سورة المجادلة / الآية رقم 4 / تفسير تفسير ابن كثير / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ القَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

المجادلةالمجادلةالمجادلةالمجادلةالمجادلةالمجادلةالمجادلةالمجادلةالمجادلةالمجادلةالمجادلةالمجادلةالمجادلةالمجادلةالمجادلة




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)}
قال الإمام أحمد: حدثنا سعد بن إبراهيم ويعقوب قالا حدثنا أبي، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني مَعْمَر بن عبد الله بن حنظلة، عن ابن عبد الله بن سلام، عن خويلة بنت ثعلبة قالت: فيَّ- والله- وفي أوس بن الصامت أنزل الله صَدْرَ سورة المجادلة، قالت: كنت عنده وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه، قالت: فدخل عليَّ يومًا فراجعته بشيء فغضب فقال: أنت عليَّ كظهر أمي. قالت: ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليَّ فإذا هو يريدني عن نفسي. قالت: قلت: كلا والذي نفس خويلة بيده، لا تخلص إليَّ وقد قلت ما قلت، حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه. قالت: فواثبني وامتنعت منه، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني، قالت: ثم خرجتُ إلى بعض جاراتي، فاستعرت منها ثيابًا، ثم خرجتُ حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه. قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا خويلة ابنُ عمك شيخ كبير، فاتقي الله فيه». قالت: فوالله ما برحت حتى نزل فيَّ القرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سُرِّيَ عنه، فقال لي: «يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك». ثم قرأ عليَّ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} إلى قوله: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قالت: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُريه فليعتق رقبة». قالت: فقلت يا رسول الله، ما عنده ما يعتق. قال: «فليصم شهرين متتابعين». قالت: فقلت: والله إنه شيخ كبير، ما به من صيام. قال: «فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تَمر». قالت: فقلت: يا رسول الله، ما ذاك عنده. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإنا سنعينه بعَرَقٍ من تمر». قالت: فقلت: يا رسول الله، وأنا سأعينه بعَرَقٍ آخر، قال: «فقد أصبت وأحسَنْت، فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرًا». قالت: ففعلت.
ورواه أبو داود في كتاب الطلاق من سننه من طريقين، عن محمد بن إسحاق بن يسار، به وعنده: خولة بنت ثعلبة، ويقال فيها: خولة بنت مالك بن ثعلبة. وقد تصغر فيقال: خُوَيلة. ولا منافاة بين هذه الأقوال، فالأمر فيها قريب. والله أعلم.
هذا هو الصحيح في سبب نزول صدر هذه السورة، فأما حديث سَلَمة بن صَخْر فليس فيه أنه كان سبب النزول، ولكن أمر بما أنزل الله في هذه السورة، من العتق أو الصيام، أو الإطعام، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سُلَيمان بن يَسَار، عن سلمة بن صخر الأنصاري قال: كنتُ امرأ قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري، فلما دخل رمضان تظهَّرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان، فَرَقًا من أن أصيب في ليلتي شيئا فأتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار، وأنا لا أقدر أن أنزع، فبينا هي تخدمني من الليل إذ تكشف لي منها شيء، فوثبت عليها، فلما أصبحتُ غدوتُ على قومي فأخبرتهم خبري وقلت: انطلقوا معي إلى النبي صلى الله عليه وسلم- فأخبره بأمري. فقالوا: لا والله لا نفعل؛ نتخوف أن ينزل فينا- أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم- مقالة يبقى علينا عارها، ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك. قال: فخرجتُ حتى أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته خبري. فقال لي: «أنت بذاك». فقلت: أنا بذاك. فقال: «أنت بذاك». فقلت: أنا بذاك. قال: «أنت بذاك». قلت: نعم، ها أناذا فأمض فيّ حكم الله تعالى فإني صابر له. قال: «أعتق رقبة». قال: فضربت صفحة رقبتي بيدي وقلت: لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها. قال: «فصم شهرين». قلت: يا رسول الله، وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام؟ قال: «فتصدق». فقلت: والذي بعثك بالحق، لقد بتنا ليلتنا هذه وَحْشَى ما لنا عشاء. قال: «اذهب إلى صاحب صدقة بني زُريق فقل له فليدفعها إليك، فأطعم عنك منها وسقًا من تمر ستين مسكينًا، ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك». قال: فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيقَ وسوءَ الرأي، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السَّعَة والبركة، قد أمر لي بصدقتكم، فادفعوها إليَّ. فدفعوها إليَّ.
وهكذا رواه أبو داود، وابن ماجه، واختصره الترمذي وحَسَّنه.
وظاهر السياق: أن هذه القصة كانت بعد قصة أوس بن الصامت وزوجته خُويَلة بنت ثعلبة، كما دلّ عليه سياق تلك وهذه بعد التأمل.
قال خَصيف، عن مجاهد، عن بن عباس: أول من ظاهر من امرأته أوس بن الصامت، أخو عبادة بن الصامت، وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك، فلما ظاهر منها خَشِيت أن يكون ذلك طلاقًا، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أوسًا ظاهر مني، وإنا إن افترقنا هلكنا، وقد نَثَرتُ بطني منه، وقَدمتْ صُحْبَتَهُ. وهي تشكو ذلك وتبكي، ولم يكن جاء في ذلك شيء. فأنزل الله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} إلى قوله: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتقدر على رقبة تعتقها؟». قال: لا والله يا رسول الله ما أقدر عليها؟ قال: فجمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أعتق عنه، ثم راجع أهله رواه بن جرير.
ولهذا ذهب ابنُ عباس والأكثرون إلى ما قلناه، والله أعلم.
فقوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} أصل الظهار مشتق من الظهر، وذلك أن الجاهلية كانوا إذا تظاهر أحد من امرأته قال لها: أنت عليَّ كَظَهْرِ أمي، ثم في الشرع كان الظهار في سائر الأعضاء قياسًا على الظهر، وكان الظهار عند الجاهلية طلاقًا، فأرخص الله لهذه الأمة وجعل فيه كفارة، ولم يجعله طلاقًا كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم. هكذا قال غير واحد من السلف.
قال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن أبي حمزة، عن عِكْرمة، عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية: أنت عليَّ كظهر أمي، حُرِّمت عليه، فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس، وكان تحته ابنة عم له يقال لها: خويلة بنت ثعلبة. فظاهر منها، فأسقط في يديه، وقال: ما أراك إلا قد حَرُمت علي. وقالت له مثل ذلك، قال: فانطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتت رسول الله فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه، فقال: «ياخويلة، ما أمرنا في أمرك بشيء» فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا خويلة، أبشري» قالت: خيرًا. قال: فقرأ عليها: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} إلى قوله: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}.
قالت: وأي رقبة لنا؟ والله ما يجد رقبة غيري. قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} قالت: والله لولا أنه يشرب في اليوم ثلاث مرات لذهب بصره! قال: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} قالت: من أين؟ ما هي إلا أكلة إلي مثلها! قال: فدعا بشطر وَسْق- ثلاثين صاعا، والوسق: ستون صاعا- فقال: «ليطعم ستين مسكينا وليراجعك» وهذا إسناد جيد قوي، وسياق غريب، وقد روي عن أبي العالية نحو هذا، فقال ابن أبي حاتم:
حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي، حدثنا على بن عاصم، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية قال: كانت خولة بنت دُلَيج تحت رجل من الأنصار، وكان ضرير البصر فقيرًا سيئ الخلق، وكان طلاق أهل الجاهلية إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته، قال: «أنت عليَّ كظهر أمي». وكان لها منه عيل أو عيلان، فنازعته يوما في شيء فقال: «أنت عليَّ كظهر أمي». فاحتملت عليها ثيابها حتى دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم. وهو في بيت عائشة، وعائشة تغسل شق رأسه، فقدمت عليه ومعها عَيّلها، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي ضرير البصر، فقير لا شيء له سيئ الخُلُق، وإني نازعته في شيء فغضب، فقال: «أنت عليَّ كظهر أمي»، ولم يرد به الطلاق، ولي منه عيل أو عيلان، فقال: «ما أعلمك إلا قد حَرُمت عليه» فقالت: أشكو إلى الله ما نزل بي وأبا صبييّ. قال: ودارت عائشة فغسلت شق رأسه الآخر، فدارت معها، فقالت: يا رسول الله، زوجي ضرير البصر، فقير سيئ الخلق، وإن لي منه عَيِّلا أو عيلين، وإني نازعته في شيء فغضب، وقال: «أنت عليَّ كظهر أمي»، ولم يرد به الطلاق! قالت: فرفع إلي رأسه وقال: «ما أعلمك إلا قد حرمت عليه». فقالت: أشكو إلى الله ما نزل بي وأبا صبيي؟ قال: ورأت عائشة وجه النبي صلى الله عليه وسلم تَغَيَّر، فقالت لها: «وراءك وراءك؟» فتنحت، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في غشيانه ذلك ما شاء الله، فلما انقطع الوحي قال: «يا عائشة، أين المرأة» فدعتها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهبي فأتني بزوجك». فانطلقت تسعى فجاءت به. فإذا هو- كما قالت- ضرير البصر، فقير سيئ الخلق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أستعيذ بالله السميع العليم، بسم الله الرحمن الرحيم {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} إلى قوله: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}» قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتجد رقبة تعتقها من قبل أن تمسها؟». قال: لا. قال: «أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟». قال: والذي بعثك بالحق، إني إذا لم آكل المرتين والثلاث يكاد أن يعشو بصري. قال: «أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟». قال: لا إلا أن تعينني. قال: فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أطعم ستين مسكينا». قال: وحَوّل الله الطلاق، فجعله ظهارًا.
ورواه ابن جرير، عن ابن المثنى، عن عبد الأعلى، عن داود، سمعت أبا العالية، فذكر نحوه، بأخصر من هذا السياق.
وقال سعيد ابن جبير: كان الإيلاء والظهار من طلاق الجاهلية، فوقت الله الإيلاء أربعة أشهر، وجعل في الظهار الكفارة. رواه بن أبي حاتم، بنحوه.
وقد استدل الإمام مالك على أن الكافر لا يدخل في هذه الآية بقوله: {مِنْكُمْ} فالخطاب للمؤمنين، وأجاب الجمهور بأن هذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، واستدل الجمهور عليه بقوله: {مِنْ نِسَائِهِمْ} على أن الأمة لا ظهار منها، ولا تدخل في هذا الخطاب.
وقوله: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ} أي: لا تصير المرأة بقول الرجل: أنت عليَّ كأمي أو مثل أمي أو كظهر أمي وما أشبه ذلك، لا تصير أمه بذلك، إنما أمه التي ولدته؛ ولهذا قال: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} أي: كلامًا فاحشًا باطلا {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} أي: عما كان منكم في حال الجاهلية.
وهكذا أيضًا عما خرج من سبق اللسان، ولم يقصد إليه المتكلم، كما رواه أبو داود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لامرأته: يا أختي. فقال: «أختك هي؟»، فهذا إنكار ولكن لم يحرمها عليه بمجرد ذلك؛ لأنه لم يقصده، ولو قصده لحرمت عليه؛ لأنه لا فرق على الصحيح بين الأم وبين غيرها من سائر المحارم من أخت وعمة وخالة وما أشبه ذلك.
وقوله: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} اختلف السلف والأئمة في المراد بقوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} فقال بعض الناس: العود هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره، وهذا القول باطل، وهو اختيار بن حزم وقول داود، وحكاه أبو عمر بن عبد البر عن بُكَيْر ابن الأشج والفراء، وفرقة من أهل الكلام.
وقال الشافعي: هو أن يمسكها بعد الظهار زمانًا يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق.
وقال أحمد بن حنبل: هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه فلا تحل له حتى يكفر بهذه الكفارة. وقد حكي عن مالك: أنه العزم على الجماع أو الإمساك وعنه أنه الجماع.
وقال أبو حنيفة: هو أن يعود إلى الظهار بعد تحريمه، ورفع ما كان عليه أمر الجاهلية، فمتى تظاهر الرجل من امرأته فقد حرمها تحريمًا لا يرفعه إلا الكفارة. وإليه ذهب أصحابه، والليث بن سعد.
وقال ابن لَهِيعة: حدثني عطاء، عن سعيد بن جبير: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} يعني: يريدون أن يعودوا في الجماع الذي حرموه على أنفسهم.
وقال الحسن البصري: يعني الغشيان في الفرج. وكان لا يرى بأسا أن يغشى فيما دون الفرج قبل أن يكفر.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} والمس: النكاح.
وكذا قال عطاء، والزهري، وقتادة، ومقاتل ابن حيان.
وقال الزهري: ليس له أن يقبلها ولا يمسها حتى يكفر.
وقد روي أهل السنن من حديث عكرمة، عن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله، إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر. فقال: «ما حملك على ذلك يرحمك الله؟». قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر. قال: «فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله، عز وجل».
وقال الترمذي: حسن غريب صحيح ورواه أبو داود والنسائي من حديث عكرمة مرسلا. قال النسائي: وهو أولى بالصواب.
وقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أي: فإعتاق رقبة كاملة من قبل أن يتماسا، فها هنا الرقبة مطلقة غير مقيدة بالإيمان، وفي كفارة القتل مقيدة بالإيمان، فحمل الشافعي، رحمه الله، ما أطلق هاهنا على ما قيد هناك لاتحاد الموجب، وهو عتق الرقبة، واعتضد في ذلك بما رواه عن مالك بسنده، عن معاوية بن الحكم السلمي، في قصة الجارية السوداء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعتقها فإنها مؤمنة». وقد رواه أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا عبد الله بن نمير، عن إسماعيل بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إني تظاهرت من امرأتي ثم وقعت عليها قبل أن أكفر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألم يقل الله {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}» قال: أعجبتني؟ قال: «أمسك حتى تكفر».
ثم قال البزار: لا يروي عن ابن عباس بأحسن من هذا، وإسماعيل بن مسلم تكلم فيه، وروي عنه جماعة كثيرة من أهل العلم، وفيه من الفقه أنه لم يأمره إلا بكفارة واحدة.
وقوله: {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} أي: تزجرون به {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي: خبير بما يصلحكم، عليم بأحوالكم.
وقوله: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} وقد تقدمت الأحاديث الواردة بهذا على الترتيب، كما ثبت في الصحيحين في قصة الذي جامع امرأته في رمضان.
{ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي: شرعنا هذا لهذا.
وقوله: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أي: محارمه فلا تنتهكوها.
وقوله: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: الذين لم يؤمنوا ولا التزموا بأحكام هذه الشريعة، لا تعتقدوا أنهم ناجون من البلاء، كلا ليس الأمر كما زعموا، بل لهم عذاب أليم، أي: في الدنيا والآخرة.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال