ولا يستحق هذا الاسم إلا الموضع الكثير الأشجار المختلفة الأنواع.
والجنة- بالضم- ما يستجن به، من ترس أو غيره. ومنه قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً} يستترون بها من إنكار المؤمنين عليهم. ومنه الجنة- بالكسر- وهم الجن، كما قال تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}.
وذهبت طائفة من المفسرين إلى أن الملائكة يسمون جنة. واحتجوا بقوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} [37: 158] قالوا: وهذا النسب قولهم: الملائكة بنات اللّه. ورجحوا هذا القول بوجهين.
أحدهما: أن النسب الذي جعلوه إنما زعموا أنه بين الملائكة وبينه لا بين الجن وبينه.
الثاني: قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} أي قد علمت الملائكة أن الذين قالوا هذا القول محضرون للعذاب.
والصحيح: خلاف ما ذهب إليه هؤلاء، وأن الجنة هم الجن أنفسهم، كما قال تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} وعلى هذا ففي الآية قولان.
أحدهما: قول مجاهد: قال: قالت كفار قريش: الملائكة بنات اللّه.
فقال لهم أبو بكر: فمن أمهاتهم؟ قالوا: سروات الجن.
وقال الكلبي: قالوا تزوج من الجن، فخرج من بينهما الملائكة.
وقال قتادة، قالوا: صاهر الجن. والقول الثاني: هو قول الحسن. قال: أشركوا الشياطين في عبادة اللّه. فهو النسب الذي جعلوه.
والصحيح قول مجاهد وغيره.
وما احتج به أصحاب القول الأول ليس بمستلزم لصحة قولهم. فإنهم لما قالوا: الملائكة بنات اللّه، وهم من الجن، عقدوا بينه وبين الجنة نسبا بهذا الإيلاد وجعلوا هذا النسب متولدا بينه وبين الجن.
وأما قوله: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} فالضمير يرجع إلى الجنة، أي قد علمت الجنة أنهم محضرون الحساب. قاله مجاهد، أي لو كان بينه وبينهم نسب لم يحضروا الحساب، كما قال تعالى: {وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} [5: 18] فجعل سبحانه عقوبتهم بذنوبهم وإحضارهم للعذاب مبطلا لدعواهم الكاذبة.
وهذا التقدير في الآية أبلغ في إبطال قولهم من التقدير الأول فتأمله.
الإسم الثاني: دار السلام، وقد سماها اللّه تعالى بهذا الإسم في قوله: {لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [6: 127] وقوله: {وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ} [10: 25] وهي أحق بهذا الإسم. فإنها دار السلامة من كل بلية وآفة ومكروه. وهي دار اللّه. واسمه سبحانه وتعالى السلام الذي سلمها وسلم أهلها، وتحيتهم فيها سلام {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ} والرب تعالى يسلم عليهم من فوقهم، كما قال تعالى: {لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [36: 57، 58] وحديث جابر في سلام الرب تعالى على أهل الجنة. وكلامهم كله فيها سلام، أي لا لغو فيها، ولا فحش ولا باطل، كما قال تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً} [19: 62].
وأما قوله تعالى: {وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ} [56: 90، 91] فأكثر المفسرين حاموا حول المعنى، وما وردوه. وقالوا أقوالا لا يخفي بعدها عن المقصود.
وإنما معنى الآية- واللّه أعلم- فسلام لك أيها الراحل عن الدنيا حال كونك من أصحاب اليمين، أي فسلام لك كائنا من أصحاب اليمين الذين سلموا من الدنيا وأنكادها، ومن النار وعذابها، فبشر بالسلامة عند ارتحاله من الدنيا وقدومه على اللّه، كما يبشر الملك روحه عند أخذها، بقوله: «أبشري بروح وريحان ورب غير غضبان».
وهذا أول البشرى التي للمؤمن في الآخرة.
الإسم الثالث: دار الخلد. وسميت بذلك. لأن أهلها، لا يظعنون عنها أبدا كما قال تعالى: {عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [11: 108] وقال: {إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ} [38: 54] وقال: {أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها} [13: 35] وقال: {وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ} [15: 48].
الإسم الرابع: دار المقامة.
قال تعالى حكاية عن أهلها: {وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ} [35: 34] قال مقاتل: أنزلنا دار الخلود، أقاموا فيها أبدا، لا يموتون ولا يتحولون منها أبدا.
قال الفراء والزجاج: المقامة: مثل الإقامة. يقال: أقمت بالمكان إقامة، ومقامة، ومقاما.
الإسم الخامس: جنة المأوى.
قال تعالى: {عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى} [53: 15].
الإسم السادس: جنات عدن. فقيل: هي اسم لجنة من الجنان: والصحيح أنه اسم لجملة الجنان، وكلها جنات عدن.
قال تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ} [19: 61] وقال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ} [35: 33] وقال تعالى: {وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} [9: 72] والاشتقاق يدل على أن جميعها جنات عدن. فإنه من الإقامة والدوام.
يقال: عدن بالمكان: إذا أقام به. وعدنت البلد: توطنته. وعدنت الإبل بمكان كذا: لزمته فلم تبرح منه.
وقال الجوهري: ومنه جنات عدن، أي إقامة. ومنه سمي المعدن- بكسر الدال- لأن الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء. ومركز كل شيء: معدنه. والعادن: الناقة المقيمة في المرعى.
الإسم السابع: دار الحيوان.
قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ} [29: 64] والمراد: الجنة عند أهل التفسير. قالوا: وإن الآخرة. يعني الجنة، لهي الحيوان. لهي دار الحياة التي لا موت فيها.
وقال الكلبي: هي حياة لا موت فيها.
وقال الزجاج: هي دار الحياة الدائمة وأهل اللغة: على أن {الحيوان} بمعنى الحياة.
قال أبو عبيدة وابن قتيبة: الحياة الحيوان.
وقال أبو عبيدة: الحياة، والحيوان، والحي- بكسر الحاء- قال أبو علي: يعني أنها مصادر.
فالحياة: فعلة. كالجلبة، والحيوان: كالنّزوان والغليان، والحيّ: كالعي، قال العجاج:
كنا بها إذا الحياة حيّ ***
أي إذا الحياة حياة. وأما أبو زيد: فخالفهم، وقال: الحيوان: لما فيه روح. والموتان الموت: مما لا روح فيه.
والصواب: أن الحيوان يقع على ضربين:
أحدهما: كما حكاه أبو عبيدة.
والثاني: وصف، كما حكاه أبو زيد.
وعلى قول أبي زيد: الحيوان مثل الحي، خلاف الميت.
ورجح القول الأول: بأن الفعلان: بابه المصادر، كالنزوان، والغليان، بخلاف الصفات. فإن بابها: فعلان، كسكران وغضبان.
وأجاب من رجح القول الثاني: بأن فعلان قد جاء في الصفات أيضا.
قالوا: رجل ضميان للسريع الخفيف، وزفيان.
قال في الصحاح: ناقة زفيان سريعة. وقوس زفيان: سريعة الإرسال للسهم.
فيحتمل قوله تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ} معنيين.
أحدهما: أن حياة الآخرة هي الحياة، لأنها لا تنغيص فيها، ولا نفاد لها، أي لا يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار.
فيكون {الحيوان} مصدرا على هذا.
الثاني: أن يكون المعنى: أنها الدار التي لا تفنى، ولا تنقطع، ولا تبيد، كما يفنى الأحياء في هذه الدنيا. فهي أحق بهذا الاسم من الحيوان الذي يفنى ويموت.
الاسم الثامن: الفردوس.
قال تعالى: {أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ} [23: 11] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا} [18: 107، 108].
الاسم التاسع: جنات النعيم.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} [31: 8].
وهذا أيضا اسم جامع لجميع الجنات، لما تضمنته، من الأنواع التي يتنعم بها أهلها: من المأكول، والمشروب، والملبوس، والصور الجميلة، والرائحة الطيبة، والمنظر البهيج، والمساكن الواسعة وغير ذلك من النعيم الظاهر والباطن.
الاسم العاشر: المقام الأمين.
قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ} [44: 51].
الاسم الحادي عشر والثاني عشر: مقعد الصدق، وقدم الصدق.
قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} [54: 54، 55] فسمي جنته: مقعد صدق، لحصول كل ما يراد من المقعد الحسن فيها، كما يقال: مودة صادقة، إذا كانت ثابتة تامة. وحلاوة صادقة وحملة صادقة. ومنه الكلام الصدق، لحصول مقصوده منه.
وموضع هذه اللفظة في كلامهم: الصحة والكمال. ومنه: الصدق في الحديث، والصدق في العمل. والصدّيق: الذي يصدق قوله بالعمل.
والصّدق- بفتح الصاد والدال- الصلب من الرماح، ويقال للرجل الشجاع: إنه لذو صدق أي صادق الحملة. وهذا مصداق هذا: أي ما يصدّقه. ومنه الصداقة: لصفاء المودة والمخالّة. ومنه: صدقني القتال: وصدقني المودة. ومنه: قدم صدق. ولسان صدق. ومدخل صدق. ومخرج صدق. وذلك كله للحق الثابت المقصود الذي يرغب فيه. بخلاف الكذب الباطل، الذي لا شيء تحته. وهو لا يتضمن أمرا ثابتا قط.
وفسر قوم {قدم صدق} بالجنة، وفسرها آخرون بالأعمال التي تنال بها الجنة. وفسر بالسابقة التي سبقت لهم من اللّه. وفسر بالرسول الذي على يده، وبهدايته نالوا ذلك.
والتحقيق: أن الجميع حق. فإنهم سبقت لهم من اللّه الحسنى بتلك السابقة أي بالأسباب التي قدمها لهم على يد رسله، وادخر لهم جزاءها يوم القيامة. ولسان الصدق: وهو لسان الثناء الصادق بمحاسن الأفعال وجميل الطرائق.
وفي كونه لسان صدق: إشارة إلى مطابقته للواقع، وأنه ثناء بحق لا بباطل ومدخل الصدق، ومخرج الصدق: هو المدخل والمخرج الذي يكون صاحبه فيه ضامنا على اللّه. وهو دخوله وخروجه باللّه وللّه، وهذه الدعو من أنفع الدعاء للعبد. فإنه لا يزال داخلا في أمر، فمتى كان دخوله للّه وباللّه وخروجه كذلك، كان قد أدخل مدخل صدق، وأخرج مخرج صدق، واللّه المستعان.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال