سورة التحريم / الآية رقم 2 / تفسير تفسير ابن عجيبة / أحمد بن علي العجمي / القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
القرآن الكريم
طريقة عرض الآيات
صور
نصوص

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَعْتَذِرُوا اليَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ

التحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريمالتحريم




تلاوة آية تلاوة سورة الشرح الصوتي

التفسير


يقول الحق جلّ جلاله: {يا أيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ ما أحلَّ اللهُ}. في سبب نزول هذه السورة روايتان؛ إحداهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يوماً إلى بيت زوجه حفصة، فوجدها ذهبت لزيارة أبيها، فبعث إلى جاريته مارية، فقال معها في البيت، فجاءت حفصة، فقالت: يا رسول الله؛ أما كان في نسائك أهون مني، أتفعل هذا في بيتي، وعلى فراشي؟ فقال لها عليه الصلاة والسلام: «أيُرضيك أن أُحَرِّمها»؟ فقالت: نعم، فقال: «إني قد حَرّمتها» زاد ابن عباس: وقال مع ذلك: «والله لا أطؤها أبداً»، ثم قال لها: «لاتُخبري بهذا أحداً، وأُبشرك أنَّ أبا بكر وعمر يملكان بعدي أمر أمتي» ثم إنِّ حفصة قرعت الجدار الذي بينها وبين عائشة، وأخبرتها، وكانتا مصادقتين، ولم ترَ في إفشائها حَرَجاً، واستكتمتها، فأوحى الله إلى نبيه بذلك. ورُوي أنه عليه السلام طلَّق حفصة، واعتزل نساءه، فمكث تسعاً وعشرين ليلة في بيت مارية، فنزل جبريلُ، وأمره برَدِّها، وقال له: إنها صوّامة قوّامة، وإنها من نسائك في الجنة، فردَّها.
والرواية الثانية: أنه عليه الصلاة والسلام كان يدخل على زوجه زينب بنت جحش، فتسقيه عسلاً، فاتفقت عائشةُ وحفصة وسودة على أن تقول له مَن دنا منهن: أكلتَ مغافير، وهو ضمغ العُرفُط، وهو حلو كريه الريح، ففعل ذلك، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا، ولكني شربتُ عسلاً»، فقُلن له: جَرَست نحلُه العُرفُط أي: أكلت، ويقال للنحل: جراس، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا أشربه أبداً»، وكان يكره أن توجد منه رائحة كريهة، فدخل بعد ذلك على زينب، فقالت: ألاَ أسقيك من ذلك العسل؟ فقال: «لا حاجة لي به» فنزلت الآية عتاباً له على أن ضيَّق على نفسه تحريم الجارية والعسل. والرواية الأولى أشهر عند المفسرين والثانية خرّجها البخاري في صحيحه.
فإن قلتَ: لِمَ عاتبه اللهُ على هذا التحريم، ولم يعاتب يعقوبَ على تحريم لحوم الإبل على ما ذكر في سورة آل عمران؟ قلتُ: رتبة نبينا عليه الصلاة والسلام أرفع في المحبة والاعتناء، فلم يرضَ منه أن يُضيّق على نفسه، أرأيت إن كان لك ولد تُحبه، ووسعتَ عليه، ثم أراد أن يُضيّق على نفسه، فإنك لا ترضى له ذلك، محبةً فيه، وشفقة عليه. وانظر تفسير ابن عرفة.
قال ابن جزي: ولنتكلم على فقه التحريم: فأمّا تحريم الطعام والمال وسائر الاشياء ما عدا النساء فلا يلزم، ولا شيء عليه فيه عند مالك، وأوجب عليه أبو حنيفة كفارة اليمين، وأمّا تحريم الأَمة فإن نوى به العتق لزم، وإن لم ينو به ذلك لم يلزم، وكان حكمه ما ذكرناه في الطعام، وأمَا تحريم الزوجة، فاختلف الناس فيه على أقوال كثيرة، فقال أبو بكر الصدّيق وعمر بن الخطاب وابن عباس وعائشة وغيرهم: إنما يلزم فيه كفارة يمين. اهـ.
قلت: وظاهره: سواء قال لها: أنتِ حرام، أو حلف بالحرام واحداً أو ثلاثاً، وسواء كان منجّزاً أومعلّقاً، كما إذا قال: كل امرأة تزوجتُها عليكِ فهي حرام، مثلاً، فلا يلزم من ذلك شيء على قول هؤلاء السادات رضي الله عنهم. ثم قال: وقال مالك في المشهور عنه: هي ثلاث تطليقات في المدخول بها وينوي في غيرها، وقال ابن الماجشون: هي ثلاث في الوجهين، ورُوي عن مالك: أنها طلقة بائنة قلتُ: وبهذا جرى العمل اليوم وقيل: رجعية. اهـ.
{تبتغي مَرْضَاتَ أزواجِك}: حال، أو استئناف مُبيّن للحال الداعي، أي: تطلب رضا أزواجك بالتضييق على نفسك، والمراد: رضا حفصة، وهذا يُؤيد أنها نزلت في تحريم الجارية، وأمّا تحريم العسل فلم يقصد به رضا أزواجه، وإنما تركه لرائحته. {واللهُ غفور} أي: غفور لك ما كان تركه أولى من الصدع بالحق من غير مبالاة بأحدٍ، ولا تُضيّق على نفسك، {رحيم} بك، حيث وسّع عليك، ولم يرضَ لك أن تُضيق على نفسك. قال القشيري: ظاهرُ هذا الخطاب عتابٌ على كونه حَرَّمَ على نفسه ما أحلّه اللهُ لمراعاة قلب امرأته، والإشارة فيه: وجوب تقديم حق الله على كل شيء في كل وقت. ثم قال تعالى، عنايةً بأمره: {قد فرض اللهُ لكم تَحِلَّةَ أيمانكم} وتجاوزاً عنه بما كان تركه أولى. اهـ.
والحاصل: أنه تعالى غفر له ميله للسِّوى سهواً، والسهو قهرية الحق تعالى، قهر بها عبادَه ليتميّز ضعف العبودية من قوة الربوبية، وهو ليس بنقصٍ في حق البشر، لكنه لمّا كان في الغالب لا يحصل إلاَّ مع عدم العزم عُدَّ تفريطاً وهفوة، كما قال تعالى في حق آدم: {فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه: 115]، فالمغفرة في الحقيقة، وطلب التوبة من السهو، إنما هو لقلة العزم وعدم الحزم، وحسنات الأبرار سيئات المقربين، ولا تصغ بأذنك إلى ما قاله الزمخشري ومَن تبعه من كون ما فعله عليه السلام زلة، حيث حرّم ما أحلّ الله، فإنه تجاسر على منصب النبوة، وقلة أدب. وقوله تعالى: {ما أحلّ الله لك} زيادة {لك} تَرُدّ ما زعمه الزمخشري، ولو كان كما قال لقال له: لِم تحرم ما أحلّ الله.
ثم قال تعالى: {قد فَرَضَ اللهُ لكم تَحِلَّةَ أَيمانكم} أي: شرع لكم تحليلها، وهو حل ما عقده بالكفَّارة، أو بالاستثناء متصلاً، والأول هو المراد هنا، وهل كفَّر عليه الصلاة والسلام؟ قال مقاتل: أعتق رقبةً، وقال الحسن: لم يُكفِّر؛ لأنه مغفور له. قال بعضهم: هذه التحلة إنما هي لليمين المقرونة بالتحريم، وقال بعضهم: بل هي لنفس التحريم، وبه تمسّك أبو حنيفة في تحريم الحلال، فأوجب كفارةَ اليمين.
{واللهُ مولاكم} أي: سيدكم ومتولي أمورَكم، فلا يُحب ما ضيّق عليكم. قال في الحاشية الفاسية: ومَن تأمّل هذه السورة لاح له منزلةَ حبيب الله عند الله، وحقق معنى قول عائشة: يا رسول الله؛ ما أرى ربك إلاّ يُسارع في هواك الحديث متفق على صحته ه {وهو العليمُ} بما يُصلحكم، فيشرعه لكم، {الحكيمُ} المتقن في أفعاله وأحكامه، فلا يأمركم ولا ينهاكم ألاَّ بما تقتضيه الحكمة البالغة.
الإشارة: هذا العتاب يتوجه لكل مَن سبقت له عند الله عناية وزلفى، إذا ضَيّق على نفسه فيما أحلّ اللهُ له، فلا يرضى منه ذلك، محبةً فيه، وقد صدر مني مثل هذا زمان الوباء، فحلفت لبعض أزواجي: أني لا أتزوج عليها، وسبب ذلك أنها كانت مصارِمة لي، في غاية الغضب والقطيعة، وقد كان غلب على ظني الموت، لِما رأيتُ من الازدحام عليه، فخفتُ أن نموت متقاطعَين، فلمّا حلفتُ لها رأى بعض الفقراء من أصحابنا: أنه يقرأ عليّ أو معي: {يا أيها النبي لِمَ تُحرم...} إلخ السورة، ففهمت الإشارة على أنّ اليمين لا تلزم، والله أعلم، لأنّ بساط اليمين كان غلبة ظن الموت، فلما تخلّف انحل اليمين، كقضية الرجل الذي وجد الزحام على اللحم، فحلف لا يشتري لحماً أبداً، ثم وجد الفراغ، فقال مالك: لا يلزمه شيء. اهـ.
وقال الورتجبي: أدب نبيه عليه الصلاة والسلام ألاَّ يستبد برأيه، ويبتع ما يُوحى إليه. اهـ. وجعل القشيري النبيَّ إشارة إلى القلب، أي: يا أيها القلب المتوجِّه لِمَ تُحرم ما أحلّ الله من حلاوة الشهود، تبتغي مرضاة نفسك وحظوظها، فتتبع هواها، وتترخّص في مباحات الشريعة، وهي تحجب عن أسرار الحقيقة، أو: لِمَ تُحرِّم ما أحلّ الله من الاستغراق في سُكر بحر الحقيقة، تبتغي مرضاة بقاء نفسك، والشعور بوجودها. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «لي وقت لا يَسعني فيه غير ربي» وكان يقول لعائشة حين يغلب عليه السُكْر والاضمحلال في الحق: «كلميني حركيني يا حميراء» وكذلك القلب إذا غلب عليه الوجد، وخاف من الاصطلام، أو مِن مَحق البشرية، يطلب مَن يبرد عليه مِن نفسه أو مِن غيره، وقد سَمِعْتُ مِن شيخ شيخنا رضي الله عنه أنه قال: كان يغلب عَلَيَّ الوجد والسكر، فكنت أذهبُ إلى مجالسة العوام ليبُرد عليّ الحال، خوفاً من الاصطلام أو المحق، وذلك بعد وفاة شيخه.
وقوله تعالى: {والله غفور رحيم} أي: فلا يؤاخذ العبدَ بهذا الميل اليسير إلى الحس، دواء لنفسه، قد فرض اللهُ لكم تحلةَ أيمانكم، أي: الميل اليسير إلى الرفق بالنفس؛ لأنها مطية القلب، بمجاهدتها يصل إلى كعبة الوصول، وهي حضرة الرب. وبالله التوفيق.




البحث


كلمات متتالية كلمات متفرقة




موضوعات القرآن
  • الإيمان
  • العلم
  • العبادات
  • أحكام الأسرة
  • المعاملات
  • الحدود والجنايات
  • الجهاد
  • الأطعمة والأشربة
  • أحكام الجنائز
  • الأخلاق
  • تكريم الله للإنسان
  • القصص والتاريخ
  • الأمثال