سورة التغابن / الآية رقم 18 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ المَصِيرُ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلاغُ المُبِينُ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُواًّ لَّكُمْ فَاحْذَرُوَهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَإِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ العَزِيزُ الحَكِيمُ

التغابنالتغابنالتغابنالتغابنالتغابنالتغابنالتغابنالتغابنالتغابنالتغابنالتغابنالتغابنالتغابنالتغابنالطلاق




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


يقول الحق جلّ جلاله: {يا أيها الذين آمنوا إِنّ مِن أزواجكم وأولادِكم عدواً لكم} يشغلونكم عن طاعة الله تعالى، ويُخاصمونكم في أمور الدنيا، أي: إنَّ من الأزواج أزواجاً يُعادين بعولتهنّ ويخاصمنَهم، ومن الأولاد أولاداً يُعادون آباءهم ويعقّونهم، {فاحذروهم}؛ كونوا على حذر منهم إن شغلوكم عن الله، فالضمير للعدو، فإنه يُطلق على الجمع، كقوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي} [الشعراء: 77]، أو: للأزواج والأولاد جميعاً، فالمأمور به على الأول: الحذر عن الكل، وعلى الثاني: الحذر من البعض، لأنّ منهم مَن ليس بعدو، وإمّا الحذر عن عموم الفريقين، لاشتمالهما على العدو. {وإِن تَعفوا} عن ذنوبهم القابلة للعفو، بأن تكون متعلقة بأمور الدنيا، أو بأمور الدين لكن مع التوبة، أو: تعفوا إذا اطّلعتم منهم على عداوة، {وتصفحوا}؛ تُعرضوا عن التوبيخ، {وتغفروا}؛ تستروا ذنوبهم، {فإِنَّ الله غفور رحيم} يغفر لكم ذنوبكم، ويعاملكم مثل ما عاملتم.
رُوي أنّ ناساً من أهل مكة أرادوا الهجرة، فتعلّق بهم نساؤهم وأولادهم، وقالوا: تنطلقون وتُضيعوننا، فرقُّوا لهم، ووقفوا، فلما هاجروا بعد ذلك، ورأوا الذين سبقوهم قد فَقِهُوا في الدين، وحازوا رئاسةَ التقدُّم، أرادوا أن يُعاقبوا أزواجهم وأولادهم، فرغّبهم في العفو.
{إِنما أموالُكم وأولادُكم فتنةٌ}؛ بلاءٌ ومحنةٌ، يوقعون في الإثم والعقوبة، أو: امتحان واختبار، يختبر بهما عبادَه، هل يصدونهم عن الخير أم لا، فيعرف القويّ في دينه من الضعيف. قال الحسن: أدخل {مِن} للتبعيض في الأزواج والأولاد؛ لأنَّ كلهم ليسوا بأعداء، ولم يذكر {مِن} في فتنة الأموال والأولاد؛ لأنها لا تخلو من فتنة واشتغال قلب بها. كان لابن مسعود بَنون كالبُدور، فقيل له وهم بين يديه: أيسرُّونك؟ فقال: لا، إنما يسرُّني لو نفضت يدي من التراب عند دفنهم، فنفوز بأجورهم، قيل له: إنَّ لك الأجر في تربيتهم، فقال: كل ما يشغل عن الله مشؤوم. اهـ. من اللباب. وعن ابن مسعود: لا يقل أحدكم: اللهم اعصمني من الفتنة؛ إذ لا يخلو منها أحد، ولكن ليقل: اللهم إنني أعوذ بك من مضلاَّت الفتن. قال أبو بريدة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فجاءه الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران، يجرانهما، يعثران، ويقومان، فنزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر، حتى أخذهما، ثم قرأ: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة}... الآية، ثم قال «إني رأيت هذين فلم أصبر» ثم أخذ في خطبته.
{واللهُ عنده أجرٌ عظيم} لمَن آثر محبةَ الله وطاعتَه على محبة الأموال والأولاد، والسعي في تدبير مصالحهم، وليس في الآية ترهيب من مخالطة الأزواج والأولاد، إنما المراد النهي عن الاشتغال بهم عن ذكر الله وطاعته، فإذا تيسّر ذلك معهم فالمخالطة أولى، فَعَن أنس رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله؛ الجلوس مع العيال أحب إليك أم في المسجد؟ قال: «جلوس ساعة مع العيال أحب إليَّ من الاعتكاف في مسجدي هذا، ودرهم تُنفقه على العيال أفضل من أن تنفقه في سبيل الله» انظر السمرقندي.
{فاتقوا اللهَ ما استطعتم} أي: ابذلوا جهدَكم وطاقتكم في تقواه، قال ابن عطية: تقدّم الخلاف هل هذه الآية ناسخة لقوله تعالى: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] أو: مُبيّنة لها، والمعنى: اتقوا الله حق تقاته فيما استطعتم، وهذا هو الصحيح. اهـ. {واسمَعُوا} ما تُوعظون به، {وأطيعوا} فيما تُؤمرون به {وأَنفِقوا} مما رزقناكم في الوجوه التي أُمرتم، فالإنفاق فيها خالصاً لوجهه {خيراً لأنفسِكم} أي: وائتوا خيراً لأنفسكم {ومَن يُوقَ شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون} الفائزون بكل خير.
{إِن تُقرضوا اللهَ} بصرف أموالكم إلى المصارف التي عيّنها {قرضاً حسناً} مقروناً بالإخلاص {يُضاعِفْهُ لكم} بالواحدة عشراً إلى سبعمائة أو أكثر، {ويغفرْ لكم} ببركة الإنفاق ما فرط منكم، {واللهُ شكورٌ} يُعطي الجزيل في مقابلة القليل، {حليمٌ} لا يُعاجِل بالعقوبة، {عالمُ الغيب والشهادة} لا تخفى عليه خافية، {العزيزُ الحكيمُ} مبالغ في القدرة والحكمة. والله تعالى أعلم.
الإشارة: كل ما يشغلك عن السير إلى الحضرة، أو عن الترقِّي في معاريج الوصلة، فهو عدو لك، فاحذره، بالفرار من موافقته والوقوف معه، فكن إبراهيميًّا، حيث رمَى أهلَه وولَده في وادٍ غير ذي زرع، وتركهم في كنف الله وحِفْظِه، فانظر كيف حَفِظَهم غايةَ الحفظ، وتولاهم غاية التولي، وجعل أفئدة الناس تهوي إليهم من كل جانب، وانصبّت عليهم الأرزاق من كل ناحية، فهذه عادته تعالى مع أهل التوكُّل والانقطاع إليه. ومِن الأزواج والأولاد مَن يزيد بالرجل ويُعينه على ربه، فهؤلاء ليسوا بأعداء. قال سهل: مَن دعاك مِن أهلك وولدك للميل للدنيا فهو عدو، ومَن واخاك على القناعة والتوكُّل فليس بعدو. اهـ. قال القشيري: إنَّ من أزواجكم: نفوسكم الأمَارة، وأولادكم: صفاتها ومُناها وأخلاقها الشهوانية، عدوًّا لكم، يمنعكم عن الهجرة إلى مدينة القلب، الذي هو بيت الرب، فاحذروا متابعتَهم بالكلية، وإن تعفوا عن هفواتكم الواقعة في بعض الأوقات، لكونهم مطية لكم، وتصفحوا عن التوبيخ، وتغفروا: تستروا ظلمتهم بنور إيمانكم وشعاع قلوبكم، فإنّ اللهَ غفور سائر لكم بستر لطفه، رحيم بإفاضة رحمته عليكم. اهـ. ببعض المعنى.
إنما أموالكم وأولادكم فتنة اختبار من الحق، ليعلم مَن يقف معها، أو ينفذ عنها، فأهل العناية لم يشغلهم عن الله شيء، فحين توجّهوا إليه كفاهم أمْرَهم، أو: بالغيبة عنها بالخمرة القوية. قال القشيري: أموالكم: أعمالكم المشوبة، وأولادكم: أخلاقكم المكدرة، فكدورة الطبع فتنة توجب افتتانكم بالإعراض عن الحق، والإقبال على الدنيا، وحب الجاه عند الناس، والتفاتهم إليكم بحسن الاعتقاد، والله عنده أجر عظيم بالفناء عن الكل والبقاء بالحق. اهـ.
{فاتقوا الله ما استطعتم} أي: غِيبوا عما سوى الله طاقة جهدكم، وتقدّم أنَّ قوله تعالى: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] خطاب لأهل التجريد، وهذا خطاب لأهل الأسباب، والله تعالى أعلم. وقال ابن عطاء: الاستطاعة على الظواهر والأعمال، وحق تقاته على القلوب والأحوال. اهـ. أي: اتقوا الله حق تقاته بتوجيه القلوب إليه بلا التفات، واتقوا الله ما استطعتم بعمل الجوارح قدر الطاقات. قال القشيري: ما أنتم في الجملة مستطيعين، ويتوجه إليكم التكليف، فاتقوا الله، والتقوى عن شهود التقوى، بعد ألاّ يكونَ تقصيرٌ في التقوى غايةُ التقوى. اهـ. واسمعوا منا بلا واسطة، وأطيعوا فيما نأمركم به مما يُقرب إلينا، وننهاكم عنه مما يُبعد عنا. قال القشيري: أطيعوا بالنفس لأحكام الشريعة، وبالقلب لآداب الطريقة، وبالروح بطلوع الحقيقة. اهـ. وأنفِقوا من أموالكم وعلومكم وأسراركم، على الطالبين والسالكين والواصلين، يكن خيراً لأنفسكم، لأنّ الناس نفس واحدة، فإنفاقك على غيرك إنفاق على نفسك، لانتفاء الغيرية في الأحدية. ومن يُوق شُحَّ نفسه بإنفاقها في مرضاة الله، بأن يُقدمها للمَتالف والمتاعب في طلب الوصول، فأولئك هم المفلحون الظافرون بشهود الحق. قال القشيري: ومَن يُوق شُحَّ نفسه حتى يرتفع عن قلبه الأخطار، ويتحرَّر من رِقِّ المكونات، فأولئك هم المفلحون. اهـ. وعن بعضهم: مَن أنفق بكُرهٍ فهو شح، ومَن أَنفق بطوعٍ فهو الفرض، ومَن عُوفي من بلاء الجمع والمنع، والرغبة والحرص، فقد دخل في ميدان الفلاح. اهـ.
إن تُقرضوا الله بإعطاء وجودكم قرضاً حسناً، من غير اعتبار الغرض والعوض، بالفناء عن شهود القَرْض والحس، يُضاعفه لكم بالوجود الحق، المشتمل على جميع الموجودات الإضافية، ويغفر لكم: يستر عنكم مساوئكم وحسّ وجودكم قبل فنائكم في الله وبقائكم به. والله شكور يقبل مَن توجه إليه بلا شيء، حليم يُغيّب العبد عن شهود مساوئه، بإغراقه في إحسانه. عالم الغيب: بواطن الأرواح، والشهادة: شهادة ظواهر الأشباح، العزيز: المعزّ لأوليائه ومكل مَن انتسب إليه، الحكيم في قسمه المراتب على حسب التوجُّه. وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال